تدهور الأوضاع الأمنية في مخيم الهول يستدعي برامج الإعادة إلى الوطن
تثير موجة من جرائم القتل الأخيرة في مخيم الهول شمال شرق سوريا تساؤلات تتعلق بالسلامة والأمن فيما يتعلق بسكانه البالغ عددهم حوالي 70,000. حيث ارتُكبت 16 جريمة قتل بين 1 آب/أغسطس و11 تشرين الأول/أكتوبر، 2020، ثلثيهم تقريبا من العراقيين. وتُبرِز المخاطر الأمنية المتزايدة ضرورة أن تقوم الدول بتنفيذ برامج الإعادة إلى الوطن.
بدأت إدارة المخيم تحقيقاً في العنف المتزايد، لكن التقارير الغير رسمية التي تم إرسالها إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية تشير إلى عدة أسباب لعمليات القتل، منها: جرائم انتقام، ونزاعات قَبَلية، ونشاط داعش، والتعاون مع السلطات الأمنية، وجرائم الشرف. وعلى الرغم من تفاقم الأوضاع الأمنية، إلا أن التهديدات الموجهة إلى قوات الأمن أدّت إلى تقليص الدوريات النهارية ووقف الدوريات الليلية في أجزاء معينة من المخيم.
وتأتي جرائم القتل الأخيرة بعد تقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوضّح بالتفصيل كيف أن جائحة كوفيد-19 “تسلّط الضوء على ضعف مرافق الاحتجاز ومخيمات النازحين، لاسيما تلك الموجودة في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية”. وطوال فترة الجائحة، تقوم حملات على وسائل التواصل الاجتماعي بجمع التبرعات لدعم عائلات المقاتلين الأجانب في الهول الذين يعيشون في ظروف متداعية وهشة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأفراد المنتمين إلى داعش يفرّون باستمرار من المخيم، أحياناً بمساعدة حرّاس فاسدين ومهربين.
وفي تموز/يوليو، أصبح أمن الهول موضع تساؤل أكبر عندما كشفت عملية استخبارات تركية عن شبكة من شبكات التهريب العابرة للحدود التي حرّرت عدداً لا يُحصى من أعضاء داعش، بما في ذلك امرأة مولدوفية وأطفالها الأربعة. ونُقل بعض الفارّين، ومعظمهم من النساء والأطفال، إلى تركيا أو مناطق أخرى يسيطر عليها الثوار في شمال غرب سوريا بعد إطلاق سراحهم من قبل حراس مرتشين. ويسعى كثيرون لتنفيذ خطة داعش متعددة الأجيال من خلال إعادة إسكانهم في مناطق كانت خاضعة لسيطرة الخلافة.
وإن التهديدات التي يشكلها أعضاء داعش تحظى بالمصداقية لدى دولهم الأصلية. حيث توجد لدى العديد من الدول ذكريات حديثة عن هجمات إرهابية محلية وقد تخشى عودة أعضاء داعش الذين ما زالوا متشدّدين. ويشكك آخرون في إمكانية الحصول على إدانات لغير المقاتلين الذين انضموا إلى داعش، وتحديداً أولئك الذين يزعمون أنهم لم يرتكبوا جرائم، نظراً للقيود المتعلقة بالأدلة. وبالإضافة إلى ذلك، من المرجّح ألا يرغب السياسيون في التعامل مع التداعيات السياسية في ظل الرفض الشعبي. وأظهر استطلاع أن 89% من الفرنسيين كانوا قلقين من عودة الجهاديين إلى فرنسا، حيث قال 53% إنهم كانوا قلقين “للغاية”. وقال 52% من أفراد العينة إنه ينبغي ترك أبناء الجهاديين في العراق وسوريا. وهكذا استجابت الدول بطرق مختلفة على الأسئلة المتعلقة بالعودة إلى الوطن. وقامت المملكة المتحدة والدنمارك بسحب الجنسية من مواطنيها. واستعادت بلجيكا وفرنسا فقط عدداً صغيراً من الأطفال، ورأت المحاكم الهولندية أن هولندا ليست ملزمة بالمساعدة في إعادة الأطفال إلى وطنهم.
ونتيجة لذلك، يواجه أعضاء داعش وابلاً من القضايا القانونية التي يجب توضيحها. وتتمثل إحدى القضايا في أن بعض الدول تجري تحقيقات وتعقد محاكمات غيابية، مما يثير مخاوف بشأن الحق في المحاكمة العادلة وحق المتهمين في الحصول على محامٍ مناسب. وهناك قضية أخرى تتعلق بالجرائم الجنائية المرتبطة بالانتماء إلى عضوية منظمة إرهابية، والتي اعتمدتها العديد من البلدان. وقد يؤدي التفسير الفضفاض للعضوية إلى إدانة الأفراد الذين تم إكراههم على الارتباط بتنظيم داعش، بما في ذلك النساء اللواتي يعانين من أمراض نفسية أو اللواتي تم تجنيدهن وهنّ قاصرات. وهناك أيضا قضية الأطفال الأيتام الذين يمكن أن تكون عملية إثبات روابطهم الأسرية وأصولهم الوطنية معقّدة.
لكن خطر عدم إعادة أعضاء داعش إلى وطنهم سيكون جسيماً. وإن مصدر القلق الرئيسي هو أن المخيمات التي يقيم فيها أعضاء داعش سيئة السمعة لظروفها المروعة. ووجد تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش حول مخيم الهول أن هناك “مراحيض طافحة، ومياه صرف صحي تتسرب إلى خيام بالية، وسكان يشربون مياه الغسيل من خزانات تحتوي على ديدان”. وإن أماكن مثل مخيم الهول ينعدم فيها القانون وذات طبيعة لاإنسانية من شأنها أن تخلق بيئة “ناضجة لجميع أنواع التلقين العقائدي للأطفال الصغار والنساء اللواتي لا يعرفن ما سيحدث لهن أو لعائلاتهن“. وفي الواقع، صرّح مسؤولو المخابرات الأمريكية أن داعش يجنّد أعضاء جدداً من المخيم، وأن قوات سوريا الديمقراطية التي تدير مخيم الهول غير قادرة على توفير “الحد الأدنى من الأمن”. ولذلك فقد انتشرت أيديولوجية داعش “بلا منازع”.
وإن مصدر القلق الآخر هو سلامة اللاجئين العراقيين القلائل في الهول الذين فرّوا من العراق بسبب داعش. وعلى الرغم من أنهم يعيشون في أقسام مختلفة من المخيم عن تلك يعيش فيها أعضاء لداعش، إلا أن ارتفاع معدل جرائم القتل والعنف تجاههم يشير إلى المخاطر المستمرة التي يواجهونها. وقد نفذت العديد من هذه الحوادث عضوات في داعش. وفي أيلول/سبتمبر، شُنِقت والدة رضيع يبلغ من العمر سبعة أشهر حتى الموت بواسطة كابل كهربائي. وتشير تقارير إلى أن شقيق الضحية قُتل أيضاً على يد نساء داعش في الهول. ويجد اللاجئون الذين فرّوا من العراق أنفسهم في حلقة من الصدمة تبدو بلا نهاية، وهم يستحقّون الحماية.
وبناءً عليه، فإن البرامج المنظمة للإعادة إلى الوطن ضرورية للدول لتحقيق التوازن بشكل مسؤول ومعقول بين مخاوفها الأمنية والتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان. وينبغي إعادة المواطنين الأجانب إلى أوطانهم حيث يمكن احتجازهم ومحاكمتهم بشكل عادل، أو إعادة دمجهم في المجتمع بدعم نفسي واجتماعي مناسب. وتعتبر دول آسيا الوسطى مثالاً يُحتذى به، مثل كازاخستان التي أنشأت برنامجاً يتوافق مع الاحتياجات المادية وإعادة التثقيف الأيديولوجي للأفراد العائدين إلى الوطن. ويجب على الدول الأخرى أن تحذو حذوها. إذ لن يؤدّي فشل المجتمع الدولي في قبول أعضاء داعش إلا إلى مزيدٍ من التشدّد، والذي قد تؤدي عواقبه إلى خسارة الأرواح في المستقبل.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.