أن تشارك في التشييع أو تعتقل
يعمل المركز السوري للعدالة والمساءلة على جمع بيانات وتوثيق حالات من مصادر مختلفة تخص عمليات اعتقال وخطف لمواطنين سوريين.
ضمن هذا السياق، يهتم المركز بتسليط الضوء على بعض هذه الحالات كنماذج وقعت في إطار عمل حكومي أو من قبل المجموعات المسلحة. وذلك في محاولة لتقديم صورة واضحة للقراء عن عمل المركز في هذا الإطار، كما لتشجيع الضحايا في المقام الأول على الإدلاء بشهاداتهم وعرض حالات أخرى، لما لذلك من أهمية في أي عملية مستقبلية للعدالة والمساءلة في سوريا.
هذه الشهادة لمدرس متقاعد، تجاوز السبعين من عمره. كانت هذه تجربة اعتقاله الثالث.
“أثناء عودتي من الإمارات العربية المتحدة، ولما كنت على طاولة مراقبة جوازات السفر في مطار دمشق الدولي أخبرني موظف الجوازات بأنهم مضطرين إلى استبقائي عندهم باعتباري مطلوب أمنياً. كنت غادرت سوريا متوجها إلى الإمارات قبل ذلك التاريخ بخمس وأربعين يوماً، ولم يكن هناك أي إشارة إلى أنني مطلوب.
شرح طريقة التعذيب, صورة تخيلية صورة من مركز توثيق الانتهاكات في سوريا
“أنا مدرس متقاعد تجاوزت السبعين بقليل، هذه هي تجربة الاعتقال الثالثة لي. كنت قد اعتقلت في ثمانينات القرن الماضي، واعتقلت في فرع الأمن السياسي في العام الماضي. ثم اعتقلت منذ شهرين مجدداً في أحد فروع أمن الدولة في دمشق.
“أودعوني في غرفة فيها بعض المقاعد المحطمة. الغرفة مغلقة من الخارج، ويسمونها نظارة المطار. أبقوا جميع أوراقي الثبوتية وهاتفي النقال معهم، بعد ساعتين تقريبا دخل علي ضابط برتبة رائد في شرطة الهجرة والجوازات وأخبرني أني مطلوب لفرع أمن الدولة في مدينتي، وهم مضطرين لترحيلي إلى الإدارة العامة للمخابرات في دمشق ومن هناك يجري ترحيلي مجدداً إلى الفرع الذي طلبني. الضابط الذي بدا لطيفاً، أبدى جهله التام لسبب الاستدعاء الذي لم يكن موجوداً قبل شهر!
“عند منتصف النهار سلمني شرطة الهجرة والجوازات إلى دورية المخابرات الجوية المسؤولة على ما يبدو عن أمن المطار، هؤلاء اصطحبوني بواسطة باص صغير إلى مكان لا أعلمه، فقد طلبوا مني في الأثناء الإنحناء وأغلقوا ستائر النوافذ. استطعت تبين مسار الباص لحظة مغادرته للمتحلق الجنوبي باتجاه دوار كفر سوسة. في مكان ما انزلوني من الباص، وسلموني إلى عناصر أمن محرس باب لأحد الفروع الأمنية. هؤلاء أبقوني عندهم جاثياً على الرصيف ووجهي للحائط حتى قدمت سيارة أخذتني إلى مبنى الفرع برحلة استغرقت حوالي 5 دقائق. نزلت من السيارة محاطاً بالعناصر الأمنية الذين أمروني بعدم النظر إلى أي شيء والسير فقط للأمام. على جانبي باب الفرع كان قد اصطف مجموعة أخرى من العناصر تناوبوا على صفعي ولكمي ورفسي حتى دخلت، تمت اجراءات التفتيش واستلام الأمانات مرافقة ببضعة صفعات وشتائم من جميع ما يمكن للمخيلة ابداعه.
“رافقني بعدها السجانون إلى زنزانة طولها حوالي مترين وعرضها متر واحد. الاجراء الوحيد الذي طلب مني هو الجلوس متربعاً في الزنزانة ووجهي إلى الجدار الداخلي. كان هناك صف طويل من الزنزانات لم استطع حصره وكان رقم منفردتي 6. الروتين كان واضحاً، كل يوم من السابعة صباحاً حتى الساعة 11 ليلا يفتح باب المنفردة ليجلس المعتقل متربعاً ووجهه للجدار الداخلي. خلا هذه الساعات الـ 16 لم يكن مسموحاً التململ، أو أن تلامس الركبتان أو أي جزء من الجسد الجدران المحيطة. كنّا عراة ونرتدي فقط السراويل الداخلية، الكلام كان ممنوعاً تماماً. السجانون يمرون بين المنفردات طوال الوقت. من يرتكب أي مخالفة لوضعية الجلوس يتم المعاقبة عليها فوراً بالضرب بواسطة الكبل الكهربائي أو انبوب تمديدات المياه البلاستيكي الذي يحمله السجان. تتم مخاطبة المعتقلين دائما بالشتائم البذيئة. السجان يخاطب بكلمة ‘معلم’. الطعام يقدم 3 مرت يومياً وحصة المعتقل رغيفين من الخبز كل يوم. وضعوا لي دواء مرض الربو الذي اعاني منه أمام المنفردة، كنت أطلب من السجان الذي يمر بالمنفردات الدواء، أما أن يعطيني إياه من عدمه فهي تابعة لمزاجه وارادته، مرة منعوا عني الدواء لمدة 3 أيام فسقطت وقد أغمي علي.
“في اليوم السادس استدعوني للتحقيق، استمرت العملية حوالي 6 ساعات تخللها الضرب بالكبل الرباعي على الظهر والقدمين، وجميع أنواع الشتائم. هددوني بالاغتصاب، وأن يشيعوا عني في بلدتي أني تعرضت للاغتصاب بعد أن تجاوزت السبعين. لم يكن هناك تهم لديهم، سألوني عن اعتقالاتي السابقة، وبضعة أمور شخصية، ضربوني وزادوا جرعة الشتائم لدى اعترافي أني شاركت في الاعتصام أمام القصر العدلي عام 2005! وأخيراً أراد المحقق أن ينهي المعاناة فأخبرني أن تهمتي هي ‘عدم المشاركة في تشييع قتلى النظام في بلدتي’!
“أمضيت في المعتقل ثلاثة أسابيع وأطلق سراحي دون التحويل إلى المحكمة، أعاني من تفاقم في حالة الربو، والتهاب داخلي في قدمي اليمنى يمنعني من السير. وحتى هذه اللحظة لم أعرف بأي فرع كنت معتقلاً!”