وجهات نظر سورية حول العدالة الإنتقالية و جنيف2
من اليمين إلى اليسار: فراس مقصد, كريغ تشارني, بلقيس جرّاح, أندريو تابلر، و محمد العبد الله
في 29 كانون الثاني، عقد المركز السوري للعدالة والمساءلة نقاشاً تحت عنوان “وجهات نظر سورية حول العدالة الإنتقالية وجنيف “2. ولقد تم ذلك بغرض إطلاق تقرير المركز الأخير “يجب مساءلة من أخطأ: وجهات نظر سورية حول العدالة الإنتقالية”، أعده المركز السوري للعدالة والمساءلة بالتعاون مع مركز أبحاث شارني، معتمداً على مقابلات في العمق مع 46 سورياً من بيئات متباينة ديموغرافياً ووجهات نظر سياسية مختلفة. غير أن هذا اللقاء أتاح فرصة مناقشة عامة لمواضيع العدالة الإنتقالية في سياق مفاوضات جنيف 2الجارية حالياً.
تم استضافة الاجتماع في معهد الولايات المتحدة للسلام، وأدار الحوار فراس مقصد (مدير عام، مؤسسة السياسات العالمية الاستشارية) والمشاركين: أندريو تابلر (باحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط)، بلقيس جرّاح (مستشار قانوني في برنامج العدالة الدولية، هيومن رايتس ووتش)، كريغ تشارني (رئيس مركز أبحاث شارني) ومحمد العبد الله (المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة).
افتتح العبد الله النقاش بطرح النتائج الرئيسة لتقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة، ومن بينها الحاجة الملحة لإحلال سيادة القانون في سوريا، والدعم الذي تحظى به المحاكمات كأكثر أشكال العدالة الإنتقالية تفضيلاً، بالرغم من عدم إطلاع السوريين العاديين على السبل البديلة، كلجان الحقيقة. وقال العبد الله: “من اللافت أن العدالة الإنتقالية، بالرغم من أهميتها، لم تحصل على الاهتمام الكافي أثناء مفاوضات جنيف”.
ونافشت الجرّاح بعد ذلك موقف هيومن رايتس ووتش، مركزة على احتمال تدخل المحكمة الجنائية الدولية (ICC). وأشارت إلى أن ثمة ميل للتخلي عن العدالة بغرض إنهاء النزاع، باستخدام عروض الحصانة كوسيلة للتفاوض. وكان من رأيها أنه يجب نبذ هذا النهج، إذ أن تدخل المحكمة الجنائية الدولية سيثمر عن التحرك نحو العدالة والمساءلة القادرة على رفع الشرعية عن الفاعلين السلبيين وتهميشهم. ولقد حدّت الولايات المتحدة من دعمها لهذا النهج، بيد أن الجرّاح قالت أن التصريحات العلنية لصالح تدخل المحكمة الجنائية الدولية قد تجدي نفعاً، حتى ولو ارتأت الولايات المتحدة بأن المعارضة الروسية لها ستجعل من مسار التدخل غير واقعي.
و تبنى تابلر نظرة أعم، موضحاً العديد من العقبات العملية في وجه العدالة الإنتقالية، بعد أخذ الوضع على الأرض بعين الاعتبار. واستشهد بالمبادرات الفاشلة، كالعروض التي قدمت للأسد بغرض نقله إلى بلد آخر، كإمارات العربية المتحدة أو روسيا أو إيران، وكالقائمة السوداء التي صمّمها الغرب وتضمنت أسماء المسؤولين المطالب بتنحيهم من النظام. وكان من رأيه أن احتمال تدخل المحكمة الجنائية الدولية سيعرقل محادثات تجري خلف الكواليس. كما قال أن دعم المحاكمات منطقي، إذا أخذنا ثقافة الثأر في بلاد الشام بعين الإعتبار.
عاد العبد الله إلى هذه النقطة لاحقاً حين أشار إلى أن دعم السوريين للمحكمة الجنائية الدولية محدود، نظراً لرغبتهم بأن تكون جهود العدالة تحت إشراف سوري، ولأنهم يرون أن العقوبات الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية غير قاسية بما فيه الكفاية. وقال: “السوريون لايريدون أن يروا الأسد في فندق خمس نجوم في لاهاي، لفترة أقصاها أربعة عشر عاماً”.
وأثناء مناقشة منهجية البحث، ألقى تشارني الضوء على حقيقة أن درجة الخوف في سوريا كانت أعلى من أي بيئة أخرى عمل المركز فيها قبل الآن. إذ أن الكثير من الأفراد الذين تمت مقابلتهم، كانوا قلقين جداً بخصوص الحفاظ على سريّة هويتهم. ومع ذلك، كان من الواضح أن هؤلاء الأفراد فكروا جيداً حول قضايا مثل العدالة الإنتقالية وإحلال سيادة القانون، ولم تكن أجوبتهم إرتجالية.
ومع اقتراب نهاية النقاش، وضّح كلّ من تشارني والعبد الله أن تقرير “يجب مساءلة من أخطأ” لا يجادل بأنه حان وقت البدء بتطبيق آليات العدالة الإنتقالية، وإنما حان وقت مناقشة آليات العدالة الإنتقالية. ولا بد من أن يترك كلّ نهج للعدالة الإنتقالية بعض الأطراف غير راضية، بيد أن الحوار العام قادر على إدارة التوقعات وتهيئة البلد لحسم أموره عندما يحين وقت السعي نحو العدالة الإنتقالية. وكما لاحظ العبد الله، فإنه من غير الممكن عملياً سجن عدد كبير جداً من مرتكبي الانتهاكات، نظراً لموارد إعادة الإعمار المحدودة. ومن جهة أخرى، وكما أكد معظم الحاضرون، فإن نهج المسامحة والنسيان غير مقبول في سوريا. ولذا، فإن إيجاد توازن بين هذين النقيضين أمر جوهري، ولا يمكن التوصل إليه إلا بالحوار المستمر.