الولايات المتحدة لا تشجّع تصدير تقنية المراقبة إلى منتهكي حقوق الإنسان
حثّت الحكومة الأمريكية المصدرين على عدم مشاركة تقنية المراقبة مع منتهكي حقوق الإنسان. حيث صدرت مسوّدة الإرشادات من قبل وزارة الخارجية بشأن تصدير تقنيات المراقبة التي يمكن استخدامها في انتهاك حق المواطنين في الخصوصية، بما في ذلك حرية التعبير. وعلى الرغم من أن مسودة الإرشادات لن تكون ملزمة قانوناً، الا انه قد يكون لها تأثير على تطوير معايير حقوق الإنسان الأوسع نطاقاً، مما يثني الأعمال التجارية من تمكين حكومات لها سوابق في انتهاكات حقوق الإنسان، مثل سوريا.
يوجد لدى الحكومة السورية تاريخ طويل في مراقبة سكانها من خلال استخدام مُخبِرين. حيث تُظهر الوثائق التي حصل عليها المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC) أن أجهزة المخابرات السورية كانت تحكم من خلال بث الذعر في صفوف المواطنين، حيث يشي مجندين على مجندين اخرين، وضباط على ضباط اخرين، وجنود على ضباط، وموظفو المستشفى على زملائهم، وأطباء على مرضى، حتى انه كانت هناك وشايات من افراد الاسرة على أقاربهم”. ووسعت الحكومة السورية قدراتها على غزو جميع جوانب الحياة المدنية، وقمع المعارضة، من خلال تبني تقنيات جديدة. على سبيل المثال، في عام 2010 أو 2011، اشترت معدات لمراقبة الإنترنت من إنتاج الشركة الأمريكية بلو كوت سيستمز (Blue Coat Systems) (تملكها الآن شركة سيمانتك) من خلال موزّع في دبي. وفي عام 2013، وافقت شركة دبي على دفع غرامة مدنية قدرها 8.2 مليون دولار إلى وزارة التجارة الأمريكية لانتهاكها العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على سوريا.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه في عام 2012 شرع القضاة الفرنسيون في إجراء تحقيق جنائي ضد شركة التقنية الفرنسية كوزموس (Qosmos). حيث زوّدت الشركة الحكومة السورية بتقنية المراقبة ووجهت إليها تهمة التواطؤ في التعذيب. وإذا ثبتت ادانتها فقد تخضع الشركة ومديروها لغرامات وأوامر زجرية و/أو رقابة قضائية. غير أن التحقيق فتر ولم تصدر لائحة اتهام بعد.
وليس من الواضح إلى أي مدى ما زالت تقنيات المراقبة أمريكية المنشأ تُستخدم في سوريا. ولكن سيكون لمسودة الإرشادات أهمية لشركات مثل بلو كوت سيستمز التي تعتزم تصدير تقنيات الإنترنت. وقد تكون أيضاً ذات أهمية للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يرغبون في إثارة مسألة عدم الامتثال، أو مناصرة فرض عقوبات على الشركات التي مكنت أو يسّرت انتهاكات حقوق الإنسان من خلال بيع تقنيات المراقبة إلى أنظمة استبدادية.
وتسعى مسودة الإرشادات “إلى مساعدة مصدري المواد ذات قدرات المراقبة المقصودة وغير المقصودة في تنفيذ المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان”. حيث تستهدف هذه الإرشادات جزئياً شركات المحاماة وتحقيقات العناية الواجبة التي تجريها نيابة عن الشركات المصدِّرة، مع إقتراح البعض أن “هذا التوجيه يمكن استخدامه لتقييم الحاجة إلى فرض عقوبات ثانوية بموجب برامج العقوبات الأمريكية التي تستهدف انتهاكات حقوق الإنسان إما بموجب الأمر التنفيذي لقانون ماغنيتسكي العالمي (الذي يتمتع بنطاق عالمي) أو بموجب برامج قُطرية محددة[…].” ومن بين أمور أخرى، تحث مسودة الإرشادات المصدّرين على النظر في خلفية حقوق الإنسان لدول وشركات معينة تجري علاقات تجارية مع تلك الدول وعلى أن تأخذ في الاعتبار احتمال إساءة استخدام تقنية المراقبة لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. كما تحثّ الشركات على النظر في إدخال ميزات السلامة و “الخصوصية حسب التصميم” التي من شأنها تمكين التتبع وتنبيه المُصدّر إلى إساءة استخدام البيانات و/أو حذفها تلقائياً و/أو توفير “مفتاح الإيقاف” الذي قد يعطّل الجهاز عن بُعد.
وبشكل عام تُعد مسودة المبادئ التوجيهية مقاربة مبتكرة في غياب معايير أخرى تتعلق على وجه التحديد بتصدير تقنيات المراقبة. ويبقى الأمل بأن إصدار المبادئ التوجيهية سيشجع الشركات على جعل حقوق الإنسان أحد الاعتبارات الرئيسية في إجراء العناية الواجبة. وقد تضع مسودة الإرشادات أيضاً معايير لأنظمة مستقبلية أو تؤثر على اتخاذ القرارات المتعلقة بالفئات المستهدفة لعقوبات قانون ماغنيتسكي العالمي، وقد يوفر ذلك حافزاً لبعض الشركات لشمول معايير حقوق الإنسان. ولكن في الوقت الحاضر، لا يوجد لدى مسودة الإرشادات سلطة لفرض العقوبات لأنها ليست ملزمة قانونًا. وعلاوة على ذلك، تبقى الأسئلة حول ماهية الجهود التي تُعتبر كافية لتلبية متطلبات العناية الواجبة. على سبيل المثال، ادّعت شركة بلو كوت سيستمز أنها لم تكن تعلم بأن معدات المراقبة الخاصة بها ستشحن من دبي إلى سوريا. وتقترح مسودة المبادئ التوجيهية أنه يتعين على الشركات القيام ببعض جهود التحقيق للتأكد من أن هذه التقنية لا ينتهي بها المطاف في أيدي هذه الأنظمة وللتحقق من الوجهة التي أرسِلَت إليها هذه المعدات. ولكن إلى أي مدى يصل هذا الالتزام؟ ومن الأمثلة الأخرى على ذلك، هناك العديد من التقنيات ذات الاستخدام المزدوج، وبعضها لا ينتهك حقوق الإنسان. كيف إذاً يمكن للشركة أن تضمن لنفسها أنه لن يتم إساءة استخدام التقنية المعنية؟ وبعبارة أخرى، في أي من هذه الحالات ينبغي مساءلة الشركات عن التواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان؟
وإن الأمر الآخر المقلق هو أن هذه المعايير لا تؤثّر على سلوك الشركات الواقعة خارج الولايات المتحدة. حيث تفيد تقارير بأن شركة هواوي تكنولوجيز الصينية تعمل من خلال شركات وهمية في إيران وسوريا في انتهاك لنُظُم العقوبات. ولم يكن تطبيق هذه العقوبات على مسؤولي الشركة ممكناً إلا عندما سافر المدير المالي لشركة هواوي إلى كندا، الحليف القوي للولايات المتحدة. وتفيد تقارير بأن شركات روسية وصينية أخرى تصدّر تقنيات مراقبة إلى حكومات استبدادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وفي غياب توافق آراء على المستوى الدولي، ومعايير قانونية ملزمة، سيكون تأثير مسودة الإرشادات واهناً. ومع هذا، تُعدّ هذه المسودة خطوة أولى مهمة في دمج إطار حقوق الإنسان في ممارسات الأعمال التجارية، خاصة فيما يتعلق بتقنيات المراقبة المستخدمة للتجسس على حقوق الإنسان للمواطنين وبالتالي انتهاكها.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.