تواصل تركيا ترحيل السوريين إلى إدلب، في انتهاك للقانون الدولي
وفقاً لأحد مصادر المركز السوري للعدالة والمساءلة، قامت السلطات التركية بترحيل أكثر من 16 ألف سوري إلى إدلب هذا العام، بما في ذلك أكثر من 1,900 شخص في أيلول/سبتمبر. وعلى الرغم من أن هذه الأرقام تشير إلى وجود انخفاض مقارنة بعام 2019 عندما سجّل معبر باب الهوى الحدودي بالقرب من أنطاكيا أكثر من 63 ألف عملية ترحيل، إلا أنها مقلقة بشكل خاص لأن عدداً من عمليات الترحيل ينتهك القانون الدولي. وتشكّك عمليات الترحيل هذه في وضع تركيا “كدولة ثالثة آمنة”، وبالتالي تشكّك في شرعية سياسة الاتحاد الأوروبي لإعادة اللاجئين السوريين الموجودين في اليونان إلى تركيا.
وذكر مازن علوش، المدير الإعلامي لباب الهوى، في تصريح للمركز السوري للعدالة والمساءلة، أن هناك ثلاث مجموعات من المرحَّلين: (1) أفراد دخلوا تركيا بشكل غير قانوني، (2) أفراد ارتكبوا جرائم بسيطة أو جُنَحاً، و(3) أفراد اختاروا العودة طواعية إلى الوطن.
وتتألف المجموعة الأولى من سوريين لم يسجّلوا للحصول على الحماية المؤقتة أو لم يحصلوا على بطاقة الهوية (المعروفة باسم كيمليك) عند دخولهم تركيا. وتشمل هذه المجموعة أيضاً السوريين الذين حصلوا على كيمليك ولكن تم تسجيلهم للحماية المؤقتة في محافظة غير المكان الذي اعتُقِلوا فيه. ووفقاً لمنظمة العفو الدولية ومنظمات غير حكومية أخرى، يتم توقيف السوريين بشكل عشوائي من قبل ضباط شرطة يرتدون ملابس مدنية ويطلبون منهم إظهار بطاقة الهوية. ويتم ترحيل أولئك الذين ليس لديهم بطاقة كيمليك سارية المفعول، أو الذين تم تسجيل بطاقتهم في مكان آخر.
وتتألف المجموعة الثانية من سوريين ارتكبوا جرائم بسيطة أو جُنَحاً. حيث كان لدى الأشخاص في هذه الفئة خيار الاعتقال أو الترحيل. وكانت الانتهاكات في كثير من الأحيان مرتبطة بقوانين العمل التركية التي تتطلب من السوريين الحصول على تصاريح عمل مجازة من وزارة العمل. ولكن الحصول على تصريح عمل هو عملية شاقة. حيث يتعين على أصحاب العمل تقديم طلب نيابة عن موظفيهم ودفع رسوم سنوية عن كل عامل سوري. ولا يمكن لصاحب العمل تقديم الطلب إلا بعد مرور ستة أشهر من حصول اللاجئ على كيمليك، وتستغرق عملية التقديم شهراً أو أكثر. ونتيجة لذلك، يشارك العديد من السوريين بشكل غير رسمي في سوق العمل.
وتشمل المجموعة الثالثة الأفراد الذين اختاروا العودة طواعية إلى سوريا. ولكن تُظهر تقارير واردة من منظمات غير حكومية مختلفة أن السلطات التركية اعتقلت اللاجئين باستمرار وأجبرتهم على التوقيع على وثائق عودة “طوعية”، أحياناً عن طريق الضرب والتهديد. ووصف تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية عام 2019 العديد من هذه الحالات، بما في ذلك حالة لرجل مسيحي (قُبِض عليه وهو في طريقه إلى اليونان من قبل خفر السواحل التركي) طلب منه مترجم اللغة العربية أن يوقّع على وثيقة تؤكد استلامه بطانية. بينما كانت الوثيقة عبارة عن موافقته على العودة الطوعية إلى الوطن. وعندما رفض الرجل، قال له المترجم، “[أنت] لا تريد التوقيع؟ حسناً، أنا سأوقّع نيابة عنك”، ثم قام بالتوقيع على الوثيقة وختمها ببصمة إصبعه. واحتجزت جبهة النصرة الرجل لمدة أسبوع بعد عودته إلى إدلب.
إن استمرار تركيا في ترحيل السوريين إلى إدلب التي تمزّقها الحرب – حيث تواصل الحكومة السورية هجومها – يثير العديد من القضايا. أولاً، تنتهك تصرفات تركيا القانون الدولي بناءً على مبدأ عدم الإعادة القسرية؛ إذ لا ينبغي إعادة أفراد إلى بلد قد يتعرّضون فيه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وغير ذلك من الأذى الذي لا يمكن جبره. وتنصّ صكوك حقوق الإنسان المختلفة على هذا المبدأ، بما في ذلك المادة 33(1) من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين والمادة 3(1) من اتفاقية مناهضة التعذيب. كما أنه محظور بموجب القانون التركي رقم 6458 المتعلق بالأجانب والحماية الدولية الذي ينص على أنه لا يمكن إعادة الأشخاص الذين سيواجهون الاضطهاد أو الموت إلى بلدانهم. وبالإضافة إلى ذلك، يأتي مبدأ عدم الإعادة القسرية في صُلب اتفاقيات جنيف.
ثانياً، يتم أيضاً التشكيك في صحة سياسات الهجرة الأوروبية. عندما تم إبرام الاتفاق الأوروبي/التركي في آذار/مارس 2016، اتفقت الدول الأطراف على أنه يمكن إعادة طالبي اللجوء السوريين في اليونان إلى تركيا دون تقييم الاتحاد الأوروبي لطلبات الحماية الأصلية بناءً على ظروف البلد في سوريا. حيث كانت الفكرة أن تركيا “بلد ثالث آمن” أو “أول بلد لجوء” للسوريين. ولكن يتم ترحيل العديد من طالبي اللجوء الذين يمرّون عبر اليونان إلى تركيا وفقاً للاتفاق الأوروبي/التركي، ويتم بعد ذلك ترحيلهم إلى سوريا. وبصرف النظر عن عوامل أخرى، فإن قيام تركيا بترحيل المدنيين بشكل متكرر إلى منطقة الحرب في إدلب يلغي وضعها كدولة ثالثة آمنة. كما يشير إلى بعض التواطؤ الأوروبي في انتهاك تركيا للقانون الدولي.
ثالثاً، بالنسبة لعائلات المرحّلين، فقد اجتُثّت حياتهم من جديد. حيث أن معظم المرحّلين هم من الذكور البالغين، وكان بعضهم في تركيا منذ سنوات. وكما هو متوقع، تكافح العائلات من أجل البقاء بدون معيلها من الذكور. وغالباً ما لا يكون لديهم خيار آخر سوى العودة إلى سوريا حيث يمكن لمّ شمل الوالدين والأطفال على الأقل. ومن شأن حتمية إعادتهم إلى الوطن أن تدحض الطبيعة الطوعية لعودة العائلات، مما يلقي بظلال من الشك على التزام تركيا بمبدأ عدم الإعادة القسرية، ووضعها كدولة ثالثة آمنة، وشرعية مخطط الترحيل الخاص بها.
وبغضّ النظر عن سبب عودتهم، يواجه السوريون الذين يتم إرسالهم إلى إدلب ظروفاً قاسية بسبب الحرب الوحشية. ومما يزيد الطين بلة، أن المدنيين المعرّضين للخطر في المنطقة يواجهون الآن كوفيد-19 – حيث تم العثور على الحالة الأولى في مشفى باب الهوى الحدودي. وبالتالي، يجب على تركيا التوقف عن ترحيل الأفراد الذين لديهم طلبات لجوء صحيحة إلى سوريا. وعلى الدول الأوروبية الاعتراف أيضاً بأن تركيا لا تشكل دولة ثالثة آمنة للاجئين السوريين، ثم تعديل سياسات الهجرة الخاصة بها وفقاً لذلك. وإن الفشل في تبنّي سياسات هجرة إنسانية وشاملة سيستمر في تعريض حياة طالبي اللجوء للخطر بشكل غير قانوني.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.