"حياتي كانت دمار وضياع وتشتت": زوجة تبحث عن زوجها الذي خطفه تنظيم داعش
في اليوم العالمي للمختفين قسرياً يُذكر المركز السوري للعدالة والمساءلة العالم بمئات المختفين في سوريا الذين تم اختطافهم على يد تنظيم داعش الإرهابي. لايزال يعيش اهالي المختفيين كابوس عدم معرفة مصير ذويهم واحبائهم. اليوم يتحدث المركز مع السيدة رزان التي خُطف زوجها في عام ٢٠١٤ وهي حامل بطفلهما الاول، محمد وُلد وصار عنده ست سنوات ولم يلق ابيه حتى هذه اللحظة. محمد الذي يبلغ الآن ست سنواتٍ ولم يقابل أبيه حتى هذه اللحظة.
- حدثينا عن نفسك وأسرتك وكيف تغيرت حياتك بعد عام 2011 في سوريا؟
- رزان من سوريا (حلب)، عمري 30 سنه، متزوجة من مصطفى خيال اختفى زوجي في7/6/2014. فقدان زوجي كان دمار لعائلتنا بكل معنى الكلمة.
- ماذا كان يعمل زوجك؟
- كان زوجي خريج كلية الشريعة الإسلامية وأستاذ المادة الإسلامية إمام مسجد.
- متى سيطر تنظيم داعش على المنطقة التي كنتم تقطنون بها؟
- عام 2013 سيطر التنظيم على مدينتنا وعلى مدينة أهلي لقد خرجوا من منطقتنا تحت الضغط وبقيت سيطرتهم على مدينة أهلي مستمرة.
- إشرحي لنا كيف كان تنظيم داعش يتعامل مع أهل القرية وكيف كانوا يتعاملون مع آئمة المساجد؟
- كان معاملتهم سيئة جدا كأننا كفار وهم المسلمين وكأننا لا نعلم شيء من أمور الدين رغم التزام أغلب أهالي المدينة باللباس الشرعي. أما آئمة المساجد فقد كان وضعهم حساس وفي نقاش وصراع دائم معهم.
- ماذا كان يشعر زوجك تجاه أفعال التنظيم؟ هل كان يشعر بالخوف منهم؟
- كان زوجي في البداية ينظر لهم نظرة المسلمين الملتزمين لكن – فيما بعد – بدأ يستنكر عليهم أعمال الظلم والفساد المنافية لأخلاق المسلمين. لم يكن يخاف منهم ولا من كلمته وحتى انه ناقش أحدهم بكل شفافية وقال له:” تصرفاتكم لا تمت للإسلام والمسلمين بصلة”.
- إشرحي لنا ماذا حدث يوم اختفاء زوجك.
- يوم 7/6/2014 كان صعب جدا. كل تفاصيله مزروعة في ذاكرتي حتى أنني أكره الساعة السادسة بسبب هذه الحادثة التي كانت بداية مأساتي. ذهبت انا وزوجي لمدينة أهلي حلب زيارة واوقفنا حاجز للتنظيم بحجة التفتيش المعتاد، رغم ذهابنا الدائم لزيارة أهلي، اوقفونا لمدة ساعة ونصف بسبب الازدحام وطلبوا تفتيش حقيبة يدي وحقيبة السفر الخاصة بي رغم معرفتهم بأنها تحتوي ملابسي فقط ما أثار غضب زوجي وأخبرهم بأنني متعبة جدا وحالتي الصحية سيئة وكانت حجتهم هي أنهم يخافوا من تواجد الأسلحة في الحقيبة وبين لهم زوجي انه لا يوجد اي شيء يخصه وان الحقيبة مخصصة لي ثم فتحوا اللاب توب الخاص بزوجي ودخلوا إلى كل الملفات. عندما عرفوا بأنه إمام مسجد من خلال خطاباته المصورة جن جنونهم وقالوا له:” انت رهن الاعتقال” وتركونا لمدة ساعة ثم جاءت سيارة ونقلوا زوجي وامانته إلى مدينة الباب وسجن المحكمة كما تم اخبارها لحظة الاعتقال.
- هل تم التواصل معه، بعد حادثة اختطافه من قبل تنظيم داعش؟
- بعد أسبوع من اختطافه رأيناه في محكمة الباب وقال لي:” إنهم غاضبين من كلامي على الحاجز واتهموني بأنني لا اعترف بهم كدولة اسلامية يومها اخبرته بحملي الذي علمت به بعد اعتقاله بعدة أيام.
- متى كانت أخر مره رأيتي فيها زوجك؟
- اخر مرة رأيته كانت في تاريخ 16/11/2014. أخبرنا بأنه في وضع صعب في زنزانة منفردة وبأنهم يأتون بشرعيين من جنسيات مختلفة لمناقشته دون الوصول لحل معه بعد طلبهم المبايعة ورفضه لطلبهم.
- كيف تغيرت حياتك بعد اختطاف زوجك؟
- حياتي أصبحت دمار وضياع وتشتت. كنت حامل في طفلي الأول ولا اعرف مصير زوجي في الوقت الذي كان من المفترض أن نمضي فيه أجمل اوقاتنا مع طفلنا الأول. كانت أقسى الأيام علينا. ذقنا فيها المر وكنت اقضي أغلب أيامي ذاهبة لسجن المحكمة للسؤال عن زوجي وعندما يقول السجان هذا الاسم موجود اطمئن بأنهم لم يقتلوه. أيام صعبة جدا…
- ماذا تقولين لإبنك عن ابيه؟ هل يسأل عن والده؟
- عندما كبر ابني أصبح يسأل:” لماذا أنا بلا اب؟ واصدقائي عندهم اب؟” وكنت دائما احرص على ابقاء فكرة أبيه قويا وقدوة له في الاخلاق والدين والمعاملة الحسنة والدعاء له لأنه بعيد عنا وكان حلمه المتواصل برؤيته يزداد وكنت أقول: “إن ابيك مسافر” لكن عندما ذهب للحضانة وأصبح أكثر وعيا قال لي:” إن المسافرين يتصلون، لماذا ابي لا يتصل؟ ولا يأتي؟” مما زاد الضغط علي فأخبرته بالحقيقة وكانت صدمة كبيرة له عندما عرف بواقعنا المرير وبتشتت عائلتنا وضياعها أصبح ابني كمرساةٍ لا ترنو ولا تحنو شعر بالانكسار والخيبة حتى أصبح يفكر بأنه لو أصبح سوبر مان واستطاع انقاذ أبيه من كل الأشرار.
شعور قاسي على طفل بهذا العمر أن يتعرف على الظلم والظالمين لكن سبحان الله من فضل الله علينا عندما أرسل لنا التنظيم امانات زوجي كانت تحتوي على دفتره الذي كتب فيه رسالة لأبننا والذي لم يكن قد رأى النور بعد، يوصيه فيها بي – أنا أمه- وبكتاب الله
ويقول فيها:
أيا بكر صبرا بعد هذا التضجر
فأمك قد أضناها صبرا مرير
فإن ضقت ذرعا في الظلام لأشهر
فإني كمثلك في السجون أسير
أترجو خروجا للحياة منعما
وفيها المنايا الهالكات تصير
فيا أيها الطفل الجنين ترفقا
بأم حنون يعتريها الزفير
سلامي عليك فكن كليث مزمجر
يصون الخلافة أو يزول الزئير
كانت هذه الأبيات كالبلسم المؤقت لجروح ابني، تشعره بالأمان رغم قسوة تعابيرها وبأن أبيه يحادثه وكان يستمع للكلمات بحب ووعي رغم صغر سنه.
- ما الذي قمتي به لمعرفة مصير زوجك؟ هل لا تزال تصلك أخبار عن زوجك؟
- محاولتي للبحث عنه كانت بشتى الوسائل لجأنا إلى ديوان العشائر التابع للتنظيم وسجن تادف وقاضي المظالم الذي جاء للمدينة لنصرة المظلومين الذين كثر عددهم وكثرت شكاواهم وتفاجأ هذا القاضي بسماع اسم زوجي وكأنه يعرفه وتعجب عندما قلت له بأن التنظيم أخبرنا بإعدامه، وبأنني لازلت أبحث عنه لأن أحد الاشخاص اخبرنا بأنه شاهده- بعد وصول خبر اعدامه لنا – في سجن في مدينة منبج التي سيطر عليها التنظيم ايضا وكان رده صادم لي بعد عدة ايام: بأنه لا يعرف مصير زوجي إن كان موجود أو غير موجود وأقر لنا بسر بأنه كان معه في احدى السجون وأقر بأخلاقه وعلمه وبأن أخلاقه وعلمه كنز وطلب منا مسامحته لأنه لم يستطيع توصيل رسالة اطمئنان شفهية من زوجي لنا وبأن الظروف لم تسمح له لكنني لا اسامحه فقد كان باستطاعته ان يبرد نزف جراحنا ولو بخبر بسيط وسلام يطيب جرحنا الدامي ويخمد النار في قلب أم على ابنها الذي غاب عنها وغابت أخباره بلا سبب ولا ذنب…
وآخر خبر تلقيناه عن زوجي بأن قوات سوريا الديمقراطية سيطرت على سجن للتنظيم وزوجي من المساجين عندما بدأت تنتشر اخبار عن السجون وعن الوضع الصعب الذي يعيشه المساجين واستطعنا الوصول لبعض اسماء هؤلاء المساجين القليلة وتواصلنا مع اهلهم، ولكن أهلهم كذلك لم يتمكنوا من الوصول لأي معلومات عن ابنائهم هم فقط يعلمون انهم في سجون سوريا الديمقراطية
- ما أهمية تسليط الضوءعلى قضية المختطفين بالنسبة لك؟
- قضية المختطفين قضية مهمة جدا لأنني كزوجة مفقود اعرف شعور زوجات وأمهات وأولاد المفقودين ومعاناتهم شعور الفقد صعب جدا كالغريق لا ينجو ولا يغرق ويبقى يصارع لكن خيط نجاة يمكن ان ينقذه كما يقال في المثل الشعبي وبالفعل الشهيد نعرفه عند الله هو أرحم به من أمه وأبيه لكن المفقود غيابه كالنار الملتهبة لا تخمد ابدا ومع مرور كل يوم تزداد شعلتها ولهيبها حتى أنى أصبحت أكره أي كلمة تدل أو تمت للفقد بصلة شعوري لا يمكن ترجمته ولا وصفه إلا لمن عاشه.
- وفي النهاية، بماذا تحلمين عند المساء عندما تغمضين عينيك؟
- اه…. حلمي أن أعرف مصير زوجي وان يبتسم ابني بشعوره بالأمان ان يشعر بالسند والقوة التي حرم منها من قبل أن يرى النور. أتمنى أن تنتهي كلمة مفقود من حياتنا ان تنعم جميع أمهات وأولاد وزوجات المفقودين بالراحة لأن معاناتنا لا يعلم فيها إلا الله. لله الأمر من قبله ومن بعده…
قصة رزان هي واحدة من قصص لا تعد ولا تحصى من شمال شرق سوريا. يمكنك الاطلاع على تقارير وعمل المركز السوري للعدالة والمساءلة على قضية مختطفي داعش هنا. اذا كان احد احبائك تم خطفه من قبل داعش، يمكنك التواصل معنا علي البريد الالكتروني [email protected]
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.