1 min read
انهيار العملة التركية يسلّط الضوء على التزامات تركيا في الأراضي التي تحتلها في سو?

انهيار العملة التركية يسلّط الضوء على التزامات تركيا في الأراضي التي تحتلها في سو?

في شمال غرب سوريا، وهي المنطقة التي تبنّت في السنوات الأخيرة الليرة التركية التي تشهد هبوطاً متسارعاً، تكاد أسعار سلع أساسية مثل الأرز والشاي تصل إلى الضِّعف. ولقد أصبحت الأجور اليومية الآن منقوصة القيمة لدرجة أنه بات من الصعب شراء حتى المتطلبات الأساسية. كما أثّر الارتفاع الحاد في الأسعار على المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات المدعومة من تركيا والتي تشكّل الجيش الوطني السوري، مثل أحرار الشرقية ولواء المعتصم. ويحصل المقاتلون على أجورهم بالليرة التركية وتضاءلت قدرتهم الشرائية بشكل كبير، مما أدى إلى مخاوف من أن تركيا لن تكون قادرة على السيطرة على هذه الفصائل التي سبق وأن اتُهمت بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتشمل هذه الانتهاكات الاعتقال غير القانوني، والنقل القسري لسوريين للمحاكمة في تركيا، وجرائم ضد الممتلكات مثل مصادرة بساتين الزيتون – وكل تلك الأفعال تنتهك قانون الاحتلال. وعلى الرغم من تأكيدات الحكومة التركية وميليشيات الجيش الوطني السوري بأنها تشدّد الخناق على الانتهاكات، لم يكن هناك أي تقدّم ملموس على الأرض. وأدّت الظروف المعيشية المتدهورة في شمال سوريا جرّاء انخفاض قيمة الليرة التركية، التي فُرضت من جانب واحد على السكان المحليين، إلى إعادة التركيز على التزامات تركيا كقوة احتلال، لا سيما التزاماتها إزاء صحة السوريين ورفاههم.

تركيا هي قوة احتلال

منذ عام 2016 على الأقل، شنت تركيا اجتياحات في سوريا من خلال عملية درع الفرات والعمليتين اللاحقتين، نبع السلام وغصن الزيتون. وفي عام 2019، خلص المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى أنه من خلال ممارسة سيطرة فعالة على أجزاء من شمال سوريا مع وجود عسكري مستمر، وفرض القانون التركي وإدارة المدارس والوظائف العامة الأخرى، كانت تركيا قوة احتلال عليها التزامات محددة للغاية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. حيث أشارت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في أيلول/سبتمبر 2020 إلى “وجود نمط مقلق في الأشهر الأخيرة من الانتهاكات الجسيمة ساد في هذه المناطق، بما في ذلك في عفرين ورأس العين وتل أبيض، حيث تم توثيق تفاقم عمليات القتل والخطف والنقل غير القانوني للأشخاص ومصادرة الأراضي والممتلكات وعمليات الإخلاء القسري”. ودعت المفوّضة السامية السلطات السورية إلى “احترام القانون الدولي وضمان وقف الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المسلحة الخاضعة لسيطرة تركيا الفعلية”. وفي تقريرها الصادر في شباط/فبراير 2021، توصّلت لجنة التحقيق الدولية في سوريا إلى نفس النتيجة، مشيرة إلى أنه منذ عملية درع الفرات، أخذت تركيا على عاتقها التزامات بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، بما في ذلك “النطاق الكامل للالتزامات الإيجابية بموجب قانون الاحتلال”.

على تركيا توفير خدمات الصحة والتعليم والرفاه

بينما كان هناك تركيز على الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان من قبل الميليشيات المدعومة من تركيا في شمال سوريا، لم تفلح تركيا أيضاً في الوفاء بالتزاماتها بموجب قانون الاحتلال لضمان الرفاه العام للسكان. على سبيل المثال، يجب على تركيا تيسير العمل المناسب لجميع المؤسسات المكرّسة لرعاية الأطفال وتعليمهم، وإذا أمكن، توفير التعليم من قبل أشخاص من جنسيتهم ولغتهم ودينهم. ومع ذلك، تجاهلت تركيا بشكل سافر هذا الالتزام من خلال فرض تعليم إلزامي باللغة التركية.

وبالإضافة إلى ذلك، يجب على تركيا ألا تستولي على المواد الغذائية أو الإمدادات الطبية في الأراضي المحتلة. وفي الواقع، يقع على عاتق تركيا واجب ضمان حصول السكان المحليين على المواد الغذائية والإمدادات الطبية، وإذا كانت موارد الأراضي التي تحتلها غير كافية في هذا الصدد، فعليها استيراد المواد الغذائية الضرورية والإمدادات الطبية وغيرها من المواد الضرورية. وإذا لم يتم توفير الإمدادات الكافية للمناطق الواقعة تحت سيطرتها الفعلية، يجب على تركيا الموافقة على مخططات الإغاثة نيابة عن السكان المذكورين وتيسيرها بكل الوسائل المتاحة لها. وبدلاً من السماح بمصادرة المنتجات الغذائية، مثل الزيتون، من قبل الميليشيات الخاضعة لسيطرتها، يجب على تركيا تيسير المساعدات الغذائية في الاتجاه المعاكس – لا سيما مع الارتفاع الحاد في أسعار الأغذية الأساسية الأخرى مثل الخبز.

وتمتد التزامات تركيا إلى مجال الصحة العامة. حيث تشترط اتفاقية جنيف الرابعة على وجه التحديد أن تقوم تركيا بصيانة المشافي وضمان “اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة”. وبينما يشير تقرير صدر مؤخراً عن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان إلى أن “تركيا قامت باستثمارات كبيرة في نظام الرعاية الصحية في المناطق التي تسيطر عليها، إلا أنها فرضت أنظمة ترقيعية ومجزّأة أعاقت جهود الإغاثة”. وبالإضافة إلى ذلك، على الرغم من وجود برنامج لقاح ضد كوفيد-19، فقد أعاقه تردّد الناس في أخذ اللقاح والنقص الحاد في خيارات العلاج والموظفين المؤهلين.

الخلاصة

نظراً للأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها الحكومة التركية، فمن المحتمل أنها لم تعد تولي الأولوية للاهتمام بالإدارة السليمة للأراضي التي تحتلها في شمال سوريا. وعلى هذا النحو، فقد تأثر السوريون الذين يعيشون في ظل نظام اقتصادي تديره تركيا أكثر من غيرهم بسبب انخفاض قيمة الليرة التركية. ويجب دعم سبل العيش الأساسية لسكان شمال سوريا وقدرتهم على شراء المواد الغذائية الأساسية من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية. وينبغي أن تيسّر تركيا توفير الإغاثة لهذه المناطق. وعليها كذلك أن توقف برامجها التعليمية القائمة على المناهج التركية. أخيراً، يجب أن تعزز قدرة المشافي على توفير الرعاية للسوريين والاستجابة لجائحة كوفيد-19. إن هذه هي الالتزامات التي تعهدت تركيا بالقيام بها طواعية باحتلالها أراض في شمال سوريا.

______________________________________________

لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والملاحظات، يُرجى التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected] ومتابعتنا على الفيسبوك وتويتر. ويرجى الاشتراك في النشرة الإخبارية الصادرة عن المركز السوري للحصول على تحديثات حول عملنا.