بدافع الفقر، سوريون يفقدون أرواحهم في ليبيا
في أواخر الشهر الماضي، دقّت الحكومة في طرابلس ناقوس الخطر منذرة بوجود مصدر محتمل لفيروس كوفيد-19 في البلد: وصول مئات المقاتلين السوريين للقتال في صفوف قوات المعارضة التابعة لخليفة حفتر على متن شركة الطيران الوطنية السورية، أجنحة الشام للطيران. سلّطت هذه التحذيرات الضوء على تدويل الحربين السورية والليبية، اللتين أصبحتا متشابكتين بشكل متزايد. حيث أن السوريين، الذين ما زالوا محرومين من السلام في وطنهم، يقاتلون الآن على جانبي النزاع في ليبيا بإيعاز من روسيا وتركيا. وإن مشاركتهم في النزاع الليبي تشير إلى كيفية استغلال القوى الأجنبية للنزاع السوري بطرق جديدة لمصالحها الاستراتيجية، وإلى المحنة التي بلغت حدّ اليأس للعديد من الشباب السوريين المحرومين من الفرص.
تتبّع تاريخ المقاتلين السوريين في ليبيا
يشير تقرير صدر مؤخراً عن صحيفة لوموند إلى أن وجود المقاتلين السوريين في النزاع الليبي الحالي يعود إلى عام 2018. ونقلاً عن مصدر قريب من “مجموعة فاغنر”، المقاول العسكري الروسي القوي على جبهات القتال في سوريا وليبيا، يذكر التقرير أن حوالي 1,500 مقاتل سوري ذهبوا للقتال إلى جانب قوات خليفة حفتر بتنسيق من علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي السوري.
وبدعم من روسيا وفرنسا والإمارات العربية المتحدة وقوى إقليمية أخرى، شن الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر هجوماً في نيسان/أبريل 2019 للسيطرة على طرابلس، عاصمة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. ولإحباط انهيار حكومة الوفاق الوطني، زادت تركيا بشكل كبير من مساعدتها العسكرية للحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها – ولكن جاء ذلك بثمن باهظ. في كانون الأول/ديسمبر 2019، أبرمت تركيا وحكومة الوفاق الوطني اتفاقية تعترف بمنطقة اقتصادية خالصة من الشاطئ الجنوبي لتركيا إلى الساحل الشمالي الشرقي لليبيا، مما يمنح تركيا حقوق استكشاف واسعة في شرق البحر الأبيض المتوسط. وبعد شهر واحد في 2 كانون الثاني/يناير، أذن البرلمان التركي بنشر قوات لمدة عام واحد في ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني.
ولكن، سرعان ما أصبح واضحاً أنه للحد من ردود الفعل السياسية في تركيا، سيتصدّر السوريون الجهود العسكرية التركية في ليبيا. ومع انهيار وقف إطلاق النار وتدهور الوضع الإنساني في إدلب، أشارت تقارير إلى أن حوالي 2,000 مقاتل سوري من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا قد تم نقلهم من سوريا إلى جبهات القتال في ليبيا بين كانون الأول/ديسمبر 2019 وكانون الثاني/يناير 2020. وذكرت مصادر الجيش الوطني السوري بأن المقاتلين وقّعوا عقوداً مباشرة مع حكومة الوفاق الوطني ويتلقّون مبلغاً شهرياً قدره 2,000 دولار أمريكي – وهو أكثر بكثير من مبلغ 450-500 ليرة (65-72 دولاراً) الذي كانت تركيا تدفعه لهم أثناء القتال في سوريا. وقد وُعِد المقاتلون أيضا بالحصول على الجنسية التركية بعد إتمام مدة عقودهم.
وعلى الجانب الآخر، زادت روسيا أيضاً من عمليات تجنيد السوريين للقتال في ليبيا مع احتدام القتال حول طرابلس في الأسابيع الأخيرة. حيث أفادت الأنباء أن روسيا قامت بتجنيد مائتي سوري، بعضهم من الثوار من مناطق المصالحات والتسويات، في محافظة القنيطرة وتم نشرهم مع “فاغنر” في وقت سابق من هذا الشهر. ويحصل هؤلاء المقاتلون على أجر قدره 1,000 دولار أمريكي شهرياً، وهو نصف ما يتقاضاه المقاتلون المدعومون من تركيا في ليبيا، ولكنه يبقى مع ذلك مبلغاً ضخماً مقارنةً براتب 24 دولاراً أمريكي شهرياً الذي يتقاضاه المقاتلون من مناطق المصالحات والتسويات في الجيش السوري. كما أشارت أنباء بأن المجنّدين من مناطق المصالحات والتسويات قد وُعِدوا بالعفو من الحكومة عن الأنشطة السابقة المناهضة للحكومة، والإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش العربي السوري.
السوريون يفقدون أرواحهم في ليبيا
على غرار إدلب، وصل القتال في ليبيا إلى طريق مسدود دموي، حيث لا تتمتع حكومة الوفاق الوطني ولا الجيش الوطني الليبي بميزة عسكرية حاسمة، وباءت محاولات متكررة لوقف إطلاق النار والمفاوضات السياسية بالفشل. وبينما تناور تركيا وروسيا لمصالحهما الاستراتيجية في ليبيا، يدفع السوريون مرة أخرى ثمناً باهظاً. حيث أعادت الحكومة التركية جثث أعداد متزايدة من الشباب الذين قُتلوا في ليبيا، لكن بعض التقارير زعمت أن الجيش الوطني السوري يمنع عائلات المتوفين من التحدّث علناً عن مقتل أحبائهم. وفي غضون ذلك، قُتِل مدنيان سوريان على الأقل في ليبيا انتقاماً من وجود مقاتلين سوريين في البلد، مما يسلّط الضوء على المناخ العدائي المتزايد لآلاف اللاجئين السوريين في ليبيا.
وأخيراً، هناك مخاوف أيضاً من أن العديد من الفصائل نفسها المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة في سوريا يتم تمكينها الآن داخل ليبيا. حيث أن العديد من الذين جنّدتهم تركيا هم من التركمان السوريين المرتبطين بفرقة السلطان مراد، وهي واحدة من عدة ميليشيات مدعومة من تركيا والمتهمة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان خلال اجتياح تركيا لشمال شرق سوريا في عام 2019. وتم ربط العديد من المقاتلين السوريين الذين قُتلوا داخل ليبيا في الأسابيع الأخيرة بهيئة تحرير الشام، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا. وتفيد تقارير بأن تركيا أرسلت قوة شرطة داخلية مرافقة لضمان الانضباط ومنع الانتهاكات، ولكن لا يُعرف مدى فعاليتها.
وفي نهاية المطاف، وبما أن كل من روسيا وتركيا لا ترغبان في الاعتراف علناً باستخدامهما لمقاتلين سوريين يقاتلون بالوكالة عنهما في ليبيا، لا تزال حالة عدم اليقين تكتنف المعلومات حول دور المقاتلين السوريين في ليبيا وأعدادهم ووفياتهم. وعلى أقل تقدير، تحتاج تركيا وروسيا إلى توفير المزيد من الشفافية في هذه المجالات. حيث لا يتمتّع السوريون الذين يقاتلون كمرتزقة في النزاع الليبي بسبل الحماية المتوفرة لأسرى الحرب. وعلاوة على ذلك، يُعتبَر الارتزاق جريمة في ليبيا يعاقب عليها بالسجن مدى الحياة، وقد تسعى السلطات الليبية إلى جعلهم عِبرة بفرض أقسى العقوبات. وأخيراً، يخاطر السوريون الذين يقاتلون كمرتزقة بوضعهم كلاجئين (في تركيا وأماكن أخرى) إذا ارتكبوا أي انتهاكات خلال النزاع الليبي. وإن السوريين الذين يجدون أنفسهم مضطرين للقتال لصالح روسيا وتركيا، سواء بإغرائهم بالمال أو الجنسية أو العفو السياسي، لديهم الحق في الحصول على معلومات كافية حول مشاركتهم والمخاطر العظيمة المُحدِقة بهم.
وبعد عشر سنوات من الحرب ووجود 80% من السكان الآن تحت خط الفقر، باتت الحرب على نحو مؤسف الفرصة الوحيدة المتبقية لبعض السوريين. وينبغي أن يكون العدد الضخم من الرجال السوريين الذين ينضمون إلى صفوف قوات المرتزقة التابعة لتركيا وروسيا بمثابة جرس إنذار قوي للمجتمع الدولي وتذكيراً بالسبب الذي يجعل من دعم اللاجئين السوريين ومجتمعات المصالحات داخل سوريا أولوية. وبخلاف ذلك، ستواصل القوى الإقليمية استغلال الشباب السوريين المحرومين من الفرص الأساسية في سوريا والدول المجاورة ليكونوا بمثابة وقود لإثارة مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.