1 min read
لماذا يمكن لعمليات استخراج الجثث أن تنتظر في سوريا

لماذا يمكن لعمليات استخراج الجثث أن تنتظر في سوريا

في أعقاب معركة تحرير الرقة من سيطرة داعش، بدأ السكان المحليون في تحديد مواقع المقابر الجماعية في جميع أنحاء المدينة. حيث طالب القادة المحليون الذين يتطلعون إلى تجاوز حقبة سيطرة داعش، وكذلك العائلات التي هي في أمسّ الحاجة إلى معرفة ما إذا كان أحباؤهم المفقودون داخل هذه المقابر، بإخراج الجثث على الفور. وهذه المطالب أمر متفهم تماماً. فهناك حاجة ملحّة للتحقيق في هذه المواقع ووضع خاتمة لأحزان العائلات التي تنتظر سماع مصير أحبائها. غير أن استخراج الجثث فوراً ليس هو أفضل طريقة لتحقيق هذا الهدف. فإذا فتح المحققون قبوراً دون إدراك عمّن يبحثون، فلن يتم تحديد هوية الرفات. لهذا السبب يجب على المحققين التركيز أولاً على التحقيقات السياقية، وجمع التوثيق حول السياق الأكبر لكل قبر والجرائم ذات الصلة، من أجل بناء فرضيات بشأن الضحايا المحتملين داخل تلك القبور. ويسمح هذا الفهم السياقي لخبراء الطب الشرعي بفتح القبور بهدف واضح ويزيد من احتمالات التعرف على هوية الضحايا.

إن فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري (SMFT) الذي أعيد إطلاقه حديثاً مكرس للتحقيق في مصير الأشخاص المفقودين في الرقة وحولها، من خلال وسائل تتضمن تحقيقات الطب الشرعي في المقابر الجماعية. وبالتعاون الوثيق مع الفريق الأرجنتيني لأنثروبولوجيا الطب الشرعي (EAAF) والمركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC)، قرّر الفريق وقف استخراج الجثث من قبور جديدة في شباط/فبراير2021. وإن المقابر الوحيدة التي يقوم فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري باستخراج الجثث منها في الوقت الحالي هي تلك التي تعرقل أعمال إعادة الإعمار الحرجة أو التي يكون فيها الرفات معرضاً لخطر مُحدِق. وبدلاً من ذلك، يحوّل الفريق تركيزه إلى الحفاظ على القبور وإجراء التحقيقات السياقية اللازمة لدعم عملية تحديد الهوية. وتحتاج المجتمعات المحلية والعائلات وصانعو السياسات إلى فهم هذا الخيار لإيقاف عمليات استخراج الجثث بشكل مؤقت وفهم لماذا يُعد ذلك أمراً بالغ الأهمية للتعرف على الهوية في المستقبل.

كيف تدعم التحقيقات السياقية عملية التعرف على الهوية؟

يمتلك علماء الآثار الشرعيون وعلماء الأنثروبولوجيا مجموعة متنوعة من المهارات المتاحة لهم من أجل دعم عملية تحديد هوية الرفات البشري من خلال طرق تشمل تحديد الجنس وتقدير العمر وتحليل الحمض النووي. وتم تطوير العديد من هذه المهارات لأول مرة للتحقيقات في “عالم مغلق لتحديد الهوية”. ويعني هذا أن هوية الأفراد في مقبرة معينة معروفة، وإن مهمة فريق الطب الشرعي هي تحديد هذه الهويات بشكل صحيح لرفات كل فرد، حتى تتاح إعادتهم إلى عائلاتهم. وقد يكون هذا هو الحال، على سبيل المثال، في حالة حصول قتل خارج نطاق القضاء حيث كان الشاهد حاضراً وقادراً على التعرف على جميع الضحايا. في مثل هذه الحالات، يقارن المحققون الملامح البيولوجية والحمض النووي للرفات الموجود في المقابر بملف الأشخاص المفقودين الذين يُعتقد أنهم في القبر من أجل العثور على حالات تطابق.

وإن التحدي الذي تواجهه فِرَق مثل الفريق الأرجنتيني لأكثر من ثلاثين عاماً، هو كيفية تطبيق مهارات الطب الشرعي في حالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي يكون فيها الآلاف أو حتى عشرات الآلاف في عداد المفقودين، ولا يوجد سوى قدر قليل من المعلومات أو قد تكون معدومة حول من هو على قيد الحياة ومن متوفى، ناهيك عن داخل قبور معينة.

وإن شمال شرق سوريا هو مثال على واحدة من هذه الحالات الأكثر تعقيداً. حيث أن الآلاف في عداد المفقودين، وهناك القليل من الأدلة على من قد يكون على قيد الحياة أو من يكو قد توفي، ولا تقتصر الصعوبة على ربط الأفراد بمواقع قبور معينة، ولكن حتى بمدن أو بلدان. حيث تم نقل أشخاص اعتقلهم تنظيم داعش بين المدن وعبر الحدود الدولية، ويقوم المركز السوري للعدالة والمساءلة بجمع مقابلات من عائلات المفقودين ليس في الرقة ومحيطها ولكن أيضاً في إدلب وحلب وشمال العراق. وستكون مقارنة البيانات أو حتى الحمض النووي من كل الرفات المستخرج بمعلومات عن جميع هؤلاء الأفراد المفقودين مهمة ضخمة وغير ناجعة.

ويُعدّ فتح القبور في هذا السياق غير مثمر. فإذا لم يعرف المحققون عمّن يبحثون، فلن يكون بالإمكان التعرّف على الهوية. حيث يجب أن يركز المحققون أولاً على إدراك من هم الضحايا الذين قد يكونون في كل قبر على حدة. ويتطلب القيام بذلك التحقيق في كل قبر وبناء فرضية تتعلق بهوية من بداخله قبل فتحه. ويتطلب هذا بدوره تحقيقاً سياقياً مكثفاً في تاريخ كل موقع من مواقع القبور بالإضافة إلى الأنماط العامة للجرائم ونقل المحتجزين وطبيعة حالات اختفاء الأفراد.

هل تُجرى تحقيقات في شمال شرق سوريا؟

نعم. بعد تدريبه الأخير مع الفريق الأرجنتيني لأنثروبولوجيا الطب الشرعي، سيركز فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري على التحقيقات السياقية لمواقع المقابر المحددة عندما لا يكون بصدد المشاركة في استخراج الجثث والتحليل الجنائي. وسوف يكمّل عملهم عمل فريق التوثيق التابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة، والذي يُجري مقابلات مع عائلات المفقودين، ومعتقلين سابقين لدى داعش، وجناة. ويستخدم الفريق أيضاً وثائق داعش وصور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو وغيرها من الأدلة مفتوحة المصدر. وسيتم تجميع كل هذه الأدلة واستخدامها لبناء فرضيات حول مصائر أفراد معينين، الأمر الذي يمكن أن يسمح بعد ذلك باستخراج الجثث والتعرف عليها في المستقبل.

هل ستتفسخ الأدلة ريثما يتأخر استخراج الجثث؟

تشعر العديد من العائلات بالقلق من أن الأدلة اللازمة لتحديد هوية أحبائها سوف تتفسّخ إذا لم يتم فتح القبور على الفور، ولكن الأمر ليس كذلك. في الواقع، يُعتبر الدفن من أفضل الطرق للحفاظ على الرفات البشري. وهناك بالطبع أسباب أخرى للإلحاح. فالأهم من ذلك، أن العائلات في حاجة ماسة إلى الكشف عن مصير أحبائها، كما أن الظروف المتغيرة باستمرار على الأرض قد تعني أيضاً أن استخراج الجثث غير ممكن في المستقبل. ومع ذلك، طالما أن تحديد الهوية هو الهدف، فلا فائدة من استخراج الجثث والرفات قبل أن تكون هناك فرضية واضحة بشأن من قد يكون بالداخل.

كم من الوقت سوف يستغرق ذلك؟

لسوء الحظ، ستستغرق عملية تحديد هوية الأشخاص المفقودين على النطاق المطلوب في شمال شرق سوريا سنوات عديدة. فلا تزال العائلات في البوسنة حتى اليوم تحصل على تحديد هوية أحبائها الذين قُتلوا في مذبحة سريبرينيتشا في عام 1992، وإن هذا الإطار الزمني ليس مستغرباً في مثل هذه الحالات الضخمة. ولهذا السبب فإنه من المهم جداً أن تتفهم العائلات وتشارك في كل خطوة من خطوات عمليات التحقيق، مما يتيح لهم إدارة توقعاتهم بشأن معرفة مصير أحبائهم والمشاركة في عمليات صنع القرار.

الخلاصة

بعد النزاع، غالباً ما تحمل عمليات استخراج الجثث من المقابر الجماعية معنىً رمزياً للمجتمعات حيث أنها تسلط الضوء على الفظائع التي تعرّضت لها وتتجاوزها. وغالباً ما تنظر الجهات المانحة وصانعو السياسات إلى عمليات استخراج الجثث هذه على أنها مقياس للنجاح. غير أن عمليات استخراج الجثث وحدها لا تقدّم الكثير للعائلات والمجتمعات. ومن خلال الجهود التي يبذلها فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري، يأمل المركز السوري للعدالة والمساءلة وشركاؤه أنهم  سيكونون جزءاً من عملية تحقيق كبرى تسمح للعائلات بمعرفة مصير أحبائهم واستلام رفاتهم، عند إعادة البدء في استخراج الجثث في الرقة.

__________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.