ابتزاز جديد للسوريين: مصادرة ممتلكات المتهربين من الخدمة العسكرية
أثارت التصريحات التي أدلى بها رئيس فرع البدل والإعفاء في الجيش السوري قبل عدة أيام بلبلة كبيرة بين أوساط السورين حيث توعد السوريين في الخارج والذين تجاوز عمرهم سن التجنيد(42 سنة) بالحجز على أملاكهم وأملاك ذويهم في حال لم يؤدوا الخدمة الإلزامية أو لم يدفعوا بدل فوات الخدمة. وينص قانون الخدمة العسكرية بعد تعديله عام 2017، على وجوب دفع البدل لمن تجاوز عمره 42 سنة ولم يؤدها، مبلغ قدره ثمانية آلاف دولار، فضلاً عن غرامة تأخير قدرها 200 دولار أميركي عن كل سنة تخلف.
العميد إلياس بيطار رئيس فرع البدل والاعفاء
حيث ينص القانون* أنّه”يحال إلى الهيئة العامة للضرائب والرسوم ليتم إلقاء الحجز التنفيذي على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمكلف، وتحصيل المبلغ والغرامة وفق قانون جباية الأموال العامة“.
كما أقر مجلس الشعب عام 2019، بتعديل المادة (97) من قانون خدمة العلم، ليجيز إمكانية تحصيل البدل عبر الحجز التنفيذي على أمواله دونما حاجة لإنذاره، بحسب وكالة “سانا”، وعليه يعتبر القانون والأنظمة مرعية الإجراء واضحة في هذا الخصوص بعدم جواز حجز أموال ذوي المتخلف عن التجنيد الإجباري، وذلك بخلاف ما صرح به العميد بيطار
ويعتبر هذا التعديل والتصريح الصادر عن المسؤول السوري خطيرا للغاية ويمس حق الملكية مباشرة. ويهدف إلى الضغط على السوريين خارج سوريا والذين فر منهم مئات آلاف الشباب خارج البلد ولم يؤدوا الخدمة العسكرية الإلزامية هرباً من موت محتمل وخطر محدق أو عدم الرغبة في الانخراط في انتهاكات حقوق الإنسان. ويعيش معظمهم في أوضاع اقتصادية صعبة في بلدان اللجوء التي يعيشون فيها ولا يملكون شيئاً من هذه المبالغ المطلوبة لدفع البدل النقدي. وبالرغم أن القانون لم يذكر أموال ذوي المكلف أو أقاربه كما صرح به البيطار ولكن من غير المستبعد أيضا أن يصدر قرار تنفيذي أو تعديل للقانون ينص على ذلك في مخالفة واضحة لمبدأ شخصية العقوبة والمنصوص عليه بالدستور السوري بالمادة 51.
ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي تستهدف بها الحكومة السورية أملاك السوريين وحقوقهم بالملكية. فقد عمدت إلى مصادرة أملاك المعارضين لها بطرق مختلفة، سواء عن طريق محكمة الإرهاب، أومن خلال مجموعة القوانين والتشريعات الصادرة بعد عام 2011 والتي تستهدف أملاك السوريين كالقانون رقم 10 وغيره. حيث تحاول الحكومة السورية تمويل نفسها في ظل وجود شح حاد بالقطع الأجنبي وانخفاض قيمة الليرة السورية بشكل كبير، حيث تحاول الحكومة السورية استجرار بعض القطع الأجنبي من السوريين في الخارج بالضغط عليهم لدفع مبلغ 8000 دولار أمريكي كبدل عن الخدمة العسكرية الإلزامية وتحاول التهديد بالحجز على الأملاك في حال عدم الدفع، عند بلوغه 42 عام.
حيث بموجب هذا القانون والتعديل تستطيع الحكومة السورية حالياً أن تنزل الحجز التنفيذي على أملاك المكلف (أو ذويه كما صرح البيطار) بشكل مباشر ودون حاجة لإنذار وبيع هذه الأملاك بالمزاد العلني فالمهم هو تحصيل ال8000 دولار أمريكي بغض النظر عن ثمن العقار أو الأملاك الحقيقي.
ويبدو من ذلك أن النظام السوري يهدف إلى إثارة الرعب في نفوس السوريين في الخارج عبر تهديدهم بحجز أملاكهم أو أملاك ذويهم، وبيعها في المزاد العلني، لإجبارهم على الإسراع والمضي قدما في معاملات دفع البدل الخارجي، حوالي 8 آلاف دولار أمريكي للإعفاء من الخدمة، كما يهدف أيضا لرفد الخزينة بالقطع الأجنبي في بلد يعاني من أزمة اقتصادية حادة سببها الرئيسي سياسات الحكومة السورية والفساد واستنزاف خيرات وموارد البلد في شراء السلاح وتمويل الميليشيات الموالية لها.
وقد امتد هذا الاستياء من هذا القانون والتصريحات الأخيرة إلى أواسط الموالين للحكومة السورية حيث أن العديد من أولادهم لم يؤدوا الخدمة العسكرية الإلزامية وفروا من البلاد وربما تقوم الحكومة بالحجز على أموال هؤلاء المواليين.
ومن الجدير بالذكر أنّ اعتماد الحجز التنفيذي يلحق بسلسلة من محاولات استخدام السيطرة على الملكية لغاية تعزيز الاقتصاد والتغيير الديموغرافي من قبل جميع أطراف النزاع السوري، سواء كان ذلك في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، حيث اعتمدت الإدارة الذاتية آب/أغسطس الماضي قانون مصادرة أملاك الغائبين ومعظمهم من العرب (لتعود وتجمده لاحقاً بشكل مؤقت من أجل النظر فيه وتعديله)، أو كما في الشمال السوري حيث تقوم الفصائل المسلحة الموالية لتركيا بمصادرة أملاك تعود إلى أكراد وتقوم بتوزيعها على بعض النازحين من مناطق أخرى او على أعضاءها. كما تُقطف أشجار الزيتون الخاصة وتُباع ثمارها في الأسوق الخارجية.
يؤكد المركز السوري للعدالة والمساءلة على ضرورة تنفيذ برنامج استرداد للملكية المنقولة وغير المنقولة، حيث تخرق هذه الممارسات مختلف مواد القانون الدولي مثل حظر الحرمان التعسّفي من الملكية الموجود في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفوق ذلك كله فإن العقوبات الجديدة المفروضة على المتخلّفين عن الخدمة العسكرية تخالف أيضاَ مبدأ الحق في “الاستنكاف الضميري” من الخدمة العسكرية الذي تضمنته المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وما يعزّز أهمية هذا المبدأ هو احتمالية إنخراط وتورط المكلّفين بالخدمة العسكرية الإلزامية في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
يجب على الحكومة السورية التوقّف عن هذه السياسة التي تؤدي إلى المزيد من الخوف والقلق من قبل المواطنين المقيمين في البلد واللاجئين على حد سواء، وهؤلاء يواجهون الآن عوائق إضافية أمام عودتهم إلى سوريا بسبب احتمال أن يقابلوا بخسارة أملاكهم، كما يؤكد المركز السوري للعدالة والمساءلة أن على المجتمع الدولي ألا يقبل بفكرة أن أماكن محدّدة في البلد آمنة لدرجة تسوّغ إعادة هؤلاء اللاجئين الذين يعيشون في الخارج. ويجب أن تؤخذ هذه الظروف بعين الاعتبار وفقا للمعايير الدولية لتحديد وضع اللاجئين وإعادة التوطين.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.