مسؤولية الشركات والعدالة في سوريا
دائرة القضاء في إمارة أبو ظبي- الإمارات العربية المتحدة
عند مناقشة خيارات المساءلة لسوريا، لطالما ركّز المجتمع الدولي عموماً على المحاكمات الجنائية في المحاكم الدولية أو محاكم الدول الغربية. ومن المؤكد أن هذه السلطات القضائية تعبّر بطريقة قوية عن آمالها للمساءلة، وقد أثبتت الإدانة الأخيرة في السويد لأحد المقاتلين السابقين في الجيش السوري الحر أن بعض تلك السلطات جادّة في السعي للملاحقة القضائية. لكن هناك منابر بديلة لمقاضاة منتهكي حقوق الإنسان في الصراع السوري. ونسوق على ذلك مثال الإمارات العربية المتحدة التي تحرز تقدماً، دون كثير من الجلبة، في محاكمة رجل يُزعَم بأنه قد يسّر معاملات وتبادلات تجارية لإرسال “معدات ذات طابع عسكري” إلى سوريا، منتهكاً بذلك الأنظمة المعمول بها في الإمارات العربية المتحدة.
وعلى الرغم من أن التفاصيل العلنية حول هذه الصفقة لا تزال شحيحة، إلا أنه من المعروف أنه كان في نية المتّهم أن تذهب المعدات إلى مركز أبحاث تسيطر عليه الحكومة السورية. حيث حاول المتّهم أولاً شحن المعدات من الولايات المتحدة، غير أن السلطات الإماراتية كشفته ووجهت له تحذيراً. وهذا لم يمنع المتّهم من إتمام الشحن، ولكن من الصين هذه المرة. ومن أجل تجنّب اكتشاف أمره، قام المتّهم بتزوير أختام ووثائق إماراتية رسمية، وهذه جريمة قد اعترف بها بالفعل.
ونجد بأن المعاملات والتبادلات التجارية التي تساعد الأنظمة القمعية قد تم معاقبتها في الماضي— كما هو الحال في قضية رجل الأعمال الهولندي فرانس فان آنرات، الذي أدين ببيع مواد تُستخدم في إنتاج أسلحة كيميائية لصدام حسين— ولكن من المعروف أن مثل هذه الحالات يصعب إثباتها. واليوم في فرنسا، هناك تحقيق جنائي مع شركة البرمجيات الفرنسية (Qosmos SA) بسبب مزاعم تواطؤها في انتهاكات حقوق الإنسان لأن معدات المراقبة التي تنتجها قد استُخدِمت من قبل الحكومة السورية. حيث تزعم الشكوى المقدمة من “قبل الاتحاد الدولي لمنظمات حقوق الإنسان (FIDH)” بأن المعدات أتاحت لمسؤولين سوريين رصد واعتقال وبعد ذلك تعذيب نشطاء سوريين. وقد قدّم الاتحاد الدولي لمنظمات حقوق الإنسان الشكوى في عام 2012، إلا أن التحقيقات الجنائية لم تبدأ حتى شهر نيسان/أبريل من عام 2014. وإذا ما أدت التحقيقات إلى محاكمة، سيحتاج المدعي العام إلى أن يثبت بأن شركة البرمجيات الفرنسية (Qosmos SA) كانت على علم بأن المعدات ستُستخدم من قبل الحكومة السورية لأغراض القمع، وهذا من الصعوبة بمكان أن يحدث على الأرجح.
ورداً على القلق المتزايد حول ما إذا كانت الممارسات التجارية تُظهر وجود قدر أساسي من الاحترام لحقوق الإنسان، فقد أقرّت الأمم المتحدة “المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان (UNGP)” في عام 2011. وعلى الرغم من أن هذه المبادئ غير ملزمة إلا أنها تضع معياراً يمنع الأعمال التجارية من إنكار معرفتها حينما تقع التكنولوجيات التي تطورها في أيدي حكومات قمعية. ولكن، أمام هذا الموضوع شوط طويل قبل أن تغدو المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان رادعاً فعالاً ضد شركات مثل (Qosmos SA).
وتحاول الحكومات أيضاً معرفة كيفية فرض مسؤولية الشركات. وكان أحد الحلول هو الرقابة والضوابط على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج التي يُحتمل استخدامها لأغراض مدنية وعسكرية على حدٍ سواء. وفي العديد من الدول، توجد قواعد ولوائح ناظمة للتجارة لأسباب قد لا تكون ذات صلة بحقوق الإنسان، ولكن يُحتمل استخدامها لأغراض إنفاذ حقوق الإنسان ويمكن أن تكون كذلك أداة رصد قيّمة. ونسوق على ذلك مثال قضية الإمارات العربية المتحدة حيث تم القبض على المتّهم بعد تزوير وثائق في محاولة لتجاوز الرقابة على الصادرات. وإن هذه الآليات، إذا ما توسعت دائرة تغطيتها لتشمل تكنولوجيا المراقبة وإذا ما تم تنفيذها من قبل عدة أطراف، يمكن أن تساعد في منع الحكومات القمعية من ارتكاب انتهاكات من خلال تقييد وصولها إلى الأدوات التي تستخدمها للقمع، وفي الوقت نفسه تزيد من مساءلة الشركات التي تساعد بشكل غير مباشر في القمع.
إذا تمكّن السوريون من الحصول على مزيد من المعلومات حول الإجراءات، فقد يساهم ذلك في وجود شعور بالمساءلة وزيادة فهم الدور الذي تلعبه القواعد واللوائح الناظمة للتجارة فيما يتعلق بالنزاع السوري. وتستطيع دول أخرى أيضاً أن تحذو حذو الإمارات العربية المتحدة بدعم المحاكمات الجنائية ضمن سلطتها القضائية، شريطة أن تنفِّذ إجراءات التقاضي السليمة لضمان المصداقية والإنصاف. وعلى صعيد مشابه، تستطيع الحكومات أن تزيد من تدقيق وتمحيص الصادرات ذات الاستخدام المزدوج لردع شركاتها المحلية من إجراء معاملات تجارية مع أنظمة قمعية.
يدعم المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC) نظرة أوسع للمساءلة لتشمل عدداً أكبر من السلطات القضائية ومجموعة متنوعة من الآليات لردع الانتهاكات. وعلى الرغم من الطبيعة الممتدة للصراع، إلا أنه بالإمكان اتّخاذ هذه الخطوات الآن لدعم العدالة والمساءلة في سوريا.
لمزيد من المعلومات ولتقديم الملاحظات يرجى مراسلة المركز على البريد الالكتروني [email protected] ترقّبوا التقرير القادم للمركز السوري للعدالة والمساءلة الذي أجري بالتعاون مع مارك لاتيمر من “مركز وقف إطلاق النار للحقوق المدنية” والذي يستكشف الجدوى والآثار المترتّبة على مجموعة متنوعة من آليات المساءلة الدولية والمختلطة لسوريا.