شاهد أم مشتبه به؟ محاكمة أنور رسلان وإياد الغريب
مع دخول محاكمة أنور رسلان وإياد الغريب شهرها الخامس، هناك مسألة متكررة تتعلّق بالاستجواب الأولي الذي أجرته الشرطة مع المتهمين. هل يجب قبول الإفادات التي قدمها أنور وإياد للشرطة كدليل على إدانتهما؟ سيعتمد الجواب على وضع أنور وإياد وقت الاستجواب: هل كانا شاهدين أم مشتبه بهما؟
الاستجواب السابق لأنور وإياد
في عام 2015، قدّم أنور شكوى إلى الشرطة الألمانية بعد أن اشتبه في أن أفراداً يتابعونه ويراقبونه في ألمانيا، افترض أنهم عناصر في أجهزة المخابرات السورية،. وأثناء تقديمه للمعلومات في مركز الشرطة من أجل الحصول على حماية الشرطة، كشف أنور معلومات عن نفسه من شأنها أن تُدينه. على وجه التحديد، أخبرهم أنه كان عقيداً سابقاً في الجيش وقدّم تفاصيل عن الانتهاكات المرتكبة خلال فترة عمله في الفرع 251. وفي عام 2017، استجوبت الشرطة أنور وذكر معلومات عن معتقلين وسُئل عن أساليب الاعتقال والتعذيب.
وقد تم استجواب إياد للمرة الأولى من قبل الشرطة في عام 2018. ووفقاً للمحققين، قال إياد إنه كان يقوم بنقل الأفراد إلى السجن وأنه عمل في الفرع 251.
طلبات استبعاد إفادات أنور وإياد
في اليوم الأول والسابع من المحاكمة، طلب محامي إياد استبعاد الإفادات التي أدلى بها إياد للمحققين أثناء استجواب الشرطة من قائمة الأدلة حيث لم يُبلَّغ موكّله بأنه كان يتم استجوابه بصفته مشتبه به. وعلى غرار ذلك، قدّم محامي المتهم أنور اعتراضاً في اليوم العاشر من المحاكمة فيما يتعلق باستخدام استجواب أنور في عام 2017. حيث ذكر محامي أنور أن الاستجواب افترض أن أنور كان يتم استجوابه بصفته مشتبه به، وليس بصفته شاهد، وبالتالي لا ينبغي قبول أي دليل أفضى إليه ذلك الاستجواب.
يطالب محامو الدفاع باستبعاد الإفادات بناءً على القوانين الألمانية التي تحكم الطريقة التي يتم بموجبها استجواب الشهود والمشتبه بهم. ولم يُصدر القضاة قراراً بشأن هذه المسائل ذات الصلة بالأدلة حتى الآن، ولكن حكمهم سيكون له تأثير كبير لأنه سيحدد الأدلة التي يمكن أخذها في الاعتبار عند إصدار قرارهم النهائي. ويمكن أن يكون لهذه الأحكام أيضاً تأثير على شهادات بعض الشهود المطّلعين، مثل P3، الذي يقدّم معلومات مهمة لربط المتّهمين بالجرائم الأساسية (انظر تقرير مراقبة المحاكمة رقم 5 الصادر عن المركز السوري للعدالة والمساءلة).
حقوق الشهود والمشتبه بهم بموجب القانون الألماني
يوجد في القانون الألماني حقوق وقواعد مختلفة بشأن شهادة الشهود. حيث يقدّم الشهود أدلة من تجاربهم الشخصية في دعاوى غير موجهة ضدهم. وبموجب القانون الألماني، يترتّب على الشهود التزام قانوني بالإجابة على الأسئلة التي تطرحها الشرطة وقول الحقيقة؛ وإذا لم يفعلوا ذلك، فقد توجَّه إليهم اتهامات جنائية. غير أنهم قد يرفضون الإجابة على أسئلة معينة إذا كانت إجاباتهم قد تدينهم شخصياً (القسم 55 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني “Strafprozeßordnung”). ويجب إبلاغ الشهود بهذه الحقوق والواجبات قبل استجوابهم.
وإن المشتبه بهم ليسوا ملزمين بالإجابة على أسئلة الشرطة. حيث للمشتبه به الحق في التزام الصمت، والحق في استشارة محامٍ، والحق في التمثيل القانوني أثناء الاستجواب. ويجب على المسؤولين الحكوميين إخطار المشتبه به بحقوقه عند بدء الاستجواب. وإن تقييم ما إذا كان المدعى عليه يتمتع لديه بالحق في الكذب هو مسألة أكثر إثارة للجدل. ولكن بخلاف الشهود، لا تؤدي شهادة الزور التي يُدلي بها المدّعى عليه إلى مسؤولية جنائية.
إذا انتهكت الشرطة أياً من هذه المبادئ، فقد لا يتم النظر بالإفادات التي تم الإدلاء بها للشرطة أثناء المحاكمة. وقد تنظر المحكمة في إفادة تم الإدلاء بها إلى الشرطة إذا وافق المدعى عليه على استخدام شهادته في المحاكمة. غير أن أنور وإياد اعترضا على استخدام إفاداتهما، لذا لا يمكن افتراض الموافقة.
هل تم استجواب أنور وإياد بصفتهما شاهدَين أم مشتبه بهما؟
ينشأ التحدي في تحديد متى يمكن أن يتحوّل الشاهد إلى مشتبه به.
لا توجد قاعدة واضحة ومكتوبة تحدّد متى ينتقل شخص من الاستجواب بصفته شاهد إلى الاستجواب بصفته مشتبه به، ولكن الرأي السائد يُطبِّق اختباراً موضوعياً وشخصياً. حيث يسأل الجزء الأول من الاختبار ما إذا كانت هناك مؤشرات واقعية كافية على أن الشخص الذي يتم استجوابه قد ارتكب جريمة. ويسأل الجزء الثاني من الاختبار متى تقرّر الشرطة بدء التحقيقات الرسمية ومقاضاة الفرد. ويمنح هذا الجزء السلطات بعض السلطة التقديرية، ولكن لا يمكن إساءة استخدامه لحرمان الفرد بشكل تعسفي من وضع المشتبه به والحقوق التي يتمتع بها.
استجواب إياد من قبل الشرطة
تم استجواب المتهم إياد في البداية بصفته شاهد عندما كان المدعي العام الألماني يحاول التعرّف على مشتبه بهم مجهولين متورطين في النزاع السوري. وهذا يعني أنه تم إبلاغه بأنه سيتم استجوابه حول جرائم ارتكبها آخرون وأنه هو نفسه ليس مشتبهاً به. وخلال استجوابه، كشف إياد عن معلومات فيها إدانة لنفسه أدت إلى توجيه لائحة الاتهام. ولكن ليس من الواضح أن السلطات ما إذا كانت السلطات ملزمة بإبلاغه أو متى ستعتبره مشتبهاً به. وفي مراجعتها للحبس الاحتياطي (باللغة الألمانية فقط)، أقرّت محكمة العدل الاتحادية بأنه لم يكن هناك شبهة محددة ضد إياد عند بدء الاستجواب، ولم تطرح السلطات أسئلة محددة حول تورطه الشخصي في أنشطة إجرامية طوال فترة الاستجواب. غير أن تحليل المحكمة الاتحادية يشير إلى وجود شبهة قوية إلى حدٍ ما أو إرادة “ذاتية” من قبل إنفاذ القانون لمحاكمة إياد نشأت في وقت ما أثناء المقابلة.
وعندما أخبر المتهم إياد محققي الشرطة أنه ساعد في اعتقال المتظاهرين ونقلهم إلى الفرع 251، وأنه كان يعلم أن المعتقلين تعرضوا لسوء المعاملة والتعذيب والقتل في الفرع 251، كانت هناك إشارة واضحة لا لبس فيها إلى أنه قد يتحمل المسؤولية الجنائية. وربما يكون هذا هو الوقت الذي كانت فيه السلطات ملزمة قانوناً بمعاملة إياد كمشتبه به وإبلاغه بحقوقه المختلفة. وإذا لم تكن السلطات قد أبلغت إياد بحقوقه، فمن المرجح أن يتم استبعاد جميع المعلومات التي تم الحصول عليها في هذا الاستجواب من الأدلة.
وإن هذا النوع من المسائل ذات الصلة بالأدلة ليس حكراً على المحاكم الألمانية، فقد تم إثارته في محاكم جنائية ومحاكم جرائم حرب أخرى. تضمن المحكمة الجنائية الدولية المادة ٧٤ من مواد الإجراء والأدلة التي تحمي الشاهد من تجريم الذات، ونظام روما الأساسي يضمن حقوق المشتبه فيه بما فيها حقوق الالتزام بالصمت وحق طلب مساعد قانوني. و في قضية أمام المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، رفضت الدائرة الابتدائية للمحكمة قبول أقوال المتهم لأن كان قد تم استجوابه كشاهد فقط في ذلك الوقت. وعلى الرغم من إبلاغ المتهم بحقه في الاستعانة بمحام والحق في التزام الصمت، لم ينظر الادعاء إلى المتهم كمشتبه به أثناء الاستجواب، وبالتالي تم استبعاد تلك الإفادة من الأدلة.
ولم يُصدر القضاة في كوبلنتس بعد قراراً بشأن الاعتراضات التي أثارها محامو الدفاع بشأن مقبولية الإفادات التي أدلى بها موكلاهما. ويمكنهم إصدار قرار بشأن هذه المسألة في أي وقت أثناء المحاكمة – سواء كان ذلك الآن أو في النهاية. وسيتم تقديم المزيد من الأدلة أثناء المحاكمة ولكن المعلومات التي قدّمها كل من المتهمين خلال استجوابهما الأولي من قبل الشرطة يمكن أن تكون المفتاح لإثبات ضلوعهما في الجريمة أو براءتهما. وقد يكون لها أيضاً تأثير على مدى استعداد الشهود المطلعين للإدلاء بشهادتهم في هذه القضية وفي قضايا في المستقبل لأنهم قد لا يكونون متيقنين من وضعهم أو سبل الحماية الممنوحة لهم.
لمعرفة وقراءة المزيد حول المحاكمة الجارية، يُرجى الرجوع إلى تحديثات مراقبة المحاكمة التي يقوم بها المركز السوري للعدالة والمساءلة.
نشكر المركز الدولي للبحث وتوثيق محاكمات جرائم الحرب (ICWC) والبروفيسورة ستيفاني بوك على البحث الذي قاما بإجرائه.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.