1 min read
ورقة سياسات حول إدارة سجون داعش في سوريا

ورقة سياسات حول إدارة سجون داعش في سوريا

بعد انتهاء المعارك التي استمرت لأسبوع في محافظة الحسكة ما بين مقاتلي تنظيم الدولة (داعش) وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تُرك سكان المنطقة ليواجهوا تبعات السياسات الفاشلة في التعامل مع سجناء داعش، بما فيها تهجير السكان وتدمير الممتلكات.

نفذ الهجوم، الشبيه بهجوم الميليشيات، مسلحون أغاروا على سجن غويران بعد تفجير سيارة مفخخة بالقرب من سور السجن، مُمكنا عناصر داعش من الفرار. وتطلب التخطيط لهذا الهجوم مستوى عاليا من التنسيق في العمل ما بين عناصر داعش داخل سجن غويران وخارجه، حيث تواصلوا من خلال هواتف نقالة تم تهريبها إلى داخل السجن. وفيما لا يزال العدد النهائي للفارين غير معروف، إلا أن قسد تمكنت من إعادة القبض على أكثر من 100 منهم، وقامت بتأمين السجن والأحياء المحيطة به. كذلك، تتحدث التقارير عن وجود 800 طفل على الأقل في سجن غويران، وعن استخدام عناصر داعش للعديد منهم كدروع بشرية، وهؤلاء ليسوا سوى جزء من آلاف الأطفال المحتجزين في سجون ومعتقلات قسد.

أحداث الحسكة ليست المحاولة الأولى لعودة تنظيم داعش، ففي الواقع أن حدة هجمات التنظيم تصاعدت بسرعة في مناطق مختلفة من العراق وسوريا خلال الشهور الأخيرة، مما يدل على استمرار وجود التنظيم وقدرته على تفعيل الخلايا النائمة. وفي ذات الوقت الذي تم فيه اختراق سجن غويران أغار مسلحو داعش على نقطة عسكرية في محافظة ديالى وقتلوا 10 من الجنود العراقيين الموجودين هناك. وبعد ذلك بفترة قصيرة سقطت قرية الرصافة قرب الرقة بيد التنظيم. وسبق هذه الأحداث كلها نشر مقطع فيديو مريع يبين قطع رأس رجل شرطة عراقي كان قد تم اختطافه في كانون الأول/ديسمبر 2021 وعدد من التفجيرات الانتحارية في بغداد مطلع العام الماضي.

يسلط الهجوم على السجن الضوء على الإخفاقات الخطيرة في مجالي العدالة والأمن في شمال شرق سوريا على عدة مستويات. أولها، أنه يبين أن التحالف الدولي للقضاء على داعش أخفق في تحقيق الأهداف التكتيكية المحددة التي أعلن عنها لدى إنشائه سنة 2014 وبعد هزيمته لداعش في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم سنة 2019. وفي سوريا على وجه الخصوص، أعطى التحالف الأولوية لتوفير الدعم اللوجستي للشركاء السوريين المحليين (مثل قسد) لقمع محاولات عودة داعش هنا وهناك، وذلك من خلال التدريب العسكري والغارات الموجهة وإدارة السجون. ولكن وكما ثبت من خلال الهجوم الأخير وعدد من المنشآت الأمنية والسكان المدنيين في سوريا والعراق خلال السنوات الماضية، لم يحقق الدعم التكتيكي الذي قدمه التحالف الهدف المرجو منه.

وفي النهاية لا تستطيع قسد وذراعها المدني في مجلس سوريا الديمقراطية وحدها أن تتصدى للتحديات الأمنية والإنسانية المتعددة، إضافة إلى التحديات المتعلقة بالعدالة التي تواجه منطقة شمال شرق سوريا منذ النصر الذي تحقق على داعش في تلك المناطق. كذلك، تكشف الهجمات القيود الجوهرية للنطاق التكتيكي الضيق لنهج التحالف: حيث لا توجد هناك استراتيجية أوسع لتحقيق العدالة لضحايا جرائم داعش أو محاسبة مرتكبي هذه الجرائم. ومن دون عدالة ومحاسبة، لن يكون بالإمكان التوصل لحل مستدام للتصدي للقضايا السياسية والاجتماعية طويلة المدى والتي تتيح لداعش البقاء والاستمرار.

وبالتالي وبعد إعادة السيطرة على سجن غويران والقبض على الفارين الذين لم يتمكنوا من مغادرة محيطه، تتضمن التوصيات التالية خطوات عملية يمكن أن تطبقها الأطراف المعنية من أجل: (1) المساعدة في تحمل مسؤولية مقاتلي داعش، (2) وضع خطة واضحة لمنع أي هجمات مستقبلية وإجهاض أي محاولة لعودة ظهور داعش، و(3) ضمان إنصاف الضحايا/ الناجين.

قوات التحالف الدولي

  • توفير الدعم اللوجستي والإنساني الفوري لأكثر من 25,000 شخص من سكان الحسكة اضطروا للنزوح بسبب المعارك في غويران. خاصة وأن استجابة التحالف الدولي وقسد لهذا الهجوم ألحقت أضرارا بالمنازل والممتلكات المحيطة بالسجن، وتفيد التقارير كذلك بارتكاب عناصر داعش لعدد من الجرائم خلال وجودهم خارج السجن، ويجب تعويض المتضررين عن الخسائر المادية. ويعد هذا الدعم في غاية الأهمية خاصة مع استمرار تردي الوضع الاقتصادي في شمال شرق سوريا وتضاؤل مِنح دعم الاستقرار التي كانت تدفعها الولايات المتحدة منذ سنة 2018.
  • تطوير خطة أمنية شاملة لمنطقة شمال شرق سوريا تعيد تقييم التهديد الذي يمثله التنظيم ودور قوات التحالف في التعامل معه (مثال: عن طريق استهداف الخلايا النائمة بدلا من التركيز على القيادة التنظيمية العليا). يجب أن تولي هذه الخطة الأولوية للتشارك في المعلومات الاستخبارية ما بين التحالف وقسد والسلطات العراقية التي تعاني أيضا من عودة ظهور داعش.
  • توفير المزيد من عناصر الأمن والمعدات الفنية لمساعدة قسد في تأمين ومراقبة المنطقة المحيطة بسجن غويران وغيرها من مرافق احتجاز عناصر داعش.
  • توفير الدعم اللازم لفتح المزيد من مرافق الاحتجاز في شمال شرق سوريا للتخفيف من الاكتظاظ في سجن غويران والتهديدات التي تواجه السكان في مناطق الجوار، ضمن إطار زمني واضح لإغلاق هذه المرافق ودعم الإجراءات القضائية المتعلقة بداعش. فالهدف من هذه السجون هو تلبية حاجة قصيرة المدى، ولا يجب أن تتحول لبديل عن حل عادل لجرائم داعش أو لاحتجاز الأطفال والأفراد دون دليل على تورطهم مع التنظيم.
  • تحديد الوضع القانوني لأكثر من 800 طفل محتجز في سجن غويران وغيرها من مراكز الاحتجاز التابعة لقسد، ضمن حل أوسع لمصير جميع الأطفال المحتجزين حاليا لدى قسد. ويجب على التحالف أن يحدد من تم اعتقاله بشكل تعسفي ومن يعتقد أنهم ينتمون إلى داعش. ويجب الإفراج فورا عن أولئك المعتقلين دون وجه حق، وإعادة لم شمل السوريين منهم بعائلاتهم الموسّعة حيث أمكن، أو إيداعهم لدى السلطات المحلية (مثال: المجالس العشائرية) أو المنظمات الإنسانية الدولية التي تستطيع أن تضمن تلبية احتياجاتهم الأساسية. أما الأطفال من الجنسيات الأجنبية فيجب إعادتهم إلى مواطنهم. وبالنسبة لأطفال داعش، فيجب وضع آليات لعدالة الأحداث لضمان الحفاظ على الحقوق القانونية للطفل. كذلك، يجب أن تتزامن عملية إطلاق سراحهم مع إطلاق سراح وترحيل (عند اللزوم) أكثر من 27,000 طفل من أطفال مقاتلي داعش المحتجزين في مخيم الهول.

قوات سوريا الديمقراطية/ مجلس سوريا الديمقراطية

  • التحقيق في الاختراق الأمني في غويران لمنع تكراره في المستقبل، على أن يكون ذلك جزءا من جهود أوسع لتحسين المحاسبة الداخلية في إدارة مرافق قسد. حيث أتاح الفساد وسوء الإدارة للتنظيم الوصول إلى سجون مثل غويران كما أتاح للمعتقلين الفرار مقابل دفع الرشاوى. يجب على السلطات في شمال شرق سوريا أن تحقق فيما إن كان هناك نمط من الفساد الذي يؤدي إلى تجنيد دخلاء (فرقة أشباح) مقابل المال في أمن السجون وإن كان هناك تعتيم على حقيقة الوضع الأمني على الأرض. وسيكون تحقيق المحاسبة الأمنية والداخلية أسهل من خلال ضمان الشفافية فيما يتعلق بمؤهلات العاملين في السجون.
  • الإفصاح عن أرقام وجنسيات وأعمار سجناء داعش المحتجزين لدى قسد، دون الإفصاح عن أماكن احتجازهم أو التسبب في زيادة خطر وقوع هجمات أخرى أو هروب عناصر التنظيم من السجون. أخفت قسد في السابق هذه المعلومات تحت ضغط المجتمع الدولي الذي لا يرغب في الإعلان عن عدد مواطنيه الذين لا زالوا موجودين في سوريا. ولكن الشفافية بشأن جنسيات سجناء داعش والإعلان عن هذه المعلومات ضروري لإلزام الدول بتحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها.
  • تحسين إدارة مرافق احتجاز عناصر داعش، بما في ذلك الفصل ما بين الأطفال والرجال البالغين والسماح بدخول المراقبين الدوليين.
  • تطوير نظام شفاف لتحديد متى يتم إطلاق سراح سجناء داعش بالتوازي مع الجهود الدولية للبت في قضايا عناصر التنظيم. على ألا يتم إطلاق سراح مشتبهي داعش دون محاكمة أو كجزء من الترتيبات السياسية المحلية أو مقابل دفع رشاوى.

المجتمع الدولي

  • يجب أن يتم إرجاع الأطفال الأجانب إلى بلادهم على الفور، سواء كانوا في السجون أو المخيمات كمخيم الهول. ولدى عودتهم، يجب أن يتم إلحاق الأطفال في مبادرات لإعادة الإدماج التي توفر الدعم النفسي – الاجتماعي وبرامج محاربة التطرف عند الضرورة.
  • يجب على الدول التي لديها مواطنون محتجزون لدى قسد أن تنشئ محكمة إرهاب بموجب الاتفاقيات تتيح اختصاصا مشتركا لمحاكمة المقاتلين على جرائم الإرهاب. ويجب ضمان حق المتهمين بمحاكمة عادلة حسب الأصول. بعدها يجب أن تتمحور الإجراءات حول الضحايا بحيث يتمكن الضحايا/الناجون من المشاركة في العمليات القضائية لغرض تحقيق التعافي الفردي والجماعي. وعند النطق بالحكم يجب أن تنسق المحكمة مع الدول لنقل المقاتلين المدانين لبلادهم الأصلية. أما الأفراد الذين لا تتم إدانتهم ضمن اختصاص المحكمة فيتم إرجاعهم إلى أوطانهم على الفور. ويجب ألا تسمح أي من الدول بالمحاكمات الغيابية أو عقوبة الإعدام.

______________________________________________

لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والملاحظات، يُرجى التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected] ومتابعتنا على الفيسبوك وتويتر. ويرجى الاشتراك في النشرة الإخبارية الصادرة عن المركز السوري للحصول على تحديثات حول عملنا.