الإفراج الأخير عن السجناء يفشل في بناء الثقة في أوساط السوريين
في أواخر شهر آذار/مارس، ساعدت الحكومة الروسية بالإفراج عن قرابة 700 من السجناء الذين يحتجزهم نظام الأسد. وفي الوقت الذي أشاد فيه وزير الخارجي الروسي بالقرار واصفاً إياه بأنه إجراء لبناء الثقة يُقصد منه إظهار استعداد الأسد للبدء في التفاوض على حل سياسي، إلا أن الطبيعة الاعتباطية لإطلاق سراح السجناء أظهرت مخاوف كبيرة تتعلق بسيادة القانون وبظروف الاعتقال في سوريا. ففي المقام الأول، افتقر إطلاق سراح السجناء إلى الشفافية وأغفل المعلومات المتعلّقة بالتهم الموجهة للمعتقلين والتفاصيل حول الصيغة القانونية للعفو عنهم. وبدلاً من ذلك، تم استغلال السجناء في ألاعيب سياسية من قبل الأسد لحشد الدعم الدولي، في الوقت الذي يتم فيه تجاهل المشاكل العديدة التي تقضّ مضاجع السوريين، لاسيما السجناء السياسيين الذين يبلغ عددهم 60,900 والذين ما يزالون يقبعون رهن الاعتقال لدى الحكومة في ظلّ ظروف غير إنسانية.
وبموجب القانون السوري، يمكن بالإفراج عن السجناء إما من خلال عفو عام وهو إجراء يتم عبر مجلس الشعب (البرلمان) أو مرسوم تشريعي رئاسي، أو عبر عفو خاص يصدره رئيس الجمهورية. وفي كلتا الحالتين، ينبغي الكشف عن المعلومات المتعلّقة بهذا القرار. ولكن في هذه الحالة، لم يتم اتّباع هذا الإجراء، ونتيجة لذلك، ينظر السوريون على جانبي النزاع إلى قرار النظام بعين الريبة والتشكيك.
بالنسبة لأنصار النظام، فقد رأوا أن قرار الإفراج عن السجناء غير مبرّر نظراً لفشل الحكومة في تقديم الأسباب الكامنة وراء اعتبار أن هؤلاء السجناء لم يعودوا يشكّلون تهديداً للمجتمع. وأما بالنسبة لمعارضي النظام، فيبدو أن هناك نذراً يسيراً من التبرير للإفراج عن هؤلاء السجناء في الوقت الذي لا يزال فيه العديد من نشطاء حقوق الإنسان البارزين رهن الاعتقال، مما يؤدي إلى تكهنات بأن السجناء المفرج عنهم لم يكونوا أكثر من مجرّد صغار المجرمين.
تعليق لمحامي حقوق الإنسان ميشال شماس حول الإفراج عن المعتقلين
كما تلقي الأعمال العسكرية التي جاءت بُعيد إطلاق سراح السجناء بظلالها أيضاً على صدق الحكومة. فقبل الانسحاب من إدلب في أعقاب تقدّم الثوار، أقدم مسؤولو الاستخبارات العسكرية بشكل تعسّفي على إعدام ما لا يقل عن 15 سجيناً كانوا محتجزين في معتقل إدلب. وكانت هذه الإعدامات بمثابة انتهاكات جسمية للقانون الجنائي الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومؤشر على أنه ليس في نية النظام أن يسعى بصدق لتحقيق المصالحة.
من حيث المبدأ، يرحّب المركز السوري للعدالة والمساءلة بالإفراج عن السجناء باعتباره مكوّناً مهماً لعملية العدالة الانتقالية، ولكنّه ينبّه إلى أن هذه القرارات يجب أن تكون شفافة وليست اعتباطية. ففي أيرلندا الشمالية على سبيل المثال، وحيث كان الإفراج عن السجناء محورياً في عملية السلام، نصّ “اتفاق الجمعة العظيمة” على مبادئ توجيهية محددة حول الأفراد المؤهلين للإفراج عنهم بالإضافة إلى مبررات وشروط الإفراج. وأوضحت الأحكام لأفراد المجتمع ما الذي يمكن أن يتوقعوه، وهذا مكوّن أساسي لضمان قبول المواطنين لعملية المصالحة. وما لم يتم اتّباع بروتوكولات مماثلة للإفراج عن السجناء في المستقبل في سوريا، ستبقى هذه الإجراءات مَحطّ سخرية من قبل الغالبية العظمى من السوريين وستفشل في تلبية حاجة سوريا إلى عمليات عدالة شفافة وذات ضوابط.
وفي المقابل، على النظام السوري أن يتعامل مع مخاوف حقوق الإنسان المستمرة إزاء الاعتقالات، بما في ذلك وضع عشرات الآلاف الذين لم يُفرَج عنهم. وعلى النظام تقديم المعتقلين الذين لا يزالون ينتظرون المحاكمة إلى القضاء على وجه السرعة، وأن يفرج عن جميع السجناء المعتقلين دون تهم، بالإضافة إلى السجناء الذين أنهوا مدة عقوبتهم.
وتقتضي المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان أيضاً بأن يتيح النظام للملئ المعلومات المتعلّقة بعدد المعتقلين ووضعهم، وأن يسمح للأسر والمحامين وجماعات الرصد والمراقبة الدولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة المعتقلين ومراقبة أوضاع السجون.
وأخيراً، يُعتبر بناء الثقة ضرباً من الخيال طالما أن نظام الأسد يرفض الرد رسمياً على مزاعم التعذيب، كتلك الموثّقة بشكل جلي في تقرير قيصر، ويرفض ذكر تفاصيل حول مزاعم الحكومة محاكمة المسؤولين المتّهمين بارتكاب التعذيب.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم الملاحظات والآراء، يرجى الاتصال مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].