هل ستكون المساءلة بحد ذاتها ضحية من ضحايا الغوطة؟
صورة من شريط فيديو شبكة شام الإخبارية على اليوتيوب يُزْعَمْ بأنها تُظْهِرُ أطفالاً ضحايا لهجوم بالأسلحة الكيماوية (لم يتم التحقق من ذلك).
قُتِلَ المئات في هجوم الأسلحة الكيماوية الذي تم شنه الأسبوع الماضي على منطقة الغوطة في شرق دمشق. وقد ظهرت صور وأشرطة فيديو مؤرقة ومأساوية ومرعبة، نتيجة الجهود التي لاتقدر بثمن، والتي تبذلها المجموعات والأفراد التي تعمل على توثيق هذا الهجوم. ما قد يكون أسوأ هجوم كيماوي يشهده العالم منذ عقود من الزمن. ولكن ما هي الغاية من هذا التوثيق؟ وهل سوف يتم تحقيق المساءلة في الغوطة؟
على الرغم من التعرض لطلقات نار القناصة في الطريق، فقد سُمِحَ أخيراً لمفتشي الأمم المتحدة بالدخول الى الموقع الذي يعتقد بأن الأسلحة الكيماوية قد استخدمت فيه. ذهب المحققون إلى المعضمية في ريف دمشق، وبدؤوا بأخذ العينات. وكلما أسرعوا، كلما كان ذلك أفضل. لأن التحقق من استخدام الأسلحة الكيماوية يصبح أصعب مع كل يوم يمر. إلا أن السؤال الرئيس الذي يطرح نفسه هو: كيف ينبغي استخدام هذه المعلومات عند الحصول عليها والتحقق منها؟ التحقيق في مشهد الغوطة ينبغي أن يكون الخطوة الأولى، وليس الخطوة الوحيدة في إجراءات العدالة الإنتقالية الأوسع.
ولسوء الحظ – وقد ينطبق هذا بشكل خاص على هجوم الغوطة – أصبحت جهود العدالة الإنتقالية أكثر صعوبة بعد مزاعم حدوث فظائع جماعية. وقد شهد التاريخ العديد من الأمثلة على نزاعات مطولة لم تنتهِ بمصالحة، بل بانقسامات مُمَأسَسَة، وبانعدام الثقة بين المواطنين، وكذلك بالحكومة الشرعية. والهجوم الكيماوي الذي شُنَ يوم الأربعاء هو من الأحداث التي تعزز من الإنقسامات وتزيد من تعقيد المصالحة ضمن، وفيما بين، الجماعات المختلفة في البلاد.
في الوقت نفسه، فإن جهود المساءلة ستكون حاسمة في القضاء على أي جانب من الإفلات من العقاب. وينبغي توثيق ما يمثله الهجوم على الغوطة من إستخفاف بالحياة البشرية. كما ينبغي أن يُؤْخَذ هذا على محمل الجد من قبل كل من السوريين والمجتمع الدولي من أجل إبراز أهمية مفهوم المساءلة. ونظراً لهذا الشعور المتزايد بالإستعجال الذي أثاره الهجوم الكيماوي، يجْدرُ التأكيد هنا على أن جهود المساءلة ينبغي أن تكون جزءاً من أي خطط خاصة بالمرحلة الإنتقالية في سوريا.
إن السؤال حول “وماذا بعد ذلك؟” مرتبط بشكل وثيق بفكرة “المساءلة”. ولكن بالنسبة لماهيّة المساءلة، وما الذي ستعنيه للسوريين، وكيف سيتم تطبيقها في نهاية المطاف. فهذا أمر يعود للسوريين أنفسهم. وإذا كان ذلك سيعني عشرات الأشهر من العنف بدون أي خطط ملموسة للعدالة الإنتقالية، فإن مصطلح “المساءلة” قد يُعتَبَر خطاباً أجوفاً بدلاً من إلتزام حقيقي بالعدالة.
لايمكن التقليل من قيمة وأهمية المساءلة. والإيمان واسع النطاق بالمساءلة من شأنه أن يُثْنِيَ مرتكبي أعمال العنف المحتملين في المستقبل. كما أن الدعم الكبير لعملية تقصي الحقائق يجعل من الجهود التي تُبذْل لإخفاء الحقيقة جهوداً مُخْجِلَة. وبإمكان جهود المصالحة تعزيز الثقة والإطمئنان لدى السكان. إلا أن المساءلة المشروعة بعد النزاع تتطلب توثيقاً، وتوفر آليات وإجراءات مشروعة للبحث عن الحقيقة، وتبلغ فعاليتها أوجها عندما تصاحبها الثقافة المدنية والتوعية بشأن الأشكال المتنوعة التي قد تتخذها العدالة الإنتقالية أثناء وبعد النزاع. المساءلة ليست مجرد كلمة، بل هي مبدأ وأداة قادرة على مساعدة سوريا على تحقيق انتعاش من النزاع في نهاية المطاف.
وبسبب عدم وجود متابعة للهجوم على الغوطة، يُتَوَقَع أن يفقد السوريون الثقة بأنه ستتم مساءلة مرتبكي هذا الهجوم، أو مرتكبي أية جرائم أخرى خلال النزاع، عن جرائمهم. والمركز السوري للعدالة والمساءلة ملتزم بدعم جهود العدالة الإنتقالية التي يقودها السوريون، والتي تهدف الى تأمين العدالة والمساءلة لكافة السوريين. وفي حين أن جهود التوثيق والتخطيط للعدالة الإنتقالية تتسم بالصعوبة، على الأخص عندما يتم ارتكاب الفظائع الجماعية وجرائم الحرب، إلا أنها قد تكون أداة قوية لمواجهة الحصانة من العقاب وتمهد السبل للمزيد من السلام في المستقبل.
المركز السوري للعدالة والمساءلة إذ يُثْنِي على عمل الموثقين الذين عملوا على تسجيل الأحداث في الغوطة، يَبْقَى ملتزماً بتقديم الدعم المستمر لجهود التوثيق والعدالة الإنتقالية في سوريا.