1 min read
"عملية الحليب الأبيض" تقوض جهود العدالة والمساءلة

"عملية الحليب الأبيض" تقوض جهود العدالة والمساءلة

في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، سلطت وسائل إعلام نمساوية الضوء على فضيحة تورّطت فيها السلطات النمساوية وجهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد. حيث كشفت الوثائق المسرّبة من جهاز المخابرات الوطني النمساوي (مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب) أن مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب عقد صفقة، تسمى “عملية الحليب الأبيض”، مع الموساد الإسرائيلي من خلال الموافقة على توفير المأوى ومنح اللجوء لخالد الحلبي. ولا تزال الدوافع وراء الحِراك الإسرائيلي في هذا التعاون بالإضافة إلى الفوائد التي ستعود على النمسا إن وجدت غير واضحة على الاطلاق. وبصفته رئيس الفرع 335 التابع لإدارة المخابرات العامة السورية في الرقة من 2009 حتى 2013، تورّط الحلبي في جرائم ضد الإنسانية، والتعذيب، والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وجرائم حرب. وبحسب شهود عيان، فإن الحلبي الذي كان عميداً، لم يكن على علم بارتكاب هذه الجرائم فحسب، بل وشجّع مرؤوسيه على استخدام العنف وتعذيب المعتقلين.

ومع ذلك، فإن النقاش العام يتعامل مع “عملية الحليب الأبيض” على أنها فضيحة وطنية داخلية، ولا يتصدّى لدور النمسا في تقويض الجهود الدولية المبذولة في تحقيق العدالة ومساءلة مجرم مزعوم في النزاع السوري. وقد يكون هذا بسبب حقيقة أن النقاش يجري فقط في النمسا، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه تمت تغطيته فقط في وسائل الإعلام الناطقة بالألمانية. غير أن “عملية الحليب الأبيض” ليست مجرّد فضيحة وطنية. حيث أن لها آثاراً خطيرة على العدالة ومساءلة الجناة في النزاع السوري. ويبدو أن الحلبي قد أفلت من المساءلة لأنه لم يُرَ منذ عام 2018 ومكانه الحالي غير معروف. وتقدّم هذه المقالة لمحة عامة عن النقاش الحالي الدائر في النمسا، بحيث يتسنّى للجمهور الناطق باللغة الإنجليزية والعربية متابعة هذه القضية. ويرغب المركز السوري للعدالة والمساءلة في تسليط الضوء على البعد الدولي لعملية الحليب الأبيض ودعوة جميع الدول إلى وضع العدالة والمساءلة قبل المصالح الوطنية. ويُعتبر التعاون الدولي والشفافية في الدعاوى المحلية أساسيَّين في مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم الدولية، لاسيما في نزاع مستمر حيث لا يمكن تقديم الجناة إلى العدالة إلا من خلال محاكم محلية أجنبية.

التسلسل الزمني للأحداث

يعتمد التسلسل الزمني التالي على التقارير الصادرة عن وسائل إعلام نمساوية، والتي تستمد معلوماتها من وثائق مسرّبة للسلطات النمساوية ذات الصلة. وعلى الرغم من أن المركز السوري للعدالة والمساءلة لا يتّفق تماماً مع أسلوب هذه التقارير الإعلامية، كما سيتم مناقشته أدناه، إلا أنّه يعتبر الوثائق والمصادر ذات مصداقية.

شباط/آذار 2013

غادر الحلبي الرقة. وزُعِم أنه قال في طلب اللجوء الذي قدّمه إلى السلطات النمساوية إن أعضاء في المعارضة ساعدوه على الهروب قبل أن يدخل تركيا سيراً على الأقدام.

نيسان/أيار 2013

سافر الحلبي إلى الأردن حيث قدّم طلباً في السفارة الفرنسية للحصول على تأشيرة.

27 شباط، 2014

وفقاً لشهادته الشخصية، دفع الحلبي 12,000 دولار لمهرّبين للوصول إلى أوروبا ثم فرنسا، حيث طلب اللجوء رسمياً.

ربيع 2015

يُزعم أن نائب مدير مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب النمساوي في ذلك الوقت التقى بممثلين رفيعي المستوى من الموساد للتوصل إلى اتفاق بشأن الحلبي.

12 حزيران، 2015

بحسب شهادته الشخصية، فإن أحد أصدقائه وضع الحلبي على متن قطار متّجه إلى النمسا.

13 حزيران، 2015

وفقاً لوثائق مسرّبة من مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب، “تم تسليم الطرد”. ويُزعم أن الحلبي كان برفقة اثنين من موظفي الموساد عندما دخل النمسا عبر معبر الحدود البافارية النمساوية في فالزربيرغ. وتم تسليم الحلبي إلى مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب ونقله إلى إحدى ضواحي فيينا.

15 حزيران، 2015

قام مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب بإرسال الحلبي إلى ترايسكيرتشين حيث جرت مقابلته الأولى بشأن لجوئه في النمسا.

حزيران، 2015

وصل الحلبي إلى فيينا. ويُزعم أن مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب أعدّ شقة تم دفع أجورها من قبل “Stelle 5” [الفرقة 5]، وهو الاسم الذي يستخدمه المكتب للإشارة إلى الموساد في المراسلات الداخلية.

2 كانون الأول، 2015

حصل خالد الحلبي على حق اللجوء في النمسا. وحصل أيضاً على ما يسمى بجواز السفر التقليدي، وهو جواز سفر يمكن أن يطلبه الأشخاص الذين حصلوا على حق اللجوء في النمسا ويسمح لهم بالسفر دولياً.

كانون الثاني 2016

تلقّت وزارة العدل النمساوية رسالة من لجنة العدالة والمساءلة الدولية (CIJA) أبلغتهم فيها اللجنة عن مخاوفها بشأن تورّط الحلبي في ارتكاب جرائم حرب.

29 كانون الثاني، 2016

في اجتماع بين ممثلي لجنة العدالة والمساءلة الدولية ومسؤولين من وزارة العدل النمساوية ومكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب، تحدثت اللجنة عن الأسباب التي تدعوها للاعتقاد بأن الحلبي متورط في ارتكاب جرائم حرب. كما قدّمت اللجنة ملفات سجل الفيسبوك وسكايب التي أظهرت أن الحلبي كان موجوداً في فيينا في ذلك الوقت. ووفقاً لوثائق مسرّبة، لم تقدم اللجنة دليلاً ملموساً على تورّط الحلبي في جرائم حرب.

نيسان 2016

أنشأ قسم الادعاء العام النمساوي في فيينا ملفاً سرياً (Verschlussakt) بشأن خالد الحلبي.1 وبعد فترة وجيزة، قدّمت لجنة العدالة والمساءلة الدولية شهادات شهود (ناجين من التعذيب وشهود مطّلعين) إلى السلطات النمساوية. وبدأ المدّعي العام النمساوي تحقيقات أولية بشأن تورّط الحلبي في أعمال تعذيب. وصدر طلب قضائي للتحقيق في مكان الحلبي الحالي من خلال نظام شنغن لتبادل المعلومات بشأن مزاعم تُفيد بارتكاب الحلبي لجرائم حرب.

15 حزيران، 2016

قرر ممثلو مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب والموساد مواصلة تعاونهم بعد لقاء جمع بينهم.

2 تموز، 2017

أصدرت السلطات الفرنسية تعميماً على خالد الحلبي عن طريق اليوروبول، بخصوص مزاعم موثّقة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

29 كانون الأول، 2017

مُنع الحلبي من الحصول على حق اللجوء في فرنسا.

30 أيار، 2018

أصدرت فرنسا طلباً قضائياً للتحقيق في مكان تواجد الحلبي عن طريق اليوروبول. ويسعى قسم مكافحة التطرف في مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب النمساوي إلى بدء التحقيقات.

1 آب، 2018

تلقّى ضابط مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب المسؤول عن الحلبي مكالمة هاتفية من ضابط الارتباط الإسرائيلي الذي قال إن مكتبه التقى نائب مدير مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب في اليوم السابق، عندما زُعِم بأن قراراً اتُخِذ بإخراج “الحليب الأبيض”، الاسم الذي كنّي به الحلبي، من النمسا.

2 تشرين الأول، 2018

أنهى مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب تعاونه مع السلطات الإسرائيلية الشريكة.

18-19 تشرين الأول، 2018

آخر الأنشطة على حساب الحلبي في بنك نمساوي.

25 تشرين الأول، 2018

أصدرت الشرطة الجنائية الفيدرالية (BKA) في النمسا طلباً سرياً للتحقيق في مكان تواجد الحلبي.

27 تشرين الثاني، 2018

اقتحم ضباط الشرطة الجنائية الفيدرالية في النمسا شقة الحلبي في فيينا. ولكنه لم يكن موجوداً فيها.

نقاش عام مضلَّل

كان من أوائل من نشر قصة عن “عملية الحليب الأبيض” في تشرين الأول/أكتوبر 2020 مدوّنة إخبارية نمساوية يُعرَف مديرها بصلاته بالطيف السياسي المحافظ واليميني. وتشير المدوّنة إلى الحلبي بوصفه “جنرال التعذيب” وهي تفتقر عموماً إلى اللغة المحايدة فضلاً عن افتقارها إلى البحث المناسب عن مراكز الاعتقال السورية.2 وبناءً على هذه المقالة، أصدر أعضاء البرلمان اليمينيون الشعبويون استجواباً رسمياً لوزير الداخلية بشأن عملية “الحليب الأبيض”. غير أن طلبهم يركز بشكل أساسي على من يعرف ماذا، وتكاليف العملية بأكملها، والعمليات الجارية المماثلة المحتملة، والتهديدات التي يتعرّض لها السكان النمساويون، والضرر المحتمل الذي قد يلحق بسمعة النمسا الدولية. ويتجاهل تماما ضرورة محاكمة الحلبي على الجرائم التي شارك في ارتكابها. ولا تقتصر هذه التغطية على منظور سياسي معين. حيث أن الصحيفة الليبرالية النمساوية، التي سبق وأن نشرت في هذا الشأن في عام 2019، تؤطّر هذه القضية أيضاً على أنها فضيحة داخلية داخل المخابرات وسلطات العدل والهجرة النمساوية، فضلاً عن كونها قضية أمن قومي، فيما يتعلق بالتهديدات المحتملة على السكان النمساويين من قبل أشخاص مثل الحلبي.

وعلاوة على ذلك، فإن الآثار المترتبة على أن أشخاصا “مثل الحلبي” يشكلون تهديداً للسكان النمساويين، أو أن منح اللجوء يعتمد على صفقات سرية، يمكن أن يشجع النظرة السلبية تجاه السوريين عموماً. غير أن السوريين الفارين من التعذيب والقمع العنيف مستاؤون بنفس القدر من ترتيبات الحلبي المريبة، في حين كان عليهم الخضوع لعملية بيروقراطية طويلة للحصول على إقامة قانونية، ناهيك عن الحصول على اللجوء أو التأشيرة.

ومن المسلّم به أنه من الصعب على الدول تحقيق التوازن بين السعي للحصول على معلومات من خلال شهود مطلعين ومحاكمتهم على أفعالهم الإجرامية. ومع ذلك، يجب محاكمة أولئك الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن الجرائم في سوريا. ولا يمكن منحهم الإفلات من العقاب مقابل بعض الفوائد بعيدة المنال في جمع المعلومات الاستخبارية.

الخلاصة

من شأن فضائح كهذه، التي تكتنف “عملية الحليب الأبيض”، أن تسبب انعدام ثقة الجمهور في مؤسسات الدولة نفسها، ومن المرجح أن تزيد من الميل إلى تجريم جميع اللاجئين السوريين. وينبغي للسلطات ذات الصلة أن تتحقّق دائماً من قيمة المعلومات المحتملة لملاحقة الجرائم الدولية بالإضافة إلى تقييم استعداد جناة سابقين لتقديم المعلومات والتعاون. ومن الواضح أن خالد الحلبي لم يقدّم أي معلومات للسلطات النمساوية لتحقيق العدالة والمساءلة لضحايا الجرائم الدولية. لذلك يجب على النمسا أن تشارك في البحث عن الحلبي وأن تتعاون بشكل فعال مع الدول الأخرى والآليات الدولية والإقليمية لمكافحة الإفلات من العقاب لأولئك الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن الفظائع المرتكبة في سوريا.

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.