عقدان من الانتهاكات وازدياد الحاجة إلى العدالة
في 16 تموز/يوليو، 2000، قبل عشرين عاماً، تمت الموافقة على تولّي بشار الأسد رئاسة سوريا بعد استفتاء أجري في 10 تموز/يوليو، 2000 الذي سمح للشعب السوري بالتصويت على المرشح الرئاسي. ولكونه المرشح الوحيد، فقد تمّ انتخابه بنسبة 97%. وجاء انتخابه بعد شهر تقريباً من وفاة والده حافظ الأسد الذي تولّى الرئاسة لنحو 30 عاماً. وبعد وفاة حافظ، أجرى البرلمان السوري تعديلاً سريعاً على الدستور لخفض متطلبات سنّ الرئيس من 40 إلى 34 عاماً، وهي سنّ بشار في ذلك الوقت، وهيأ ذلك الأرضية لمزيد من الفساد في المستقبل.
ومن أجل فهم النزاع السوري، والأهم من ذلك، فهم نوع إجراءات العدالة المطلوبة، يجب على المرء أن يفهم العشرين سنة الكاملة من حكم بشار. ففي نهاية العقد الأول لحكم بشار، والذي طغى عليه زيادة الاستبداد والاعتقالات الجماعية للمدنيين، كان هناك استياء على نطاق واسع، وعُزِلت سوريا عن المجتمع الدولي. ولكن بشار أثبت عدم قدرته على الاعتراف بهذا الاستياء، وعدم تنفيذ الإصلاحات اللازمة أيضاً. وبدلاً من ذلك، ضاعف بشار من سياساته السابقة، مستغلاً مؤسسات الدولة التي ساعد في تشكيلها على مدى السنوات العشر الماضية لمحاولة قمع الانتفاضة من خلال إضفاء طابع أمني على الحياة اليومية وإنشاء نظام ضخم للاعتقال والتعذيب.
العقد الأول: العفو والاعتقالات
خلال سنوات بشار الأولى في الرئاسة، كان لدى السوريين بعض الأمل في أنه لن يكون حاكماً قمعياً كما كان والده، بحجّة صغر سنّه، وسنواته التي قضاها في الغرب، وعدم اهتمامه السابق بالسياسة. وفي مرحلة مبكرة من رئاسته، شهدت سوريا انفتاحاً نسبياً بات يُعرف باسم ربيع دمشق، عندما اجتمعت مجموعات من المثقفين السياسيين لمناقشة مختلف الإصلاحات التي يمكن أن تقوم بها الدولة. وعلى غرار ذلك، في تشرين الثاني/نوفمبر 2000، أصدر بشار عفواً أغلِق بموجبه سجن المزة، الذي ضمّ سجناء عسكريين وسياسيين، وأصدر عفواً عن 600 سجين. غير أن بوادر الإصلاح تلك لم تكن سوى سراب.
وأعقب ربيع دمشق حملةُ اعتقالات. وشملت اعتقال عضو البرلمان السوري وزعيم ربيع دمشق رياض سيف والعضو مأمون الحمصي، الذي نشر تقريراً يدعو البرلمان للتحقيق في منح رخصة أعمال لابن خال بشار رامي مخلوف. وبالإضافة إلى ذلك، لم يتم توسيع نطاق حالات العفو، وواصلت الأجهزة الأمنية التابعة لبشار اعتقال المعارضين السياسيين والصحفيين.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أنه في السنوات الأولى لرئاسة بشار الأسد، تم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط/فبراير 2005. وقد أثر ذلك الاغتيال على علاقة الغرب بسوريا. حيث أوقف الاتحاد الأوروبي اتصالاته مع دمشق بشأن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ولم يتم استئناف المحادثات إلا بعد ذلك بعامين. وأظهر ذلك الاغتيال لأولئك الموجودين خارج سوريا أن حكومة بشار تعمل بوسائل فاسدة لضمان السلطة وخنق المعارضة.
العقد الثاني: الثورة والانتهاكات
في كانون الثاني/يناير 2011، بعد بدء الاحتجاجات كجزء من الربيع العربي، أجرت صحيفة وول ستريت جورنال مقابلة مع بشار. وكانت المقابلة بمثابة اكتشاف لعدم قدرة بشار على فهم مطالب الشعب السوري. ففي رده على سؤال المحاور حول ما إذا كان بشار يشعر بالقلق من أن الاحتجاجات في مصر قد تثير احتجاجات في سوريا، أجاب قائلاً: إن “مصر تحظى بدعم مالي من الولايات المتحدة، بينما نحن نخضع لحصار من قبل معظم دول العالم. ونشهد نمواً على الرغم من عدم امتلاكنا للكثير من الاحتياجات الأساسية للناس. وعلى الرغم من كل ذلك، لا يخرج الشعب في انتفاضة”. ومن خلال التركيز على عوامل خارجية مثل التمويل الخارجي والحظر، أهمل بشار مصادر الاستياء الأخرى التي كانت ستتسبب في انفجار وشيك، ألا وهي عقود من الفساد والقمع منذ حكم حافظ الأسد والتي استمرت في عهد وحكم بشارالأسد.
ولم يمضِ وقت طويل بعد المقابلة حتى اندلعت الاحتجاجات السلمية في جميع أنحاء سوريا للمطالبة بتغيير النظام القمعي. وقد قوبلت تلك المطالب بِردّ عسكري ثقيل. حيث كان تضييق بشار على المعارضة السلمية هو نتاجاً منهجياً لعقود من الاستبداد من قبل حزب البعث، ونهجاً ثابتاً من خلال حملات الاعتقال لسجناء سياسيين قبل عام 2011.
وبعد قرابة 10 سنوات من النزاع، بات الشعب السوري شاهداً على تدمير البنية التحتية المدنية، وحصار الحكومة السورية للمدنيين في المدن التي تحتلها قوات المعارضة، واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وآلاف المفقودين على أيدي كل من الحكومة السورية والجماعات المتطرفة. وفي الوقت الذي يكمل فيه 20 سنة في منصبه، فقد دمّر الأسد أجزاء عديدة من البلد، تاركاً ملايين المدنيين نازحين، ومئات الآلاف من القتلى أو المفقودين.
السعي لتحقيق المساءلة
يُلقي تقرير للجدران آذان الصادر عن المركز السوري للعدالة والمساءلة نظرة عميقة على قطاع الأمن في سوريا ويبيّن كيف استخدمت الحكومة السورية أجهزتها الأمنية لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. حيث أن الجرائم التي ارتُكبت خلال سنوات النزاع التسع في سوريا تنبع من نظام الفساد والقمع والمؤسسات داخل أجهزة الأمن وحزب البعث والحكومة السورية، والتي صُممت لهذا الغرض. ولهذا السبب، يجب وضع تدابير قضائية للتصدي لهذه المؤسسات وتراثها من الانتهاكات. وبالإضافة إلى الإصلاح المؤسسي، يجب أن تشمل جهود العدالة أيضاً جهود إحياء الذكرى، وجبر الضرر للضحايا، وبرنامج الأشخاص المفقودين، وإنشاء سجل تاريخي للانتهاكات والنزاع في سوريا.
وأثناء بناء السلام في مرحلة ما بعد النزاع، يجب وضع آليات تضمن عدم تكرار الفساد والانتهاكات المنهجية في سوريا. وأن تضمن عدم الاستخدام الممنهج للاعتقال والإخفاء القسري كممارسة معتادة ضد المدنيين السوريين، يجب على المجتمع الدولي أن يحثّ الحكومة السورية على الكشف عن جميع أسماء المعتقلين، سواء الذين اعتُقلوا طوال فترة النزاع أو ما قبل النزاع، مع توضيح أسباب اعتقالهم، وإذا تم الإفراج عنهم أو متى تم ذلك. وأخيراً، يجب أن تكون المساءلة في الطليعة للضحايا الذين نجوا من الانتهاكات عبر عقود من حكم حزب البعث في سوريا.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.