استجابة أوروبا للاجئين منافية للأخلاق وللقانون على حدٍ سواء
على مدار أشهر، وقف القادة في أوروبا موقف المتفرّج من الأزمة في إدلب ولم تصدُر عنهم سوى إدانة روتينية ولم يقوموا باتخاذ إجراءات تُذكر. وقد أفاق زعماء أوروبا أخيراً من موقفهم السلبي مذعورين في 27 شباط/فبراير، عندما أعلنت تركيا أنها لن تمنع اللاجئين من عبور حدودها إلى أوروبا، مما أدى إلى موجة جديدة من الهجرة نحو أوروبا. وجاء هذا الإجراء بعد ساعات من مقتل 34 جندياً تركياً في إدلب، واعتُبِر هذا الإجراء خطوة للضغط على أوروبا للحصول على مزيد من الدعم، وفي الوقت نفسه تخفيف الضغط الداخلي على حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان. وبعد ثلاثة أيام فقط، في الأول من آذار/مارس، قدّرت المنظمة الدولية للهجرة أن 13,000 حاولوا عبور الحدود بين تركيا واليونان عن طريق البر والبحر.
وما أعقب ذلك، يعكس أزمة الهجرة التي وقعت في عامي 2015-2016، عندما دخل أكثر من مليون لاجئ الاتحاد الأوروبي قادمين من تركيا. وردّت اليونان والمجر بنشر الشرطة والجيش والقوات الخاصة على حدودهما. وبدأت شرطة الحدود بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على حشود اللاجئين الذين يقفون خلف سياج الأسلاك الشائكة، مما أدى إلى إصابة أطفال صغار بالاختناق في بعض الأحيان. وأطلق خفر السواحل اليوناني الرصاص الحي وقاموا بمناورات في قواربهم للتسبب في الإغراق المتعمّد للقوارب المطاطية الممتلئة بمدنيين مذعورين. وكان من بين أول الضحايا في هذه الموجة الجديدة صبي في الرابعة من العمر، والذي مات غرقاً بعد غرق القارب المطاطي الذي كان على متنه في البحر الأبيض المتوسط، ليلاقي مصيراً مشابهاً للطفل آلان كردي. وكان الضحية الآخر هو أحمد أبو عماد، شاب سوري من حلب يُزعم أنه قُتل بالرصاص المطاطي الذي أطلقته قوات الأمن اليونانية. وفي أحد مقاطع الفيديو التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر جثّته الملطخة بالدماء وقد فارقتها الروح، بينما كان لاجئون آخرون يقومون بمحاولات يائسة في سبيل إنعاشه.
The Greek border police is torturing, humiliating and violating the refugees who crossed the river to Greece.
The police tortured the civilians, took their clothes and sent them back to Turkey to suffer. pic.twitter.com/8hOxZYk1LV
— Asaad Hanna (@AsaadHannaa) March 6, 2020
وفي الأول من آذار/مارس، أعلنت الحكومة اليونانية أيضاً أنها ستعلّق طلبات اللجوء لجميع الذين يعبرون الحدود اليونانية بشكل غير نظامي لمدة شهر واحد. وفي تصريح له، زعم رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس أن بلاده “تحتج بالمادة 78.3 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي (TFEU) لضمان الحصول على الدعم الأوروبي الكامل”. ولكن سرعان ما أصدرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) بياناً تؤنّب فيه ادعاء اليونان، جاء فيه، “لا توفر اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين ولا قانون اللاجئين في الاتحاد الأوروبي أي أساس قانوني لتعليق استلام طلبات اللجوء”. وفي مراجعة أخرى، أشارت محامية حقوق الإنسان سانجيثا لينجار أن “معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي لا تنص على أي تنازل عن المادة 78(1) من المعاهدة نفسها، والتي تلزم بوضوح الدول الأعضاء بالامتثال لاتفاقية اللاجئين لعام 1951”.
وبدلاً من إدانة استجابة اليونان العنيفة وغير القانونية، هبّ القادة الأوروبيون لدعم الحكومة اليونانية. ففي 3 آذار/مارس، شكرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، علناً اليونان على “كونها درع في هذه الأوقات”، مستخدمة الكلمة اليونانية “aspida” التي تعني “الدرع”. وتشير لاين ضمنياً إلى أن اليونان يجب أن تحمي أوروبا – ليس من الحكومة الاستبدادية التي قامت بقتل وتعذيب واحتجاز مئات الآلاف بشكل منهجي – وإنما من الضحايا أنفسهم الذين يبحثون عن حياة آمنة وكريمة. وفي اليوم نفسه، تعهدت لاين وغيرها من القادة الأوروبيين بمبلغ 700 مليون يورو لدعم استجابة اليونان. ولم يُقدَّم أي دعم مماثل في السابق لدعم الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في سوريا.
وفضحت هذه الأحداث الجديدة الإخفاق التام للقادة الأوروبيين في إصلاح نظام اللجوء المبتور في الاتحاد الأوروبي، ولاسيما نظام دبلن، الذي يشترط على طالبي اللجوء أن يسجلوا للحصول على اللجوء في أول بلد يدخلونه من البلدان التابعة للاتحاد الأوروبي. وبدلاً من إصلاح نظامها الذي يعتبر منهاراً تماماً الآن، واصلت أوروبا عنادها وإصرارها على سياستها الحالية من خلال مطالبة أنقرة باحترام الاتفاق المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عام 2016. وبموجب اتفاق 2016، ينبغي إعادة جميع المهاجرين الجدد من الجزر اليونانية إلى تركيا، مع توقع أنه سيتم إعادة توطين سوري في الاتحاد الأوروبي لقاء كل سوري يتم إعادته. وفي المقابل، ستحصل تركيا على 6 مليارات يورو بحلول عام 2018 لدعم اللاجئين داخل تركيا. وقد أدانت منظمات حقوق الإنسان هذا الاتفاق بأغلبية ساحقة ووصفته بأنه غير قانوني. وفي بيان صدر عام 2016، حاججت هيومن رايتس ووتش بأن هذا الاتفاق ينتهك القوانين والقواعد الدولية من خلال تسهيل عمليات الطرد الجماعي دون إيلاء الاعتبار اللازم لطلبات اللجوء الفردية، وبتكييف إعادة توطين اللاجئين بالإعادة القسرية لطالبي اللجوء.
من جانبها، تزعم تركيا بأنه لم يتم تسلّم المبلغ الكامل الذي وعدت به أوروبا، في حين لم يتم إعادة توطين سوى 27,000 لاجئ فقط. وتزعم أنقرة أيضاً أنها أنفقت 6 مليارات يورو من أموالها الخاصة لاستضافة حوالي 4 ملايين لاجئ – وهو أكبر عدد من اللاجئين في العالم. وفي الوقت نفسه، أدى الركود الاقتصادي وردود الفعل المحلية المتزايدة ضد مشاركة تركيا في النزاع السوري إلى تأجيج المشاعر المعادية للاجئين، ودفع أنقرة إلى تبني سياسات أدت إلى تدهور شديد في أوضاع اللاجئين داخل تركيا. وفي عام 2019، نفّذت الحكومة إجراءات صارمة أدت إلى نزوح جماعي للاجئين عبر المحافظات التركية، وترحيل مئات السوريين إلى مناطق النزاع النشط في سوريا. وبعد مقتل 34 جندياً تركياً في الشهر الماضي داخل سوريا، هاجم مئات من القوميين الأتراك في جميع أنحاء محافظة قونية التركية منازل اللاجئين وأماكن عملهم، مما أسفر عن مقتل سوري واحد. ومن شأن هذه التطورات أن تقوّض التأكيد الأساسي لاتفاق 2016 – وهو أن تركيا تفي بمعايير الاتحاد الأوروبي كبلد ثالث آمن يمكن إرجاع طالبي اللجوء إليه.
يتمتع الأفراد بالحق في طلب اللجوء بموجب اتفاقية وبروتوكول اللاجئين وكذلك ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي. والتزاماً بهذه الحقوق والقيم الأساسية، يتعين على كل من تركيا وأوروبا اتخاذ خطوة جوهرية لضمان حصول السوريين على حدودهم على إمكانية الوصول والحماية الممنوحة لهم بموجب القانون الدولي. وبالنسبة لأوروبا، سيتطلب ذلك إجراء إصلاح شامل لنظام اللجوء الخاص بها بطريقة إنسانية، بحيث يسمح بتقاسم متساوٍ للأعباء بين الدول، وظروف كريمة لجميع طالبي اللجوء. ومن شأن أي شيء دون ذلك أن يضمن دورات مستمرة من العنف والفوضى والمعاناة – وانحدار مستمر للقواعد والقيم في أوروبا.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.