تخليد الذكرى من خلال التوثيق
تسلط نشرة اليوم الضوء على الدفعة الثانية من “سلسلة مذكرات” المركز السوري للعدالة والمساءلة. وللحصول على المزيد من المعلومات عن التوثيق وتخليد الذكرى، يرجى تحميل وقراءة المذكرة الكاملة حول “التوثيق ودوره في تخليد الذكرى،” التي أعدتها إريشني نايدو للمركز السوري للعدالة والمساءلة.
تهدف العدالة الإنتقالية الناجحة إلى ضمان السلام وإحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون. وفي سوريا، تشكل المعاناة والدمار والتفكك تحديات حقيقية أمام الوصول إلى سلام مستقر. إن تحقيق أهداف العدالة الإنتقالية سيكون أكثر من صعب وسيستغرق الكثير من الوقت. ولحسن الحظ أن عمليات تخليد الذكرى تقر بأهمية الذاكرة، وأصبح من المعروف على نطاق واسع بأنها أحد الركائز الرئيسية للعدالة الإنتقالية.
وفي حين تعمل آلية تخليد الذكرى على الحفاظ على الذاكرة والحقائق الخاصة بالصراع، فإنها تشكل أيضاً عاملاً محفزاً قوياً للتحول الإجتماعي الإيجابي. ونظراً للطبيعة الحساسة سياسياً لجهود تخليد الذكرى، فإن التوثيق أثناء الصراع وبعده يمكن أن يوفر لعملية تخليد الذكرى أساساً مبنياً على الوقائع، ويساهم في تصورات عن الشرعية. ويمكن أن تتخذ عملية تخليد الذكرى أشكالا مختلفة، وكانت تتضمن في الماضي الحفاظ على المواقع الفعلية للذكرى، مثل سجن نيايو هاوس في كينيا التي كان يستخدم في السابق كمركز سري للتعذيب. والآن، نيايو هاوس هو محور الجهود الشعبية التي تسعى إلى الحفاظ على الموقع بسبب إمكانياته لسرد الحقيقة.
والكشف عن مراكز التعذيب في سوريا، حسبما ورد في تقرير “أقبية التعذيب” لمنظمة هيومن رايتس ووتش، يبين إمكانية إستخدام المواقع الفعلية في تخليد الذكرى .
وتوثيق تخليد الذكرى العفوي الذي يحصل أثناء النزاع هو أحد السبل الهامة لضمان عملية شاملة وتشاركية، مع الإبقاء على ذاكرة الفرد والمجتمع في صميم جهود تخليد الذكرى. إن الحفاظ على مثل هذه الأعمال التذكارية الشعبية سوف يساعد في تقديم أكبر قدر ممكن من الروايات، والتجارب والآراء حول النزاع. والأعمال التذكارية العفوية، مثل الكتابة على الجدران، والوقفات الإحتجاجية للشهداء، والمظاهرات العامة، يمكن أيضاً توثيقها لعملية تخليد الذكرى. والسجلات الخاصة بمثل عمليات التعبير العلنية هذه لن تساعد فقط في الحفاظ على التجارب الهامة للصراع، بل ستؤيد كذلك الروايات ووجهات النظر. ويمكن ان تشمل جهود تخليد الذكرى الفيديوهات، والصور الفوتوغرافية، والوثائق المكتوبة عن تجربة السوريين حول الصراع الدائر. وينبغي أن تشمل السوريين في المناطق التي يسيطر عليها الثوار وتلك التي يسيطر عليها النظام، والسوريين من خلفيات وأدوار مختلفة. وللحد الذي يُمكن فيه دمج هذه التجارب في الجهود الأوسع لتخليد الذكرى، سوف تساهم هذه في التصورات حول الشرعية، وتشجع السوريين على المشاركة كأطراف ذات مصلحة في إعادة البناء.
وفي حين ينبغي أن يستمر التوثيق بعد النزاع، الا أنه سيصبح من المهم أيضاً بالنسبة للسوريين تحديد كيف سيساهم التوثيق في أشكال معينة من إحياء الذكرى. وسيكون تسلسل أحداث العدالة الإنتقالية هاماً، وجهود التوثيق وإحياء الذكرى المبكرة يمكنها أن تعيد بناء الثقة وأن تعزز الحوار، وأن تشجع مشاركة السوريين كمواطنين فاعلين. ولضمان الإدماج الفعال للتوثيق في عمليات إحياء الذكرى، يمكن ربط أرشيفات التوثيق بشكل واضح بجهود محددة لتخليد الذكرى، مما يساهم أيضاً في شفافية عملية التوثيق .
وعملية تخليد الذكرى قادرة على إتاحة الوثائق لمجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، وعلى الحفاظ على الذاكرة على مر الزمن، وعلى دعم الحوار والمشاركة الفاعلة. والأهم من ذلك أن عملية تخليد الذكرى لاتمثل فقط تحية للماضي، ولكن لديها القدرة التحويلية للنهوض بالرؤى الإيجابية لسوريا المستقبل، القائمة على السلام والعدالة.