1 min read

تقييم مزاعم الأسد حيال تدابير المساءلة التي اتخذها النظام

الأسد في دمشق خلال المقابلة مع مجلة فورين أفيرز الأميركية- يناير/كانون الثاني 2015- مكتب الإعلام والإتصالات الرئاسي

في مقابلة مع مجلة فورين أفيرز الأميركية تزامنت مع إنطلاق حوار موسكو في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، ناقش بشار الأسد عدة نقاط تتعلق بالعدالة الانتقالية والمساءلة في سوريا. وتحدث الأسد عن حرص سورية على تعزيز حقوق الإنسان، غير أنه لم يقدم سوى إجابات غامضة ومراوغة عند مواجهته بالانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي ترتكبها القوات الحكومية. أبرزت المقابلة استمرار الانفصال بين رواية الأسد للنزاع السوري وبين واقع الحقائق على الأرض.

وفي معرض رد الأسد على سؤال حول ما إذا كانت الحكومة السورية قد حاسبت مسؤولين في النظام عن انتهاكات حقوق الإنسان، أشار الأسد فقط إلى أن بعض المسؤولين من ذوي الرتب الدنيا “اعتقلوا لأنهم خرقوا القانون في هذا الصدد، وهذا يحدث بالطبع في مثل هذه الظروف”. غير أن الحكومة السورية لم تنشر أي تفاصيل حول معاقبة هؤلاء المسؤولين، أو حول الجرائم التي عوقبوا بشأنها، أوحول آلية الإدانة لأولئك الذين شاركوا في انتهاكات حقوق الإنسان بأي وقت من الأوقات خلال النزاع الذي ينهي عامه الرابع.

تنحو آليات المساءلة عموماً إلى تمكين الضحايا من محاسبة المعتدين عليهم وتحميلهم مسؤولة الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان بشكل عام.  ويتعارض زعم الأسد، حتى لو كان صحيحاً، مع ماهية فكرة المساءلة، إذ يقف المراقبون عاجزين عن تأكيد أو نفي بشكل قطعي تدابير المساءلة الحكومية التي أشار لها الأسد. ويقدم كلام الأسد مثالاً آخر بأنه يحاول أن يظهر نفسه بمظهر المدافع القوي عن حقوق الإنسان على الرغم من وجود أدلة كثيرة على عكس ذلك. ولا يؤدي فشل المجتمع الدولي في تحدي نفاق الأسد بشأن تدابير المساءلة إلا إلى تشجع النظام لمواصلة الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان.

في ذات المقابلة، ينفي الأسد أن انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة على نطاق واسع- مثل تلك الإنتهاكات الموثقة بالتفصيل والتي صدرت مراراً وتكراراً في سلسلة من التقارير ينشرها مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة- قد وقعت لأنها “مجرد إدعاءات” لم يتم التحقق منها من قبل لجان تقصي حقائق مستقلة أو في محكمة محلية. لو كان الأسد مهتماً بآليات المساءلة والحقيقة فعلاً، لكان قد أصدر الأوامر المناسبة كالشروع بالتحقيقات والملاحقات القضائية العامة لمسؤولي النظام الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان. ويبدو من غير المرجح أن يقوم الأسد بذلك، إذ أن معظم التوثيق المحلي والدولي قد كشف عن وجود أنماط ممنهجة من الإنتهاكات على نطاق لم يسبق له مثيل تقريباً.

تشمل المساءلة عن الانتهاكات التزاماً لمعاقبة منتهكي حقوق الإنسان بشفافية وعلنية، تسعى بدورها لردع انتهاكات مماثلة ومنعها من الحصول مرة أخرى. لا يقدم كلام الأسد عن آليات المساءلة للمسؤولين الحكوميين، فضلا عن إنكاره القاطع للتوثيق المفصل لطبيعة جرائم النظام، أي مساعدة في دفع عملية العدالة الانتقالية في سوريا، أو جعل المرتكبين يفكرون بما قد تجنيه عليهم إنتهاكاتهم.

يرى المركز السوري للعدالة والمساءلة أن المساءلة والعدالة لا يمكن أن تقتصر على عدد قليل من المسؤولين الحكوميين من ذوي الرتب الدنيا، ربما لم يعاقبوا على الإطلاق، بل لأولئك المسؤولين عن الانتهاكات على أعلى المستويات، ومن جميع أطراف النزاع. حالياً، يعمل الأفراد والأجهزة التي تسمح، وفي كثير من الحالات تأمر، بالتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان دون قيود أو خوف من العقاب. لذا، يعد الإصلاح المؤسسي الذي يؤدي إلى وضع تدابير المساءلة الحقيقية، بما في ذلك الأطر القانونية لملاحقة المنتهكين، إضافة إلى لجان لمراقبة البيئات التي تحدث فيها الإنتهاكات، عنصراً رئيسياً في عملية العدالة الانتقالية في سوريا. يجب أن  تبدأ هذه الآليات في أقرب وقت ممكن، ويفضل أن تصدر عن المجتمع المدني المحلي، ولكن بدعم ومبادرة من المجتمع الدولي في حال إستمرار نظام الأسد بمنع حصولها.