كيف يستخدم المركز السوري التكنولوجيا في تطوير توثيق إنتهاكات حقوق الإنسان
تم توثيق النزاع السوري من قبل مدنيين وشهود عيان على نطاق غير مسبوق. حيث التقط الجناة والضحايا وشهود العيان ملايين الفيديوهات والصور، وقد تم نشر الكثير منها في حينه عبر الإنترنت. وإن القدرة على التقاط هذه الكميات الضخمة من الوثائق ونشرها لها آثار عميقة على مجال حقوق الإنسان، مما يوفر فرصاً جديدة وأيضاً مخاطر في توثيق جرائم الحرب. وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة للتوثيق عبر الإنترنت، لا تحاول العديد من المنظمات غير الحكومية الاستفادة الكاملة من محتوى وسائل التواصل الاجتماعي نظراً للنطاق الهائل للبيانات المتاحة. وكشف تقرير صادر عن “مركز موارد المكتبات” في عام 2012 أن “قدراً كبيراً من توثيقات حقوق الإنسان معرضة للخطر أو يتم فقدها جميعها” لأن المنظمات والمحققين لا يملكون القدرة على “إدارة المحتوى الرقمي والاحتفاظ به بشكل مناسب”.
انطلق المركز السوري للعدالة والمساءلة في عام 2012 على أمل سدّ هذه الفجوة في النزاع السوري. ومنذ إنشائه، كرّس المركز السوري قدراً كبيراً من موارده لبناء قاعدة بيانات للتوثيق من وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المصادر الرقمية بالإضافة إلى توثيقات الموثّقين الذين يعملون في الميدان. وحتى تاريخه، احتفظت قاعدة بيانات المركز السوري بحوالي 1.8 مليون نقطة بيانات عبر الإنترنت حول النزاع السوري (قرابة 900 ألف فيديو، أكثر من 500 ألف وثيقة، بالإضافة لملفات الضحايا ومقابلات مع الناجين). قام فريق محللي البيانات التابع للمركز السوري بتقييم وتحليل أكثر من 180 ألف مقطع فيديو.
الشكل 1: مقاطع الفيديو التي تمت معالجتها في عام 2019. وفي عام 2019، قام فريق تحليل البيانات التابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة بتحليل ما معدله8,560 مقطع فيديو شهرياً.
يقول أشرف*، كبير محللي البيانات لدى المركز السوري للعدالة والمساءلة، “هناك ملايين من التوثيقات التي تم جمعها أثناء النزاع السوري، ومن المستحيل تقريباً العثور على ما تبحث عنه إذا كنت مدعٍ عام وكنت بحاجة إلى مزيد من المعلومات حول حوادث محددة. ويؤدي هذا العمل إلى تنظيم وفهرسة هذه البيانات بطريقة تجعلها متاحة لأي شخص يريد الوصول إلى معلومة محددة”.
لقطات من قاعدة بيانات المركز السوري للعدالة والمساءلة
لتنظيم البيانات، عمل فريق المركز السوري على تطوير نظام تصنيف قوي. حيث يتم وسم كل توثيق ومنحه بطاقة تعريفية تتضمن معلومات المصدر وعلامات زمنية وبيانات جغرافية ومعلومات حول أنواع وطرق الانتهاكات ومعلومات تعريفية للجهات الفاعلة مع الأدوار ذات الصلة. ويخضع كل توثيق أيضاً لتقييم متعدد المستويات للموثوقية. ويتم تنظيم البيانات التي تتم معالجتها في قاعدة بيانات ترابطية، تتيح للمستخدمين تحديد واستعراض العلاقات بين البيانات ذات الصلة. على سبيل المثال، يمكن ربط التوثيق من مصادر مختلفة لإنشاء أحداث محددة، مما يساعد الباحثين على توسيع فهمهم لسياق إنتهاكات محددة ومطابقة التفاصيل للتثبّت من صحتها. وبالإضافة إلى ذلك، يعمل فريق المحلّلين في المركز السوري أيضاً على إنشاء قائمة بالجهات الفاعلة تربط جهات فاعلة فردية بالمصادر التي تظهر فيها. ويمكن أن يساعد هذا في ربط الجناة بجرائمهم أو ربط الضحايا بالجناة.
ويجب على جميع محللي المركز السوري إكمال برنامج تدريبي مدته من شهرين إلى ثلاثة أشهر قبل أن يعملوا على السيرفر الخاص بالمركز السوري. ويشير أشرف إلى أنه لضمان الموضوعية، يتم تدريب المحللين على النظر للمعلومات من خلال عدسة “كون مغلق” — بحيث ينظرون فقط إلى المعلومات المتوفرة في كل مقطع فيديو يتم تحليله على حدى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن اللغة الأم لجميع المحللين هي اللغة العربية، ومعظمهم من السوريين ممن لديهم معرفة عميقة بالفوارق الدقيقة على المستوى المحلي، مثل اللهجات المحلية والجغرافيا والثقافة.
تحديد الموقع الجغرافي للبيانات التي تم تحليلها في كل محافظة
لقد أثبتت قاعدة بيانات المركز السوري الخاصة بمقاطع الفيديو أنها مفيدة بالفعل في تحديد معلومات خاصة بالتحقيقات. وحتى تاريخه، تم تحديد 2,686 فيديو على أنها ذات “أولوية عالية”، حيث أنها تحتوي على أدلة حاسمة تشير إلى حدوث انتهاكات. وفي العديد من الحالات، استخدم المركز السوري للعدالة والمساءلة قاعدة البيانات الخاصة به للعثور على البيانات ذات الصلة بموجب طلبات من مدّعين عامين على المستوى الوطني في أوروبا. كما يشارك المركز السوري للعدالة والمساءلة بياناته مع الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM)، وهي آلية تابعة للأمم المتحدة مكلفة بالتحقيق والمساعدة في محاكمة الأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة في سوريا. وبالإضافة إلى الملاحقات الجنائية، يعمل المركز السوري للعدالة والمساءلة في إطار الاعتقاد بأن الحفاظ على البيانات الرقمية وتحليلها سيكون حاسماً لمجموعة من جهود العدالة الانتقالية في المستقبل، بما في ذلك برامج الحقيقة وتخليد الذكرى.
الجناة المزعومون في مقاطع الفيديو التي حللها محللو المركز السوري للعدالة والمساءلة. تشير الأرقام إلى كل مقطع فيديو تم تحديد الأطراف فيه على أنهم جناة محتملون. ويتم حالياً تحليل مقاطع الفيديو زمنياً. وبالتالي، فإن مقاطع الفيديو التي تحتوي على انتهاكات تنظيم داعش منخفضة حالياً نظراً لأن مقاطع الفيديو لما بعد عام 2014 لم تتم معالجتها بعد. ونظراً لطبيعتها المؤذية والصادمة للغاية، يخطّط المركز السوري للعدالة والمساءلة أيضاً لتحليل مقاطع الفيديو التي تحتوي على انتهاكات قام بها تنظيم داعش بمعدل أبطأ لتقليل الصدمات غير المباشرة التي قد يتعرّض لها المحللون. عدد من انتهاكات القانون الدولي الإنساني المحددة في البيانات التي تم تحليلها
بالنظر إلى الحجم الهائل للبيانات التي يجب معالجتها، والطبيعة المستمرة للنزاع، من المتوقع أن يستمر العمل لعدة سنوات. ولقد فرضت طبيعة هذا العمل مخاطر فريدة. حيث يقول أشرف، “إن التحدي الأكبر لمحللينا هو التعامل مع مقاطع الفيديو التي تتضمن مشاهد مؤذية وصادمة. ولدينا عدد لا بأس به منها”. ولمعالجة الصدمة غير المباشرة التي قد تنشأ عن التعرض المتكرر لمحتوى مؤذٍ وصادم، يواصل المركز السوري للعدالة والمساءلة تطوير وتوفير مجموعة واسعة من أدوات الدعم النفسي الاجتماعي لفريقه. ويعمل أيضاً على ضمان عدم تعرض أي محلل إلى عدد كبير من الصور المؤذية والصادمة في وقت واحد. وإن تحليل مقاطع الفيديو ذات الاحتمالية الأكبر لاحتوائها على مشاهد مؤذية وصادمة – كتلك التي التقطها تنظيم داعش، على سبيل المثال – سيتم توزيعه بشكل مقصود عبر فترة زمنية أطول.
ويقول أشرف، “حتى العدالة الكاملة تبدو بعيدة. أعتقد أن أحد الأهداف الرئيسية للمشروع هو معرفة الحقيقة. وإن العمل على تسجيل هذه المعلومات وإتاحة الوصول إليها، سيساعد في البحث عن الحقيقة في المستقبل”.
* تم تغيير الاسم لحماية هوية المحلل.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.