العريس المختطف
المصدر: حامد سليمان
يعمل المركز السوري للعدالة والمساءلة على جمع بيانات وتوثيق حالات من مصادر مختلفة تخص عمليات اعتقال وخطف لمواطنين سوريين.
ضمن هذا السياق، يهتم المركز بتسليط الضوء على بعض هذه الحالات كنماذج وقعت في إطار عمل حكومي أو من قبل المجموعات المسلحة. وذلك في محاولة لتقديم صورة واضحة للقراء عن عمل المركز في هذا الإطار، كما لتشجيع الضحايا في المقام الأول على الإدلاء بشهاداتهم وعرض حالات أخرى، لما لذلك من أهمية في أي عملية مستقبلية للعدالة والمساءلة في سوريا.هذه مقتطفات من شهادة أحد ضحايا الاختطاف م.ع، من مواليد 1989 يعمل في مهنة الخياطة.
يقول عن ظروف اختطافه:
“كنت اتفقت مع خطيبتي على الذهاب إلى دمشق لنتزوج ونعود سوياً إلى شمال سوريا. وكنت في طريقي إلى هناك حين ضلت حافلتنا العامة الطريق إلى معربا في ريف دمشق ودخلت إلى حرستا المجاورة. فبدأت حواجز القوات الحكومية هناك تطلق النار في الهواء للتوقف الحافلة. وقام عندها الجنود الحكوميون بإنزالنا وإيقافنا بالشارع وتحركوا بطريقة توحي بأنهم سيطلقون النار علينا حالاً.”
يتابع م.ع سارداً التفصيل الذي اجتهد به في محاولة لإنقاذ نفسه، وكان وبالاً مضاعفاً عليه:
“كنت أظن أن من أوقفنا هم مسلحين من المعارضة وأن ما يحصل هو التباس ما، وبدأت أصرخ بهم محاولاً التوضيح: أنا لدي أخوة مثلكم في الجيش الحر في كتائب الفاروق!
جن جنون الجنود جميعاً بعد قولي هذا وقادوني إلى غرفة منفصلة وهم يصرخون في جهازهم اللاسلكي طالبين التحدث مع فرع المخابرات الجوية. ثم انهالوا علي بالضرب بالعصي الخشبية الغليظة لمدة طويلة”
عن مكان اعتقاله يقول م ع:
“أخذوني إلى فرع المخابرات الجوية، وكنت معصوب العينين حينها ولكني أسمع أحاديثهم. وأدخلوني هناك إلى غرفة لا تزيد مساحتها عن متر مربع واحد.
كان العطش قد أصابني بشدة، وبدأت بطلب الماء بإلحاح ولكن أحداً لم يجبني. وعندما بدأت أطرق الباب بشدة طالباً الماء، قيدوني من يدي وقدمي وأدخلوني غرفة كان فيها أنبوب ينسكب منه الماء واقتربت منه زاحفاً لأشرب فصعقني تيار كهربائي في فمي عندما ملامسة الماء المنسكب من الأنبوب. سألني أحدهم عندها إن كنت أريد المزيد من الماء. فقلت له أني عدلت عن الفكرة تماماً.”
عن التحقيق في فرع المخابرات الجوية يقول م.ع:
“كان المحقق يسألني عن سبب قدومي لدمشق، فأجيب ببداهة أنني قادم للزواج. فيعاد زجي في غرفة لا تزيد مساحتها عن متر مربع واحد أتشاركه مع ثلاثة معتقلين آخرين. ثم يخرجوني بعد عدة ساعات إلى غرفة التعذيب حيث يتم وضعي مطوياً داخل إطار سيارة مطاطي وتعليقي بالسقف ثم يبدأون بضربي بالعصي وصعقي بالكهرباء. كنت أصرخ مستغيثاً بالله، فيقول أحدهم للآخر: هات عصا الله. ويتابع الضرب بها.
استمرت الحال هذه لمدة تزيد عن الشهر والنصف. نقلوني بعدها إلى غرفة مساحتها حوالي تسعة أمتار مربعة، لأشارك فيها حوالي 70 معتقلاً آخر. وكنت قد تعرفت على العدد من خلال عدد وجبات الطعام الشخصية التي تدخل الغرفة.
كان التعذيب شبه يومي وبأوقات ثابتة، يبدأ حوالي الرابعة عصراً ويستمر حتى منتصف الليل وفي بعض الحالات حتى الصباح. ومن الأدوات المستخدمة في التعذيب بساط الريح واستخدام الصعق بالكهرباء في وضعيات عديدة وأماكن مختلفة من الجسم”.
عن مشاهداته في تلك الفترة يقول م.ع:
“شهدت بعيني العديد من الوفيات تحت التعذيب. آخرون كانوا يموتون داخل غرفة اعتقالنا بسبب الجوع وقلة الطعام. في إحدى المرات قام عدد العناصر المسلحة في الفرع بإخراجي برفقة ثلاثة أشخاص آخرين. كنا مقيدين ببعضنا بواسطة سلاسل في أقدامنا بحيث لا يستطيع أحدنا الهرب بمفرده. وطلبوا منا أن نحفر في مكان قريب. وبينما نحن نقوم بالحفر بدأت بعض بقايا الجثث تظهر تحت الأرض. شاهدت يداً كاملة وأنا أحفر وكان هناك بقايا جثث أخرى.
كنا نبدأ بالحفر عند منتصف الليل ونتوقف عند السادسة صباحاً. ثم يصحبونا لنضع بصمتنا على ورقة بيضاء ويعيدوننا إلى غرفة الاعتقال من جديد.
وفي إحدى الليالي كان يبدو أن هناك هجوم مسلح للمعارضة على فرع المخابرات الجوية في حرستا. فقام عناصر الفرع بوضعي مع معتقلين آخرين قبالة الفرع لاستخدامنا كدرع بشري. فتوقف حينها إطلاق النار من الطرف الآخر إلا أن عناصر الفرع قاموا بإطلاق النار علينا مباشرة وقتل ستة معتقلين منا”.
يقول م.ع أنه لم يكن يدرك تماماً مدة اختطافه عند إخراجه من فرع المخابرات الجوية في حرستا. تم نقله بعد ذلك إلى سجن المزة وبقي هناك ثلاثة أيام دون أن يتوجه إليه أحد من المحققين بأي سؤال. ثم تم نقله إلى الشرطة العسكرية ومكث أسبوعاً هناك. وفي نهاية المطاف إلى القصر العدلي: “في قصر العدل بدمشق قضى أحد القضاة بأنني إرهابي. ولم أكن قد التقيت بهذا القاضي مطلقاً”.
تم الإفراج عن م.ع بعد ثلاثة اشهر من تحويله إلى سجن عدرا. ليكون قد قضى حوالي الأحد عشر شهراً بين يوم عرسه ويوم الافراج عنه.