الوصول إلى العدالة: ما يمكننا تعلمه من محاكمات داعش في الولايات المتحدة
بينما تلتف أنظار المجتمع الدولي مرة أخرى إلى التهديد الذي يمثله تنظيم داعش في شمال شرق سوريا وفشل الآليات القضائية في التعامل مع معتقلي داعش، تُظهر جلسة استماع لمدة ثلاثة أيام في قاعة محكمة في فيرجينيا إمكانية محاكمات داعش، بالإضافة إلى التحديات المصاحبة. حيث سيحاكم الشافعي الشيخ، أحد أربعة مواطنين بريطانيين يشكلون خلية داعش التي اشتُهرت باسم البيتلز، بتهم تتعلق بدوره في مخطط احتجاز الرهائن الذي أسفر عن مقتل أربعة أمريكيين وهم كايلا مولر، وجيمس رايت فولي، وستيفن جويل سوتلوف، وبيتر كاسيغ.
وكجزء من عمله في مراقبة المحاكمة، تابع المركز السوري للعدالة والمساءلة عن كثب تطورات قضية الولايات المتحدة ضد الشافعي، متضمنة جلسة الاستماع الأخيرة بشأن الأدلة المتعلقة بطلب الشافعي عدم الأخذ بالأقوال التي أدلى بها لعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي والصحفيين أثناء احتجازه لدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وقال الشافعي إن الأقوال لا ينبغي اعتبارها أدلة في المحاكمة لأنها أُخِذَت عن طريق التعذيب. ورفضت المحكمة الفدرالية الأمريكية في النهاية طلب الشافعي، مع تسليط الضوء على اعتبارات هامة للملاحقات القضائية ضد الجناة من تنظيم داعش في المستقبل.
الخلفية: طلب الشافعي بعدم الأخذ بالأقوال
قبضت قوات سوريا الديمقراطية على الشافعي في 2018 واحتجزته في شمال شرق سوريا لمدة عامين. خلال هذا الوقت، أجرى عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي والعديد من وسائل الإعلام مقابلات مع الشافعي وأدلى فيها بأقوال أدت إلى إدانته تتعلق بدوره في داعش وتعامله مع الرهائن.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2021، طلب الشافعي من المحكمة عدم الأخذ بهذه الأقوال، زاعماً أن جنود قوات سوريا الديمقراطية قد أساؤوا إليه وعذبوه. ولدحض ذلك، قدّم الادّعاء العام شهادة في جلسة استماع الى الأدلة من اثنين من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي وصانع أفلام وثائقية، شون لانغان، حيث قام جميعهم بمراقبة الشافعي وإجراء مقابلات معه خلال فترة احتجازه لدى قوات سوريا الديمقراطية. وبالإضافة إلى ذلك، استدعى الادّعاء العام من سوريا ثلاثة من مسؤولي قوات سوريا الديمقراطية ممن تمكّنوا من التحدث عن ظروف السجن خلال فترة اعتقال الشافعي.
وفي 4 كانون الثاني/يناير، 2022، رفضت المحكمة الفدرالية الأمريكية طلب الشافعي بعدم الأخذ بالأقوال، ووجدت أن الأدلة التي تم تقديمها لم تدعم مزاعمه بأنه تعرّض للتعذيب.
أهمية الشهود وحمايتهم
توضّح جلسات محاكمة الشافعي أهمية تدابير حماية الشهود. ويرجع توافر شهادة شهود الإثبات في جلسة استماع الشافعي إلى حد كبير إلى تدابير الحماية الشاملة التي تم توفيرها للشهود الذين أمكنهم الكشف عن مشاهداتهم بشكل مريح. فعلى سبيل المثال، لم يقتصر الأمر على إخفاء هوية مسؤولي قسد بالكامل، بل نُقلوا أيضاً بشكل آمن من وإلى سوريا بعد جلسة الاستماع.
وكما أظهرت محاكمة كوبلنتس لمسؤول حكومي سوري أُدين بالتعذيب، فإن الخوف من التعرّض للانتقام يمكن أن يعوق رغبة الشهود في المشاركة في التحقيقات والمحاكمات. وإذا شارك الشهود بالفعل، فإن المخاوف بشأن سلامتهم وسلامة عائلاتهم يمكن أن تؤثر على سلوكهم في الشهادة؛ فقد يحجب الشهود شهادتهم أو يبدّلوها لتجنب التعرّض للانتقام.
تُعتبر الحماية الشاملة للشهود ضرورية لتشجيعهم على الإبلاغ والإدلاء بشهادتهم ولضمان نزاهة مهمة المحاكم في البحث عن الحقيقة. وينبغي أن يكون استخدام التدابير الشاملة لحماية الشهود في جلسة استماع الشافعي – وكما هي الممارسة المعتادة في المحاكم الأمريكية بشكل عام – بمثابة توجيهات حاسمة تسترشد بها المحاكمات في المستقبل. وينبغي على المحاكم في كل مكان أن تصمّم برامج حماية الشهود بعناية لتلبية الاحتياجات الفردية لهم واتخاذ جميع الخطوات اللازمة لضمان بقائهم في مأمن من الترهيب والانتقام.
وصول الجمهور والترجمة
ينبغي أن يكون للصحافة والجمهور الحق في الوصول إلى جلسات المحكمة. حيث لا تعزز المحاكمات العلنية المساءلة والإنصاف فحسب، بل تجعل المحاكمات الجنائية دامجة للضحايا وعائلاتهم أيضاً. غير أن وصول الجمهور إلى المحاكمات لا يعني حصراً الوصول المادي إلى قاعة المحكمة؛ بل يعني أيضاً توفير القدر الكافي من الترجمة الفورية والتحريرية لجلسات قاعة المحكمة ووثائق المحكمة ذات الصلة إلى اللغة الأم التي تنطق بها مجموعات الضحايا.
دعونا نأخذ كوبلنتس على سبيل المثال وعلى النقيض من هذا، قدّم المترجمون الفوريون ذوو المؤهلات العالية المعينون من قبل المحكمة في جلسة استماع الشافعي ترجمة فورية للجلسات عبر ميكروفون حتى يمكن سماعهم بوضوح من قبل الشهود وأطراف القضية والأفراد الذين يراقبون الجلسات من الحضور. وينبغي على المحاكم في كل مكان اتباع هذا النهج، وتوفير خدمات لغوية شاملة لضمان أن تكون المحاكمات عادلة وعلنية ومتاحة.
الإجراءات القانونية الواجبة في الدعاوى المدنية
تُعد محاكمة الشافعي في المحكمة الفيدرالية بمثابة تذكير حاسم بالفرق بين المحاكم المدنية والمحاكم العسكرية، ألا وهي الإجراءات القانونية الواجبة الكافية. ويأتي هذا في الوقت المناسب تماماً في ضوء الذكرى العشرين لافتتاح معتقل خليج غوانتانامو في عام 2002.
على النقيض من مئات الأفراد الذين تم اعتقالهم في خليج غوانتانامو، يتمتع الشافعي بضمانات إجرائية تحمي حقوقه في المحكمة، بما في ذلك حقه في الحصول على محاكمة سريعة وعلنية، وحقه في التزام الصمت، وحقه ضدّ إقرار الجرم على نفسه. وتوضح قضية الشافعي أن المساءلة يمكن أن تتحقق في ظل سيادة القانون. وينبغي عدم الالتفاف على أشكال الحماية الإجرائية لمحاكمة الجرائم ذات الصلة بالنزاع. وفي الواقع، إذا أردنا الحصول على عدالة حقيقية مبنية على الإنصاف والحقيقة والشفافية، يجب أن نوفر الإجراءات القانونية الواجبة لجميع المتهمين في القضايا الجنائية على قدم المساواة.
الخلاصة
لقد سلطت إجراءات محاكمة الشافعي الضوء على ممارسات مهمة يمكن ــ بل وينبغي ــ لمجتمع العدالة الجنائية الدولي أن يستخلص الدروس منها للمستقبل، لا سيما فيما يتعلق بسلامة الشهود، وسهولة الوصول للجمهور، وضمان حقوق الإجراءات القانونية الواجبة. وإن التعلم من هذه الدروس أمر أساسي بالنظر إلى نطاق الضحايا الناجم عن الجرائم المرتكبة في سوريا والفرص المحدودة للضحايا والناجين المباشرين وغير المباشرين للتعاطي مع آليات العدالة. وفي سياق الجرائم التي ارتكبها جناة من تنظيم داعش، تظل هذه الإجراءات إحدى الطرق القليلة التي يمكن من خلالها لأحباء أولئك الذين فُقدوا على يد التنظيم الحصول على مزيد من المعلومات حول التنظيم والعثور على أدلة حول مصير المفقودين. حيث لا يمكن تحقيق المساءلة الحقيقية إلا عندما تتخذ المحاكم خطوات لضمان أن تكون العدالة فعالة وشاملة ومنصفة.
__________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.