هل سيكون لحظر تصدير الأسلحة تأثير على الهجوم التركي في شمال شرق سوريا؟
منذ اجتياح تركيا لشمال شرق سوريا، هناك أدلة متزايدة على ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في المنطقة. حيث اتُهمت الفصائل المدعومة من تركيا بإعدام سجناء ومدنيين، بما في ذلك القتل الوحشي للناشطة المدافعة عن حقوق المرأة والسياسية الكردية هفرين خلف. اتهم المدنيون القوات التركية في تل تامير باستخدام الفسفور الأبيض ، وترك المدنيين ، بمن فيهم الأطفال ، مصابين بحروق مروعة. وخرقت القوات التي تدعمها تركيا وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أمريكية خلال ساعات من دخوله حيز التنفيذ، مما ترك المدنيين في شمال شرق سوريا عُرضة لخطر العنف والنزوح بشكل مستمر.
وردّت عدة دول على الهجوم ضد القوات الكردية في شمال شرق سوريا بحظر أو تجميد صادرات الأسلحة إلى تركيا. حيث كانت ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وفنلندا والنرويج وهولندا والسويد أول من فرض حظر الأسلحة على تركيا بينما انضمت المملكة المتحدة إلى تلك الدول بعد ذلك بوقت قصير. وأقرّ الاتحاد الأوروبي قراراً يحدّد مبيعات الأسلحة إلى تركيا لكنه لم يفرض حظراً كاملاً على الأسلحة. وأوقفت كندا مؤقتاً أي تصاريح جديدة لتصدير أسلحة إلى تركيا بينما تم تقديم مشروع قانون في الولايات المتحدة لحظر المساعدات العسكرية الأمريكية وحظر تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي للقوات المسلحة التركية، بما في ذلك المواد الدفاعية والنفط والغاز الطبيعي. ولكن سرعان ما تم إلغاء العقوبات الأمريكية التي استهدفت مسؤولين أتراك وكيانات تركية بصفة فردية بعد التوصّل إلى وقف إطلاق النار إلى أجل غير مسمى.
ويسلّط الحظر الذي فُرِض حديثاً على صادرات الأسلحة إلى تركيا الضوء على فشل حظر الأسلحة على المدى القصير في أن يكون له أي تأثير عملي على الاستقرار على أوضاع كتلك التي تتكشّف في شمال شرق سوريا. وتتمتّع أنظمة تصدير الأسلحة بالقدرة على العمل كرادع لانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في نزاعات عسكرية نشطة، شريطة أن يتم دمج القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في إصدار تراخيص الأسلحة. ويوجد لحظر الأسلحة تأثير رمزي وسياسي مهم، لكن يجب تصحيح أوجه القصور الكبيرة في الإطار القانوني الناظم لصادرات الأسلحة من أجل منع ارتكاب جرائم الحرب وحماية المدنيين بشكل فعال.
هل سيكون لحظر تصدير الأسلحة تأثير على العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا؟
تُصدّر الولايات المتحدة وكندا والعديد من الدول الأوروبية كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر إلى تركيا سواء في الماضي وفي السنوات الأخيرة. وفقاً لـ(يوروستات)، قام الاتحاد الأوروبي بتصدير 45 مليون يورو من الأسلحة إلى تركيا في 2018/2019، وكانت ألمانيا أكبر مورّد للأسلحة إلى تركيا بقيمة 268 مليون دولار في عام 2018 وحده. وباعت كندا حليفة الناتو كميات متزايدة من الأسلحة وأنظمة الأسلحة لتركيا: ففي عام 2018، قام مقاولو الدفاع الكنديون ببيع تركيا ما قيمته 115.7 مليون دولار من الأسلحة مقارنة بـ7.5 مليون دولار فقط في عام 2015.
وتعتمد تركيا بشكل خاص على شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية عندما يتعلق الأمر بالطائرات. حيث أن الطائرات المقاتلة ال 333 التي تستخدمها القوات الجوية التركية هي طائرات مقاتلة زودتها بها الولايات المتحدة في المقام الأول، بالإضافة إلى 31 طائرة نقل C-130 أمريكية الصنع. علاوة على ذلك، فإن أكثر من ثلثي ناقلات الجنود المدرعة التركية البالغ عددها 3,600 من طراز M-113s هي أمريكية الصنع، وقد زوّدت الولايات المتحدة تركيا بغالبية الدبابات القتالية الرئيسية البالغ عددها 2,400 دبابة. وكانت تركيا في الأصل عضواً في برنامج “مقاتلة الغارة المشتركة F-35” ووافقت على شراء 100 من مقاتلات الشبح من طراز F-35. ولكن تم طرد أنقرة من البرنامج بعد شرائها من روسيا نظام الصواريخ المضادة للطائرات من طراز (S-400 Triumf) المصمم لتدمير الطائرات وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية والأهداف الأرضية. ومع توتّر العلاقات مع حلفائها في الناتو، تحولت أنقرة بشكل متزايد نحو موسكو: على سبيل المثال، تشير تقارير إلى أن مسؤولين حكوميين أتراك وروس على وشك الانتهاء من صفقة شراء أنقرة لطائرات مقاتلة من طراز (Su-35) روسية الصنع.
ولكن، جزئياً بسبب الحظر الأوروبي الماضي على صادرات الأسلحة إلى تركيا، هدفت تركيا على مدى العقدين الماضيين إلى الحدّ من اعتمادها على المنتجات الأجنبية. وتدّعي تركيا حالياً أنها تنتج 65% من منصاتها ومنتجاتها الدفاعية، وأن عمليات التجميد الأخيرة على صادرات الأسلحة لن يكون لها تأثير يذكر على القدرات والمخزونات الدفاعية للجيش التركي.
وفي حين أنه من الصعب تقييم ذلك الادّعاء، يمكن أن يكون حظر الأسلحة بمثابة استراتيجية سياسية ودبلوماسية مهمة بالاعتماد على العزلة الدولية لردع البلدان عن ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان. غير أن الرسالة التي بعثت بها الدول الغربية والأوروبية التي تحظر تصدير الأسلحة خفّت حدّتها بسبب التناقض المحيّر الذي يتم به استخدام هذا الحظر. حيث يأتي الإجراء الحاسم لحظر تصدير الأسلحة إلى تركيا خلال أيام من اجتياحها لشمال شرق سوريا في تناقض حاد مع فشل الحكومات نفسها في حظر تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية على الرغم من الادعاءات المتكررة بارتكاب جرائم حرب من قبل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
أنظمة تصدير الأسلحة: تعزيز حماية حقوق الإنسان
من الناحية الأمنية، من غير المرجّح أن يكون للحظر الأخير على صادرات الأسلحة إلى تركيا أي تداعيات مهمة على الوضع في شمال شرق سوريا. حيث تُعتبر أي أسلحة أوروبية أو غربية مستخدمة حالياً من قبل الجيش التركي خارج نطاق أي حظر جديد على الصادرات، مما يجعل هذا الحظر غير فعال إلى حد كبير ويسلّط الضوء على الحاجة الملحّة لدمج أفضل للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في أنظمة تصدير الأسلحة.
بُذلت بعض الجهود لضمان أن القانون الدولي يعمل بصفة “مراقب” لصادرات الأسلحة في البلدان الديمقراطية. حيث تُلزم معاهدة تجارة الأسلحة (ATT)، التي دخلت حيز التنفيذ في كانون الأول/ديسمبر 2014 والتي صادقت عليها 105 دول، الدول الأعضاء بتقييم احتمال أن أي أسلحة تقليدية يتم تصديرها إلى بلدان أخرى “قد تسهم في تقويض السلام والأمن” أو يمكن استخدامها لارتكاب أو تيسير ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني أو قانون حقوق الإنسان أو أعمال الإرهاب أو الجريمة المنظمة العابرة للحدود. ومن الجدير بالذكر، على الرغم من أن إدارة أوباما هي التي وقّعت الاتفاقية في عام 2013، فإن الرئيس ترامب صرّح في نيسان/أبريل 2019 بأنه لن يصادق على معاهدة تجارة الأسلحة وسيسعى رسمياً لسحب الولايات المتحدة رسمياً من قائمة الموقّعين على المعاهدة. وفي حين صادقت القوى الأوروبية الكبرى، بما فيها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، على المعاهدة، فإن أكبر ثلاثة تجار أسلحة في العالم – الولايات المتحدة والصين وروسيا – لم ينضموا إليها.
وتشير صادرات الأسلحة الأوروبية إلى تركيا إلى أن أنظمة معاهدة تجارة الأسلحة المزمعة قد فشلت. على سبيل المثال، كان هناك دليل على أن القوات التركية استخدمت الدبابات الألمانية في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد المدنيين في عفرين التي يسيطر عليها الأكراد في كانون الثاني/يناير 2018، لكن صادرات الأسلحة الألمانية إلى تركيا في الأشهر الثمانية الأولى فقط من عام 2019 بلغت 250.4 مليون يورو، وهي الأعلى منذ عام 2005. وعلى غرار ذلك، فإن تقنية الليزر التي تستخدمها الطائرات التركية من طراز F-16 لقصف عفرين كانت من صنع شركة أسلحة إيطالية، تُدعى ليوناردو، تعمل من مصنع في أدنبرة وتمولها الحكومة الاسكتلندية جزئياً. ومرة أخرى، على الرغم من الأدلة الواضحة على أن الأسلحة المصدّرة إلى تركيا قد تنتهك الشروط التي فرضتها معاهدة تجارة الأسلحة، كانت إيطاليا أكبر مورّد للأسلحة للحكومة التركية العام الماضي، حيث وافقت روما على تراخيص بقيمة 409 ملايين دولار في الفترة 2016-2018. وأخيراً، على الرغم من الأدلة المهمة على ارتكاب الشرطة والأجهزة الأمنية التركية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان داخل تركيا نفسها في أعقاب محاولة انقلاب في عام 2016، باعت المملكة المتحدة ما قيمته مليار دولار لهذا البلد منذ ذلك الحين، في حين أن إسبانيا وإيطاليا وهولندا وألمانيا من بين أعلى ست دول أوروبية في مجال تصدير الأسلحة إلى تركيا منذ القمع الوحشي بعد الانقلاب.
في حين أن الولايات المتحدة لم تصدق على المعاهدات الدولية الرئيسية التي تنظم تجارة الأسلحة العالمية ، وهي معاهدة تجارة الأسلحة ، فإن واشنطن تطلب من الدول المستوردة للأسلحة الأمريكية توقيع اتفاقيات حول كيفية استخدام الأسلحة والمعدات. ومع ذلك ، فقد ظهرت تقارير جديدة تفيد بأن تركيا ربما تستخدم أسلحة قدمتها الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. أكد البنتاجون هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة تحقق في ما إذا كانت تركيا قد انتهكت الاتفاقات مع واشنطن حول استخدام الأسلحة والمعدات التي قدمتها الولايات المتحدة في سوريا. على وجه التحديد ، يركز التحقيق فيما إذا كانت أنقرة قد نقلت الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة إلى وكلائها في سوريا ، في انتهاك لبعض اتفاقيات المراقبة “للمستخدم النهائي”.
إن ضعف نظام حظر الأسلحة له عواقب وخيمة. إذ ينبغي على البلدان المصدّرة للأسلحة أن تعزّز الأنظمة القائمة على حقوق الإنسان وأن تلتزم بشكل أكثر صرامة بإجراء فحص للقانون الإنساني الدولي في إصدار تراخيص التصدير. وتتمتع الرقابة على تصدير الأسلحة بالقدرة على الاستفادة منها كرادع مهم لجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في المستقبل، شريطة مراعاة الضوابط والتوازنات الرقابية بشكل أكثر صرامة واتساقاً.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.