داخل محاكمة أنور رسلان #54: "الانتقام ليس هدفنا ولا نسعى لمجرد قصاص عادل"
محاكمة أنور رسلان
المحكمة الإقليمية العليا – كوبلنتس، ألمانيا
التقرير 54 لمراقبة المحاكمة
تاريخ الجلسة: 1 و2 كانون الأول/ديسمبر، 2021
تحذير: تتضمن بعض الشهادات أوصافًا للتعذيب.
ملخص/ أبرز النقاط[1]:
اليوم المائة وخمسة – 1 كانون الأول/ديسمبر، 2021
أدلى P58، وهو سوري يبلغ من العمر 33 عامًا، بشهادته حول اعتقاله في الفرع 251 وحول تعاطف أنور مع المعارضة السورية، ومعاملة أنور الحسنة لـ P31. وقد سبق للمحكمة أن رفضت طلب الدفاع للاستماع إلى P58 كشاهد، بحجة أنه لن يضيف معلومات ذات صلة. وسافر P58 إلى كوبلنتس بمبادرة منه وسُمح له بالإدلاء بشهادته في المحكمة. حيث لم يتمكن من الإجابة على الأسئلة من قبل أطراف القضية وقدّم شهادة غير متّسقة وغير مفصّلة.
ثم أغلق القضاة فترة أخذ الأدلة في محاكمة أنور رسلان وأعلنوا أن البيانات الختامية لجميع الأطراف ستأتي تباعًا.
اليوم المائة وستّة – 2 كانون الأول/ديسمبر، 2021
قدم المدّعيان العامان بياناتهما الختامية، وطالبا بالسجن مدى الحياة لأنور رسلان، وقالا إن المحكمة يجب أن تدين أنور بذنب التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ممثلةً بأربعة آلاف حالة تعذيب و30 حالة قتل وعنف جنسي. كما ذكر المدّعيان العامان أنه بما أن أنور كان متواطئًا في ارتكاب العديد من الجرائم الأساسية ضد الإنسانية، وفي حالات متعددة منها، فإنه قد أظهر جسامة الجُرم على نحو خاص. ويترتب على ذلك أن عقوبته بالسجن مدى الحياة لا يمكن وقف تنفيذها بإفراج مشروط بعد خمسة عشر عامًا. وأشار المدّعيان العامان كذلك إلى أهمية الدعم النفسي الاجتماعي لجميع الشهود الناجين ومسؤولية ألمانيا التاريخية عن محاكمة الجرائم الدولية الأساسية بموجب الولاية القضائية العالمية.
اليوم المائة وخمسة – 1 كانون الأول/ديسمبر، 2021
بدأت الجلسة في تمام الساعة 9:35 صباحا بحضور ثلاثة أشخاص، وثلاثة ممثلين من الصحافة. سجل مصوران مقاطع فيديو، والتقطا صورًا فوتوغرافية قبيل بدء الجلسة. كان الشاهد في منصة الحضور. ومثّل الادّعاء العام المدّعيان العامان كلينجه وبولتس. كان شارمر الوحيد الحاضر من بين محامي المدّعين، وانضم المحامي محمد متأخرًا بواقع 20دقيقة. والتحق كل من محامي المدعين د.أوميشين وشولتس بالجلسة أثناء إحدى فترات الاستراحة.
أمور إدارية
قالت القاضي كيربر رئيسة المحكمة إن الشاهد الذي استدعاه محامي الدفاع فراتسكي موجود في المحكمة، ولكن، سوف يتلو القضاة أولًا قرارات بشأن طلبات سابقة تقدم الدفاع بها.
[ما يلي هو إعادة تمثيل لقرارات القضاة بناء على ما تمكّن مراقب المحاكمة من سماعه في المحكمة].
قرارات القضاة بخصوص طلب الدفاع استدعاءجيرهارد كونراد بصفته خبيرًا
I) وفقًا لما ورد في طلب الدفاع، من المفترض أن يقوم الخبير المُقترح جيرهارد كونراد بالإدلاء بشهادته حول مسألة هياكل السلطة في أجهزة الاستخبارات السورية، وفرع الخطيب، ودور حافظ مخلوف بصفته رئيسًا للقسم 40، والعلاقة بين ضباط أجهزة الاستخبارات السُّنّة والعلويين. كما يفيد طلب الدفاع أن جيرهارد كونراد هو ضابط رفيع في جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني، أي وكالة الاستخبارات الألمانية، وأن الشهادة التي أدلت بها الخبيرة لاورا تورمان لم تكن كافية فيما يتعلق بهياكل السلطة. ويفيد الطلب أن أنور لم يتمتع بأي صلاحيات لصنع القرار كحقيقة استدلالية مزعومة. وعوضًا عن ذلك، كان حافظ مخلوف مسؤولًا عن القسم، فيما لم يتمتّع أنور بأي صلاحيات لإصدار أوامر استخدام التعذيب، أو عصيان الأوامر الصادرة في هذا الخصوص عن ضبّاط أجهزة الاستخبارات العلويين. ويصف الطلب محاولة أنور مساعدة المعتقلين كلما استطاع ذلك. يهدف طلب الدفاع إلى بيان أنه لا يمكن أن تُعزى إلى أنور أفعال سوء المعاملة المُرتكبة في فرع الخطيب.
II) يرى القضاة أن طلب الدفاع ليس إلاّ مجرّد اقتراح بتقديم البيانات، ولا يعتبر أصوليًّا لأغراض قبول البيانات بموجب أحكام الفقرة 3 من المادة 244 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني. ولا يقدّم طلب الدفاع أي حقائق ملموسة يُفترَض بالخبير المُقترَح أن يقيّمها. يقتصر الطلب على وصف الأحوال العامة في أجهزة المخابرات، وهو ما يُفترَض أن يكون موضوع شهادة الخبير. وبالتالي، لا يُطابق الطلب المتطلبات المنصوص عليها في الفقرة 3 من المادة 244 من الفصل الأول من قانون الإجراءات الجنائية الألماني. كما شكك القضاة بمدى دقة ما ورد في الطلب من وصف دور أنور في هياكل السلطة العامة. كما أنه من غير الواضح ما يمكن للخبير أن يضيفه من معلومات جديدة بالنسبة لوضع أنور. ومن المشكوك به أن تتوفر لدى الخبير معرفة ذات صلة بأوضاع ضابط مخابرات واحد على وجه التحديد. تم رسم ملامح العلاقة التي تجمع أنور بحافظ مخلوف تحديدًا، وهو ما أكّد عليه شهود سابقون. يتشعب نظام أجهزة المخابرات السورية إلى كثير من الفروع، ما يثير التساؤل حول مدى معرفة الخبير بالتفاصيل الداخلية لأحد الفروع دون غيره في مرحلة ما.
عمل الخبير المُقترح جيرهارد كونراد لدى مكتب وكالة المخابرات الألمانية في دمشق من العام 1998 إلى 2002، ويتحدّث العربية، وعمل في القدس في مجال القضايا الاستخباراتية الدولية. ومع ذلك، فمن غير الواضح كيف للخبير أن يدلي بشهادته حول ما قام به جهاز مخابرات آخر من أعمال داخلية في العام 2011، كما أنه من غير الواضح كيف يمكن لأيّ خبيرٍ آخر أن تتوفر لديه معرفة مفصّلة من هذا القبيل. قد تكون الحقائق الاستدلاليةّ المزعومة الواردة في طلب الدفاع كافيةً لو كان من الممكن أن تقود شهادة الخبير إلى الوصول إلى استنتاجات ذات صلة. ولكن، تظلّ ماهيّة الادّعاءات التي يُفترَض بالخبير أن يساندها غير واضحة.
لذلك، لا يرى القضاة ضرورةً في استدعاء جيرهارد كونراد بصفته خبيرًا، والاستماع لشهادته، وذلك وفقًا لالتزام المحكمة في إقامة الحقيقة.
III) ويجب ردّ طلب الدفاع وفقًا لأحكام الفقرة 4 من المادة 244 من الفصل الأول من قانون الإجراءات الجنائيّة الألمانيّ، إذا عُدّ طلبًا من أجل تقديم بيانات. وعلى الرغم من أن الحقائق والظروف الواردة في الطلب غير معروفة عمومًا، تتوفر لدى القضاة المعرفة اللازمة في هذا السياق. يعرف القضاة معلومات عن هياكل السلطة، والموقع الذي شغله أنور، وطبيعة السُلطة التي بيده، وذلك من خلال الخبراء والوثائق التي عُرِضَت في المحكمة. ثمّة هياكل سلطة شبيهة بالهياكل القبليّة تتربع على رأس الحكومة السوريّة، والأجهزة ذات الصلة، وأجهزة المخابرات، الأمر الذي أكّدته الخبيرةلاورا تورمان ، وتقرير الخبراء المُعدّ من وكالة المخابرات الألمانية حول أجهزة المخابرات السورية ، والخبراء البُنّي، ومازن درويش، وكريستوف رويتر.
قام الشهود P10 وP21 و P54 واللبواني ورياض سيف (P13) بإعطاء المحكمة معلومات داخليّة عن هيكل السلطة في أجهزة المخابرات السورية في عامي 2011 و2012، والهياكل الاجتماعية وتراتبيتها الهرمية، ونفوذ عائلة الأسد، وتأثير الطوائف على السّلطة، والتبعات التي قد تتعرض لها طوائف بعينها. واستمعت المحكمة للشهود آنفي الذكر بشأن علاقة أنور وحافظ مخلوف. وعلاوةً على ذلك، أدلى معتقلون سابقون شاهدوا أنور مباشرة في الفرع بشهاداتهم حول منصبه ودوره. وقدّم إياد الغريب أيضًا وصفًا شاملًا للفرع 40. كما أخبر أشخاص مقربون من أنور المحكمةَ عن طبيعة منصب أنور ودوره في أجهزة المخابرات، والفرع المذكور. وعليه، فبإمكان القضاة أن يحددوا بأنفسهم إذا كان نطاق تصرف أنور مقيّدًا، ومدى محدوديته من عدمها. ولا تتوفر لدى أي خبير معرفة أفضل في هذا الشأن، أو معلومات أكثر تفصيلًا.
قالت القاضي كيربر إن لدى الدفاع شاهدًا آخر، ولكن، يستدعي الأمر تقديم طلب بهذا الخصوص كي تتمكن المحكمة من الاستماع إلى الشاهد. قال محامي الدفاع فراتسكي إن الدفاع يحيل عناية المحكمة إلى طلبه المقدّم بتاريخ 13 تشرين الأوّل/أكتوبر، 2021 (PW3_97)، وأضاف محامي الدفاع بوكر أن الدفاع لن يشير إلى الفقرة 2 من ذلك الطلب، بل إلى حقيقة وجود الشاهد في المحكمة حاليًّا.
شهادة P58
تُليَت على P58حقوقه وواجباته كشاهد. وذكر اسمه، وأخبر المحكمة أنه يبلغ 33 عامًا من العمر، ويعمل صحفيًا. ويقيم P58 حاليًّا في [حُجِب اسم المكان]. ونفى وجود صلة قرابة تربطه بالمتّهم عن طريق المصاهرةٍ أو النسب.
استجواب من قبل القاضي كيربر
طلبت القاضي كيربر رئيسة المحكمة من P58 بادئ الأمر أن يزوّدها ببطاقة هويّته أو أي أوراق ثبوتية أخرى كي تتثبت المحكمة من هويّته، فقال P58 إنه ترك وثائقه في الطابق السفلي عند بوابة الأمن. أخبرت القاضي كيربر P58بأن يُحضر أوراقه.
وفي أثناء توقّف الجلسة للاستراحة، اشتكى محامي الدفاع بوكر إلى القضاة من المعاملة الوقحة التي لقيها موكلّه أنور من حرّاس المحكمة الذين كادوا أن يسحبوه عنوة إلى قاعة المحكمة، وطلب من القضاة أن يتحدثوا مع الحرّاس في هذا الشأن، وأن يلفتوا انتباههم إلى أنهم قد عاملوا أنور بطريقة جيدة طوال العام ونصف العام الماضيين، وإلى أنه أحسن التصرّف معهم دائمًا، فأوضحت القاضي كيربر أنه تم تعيين حارس جديد للمحكمة، وأنها ستتحدّث إليه بهذا الخصوص.
عاد P58إلى قاعة المحكمة، وسلّم القضاة ورقةً. سألت القاضي كيربر P58 عمّا إذا كانت تلك الورقة هي الوسيلة الوحيدة لإثبات هويته، فأوضح P58أنه قد أضاع محفظته وكل ما فيها من بطاقات الهوية، وأن هذه الورقة هي الوسيلة الوحيدة لإثبات هويته إلى أن يستلم بطاقاته الجديدة.
لخصّت القاضي كيربر رئيسة المحكمة الوثيقة المكتوبة باللغة الفرنسية، وسألت P58 عن سبب إفادة الوثيقة بأن دائرة [حُجِب اسم الدائرة] قد أكدت أنه أضاع محفظته، بزعم أن P58 يقيم حاليًّا في [حُجِب اسم المكان]، فأوضح P58 إن تلك الدائرة هي المسؤولة عن شؤونه، حيث كان من الشائع في [حُجِب اسم المكان] أن يكون هناك شخص مسؤول عن أمور اللاجئين السياسيين.
سألت كيربر P58عمّن كان يتحدث، وعن المكان الذي يشير إليه، وعمّا ذكره، فقال P58 إنه درس في [حُجِب اسم المكان]، ويعيش الآن في [حُجِب اسم المكان]. وطلب الحصول على الأوراق ذات الصلة في [حُجِب المكان].
قالت كيربر إنها فهمت الآن ما يقصده P58، وإنه ليس لديها شكّ في هويته. وأضاف محامي الدفاع بوكر أن [حُجِب الاسم] موجود بجانب [حُجِب الاسم] على أيّة حال.
طلبت القاضي كيربر من أحد مترجمي المحكمة الشفويين (وهو مترجم محلّف إلى اللغة الفرنسية) أن يترجم نص وثيقة P58. وبحسب المترجم الشفوي، تفيد الوثيقة أن P58أضاع بطاقة هويّته بتاريخ 8 تشرين الأول/أكتوبر، 2021، وإنّها قيد التجديد حاليًّا. وتحمل الوثيقة ختم السلطة المسؤولة عن البالغين في [حُجِب اسم المكان].
أوضحت القاضي كيربر لـP58أنه قد تناهى إلى علم المحكمة تعرّضه للاعتقال ذات مرّة في الفرع 251، وسألته عن مدى صحّة ذلك، وعمّا بوسعه أن يخبر المحكمة عنه في هذا الشأن، فقال P58إنه اعتُقل خمس مرّات قبل الثورة، وكان عضوًا في رابطة الصحفيين والناشرين التابعة للدولة. وعمل P58 مع أحد أبناء عمومته الذي شغل منصبًا رفيعًا في الدولة السورية، وكان P58نفسه موظفًا في [حُجِب اسم المكان]. وقال P58 إن [حُجِب الاسم] هو أحد أصدقاء P31، وإنه هو صديق P31أيضًا، وزاره في [حُجِب اسم المكان]. وبحسب P58، عمل موظّفًا لدى الدولة السوريّة قبل الثورة، مبيّنًا أنه لم يكن في صفوف المعارضة، وإنه قد عمل صحفيًّا، وتولّى إعداد البرامج الوثائقيّة، وتقارير الخبراء منذ العام 2017. ولم يواجه أي مشكلات أبدًا مع الشرطة أو أجهزة المخابرات في سوريا. وقال P58 إن "هناك نظامًا دكتاتوريًّا في سوريا من دون شكّ"، ولكنّه ينحدر من عائلة لطالما عملت مع الدولة.
وقام P58بزيارة P31 بتاريخ [حُجِب اليوم] كانون الثاني/يناير، 2011. والتقوا في منزل P31، وكان P58 حاضرًا برفقة مجموعة مكوّنة من خمسة صحفيين. وقال P58 إنه قد همّ بعد ذلك بمرافقة P31 إلى إحدى المظاهرات لأنه كان قلقًا على سلامته. وتوجها سويّة إلى أحد المقاهي حيث التقيا فيه بأشخاص آخرين. وتوجهوا إلى مقهى [حُجِب اسمه] في دمشق الكائن على مقربة من مجلس الشعب السوريّ، وأوضح P58 أنه لم يكن يعرف أي شخص في المعارضة في حينه باستثناء P31، وبلغ عددهم 30 شخصًا بادئ الأمر، قبل أن ينخفض عدد الحاضرين منهم إلى 15 شخصًا. وبحسب P58، كانت تلك هي المرة الأولى التي يجد نفسه بموقف من ذلك القبيل. كانت القوات الأمنية منتشرة في كل مكان، وصدرت تعليمات صارمة بمنع أي شخص من الاحتجاجات أو الوقوف دقيقة صمت أمام مبنى مجلس الشعب. وبالتالي، قرر "الشباب" التوجه إلى مبنى شركة الاتصالات السورية كخيار بديل. وأضاف P58 إن الشركة كانت مملوكة لأحد أقارب بشار الأسد [رامي مخلوف]. ومع ذلك، داهمت قوات الأمن المقهى، وطلبت من الجميع إبراز بطاقات الهوية. بقي المتظاهرون على مقربة من مبنى شركة الاتصالات السورية مدّة خمس دقائق تقريبًا قبل أن يتفرقوا ويذهب كل منهم في طريقه. وقال P58 إن إحدى دوريات الشرطة استوقفته بالقرب من سينما [حُجِب الاسم] برفقة صديقة P31 [حُجِب اسمها] التي تعمل فنانة. لم تُصَب صديقة P31بأي أذى جسديّ، ولكنها شعرت [بالتوتر]، فشرعت بالبكاء. وبحسب P58، كان "الشباب" [الذين أوقفوه] على تواصل مع العقيد أنور، وبانتظار أوامره، ثم عثروا على بطاقة لـP58 تفيد بأنه عضو في رابطة الصحفيين، فبدأوا بضربه، ولم يتوقفوا عن ضربه إلا بعد أن وصل "السيد العقيد". ثم ألقوا "بنا" في سيارات حكومية من طراز فولكس فاجن حيث تعيّن على P58 وصديقة P31 أن ينتظرا ساعة. وأخبر P58 المحكمة أن "أولئك الأشخاص كانوا على تواصل مع آخرين"، وأنه أُجريَ الكثير من المكالمات الهاتفية في تلك الساعة التي انتظرها هو وصديقة P31 في السيارة. وسمع P58شخصًا ما يقول "سيدي" أثناء المكالمة الأخيرة، واتّصل به شخص آخر بعد ذلك، وقال له إنه تكلّم مع أنور. وافترض P58أنهم أعطوا أوامر بالتوقف عن الضرب، ولكن تعيّن عليه أن ينتظر في السيارة ساعة. تم اقتيادهما إلى فرع لأمن [الدولة] الجنائي في دمشق، حيث مكثا فيه من الساعة السابعة مساءً وحتّى الساعة العاشرة مساءً [داوم P58على استخدام مفردة "Strafsicherheit" الألمانية ومعناها الأمن الجنائي]. وقال P58إنه تعيّن عليه أن ينتظر في إحدى الزنازين ساعة قبل أن يتم اقتياده إلى أحد الضباط برتبة نقيب في "الأمن الجنائي". وتعيّن على P58 أن ينتظر ساعتين إضافيتين في مكتب النقيب. تلقّى النقيب اتّصالًا، و"قُدمّت لنا القهوة، واعتذر النقيب قائلًا: "حسنًا، أنت تعرف كيف هي الأوضاع هذه الأيام".
أخبر P58المحكمة أنه ملّمٌ جدًّا بالتراتبية الهرمية في النظام السوري. ولم تُظهر أجهزة المخابرات سلوكًا عدائيا مبالغا فيه أثناء المظاهرة [التي اعتقل P58 فيها]، إذ أرادوا أن يجمعوا المعلومات فقط. كما قال P58 إن صحفيين آخرين جُلبوا [إلى الفرع] في تمام الساعة العاشرة مساءً، وكان بينهم أحد مراسلي التلفزيون، و[حُجِب الاسم]، والصحفيّ [حُجِب الاسم] من صحيفة الجزيرة في دمشق، وP31. وأمر أنور بالإفراج عنهم، وهو ما اتّضح لـP58لاحقًا. وقال P58 إنه عرف ذلك لاحقًا عندما اعتقل [حُجِب الاسم]، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يسمع فيها باسم أنور. ومضى P58 في حديثه واصفًا أنه هو وP31 ذهبا إلى [حُجِب اسم المكان] في اليوم التالي [عقب الإفراج عنهما]. وخشيَ P31 أن تعترض نقاط التفتيش طريقهما، وعندما وصلا، توجّه P58بدايةً إلى مكتبه حيث وجد عليه كتابًا رسميًّا، اتّضح أنه إشعار بإنهاء عقد عمله. وقال P58 إن حياته انقلبت رأسًا على عقب في تلك اللحظة. إن ما سبق هو تفصيلٌ للطريقة التي سمع فيها P58 باسم أنور للمرة الأولى.
سألت القاضي كيربر P58عمّا إذا اعتُقل في الفرع 251 مرة أخرى، أو إن كانت تلك هي المرة الوحيدة التي يُعتقل فيها، فقال P58 إنها المرة الأولى، حيث اعتقل لدى الأمن الجنائي، وليس في الفرع 251.
سألت القاضي كيربر P58عمّا يقصده بالأمن الجنائيّ، فقال P58إنه يقصد جهاز الشرطة المعروف "المسؤول".
خلصت كيربر إلى أن كل ما وصفه P58للتوّ قد حصل في مركز شرطة عادي، فقال P58"إننا" اعتقلنا من قبل الأمن الجنائي، واحتُجزنا في الشارع من الساعة الرابعة عصرًا إلى الساعة السادسة ونصف مساءً. سأل P58 عن مكان تواجدهم عندما نُقلوا، وأُخبر بأن الأشخاص هم ضباط من الأمن الجنائي.
سألت القاضي كيربر P58عمّا إذا اعتقل في الفرع 251، فقال P58: "بالطبع"! وكانت تلك هي المرة الخامسة والأخيرة التي يعتقل فيها قبل أن يغادر سوريا. وقال P58 إنه اعتُقل في فرع فلسطين مدة 37 يومًا.
حذّرت كيربر P58 من أنه لن يُسمح له بالاستمرار بالإدلاء بشهادته على هذا النحو، وقالت إنها تتفهم انفعاله، ولكن، يتعيّن عليه أن ينتظر قيام مترجم المحكمة الشفوي بترجمة أقواله، وطلبت كيربر من P58 أن يُدلي بشهادته بقول جملة واحدة تلو الأخرى. فقال P58: "حسنًا"!
أشارت القاضي كيربر إلى أن P58 قد اعتُقل في فرع فلسطين، وأقرّ أنه قد اعتُقل في الفرع 251، وأرادت أن تعرف متى اعتُقل فيه، فاستذكر P58أنه قد أُفرج عنه من قبل محكمة أمن الدولة بتاريخ [حُجِب اليوم] آذار/مارس، 2012، حيث كان في منزل P31 الكائن في [حُجِب اسم المكان] عندما اقتحم المسؤولون المنزل بتاريخ [حُجِب اليوم] آذار/مارس، 2012، واعتقلوا P58 وأحد أصدقائه. وتم "اقتيادنا" من هناك إلى الفرع 251الكائن في شارع بغداد.
أرادت كيربر أن تعرف من قَصَد P58باستخدامه أحد صور ضمير المتكلم، فسأل P58كيربر عمّا إذا أرادت أن تعرف أسماءً، فأقرّت كيربر ذلك، فقال P58: "[حُجِب الاسم]".
سألت كيربر P58عمّا إذا كان P31 معهم، فنفى P58 ذلك، قائلًا إن P31 لم يكن في سوريا في حينه.
أخبر المترجم الشفوي القائم على ترجمة شهادة P58 من العربية إلى الألمانية المحكمةَ أنه يواجه صعوبة في فهم P58نظرًا لما يعانيه من صعوبات في النطق، وتعيّن عليه بالتالي أن يطرح عليه أسئلة على سبيل المتابعة.
لخصّت القاضي كيربر أن P31 لم يكن موجودًا لحظة اعتقال P58التي وصفها لتوّه أمام المحكمة، وسألت P58عمّا حصل بعد ذلك، وعن اقتياده إلى الفرع 251 من عدمه، فأوضح P58 أنه تم اعتقاله، ولكنه لم يتعرّض للضرب. ووصل إلى الفرع في تمام الساعة السابعة ونصف مساءً، وقرأ لافتة كُتِب عليها "رئيس قسم التحقيق" عندما وصل إلى الفرع. وكان هناك خمسة أصدقاء، وطلاب من كلية الفنون الجميلة، وبعض من أصدقاء P31. قال P58 إن المكان كان صاخبًا جدًّا، وسأل العقيد أنور عمّا كان يحصل، وعمّا إذا جلبوا كلية الفنون الجميلة بأسرها. وبحسب P58، لم يتعرّض أحد للضرب. وقال P58 إن من الأهمية بمكان أن يخبر المحكمة أن أسوأ ما مرّ به من تجارب هي حادثة اعتقاله في جهاز المخابرات العسكرية حيث اعتقل فيه لمدة 37 يومًا، واعتقل لدى المخابرات في دير الزور...
قاطعت القاضي كيربر رئيسة المحكمة P58مخبرةً إيّاه إنّها تريد أن تعرف متى اعتُقل في الفرع 251، ومدّة اعتقاله فيه، فقال P58 إنه يريد أن يعرض النقطة الثانية لكي يعقد مقارنةً.
خلصت كيربر إلى أن P58اعتُقل في [حُجِب اليوم] آذار/مارس، 2012، وتمت معاملته بصورة حسنة. قاطع محامي الدفاع بوكر قائلا إن P58 لم يقل إنه عومل بصورة حسنة، فقالت كيربر إن هذا هو ما فهمته، ولذا، توّد أن تسأل P58 عن ذلك، فنفى P58 [أنه تمت معاملته بصورة حسنة]، مضيفًا أنه هو والأصدقاء الخمس اعتُقلوا في أحد المهاجع (الزنازين الجماعية) التي تقارب مساحتها 15مترًا مربّعًا، والتي كان فيها ما يزيد على 50معتقلًا. واستُخدم التعذيب... [توقف P58لوهلة]
طلبت كيربر من P58 أن يحاول أن يتذكّر ما الذي حدث لأن ذلك يعتبر هامًّا للمحكمة، فقال P58 إن [الحديث عن ذلك الموضوع] يُشعره بالتوتر.
قالت القاضي كيربر إنها ستحاول إذًا أن تخفف من وطأة الأمر على P58، بسؤاله بدايةً عن مدة اعتقاله في الفرع 251، فقال P58 إنه اعتُقل من الساعة السابعة مساء وحتى الساعة العاشرة صباحًا من صباح اليوم التالي.
سألت القاضي كيربر P58عمّا إذا أُفرج عنه بالتالي في [حُجِب اليوم] آذار/مارس، 2012، فوصف P58 أن السجّانين اقتادوه إلى مكتب أنور في الصباح، ووجّه P58 حديثه إلى أنور بصورة مباشرة قائلًا: "لعلك لا تتذكرني لكوني بدوتُ مختلفًا آنذاك". ومع ذلك، كان أنور لطيفًا لأن P58 قال إنه يتعين عليه أن يدلي باعترافه. وقال P58 إن أنور تحدث معه، وأخبره أن ليس هناك أي أمور بحق P58 والآخرين، وأنه سيسمح لهم بالعودة إلى منازلهم. ولكن عندما غادر P58مكتب أنور، وجد أحد ضباط الصف الذي بدا شديد الانزعاج، وجاء "خلفنا"، و"أخبرنا" أنه كان بوسعه أن "يحرقنا" لو أنه كان مكان العقيد.
أضاف P58 أن تجربة الزنزانة كانت مفاجئةً له إذا ما قورنت بتجربة اعتقاله لدى المخابرات الجوية والأمن العسكري؛ تعرض المعتقلون للضرب بكل تأكيد، ولكن، لم يتلقوا المعاملة التي تعرض لها المعتقلون في المخابرات الجوية. وقال P58 إن المعتقلين هناك [أي في الفرع] لقوا من السجانين معاملة مختلفة عن تلك في المخابرات العسكرية، حتى فيما يتعلق ببعض الحريّات. ووصف P58أنه سُمِح للمعتقلين باستخدام دورات المياه [في الفرع 251]، بخلاف المخابرات الجوية حيث لم يُسمَح لهم باستخدام دورات المياه إلاّ بعد حصولهم على الوجبات الثلاث على التوالي. وخلُص P58إلى أن المعاملة لم تكن لطيفة [في الفرع 251]، ولكنّها لم تكن شديدة الوحشيّة كذلك.
وبعد أن توقفوا لبرهة، سألت كيربر P58عمّا إذا كان يعرف أي شيء عن اعتقال P31، فقال P58: "نعم بالتأكيد"، وأوضح أنه ترعرع في منزل P31، وكان مسؤولًا عن الحملة التي طالبت بالإفراج عن P31. وقال P58 إن ذلك كان سببًا من أسباب مغادرته [سوريا]. واستذكر إجراء والد P31مكالمةً هاتفيّةً مع [طبيب] [حُجِب اسمه] عندما اعتقل P31 في الفرع 251، وكان ذلك الشخص مقربًا من النظام، وعلى تواصل مع والد P31. أخبر P58 المحكمة أنّه لا يمكن زيارة المرء إذا ما اعتقلته أجهزة المخابرات. وكان والدا P31بحالة "هستيرية"، وكان الطبيب يعرف العقيد. قال P58 إنه علم لاحقًا من والد P31 أن ذلك [العقيد هو] العقيد أنور. وسمع والد P31 من الطبيب قوله إن أنور شخصٌ لطيفٌ. ثم سُمِح لوالدة P31 أن تزوره في فرع الخطيب. وقال P58 إنه سُمِح لوالد P31 ووالدته بزيارته في الفرع، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يحصل فيها شيء من هذا القبيل. وتمت الزيارات في مكتب العقيد أنور، وأضاف P58 إن طعام P31 المفضّل هو الكباب، لذا أحضر والداه له الكباب إلى الفرع. وهدّأ العقيد من روعهما، وشعرا بالارتياح عقب الزيارة. وعندما أُفرج عن P31، عاد إلى [حُجِب اسم المكان] حيث استقبله P58 في إحدى محطات الحافلات. وقال P58إنه لم يشاهد آثار تعذيب جسدية أو نفسية على P31.
أرادت كيربر أن تعرف من أخبر P58 عن تلك الزيارة إلى الفرع، فقال P58إنه كما سبق له وأن أخبر المحكمة، قد ترعرع في منزل P31، ويمكن أن يُسأل P31 عن ذلك.
أرادت كيربر أن تعرف من أخبر P58 عن تلك الزيارة إلى الفرع، فقال P58إنه كان موجودًا هناك على الدوام، حتى عندما "تحدثوا" مع الطبيب، ويمكن أيضًا أن يُسأل P31 عن ذلك.
أرادت كيربر أن تعرف من أخبر P58 عن تلك الزيارة إلى الفرع: أي كيف عرف عن تلك الزيارة، وسألته عمّا إذا كان صحيحًا أن كان P58 حاضرًا أثناء الحديث الذي دار مع الطبيب. فقال P58 إنه كان في منزل P31 كل يوم عندما "ذهبوا" إلى دمشق.
أرادت كيربر أن تعرف ما الذي حصل بعد ذلك، فقال P58 إنه "وتوخيًّا للدّقة"، لا بدّ وأن ذلك قد حصل قبل شهر من نيسان/أبريل أو أيّار/مايو 2011.
طلبت القاضي كيربر استراحةً لمدة 15 دقيقة.
***
[استراحة لمدة 20 دقيقة]
***
استجواب من قبل القاضي فيدنير
قال القاضي فيدنير إن لديه بعض الأسئلة بشأن اعتقال P58 في الفرع 251، وطلب من P58 أن يُخبر المحكمة كيف اعتُقل، وماذا حصل، سأل P58 عمّا إذا قصد فيدنير السؤال عن اعتقال P58 في الفرع 251، فأقرّ فيدنير ذلك. فقال P58 إنه كان أحد زملاء مازن درويش من رابطة الصحفيين، وكان مسؤولًا عن المكتب في [حُجِب اسم المكان]. وعمل صحفيًّا أيضًا.
طلب فيدنير من P58 أن يصف للمحكمة باقتضاب كيف انتهى به المطاف في الفرع 251، فأوضح P58 أنه على ما يبدو، كانت شقة P31 تحت المراقبة، إذ أن P31 عمل صحفيًّا.
أراد فيدنير أن يعرف ما الذي حصل بعد ذلك، فقال P58: أتعني قبل ما حصل في الفرع 251؟
فقال فيدنير إنه لا يشير إلى مكان وإنما إلى زمان. سأل P58 فيدنير عمّا قصد بسؤاله.
فقال فيدنير إنه يريد أن يعرف متى وقعت الحوادث التي وصفها P58 لتوّه، فقال P58 إنّه كان في الفرع 251 في [حُجِب اليوم] آذار/مارس، 2012.
سأل فيدنير عمّا حصل، فقال P58 إن دوريّة شرطة كبيرة قد داهمت الشقة، وكان لديهم سيارتان، واقتادوا P58 معهم. وحصل ذلك في الساعة السادسة مساءً تقريبًا. وكان P58 قد غادر لتوّه المحكمة بعد أن اعتُقل في فرع فلسطين. لم يكن للأصدقاء الخمسة سجلٌّ جنائي، ولم يتم التحقيق مع أي منهم في تلك الليلة.
سأل فيدنير P58 عن المكان الذي ذهبوا إليه بالسيارة، وكيف تمّت معاملته، فوصف P58 أنه لم يتعرض للضرب "المبرح" عندما اعتُقل من قبل ضبّاط المخابرات. واتّخذ أولئك الضباط أيضًا تدابير لم يتخذها غيرهم. على سبيل المثال، لم يُجبَر P58 على ارتداء عصابة العينين، وأمضى الليلة وصباح اليوم التالي في أحد المهاجع.
أراد فيدنير أن يعرف إلى أين اقتادوا P58 بالسيارة، فأوضح P58 أنه وفي تمام الساعة الثامنة صباحًا، طلب العقيد أن يرى P58على انفراد. وقدّم له P58 القهوة، وعُرِض عليه أن يدّخن سيجارة.
قاطع فيدنير P58قائلًا إنه لم يجب على سؤاله، وطلب فيدنير من P58 أن يصف إلى أين اقتيد بالسيارة بعد أن اعتقل، وأراد فيدنير أن يعرف ما إذا كان أمر اعتقال P58 صحيحًا، فقال P58 إنه اعتقل في دمشق. وأُلقي عليه القبض في منزل P31 الكائن في [حُجِب اسم المكان]. وقال P58 إنه تفاجئ من أن [حُجِب الاسم] حقق معه في فرع المخابرات العسكرية في دير الزور. واستذكر P58 أنه قد صُفِع على أذنه، واُعلم بأنه سيعامل باحترام بسبب أحد أقاربه فقط. ومع ذلك، لاحظ P58 أن العقيد [أنور] مثقف، إذ تحدثوا عن الكتب.
قال فيدنير إنه سيحاول طرح الأسئلة على وجه مختلف الآن، بحيث سيطرح أسئلة دقيقة ينبغي لـP58 أن يجيب عليها. أراد فيدنير أن يعرف كم من الوقت استغرقت رحلة P58 بالسيارة بعد أن اعتُقل، فقال P58 إنه لا يتذكّر الوقت، "ولماذا ينبغي [له] ذلك أصلًا"؟ وكان مُنهكًا جدًّا. قال P58 إنه عندما أُفرِج عنه...
استوقف فيدنير P58 كي يتحدث عن لحظة وصوله إلى الفرع، وطلب منه أن يصف له المبنى، فسأل P58 عمّا إذا أراد فيدنير وصفًا للمبنى، ومضى في حديثه واصفًا حجم المبنى الكبير، من دون أن يتذكر عدد الطوابق المؤلف منها، وكان هناك مبنى مجاورٌ له، وسجن تابع للفرع.
أشار فيدنير إلى قول P58 إن ذلك المكان هو الفرع 251، وأراد أن يعرف كيف عرف P58ذلك، فقال P58 إنه عرف ذلك عندما غادر الفرع، حيث "قيل لنا" إنه بوسعنا أن نغادر. وبحسب P58، من المعروف عمومًا أن هذا الفرع... كلّ من في سوريا يعرف عن ذلك الفرع.
خلص فيدنير إلى أن P58كان يعرف الفرع قبل اعتقاله، فقال P58إنه لم تكن له أي صلة بالشرطة وأجهزة المخابرات قبل العام 2011.
سأل فيدنير P58عمّا إذا كان يعرف الفرع، فقال P58إنه عرف مكان الفرع ولكن لم يسبق له وأن كان فيه.
أراد فيدنير أن يعرف مكان الفرع، لكون P58 لم يكن معصوب العينين في الطريق إلى الفرع، فأكّد P58أنه لم يُجبر على ارتداء عصابة العينين.
طلب فيدنير من P58 أن يخبر المحكمة إلى أين تم اقتياده، وعمّا تمكّن من رؤيته، فقال P58 إنه اعتُقل في فرع المخابرات العسكرية لمدة طويلة.
قال فيدنير إنه لم يقصد ذلك، بل كان يشير إلى الفرع 251، فأراد P58 أن يعرف سؤال فيدنير.
قال فيدنير إنه يريد أن يعرف مكان الفرع، وكيف بدا له المكان عندما وصل إليه، فقال P58 إن الفرع أشبه ما يكون بـ... حيث أُغلقت الشوارع بحواجز اسمنتية، واقتيد إلى قسم التحقيق فور وصوله، وكانت تلك هي المرة الأولى [التي يخضع فيها للتحقيق]. قال P58 إنه شاهد لافتةً على الباب كُتِب عليها "رئيس قسم التحقيق"، وكان رئيس [قسم التحقيق] غاضبًا، وسأل السّجانين عمّا إذا جلبوا كلية الفنون الجميلة بأكملها.
أراد فيدنير أن يعرف مكان قسم التحقيق داخل الفرع، فقال P58 إنه يقع في الطابق المجاور للسجن، ولكنّه لا يتذكّر رقمه، ولم يكن هناك أي مصعد، وتعيّن عليهم صعود الدرج إلى الطابق العلويّ. "طلبوا" الحصول على "معلوماتنا" الشخصية طوال 40 دقيقة، وبعدها، اقتيد إلى زنزانة جماعيّة، وليست منفردة. وتبلغ مساحة الزنزانة حوالي 15 مترًا مربّعًا، وكان فيها ما يزيد على 50 معتقلًا. وقال P58 إنه وجد ذلك مضحكًا لأن ذلك يختلف عمّا هو الحال عليه في الفروع الأخرى، وسُئل عن سبب ضحكه... وبعد مرور 40 دقيقة، اقتيد إلى أحد المهاجع في تمام الساعة 8:30 مساءً تقريبًا.
سأل فيدنير P58عمّا إذا كان معصوب العينين، فنفى P58ذلك، مضيفًا إنه قد ذكر أنه لم يكن معصوب العينين في واقع الأمر.
أشار فيدنير إلى قول P58"إنهم قد طلبوا منّا"، وأراد أن يعرف إلى مَن كان يشير P58 في حديثه، فقال P58 إنه اقتيد بدايةً إلى شخصٍ لم يعرف رتبته، وعرف لاحقًا أن ذلك الشخص هو العقيد أنور.
سأل فيدنير P58عمّن قصد باستخدامه صيغة ضمير المتكلم "نحن"، فقال P58 إنّه قصد نفسه والأصدقاء الخمسة. ولم يكن لهم سجلات جنائية، وكانوا طلابًّا في كلية الفنون الجميلة في دمشق، وكانوا من أصدقاء P31 أيضًا. قال P58 إن بإمكانه أن يعطي بعض أسماءهم للمحكمة في حال كان ذلك ضروريًّا، وإن بعضهم يقيم في الاتّحاد الأوروبيّ.
سأل فيدنير P58عمّا إذا خضع للتحقيق، فقال P58إنه خضع للتحقيق مرّتين. واستغرقت الجلسة الأولى حوالي 40 دقيقة، وطُلب منه في حينه أن يعطي معلوماته الشخصيّة، وجرى اتّخاذ "تدابير اعتياديّة" بحقه. وفي الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي، تم الإفراج عن الأصدقاء، ولكن ظلّ P58 في الفرع، وأخبره أحد الضبّاط أنه على علمٍ "بأفعاله الشّريرة". وقال P58 إن ذلك حصل عندما لم يعد خائفًا لكونه يعرف أنه قد تم الإفراج عنه من فرع فلسطين للتوّ. وبعد أن فرغ الضبّاط من P58، اقتادوه إلى العقيد أنور. كان العقيد مهذبًّا ومتعلمًا بخلاف ضبّاط المخابرات "الاعتياديين". وقُدّمت لـه القهوة، وأمر العقيد الضبّاط بالانصراف.
أشار فيدنير إلى أنه قيل لـP58بأنهم على علمٍ بأنشطته، وأضاف فيدنير إنه من غير المعتاد أن يتم الإفراج عن أحدهم في غضون مدة قصيرة كهذه، وسأل P58كيف له أن يوضّح أمر الإفراج عنه بتلك السرعة، فقال P58 إن ذلك يعزى إلى الطريقة التي عامل بها أنور الناس.
قالت محامي المدّعين د. أوميشين إن P58 تحدث لمدة طويلة، ولكن، لم يقل المترجم الشفويّ سوى جملة واحدة، فأوضحت القاضي كيربر رئيسة المحكمة إلى د. أوميشين إنّه سبق لكيربر وأن طلبت من P58 أن يتحدث لفترات قصيرة فقط، ولكنه لم يفعل ذلك، وطلبت كيربر من د. أوميشين أن تلتمس عذرًا للمترجم إزاء عدم قدرته على الإحاطة بكل ما يقوله P58، فقالت د. أوميشين إنها أرادت فقط التأكد من أنه لن يفوت المحكمة أي شيء. أوضح المترجم الشفويّ أن P58 يبدأ بذكر أمور جديدة كلّما طلب المترجم منه توضيحًا، فطلبت كيربر من P58مجددًا أن يعمد إلى استخدام جمل قصيرة كي يتمكّن المترجم من تذكّرها بصورة صحيحة.
أوضح P58أنه قد تم الإفراج عنه لسببين، هُما: واقعة اعتقاله السابقة، وقرار المحكمة بالإفراج عنه. واعتقل لأنه خرج من المنزل، ولم يكن لديه وقت إلى أن قام الفرع... اعتذر المترجم، قائلًا إن هذا هو بالضبط ما قاله P58للتّو.
أشار فيدنير إلى قول P58 إن أنور لطيفٌ ومهذّب، وأراد أن يعرف كيف خلص P58إلى هذا الاستنتاج، وعمّا تحدثا عنه، فأوضح P58 أن أنور أخبره أن "هذا" لن يحصل مجددًا، وأن بإمكانه أن يعود إلى منزله. ثم سأل أنور P58 عمّا يرغب بتحقيقه، وعن أهدافه، ومطالبه ومطالب الآخرين، فردّ P58قائلًا: إذا استمرّ النظام على ما هو عليه، فلن تكون هناك دولة. وأخبر P58 المحكمة أنّ هذه المحادثة لم تستغرق أكثر من 15دقيقة قبل أن ينتقلا للحديث عن أمور أخرى. وسأل أنور P58أيضًا عمّا إذا قام أحد بضربه، وخلص P58إلى أن ذلك هو كلّ ما تحدثا عنه.
سأل فيدنير P58عمّن كان حاضرًا أيضًا أثناء ذلك الحوار، فقال P58 إن أحد الضبّاط كان حاضرًا، بالإضافة إلى العقيد، وP58 نفسه.
خلص فيدنير إلى أنه كان هناك ثلاثة أشخاص، فأوضح P58 أن السجّان قد اقتاده إلى باب [مكتب أنور]، ثم غادر، فلم يكن هناك سوى شخصين أثناء الحوار. وعرف P58 لاحقًا "أنه" [أي أنور] لطيف، وأن [حُجِب الاسم] مرّ بنفس التجربة. وعرف P58أيضًا أن العلاقة بين [حُجِب الاسم] والعقيد وديّة. "إنه" [أي أنور] متعلّم، وكانت تلك هي الطريقة التي يخاطب بها الأشخاص.
قال فيدنير إنهم سيقفزون في الزّمن، وسأل P58 عمّا إذا كان بإمكانه أن يخبر المحكمة عمّا فعله P31 منذ العام 2011، وعن وظيفة P31، وعمّا إذا كان منخرطًا في المعارضة، وعن سبب اعتقاله، فبدأ P58بالحديث عندما ذكّره فيدنير بألّا يستخدم سوى جمل قصيرة على التوالي، فقال P58 إن P31كان مسؤولًا عن لجنة التنسيق في دمشق.
سأل فيدنير P58عمّا فعله P31 بالتفصيل، فقال P58 إن P31فتح قنوات اتّصال مع الوكالات الإخباريّة، وساعد الصحفيين على دخول البلاد، حيث كان P31 على اتّصال بأشخاص زودّوه بمعدات تكنولوجيا الاتصالات. باقتضابٍ، كان P31مسؤولًا عن لجنة التنسيق في دمشق، وكانت المعارضة قد شكّلت تلك اللجنة لخوض معركةٍ ضدّ النظام "للأشهر الثلاثة، أو الأربعة، أو الثلاثة الأولى". ثم انتقل P31 إلى إحدى المناطق الكائنة بقرب القصر الرئاسيّ حيث كان لديه شقّة سكنيّة ثانية هناك، وكان صحفيًّا ناشطًا، وكان يعد التقارير حول الأوضاع في سوريا.
استجواب من قبل القاضي كيربر
أشارت القاضي كيربر رئيسة المحكمة إلى أنه تم الإفراج عن P58 من الفرع 251، وسألته عن مكان الفرع، فقال P58 إنه يقع شرق شارع بغداد.
أرادت كيربر أن تعرف ما إذا كان هناك أي مبانٍ ذات أهميّة بالقرب من الفرع، فأوضح P58 إنه لم ينشأ في ذلك الحيّ،ولذلك لم يكن ملمّا بتفاصيل المنطقة، ولكنّه يعرف الفرع لكونه معروفا لدى عامة الناس.
أرادت كيربر أن تعرف ما إذا تكلّم أي أحد مع P58 بشأن الإدلاء بشهادته في المحكمة، فنفى P58 ذلك، مضيفًا إنه لم يؤثّر عليه أحد، وإنه أعدّ تقريرًا لقناة أورينت السوريّة في العام 2018/2019. وثمّة 1,200ضابط مسؤول عمّا يجري من قمع في سوريا، ولو كان بالإمكان أن تتم محاكمتهم جميعًا، فمن باب أولى أن يتم الحكم على أنور.
خلصت كيربر إلى أنه إلى يومنا هذا، لم يتحدث أحد مع P58 بشأن الإدلاء بشهادته. وقال P58 إنّه صحفيٌّ معروف، ودرس القانون، وليس من السهل التأثير عليه.
سألت كيربر P58عمّا إذا كانت عائلة أنور على تواصل مع P58، فقال P58: "لا، أبدًا". إنه لا يعرف العائلة، وتواصل معه محامي أنور.
سألت كيربر P58عمّن دفع ثمن تذكرته إلى كوبلنتس، فقال P58إنّه دفع ثمنها بنفسه.
سألت كيربر P58عمّن دفع تكاليف إقامته في الفندق، فقال P58إنّه دفع التكاليف بنفسه.
أرادت كيربر أن تعرف كم من الوقت أمضى P58 في كوبلنتس، فأوضح P58 أنه وصل في الساعة 2:30 من عصر اليوم السابق، ولم يلتقِ بأي أحد إلى أن التقى بأحد محاميّ الدفاع، والمترجم الفوري لدى المحكمة في وقت مبكر من ذلك اليوم.
خلصت كيربر إلى أن P58دفع جميع تكاليف سفره بنفسه، فقال P58: "بالطبع فعلت"! وقال إنه كان بالإمكان لأحدهم أن يضع حدًّا لحياته، ولكن كان العقيد لطيفًا، وعامله بصورة حسنة، وإنه كان مهذبًا ومتعلمًا.
قالت كيربر إنها ستترك الأمور على حالها، فسأل محامي الدفاع بوكر القاضي كيربر عمّا تريد أن تترك تحديدًا، فقالت كيربر إنها كانت تشير إلى إفادة P58 أنه دفع جميع التكاليف بنفسه، وإلى ما قدمه من أوصاف متعلقة بسفره، فردّ بوكر أن بإمكان محامي الدفاع أن يقدموا إفادات أكثر دقة في هذا الخصوص وحسب الاقتضاء، من غير أن يقدموا أي معلومات تتعلق بصُلب الموضوع، فقالت كيربر إن بوسع الدفاع أن يتكلم مع موكله في حال كان ذلك ضروريًّا. أوضح محامي الدفاع فراتسكي إن موظف الاستقبال الذي يعمل في الفندق حيث يقيم P58 أخبر فراتسكي في الصباح أن P58 قد سدد دفعة مقدمة، وبقي عليه أن يسدد مبلغًا قدره 46 يورو. وقال فراتسكي إنه لم يكن بإمكان موظف الاستقبال أن يعطي معلومات حول تذاكر القطارات/الحافلات الخاصة بـP58، ولا يعرف من دفع ثمنها.
سُمح لـP58بالانصراف كشاهد في تمام الساعة 11:37 صباحًا.
قال محامي المدّعين شارمر إنه يريد أن يدلي "بتصريح 257" [أي وفق أحكام المادّة 257 من قانون الاجراءات الجنائية الألماني] حالما ينصرف الشاهد. وقال شارمر إنه من الممكن أن يطرح المزيد والكثير من الأسئلة على P58، ولكن ينبغي للمرء أن يطرح أسئلة إذا كان من شأن الإجابات أن توفّر إيضاحًا فقط. وانطوت شهادة P58 على كثير من التناقضات، فعلى سبيل المثال، لم يورد قطّ أي ذكر للمشفى المقابل لفرع الخطيب، أي الفرع الذي يزعم أنه اعتقل فيه، وأنه لم يكن معصوب العينين آن وصوله إليه. قال شارمر إن P58 لم يكن محطّ ثقة، واستمعت المحكمة إلى دوافع مثوله أمام المحكمة، وخلص إلى أن هذا هو كل ما للمرء أن يقوله بشأن ذلك الشاهد.
ردّ محامي الدفاع بوكر بتصريحه، قائلًا في موضع ردّه على تصريح زميله [شارمر]، إنه لا يسعه القول سوى أن ألم الاستماع إلى شهادة هذا الشاهد هو أمر يوازي ألم الاستماع إلى شهادة الشاهد السابق [P57].
أرادت القاضي كيربر رئيسة المحكمة أن تعرف ما إذا كان الدفاع يعتزم تقديم المزيد من طلبات أخذ الأدلة، فقال محامي الدفاع بوكر إنه هو وزملائه سيفكرون بذلك لوهلة، وقد يتمكنوا من تقديم المزيد من المعلومات بشأن تلك المسألة خلال اليوم.
فقالت القاضي كيربر إن هناك نسخة مترجمة إلى الألمانية من محضر مقابلة أحد الشهود مع الشرطة، وينبغي أن تتم تلاوتها في المحكمة. وأشارت إلى أنه سبق للدفاع وأن قدّم اعتراضًا على تلاوة ذلك المحضر، فقال محامي الدفاع بوكر إنه ليس لدى الدفاع المزيد من طلبات أخذ الأدلة لهذا اليوم.
[ما يلي هو إعادة تمثيل لقرارات القضاة بناء على ما تمكّن مراقب المحاكمة من سماعه في المحكمة].
قرار القضاة بخصوص تلاوة ترجمة محضر مقابلة أحد الشهود مع الشرطة
تمت ترجمة جزء من محضر المقابلة التي أجرتها الشرطة الفرنسية مع [FR19] إلى الألمانيّة، وستتم تلاوة النص المترجم والمتعلق باعتقال FR19وتوقيفه في سوريا في المحكمة.
I) أعرب FR19 لكل من الشرطة الفرنسية، ومكتب الشرطة الجنائية الاتحادية بألمانيا في تمّوز/يوليو 2019 عن عدم استعداده للإدلاء بشهادته في محاكمة ألمانية. وفي معرض ردّه على الاستدعاء الذي وُجّه إليه من قبل المحكمة في [حُجِب التاريخ]، أخبر المحكمة أنه لا ينوي الإدلاء بشهادته في هذه المحاكمة. ورفض التمتع بمزايا حماية الشهود الموفرّة له بموجب أحكام المادة 68 من قانون الاجراءات الجنائية الألماني. بالتالي، يمكن الافتراض أن FR19 لن يدلي بشهادته في هذه المحاكمة. ستتم تلاوة الترجمة الألمانية لمقابلة FR19 مع الشرطة الفرنسية في المحكمة، بموجب أحكام البند 3 من الفقرة 1 من المادة 251 من قانون الاجراءات الجنائية الألماني.
يتعذّر إدلاء FR19 لشهادته بالصوت والصورة كونه لا ينوي الإدلاء بشهادته أبدًا. ليس من الضرورة أن يتم استدعاء ضابط الشرطة المعني الذي أجرى المقابلة لكون شهادة FR19 ليست ذات أهمية محوريّة لهذه المحاكمة، ولأن ضابط مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية بألمانيا الذي أجرى المقابلة مع FR19 قد سبق وأن أدلى بشهادته.
قاطع محامي الدفاع بوكر قائلًا إن الدفاع يحتاج لخمس دقائق كي يُصدر إفادةً يردُّ فيها على قرار القضاة، فأوضحت القاضي كيربر أن المحضر يتضمن اعتراض الدفاع، ولكن، للدفاع أن يشير إلى اعتراضه السابق مرّةً أخرى، فقال بوكر إن الدفاع يشير إلى اعتراضه السابق في هذه الحالة.
[ما يلي هو إعادة تمثيل للنص بناء على ما تمكّن مراقب المحاكمة من سماعه في المحكمة].
الترجمة الألمانية لنص مقابلة الشرطة الفرنسية مع FR19
[تفاصيل حول التاريخ، والمكان، والسلطات]
سُئل FR19عمّا إذا اعتُقل من قبل السلطات السورية في سوريا، أو اقتيد من الشارع، فأوضح FR19 أنه تم اعتقاله مرّتين في سوريا: امتدت الأولى من [حُجِب التاريخ] 2011 إلى [حُجِب التاريخ] 2011، والثانية من [حُجِب التاريخ] 2012 إلى [حُجِب التاريخ] 2012. ومثل أمام محكمة أمن الدولة بتاريخ 7 تشرين الأوّل/أكتوبر، 2011. وأُسندت إليه مع آخرين تهمة التحريض على الكراهية الدينية، ولكن، أفرج عنه بكفالة كونه لم يقترف شيئًا ضد الشرطة.
ثم سُئل FR19 عما إذا شارك في المظاهرات التي انطلقت في آذار/مارس 20122، والتي جرى قمعها، فقال FR19إنه بات منخرطًا في التجمعات ذات الصلة بالثورة منذ كانون الثاني/يناير 2011، وحصلت تلك المظاهرات أمام مقرّات السفارات. انطلقت أولى المظاهرات في آذار/مارس 2011، وكان FR19أحد أعضاء اللجنة المنظمة لها، وشارك في المظاهرات. وتم اعتقال أصدقائه في إحدى المظاهرات، وتعيّن عليه أن يتوارى عن الأنظار مدة 20يومًا. وتم اعتقاله لاحقًا في متجره عندما عاد إليه. وتعرّض FR19 للضرب طيلة فترة الرحلة [إلى الفرع]، ولم يعرف أين كان إلاّ في جلسة التحقيق الأولى، حيث طُلب منه أن يُفصح عن أسماء أصدقائه، وتعرّض FR19للضرب والتعذيب منذ البداية. قال FR19إنه أُجبر على التجرد من ثيابه، وإنه كان مقيّد اليدين ومعصوب العينين على الدوام، فضلًا عن تعرضه للتعذيب باستخدام "الدولاب"، وللضرب على قدميه، ما تسبب في نزيف فيهما.
أخبر FR19الشرطة الفرنسية أيضًا أنه اعتقل في إحدى منفردات القبو لمدة شهرين، وخضع للتحقيق، وتعرّض للضرب على مدار 15يومًا، "بلا أي فترات استراحة تقريبًا". ثم أُجبر على الاعتراف FR19 بما اُملي عليه، والتوقيع على ورقة بيضاء، قبل أن يُزجّ به في زنزانة سيئة التهوية، من دون معالجة التقرحات والالتهابات التي أصيب بها. وتبلغ مساحة الزنزانة 1.7 x 1.1 مترًا، ولم يكن فيها أي نظام للتهوية، وكانت دورات المياه قذرة جدًّا. وكانت الغرفة شديدة الحرارة في آب/أغسطس، وشديدة البرودة في تشرين الأول/أكتوبر، ولم يكن FR19يرتدي سوى قميص ممزق، وقُدّم له الطعام مرتين يوميًّا، حيث تكونت الوجبات من حبتيّ زيتون، وقطعة من الخبز.
قال FR19إنه اعتقل في زنزانة [حُجِب الاسم]، وتمكّن من سماع كلّ ما كان يدور حوله، إذ كان المعتقلون يصرخون، ويُقتادون من جلسات التحقيق [إلى زنازينهم]، وكان الأشخاص يأتون ويغادرون. واعتُقل رجل يدعى [حُجِب اسمه] في الزنزانة المجاورة لزنزانة FR19. ونُقل FR19 إلى السجن المركزي بعد مرور شهرين. وواجه عددًا من الصعوبات مع زملائه السجناء، ولكن، لم يكن سجن عدرا بالسوء الذي كان عليه مكان اعتقاله السابق. ويودع السجناء في ذلك السجن على ما اقترفوه من أفعال الاعتداء الجنسي على القُصّر، وغيرها من الجرائم. وقال FR19 إنه توجّب عليه أن يدفع ثمن طعامه في السجن. وتم الإفراج عنه في [حُجِب التاريخ] 2011 بعد أن أودعَ مبلغًا، وعاد إلى منزله وإلى زوجته وطفلهما المولود حديثًا.
أخبر FR19الشرطة الفرنسية أنه ظلّ على التزامه بالقتال المسلّح حتى بعد خروجه من المعتقل، حيث شكّل مع أشخاص آخرين جماعةً مسلّحة للإطاحة بنظام بشار الأسد. وقال إنهم شاركوا في الإضرابات، وقدموا الدعم للسكان الذين دُمرت منازلهم جراء عمليات القصف، وأضاف أنه بعد مقتل أحد الأطفال في الحيّ بتاريخ [حُجِب التاريخ] 2012، اجتمع في ذلك اليوم ثلاثة رجالٍ وامرأتان في مكتب أحد المحاميين، قبل أن يتمكّن عناصر الأمن منهم. وفتش العناصر محتوى هواتف FR19ومن كانوا معه، وحواسيبهم طوال 30دقيقة، وتحدث العناصر مع بعضهم البعض وهم فوق رؤوس المعتقلين، ثم اقتادوهم إلى الفرع 40. أوضح FR19 أن ليس بإمكانه أن يتذكر كيف تم تعذيبه هو والآخرين، إذ تعرّض للضرب فقط، فيما تعرّض الآخرين للصدمات الكهربائية. وقال FR19إنهم تحدثوا عن تجاربهم كلما أمكنهم ذلك، وإنه تعرض للضرب على نحو أقل حدة كونه لم يكن يحمل أي مواد ممنوعة.
وصف FR19أيضًا أنه تعيّن عليه أن يتعامل مع عقيد لا يعرف اسمه، وطرح عليه أسئلة شخصيّة. وقال FR19 إن المكان كان مكتظًّا جدًّا لوجود 300 شخص هناك، أي في الفرع 40، وكان من بينهم أطفالٌ وأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، واقتيد بعضهم من الزنزانة الجماعية إلى التحقيق بشكل يوميّ. ولم يتعرض FR19وأصدقاؤه الثلاثة للتعذيب، وأُجبروا على التوقيع على إفادة. وقال FR19 إن ذلك هو سبب نقله إلى كفرسوسة بعد مضيّ شهر واحد. وقال FR19برأيه، إنه من المرجح أن يكون ذلك هو المقرّ الرئيسي لأجهزة المخابرات. وقال إن أحد الجنود عاقبه بشكل فقد معه القدرة على الإبصار مدة 10 أيام. وتم اعتقاله في زنزانة مزدوجة زُجّ فيها أكثر من معتقلَين اثنين، وكانوا مقيدي الأيدي مع إلزامهم بمواجهة الجدار على الدوام، وكانت تلك هي الوضعية التي ينامون فيها أيضًا. كما أخبر FR19الشرطة الفرنسية أن السجّانين كانوا يراقبونهم على الدوام، ثم يأمرونهم بالاستيقاظ. وتألفّت الوجبات من طبق من البرغل المحروق وبعض الخبز، ولم يتم إعطاؤهم سوى لترين من الماء كي يتقاسمه المعتقلون جميعًا. وسُمح لهم باستخدام دورة المياه مرّةً واحدة في اليوم ولمدة أربع ثوانٍ. وقال FR19إنه أجبر على تلك المعاناة مدة 15 يومًا، قبل أن يتم الإفراج عنه بينما بقي الآخرون مدة أطول تراوحت بين شهر وشهرين.
أرادت الشرطة الفرنسية أن تعرف من هو الشخص الذي اتّخذ قرار اعتقال FR19والإفراج عنه، فأوضح FR19إنه شاهد في مناسبتين رجلًا يحمل خرطوم مياه ويعطي معلومات للشرطة.
سألت الشرطة الفرنسية FR19عمّا إذا تم إعلام أحد ما بمكان تواجده، فنفى FR19ذلك، مضيفًا أنه لم يتم إعلام أحد بمكان تواجده إلا وهو في سجن عدرا فقط. ومع ذلك، لم يُسمح لعائلته بأن تزوره. […]
أرادت الشرطة الفرنسية أن تعرف ما إذا كان FR19 يتذكّر أسماء الضبّاط، فنفى FR19 ذلك، وأخبر الشرطة الفرنسية أنه تم إعطاء السجناء أسماء هزليّة، ولم يتم ذكر أي أسماء حقيقية، ولم يعرف من قام بالتحقيق معه. لم يَرَ سوى وجه أحدهم، ولكن […]
أرادت الشرطة الفرنسية أن تعرف أيضًا إذا تعرّض آخرون غيره إلى التعذيب، فقال FR19 إن [التعذيب] كان منهجيًّا، ومعمولًا به منذ عهد حافظ الأسد.
ثم سألت الشرطة الفرنسية FR19عمّا إذا كان يعرف عن حصول أي حالات وفاة، أو قتل، أو إعدام أثناء اعتقاله، فقال FR19 إنه لم يشاهد أي أشخاص متوفين أثناء اعتقاله، ولكنه سمع أن شخصًا توفيّ في فرع فلسطين، وآخر في فرع الخطيب. وعادةً ما عانى الأشخاص من تقرحات ملتهبة على أقدامهم جرّاء الضرب. وشاهد أيضًا أشخاصًا يفقدون الوعي، ثم يختفون [من الزنزانة] بكل بساطة. وفي إحدى المرات، تعرّض شخص ما للضرب على رأسه باستخدام سيخ معدنيّ، ولم يشاهد FR19 هذ الشخص مرة أخرى. وخلص إلى أنه يحتمل أن كثيرًا من الأشخاص توفوا بسبب العنف، وانعدام النظافة.
أرادت الشرطة الفرنسية أن تعرف كيف تم اعتقال FR19، ومَن أقدم على ذلك، فأوضح FR19 أن مسؤولين من فرع أمن الدولة دخلوا متجره في آب/أغسطس 2011 كي يقتادوه معهم، وكانوا 10أشخاص، واستقلّوا عددًا من السيارات، وكان الطريق مغلقًا. وقال FR19 إن أولئك الأشخاص ارتدوا ثيابًا مدنيّةً، ودخلوا متجره، وشاهدوا الأوشام التي على جسده، ثم اقتادوه بكل بساطة. ووصف FR19أيضًا أن أولئك الأشخاص حملوا مسدسات، وارتدوا ثيابًا مدنيّة مختلفة، ولكنه عرف على الفور "الجهة التي يتعامل معها". وأضاف FR19 إن شقيقته كانت هناك أيضًا، ولم يكن هاتفه هناك لكون شقيقته أخذته إلى المنزل. وبحث أولئك الأشخاص عن الهاتف إلى أن أعطتهم إيّاه شقيقة FR19. وقال FR19إنه خضع للتحقيق في القبو، وكان معصوب العينين، ووجّه الضبّاط الحديث لبعضهم البعض مستخدمين أسماء حركيّة، ونادوا بعضهم البعض باستخدام لقب "سيدي"، وتوخوا الطابع الرسمي في مخاطبة بعضهم بعضًا.
أضاف FR19أنه اعتقل في المرة الثانية لدى القسم 40 الكائن في دمشق خلال شهر شباط/فبراير 2012. واعتقل في مكتب أحد المحاميين. وبحسب FR19، كان القسم 40 معروفًا بوحشيته. ولم يكن يعرف مكانه، لأنه ظل معصوب العينين منذ لحظة اعتقاله.
أرادت الشرطة الفرنسية أن تعرف كيف حصل اعتقال FR19، فأوضح FR19 للشرطة الفرنسية أنه اقتيد إلى مبنى بواسطة إحدى سيارات الفرع أثناء اعتقاله الأول، وتعين عليه أن ينزل الدرج إلى القبو. قاد السائق السيارة بسرعة، وجلس FR19 في المقعد الخلفي. وظل معتقلًا هناك مدة شهرين، قبل أن يتم نقله إلى سجن عدرا.
أُجبِرَ على البقاء في القسم 40 مدة 24 ساعة في المرة الثانية التي اعتقل فيها، وتعرض للضرب قبل أن يتم نقله إلى فرع الخطيب، أي إلى أمن الدولة، حيث تعرّض للعنف هناك لمدة شهر ونصف الشهر. وعلاوةً على ذلك، أوضح FR19 أن القسم 40 يقع في دمشق، ويرأسه حافظ مخلوف، وكان مسؤولًا عن القضايا المتعلقة بالمخدرات. واستذكر FR19 أنه عندما كان في مكتب [حافظ مخلوف]، أخبره عدد من الرجال بأنهم في مكتب الرئيس، وشتم [مخلوف] FR19. ثم اقتيد FR19 إلى الخارج، وتم نقله إلى فرع الخطيب، وإلى كفرسوسة بعد ذلك حيث مكث 15 يومًا هناك، ثم أُفرج عنه، وقيل له إنه من الأفضل له أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يُعتقل فيها، وإنه سيُقتل في المرة القادمة. أخبر FR19الشرطة الفرنسية أنّه لا يعرف سبب الإفراج عنه. وكان لديه في المحكمة المركزية الحق في استشارة محامٍ أخبره بأن يدوّن كل شيء على ورقة.
سألت الشرطة الفرنسية FR19 عن الظروف في المُعتقل، فوصف FR19للشرطة أنه كان في الطابق الثاني أو الثالث من مبنى القسم 40، ولم يكن هناك سجن في المبنى. وسُئل عن تجربة اعتقاله. ولم يكن المبنى مزودًا بمصعد، وكان عليه أن يصعد الدرج إلى غرفة صغيرة، قبل أن يُضطر لصعود الدرج مرة أخرى حيث وجد لافتة كُتب عليها "القسم 40". طُرحت عليه أسئلة حول عدد من الأمور، من قبيل هوية الأشخاص الذين قدم لهم المساعدة. وافتقر المكان لدورات المياه وأماكن الاستحمام. وأُجبر على أن يبقى هناك 24ساعة قبل أن يتم اقتياده إلى فرع الخطيب. ووصل إلى "إحدى الغرف الصغيرة نسبيًّا" حيث كان الأشخاص واقفين في نصف دائرة، وتعرّض الأشخاص في المنتصف للتعذيب. وبحسب FR19، تألف المبنى من عدد من الطوابق والمكاتب، وتم تعديل بناء الغرف فيه لكسب مزيد من المساحة. وقال FR19إنه تمكّن من سماع أصوات التعذيب. وتوجّب عليه أن ينام في غرفة فيها 200 شخص، حيث ناموا جميعهم وهم جالسون، وتعيّن على أشخاص آخرين أن يظلوا واقفين لأيام، وعانوا مما يُدعى "بمتلازمة داء الفيل". وأعطوا جميعهم طبقًا واحدًا من الطعام كي يتقاسموه، وثمّة صنبور مياه واحد لاستخدام الجميع. أشار FR19إلى أن الزنزانة في كفرسوسة كانت كبيرة جدًّا، واعتقل فيها 4أشخاص. واعتُقل FR19 في الجناح الغربي من المبنى، وافترض أنه مقرّ أمن الدولة. ومضى FR19 في حديثه ليصف أنه كان في غرفة صغيرة، وكانت يداه مقيّدتين بواسطة حبل رفيع، وأُجبر على مواجهة الجدار، ولكنّه لم يكن معصوب العينين. وكان هناك نحو 20شخصًا آخر، وكثيرًا ما تمّ تبديل [المعتقلين]. وقال FR19إنه تعرّض للتعذيب كل يوم. وتم اقتياده إلى مبنى مختلف حيث التقطت له صورٌ فيه، وكان هناك خمسة أو ستة أشخاص، اتّسم اثنان أو ثلاثة منهم بالعنف. وكان هناك شخصٌ مسؤول، ومساعد له، وطرح المسؤول أسئلة مترابطة ببعضها البعض. وأضاف FR19 إنه يعتقد أن ذلك حصل في أحد مباني أمن الدولة، وأن حافظ مخلوف ارتدى ثيابًا مدنيّةً.
أشارت الشرطة الفرنسية إلى أن FR19ذكر أن السجانين دخلوا الزنازين، فنفى FR19ذلك، موضّحًا أنه كان هناك "معتقلون مزيّفون (مدسوسون)"، وأن كل من تكلّم [داخل الزنزانة] يتم اقتياده.
أرادت الشرطة الفرنسية أن تعرف المزيد حول أساليب التعذيب التي تعرض FR19لها، وسألوه عن أسماء أو أمور أخرى بوسع المرء أن يستخدمها لتحديد حالات التّعذيب، فأخبر FR19الشرطة الفرنسية أنّه لم يكن بوسعه أن يتكلّم عن ذلك مع الآخرين، كما سبق له وأن أخبرهم. وعانى من متاعب صحية في كليته وذراعه. وبحسب FR19، كان هناك عدد من الأشخاص من السويداء في القسم 40. ولم يشاهد FR19أحدًا يتعرّض للتعذيب في ذلك القسم، ولم يسمع عن شيء بهذا الخصوص. وكان في فرع الخطيب أحد رؤساء أقسام التحقيق، وهو حافظ من السويداء، وكان لديه مساعد، وكان الشخص المسؤول من المرجة. أخبر أحد المعتقلين FR19أنه يعرف والد ذلك الشخص [أي المسؤول]، وشاهد FR19ذلك الشخص مرّةً، وكان رئيس قسم الشرطة السرية، وارتدى سلسلةً بها صليب حول عنقه، وكان لديه مساعد أيضًا. وخلص FR19إلى أن ذلك هو كل شيء يعرفه. وأضاف أنه يعرف أن بعضًا من زملائه المعتقلين يعيشون في فرنسا حاليًّا.
أوضحت القاضي كيربر رئيسة المحكمة أنه ثمّة وثيقتين موقعتين من قبل المُتّهم يتعيّن تلاوة نصّهما المترجم إلى الألمانية في المحكمة، بالإضافة إلى تقريري خبراء أعدّهما معهد ماكس بلانك، وكذلك السجّل الجنائي للمتهم كما هو مفصلّ ذكره في السجلّ المركزي الاتحادي في ألمانيا.
***
[استراحة لمدة 15 دقيقة]
***
الترجمة الألمانية لوثيقتين ممهورتين بتوقيع المتّهم
[حجبت المعلومات] , 2021 سريّ للغاية الجمهورية العربية السورية
إدارة المخابرات العامة
الفرع 281 المعتقل رقم [حُجِب الرقم]، أُلقي القبض عليه بتاريخ [حُجِب التاريخ]، 2012
كتاب معلومات للواء، السيد رئيس إدارة المخابرات العامة
تم إلقاء القبض على المعتقل لأنه شارك في أعمال الشغب، وسيتم الآن عرضه على [...]
توصّلت لتحقيقات إلى المعلومات التالية:
إن [حُجِب الاسم] من [حُجِب المكان] مزارعٌ ألقي القبض عليه ثلاث مرّات، واعتقل مرّةً لأسبوعين، وهو محايد سياسيًّا، وأنهى خدمته العسكريّة
واعترف باستلامه مبلغ 15,000 ليرة مقابل ما قدمّه من خدمات في سياق عمله مع الجهاديين.
نوعز بالتالي: 1) عرضه على المحكمة بناء على التُهم المسندة إليه، وتجميد أصوله
2) لأغراض اطّلاع الفرع 231
3) سجل [...]
4) لأغراض اطّلاع الفرع 251
وُقع عليه من قبل "العقيد أنور" وآخرين
[التاريخ] سريّ للغاية الجمهورية العربية السورية
إدارة المخابرات العامة
الفرع 285 المعتقل رقم [حُجِب الرقم]، المعتقل بتاريخ [حُجِب التاريخ]، 2012
كتاب معلومات للواء، السيد رئيس إدارة المخابرات العامة
عُرض علينا المعتقل على خلفية موضوع رخصة حيازة السلاح، وارتباطه بالمعارضة المسلّحة في حلب ودمشق.
نتائج التحقيق: […]
نوعز بالتالي: 1) عرضه على إحدى محاكم الإرهاب، وضبط محضر تحقيق، ومصادرة سيّارته، واتّخاذ إجراءات بحقّ [...]
2) يُكلّف الفرع 275 بإلغاء رخصة حيازة بندقية روسية الصادرة عن إدارة المخابرات العامة وسحبها
3) تُسلّم رخصة حيازة السلاح إلى وزارة الداخلية
4) مصادرة المبلغ الموجود بحوزة المعتقل وتوزيعه على موظفّي الفرع 285
5) تسليم نسخة من هذا الكتاب إلى الفرع 331
6) يتّخذ الفرع 255 قرارًا عقب الإحاطة
وُقع عليه من قبل "العقيد أنور" وآخرين
[ما يلي هو إعادة تمثيل لتقارير الخبراء بناء على ما تمكّن مراقب المحاكمة من سماعه في المحكمة، واستعراض سريع لقانون العقوبات السوري النافذ]
تقارير الخبراء من إعداد معهد ماكس بلانك لدراسة الجريمة والأمن والقانون
تقرير الخبراء الصادر عن معهد ماكس بلانك بتاريخ 4 أيّار/مايو، 2021
معهد ماكس بلانك لدراسة الجريمة والأمن والقانون
فرايبورغ
[حُجبت المعلومات]
تقرير حول المسؤولية الجنائيّة عن التعذيب، والحرمان من الحريّة، والعنف الجنسيّ بموجب أحكام القانون السوريّ في عامي 2011 و2012
أشار الخبراء إلى أنهم وجدوا معلومات محدودة فقط. كافّة المعلومات مجمّعة أدناه.
1) الحرمان من الحريّة
العقوبات المترتبة على حرمان أشخاص من الحريّة:
المادة
555 من قانون العقوبات السوريّ |
الحرمان
من الحريّة |
الحبس
من 6 أشهر إلى سنتين |
المادة
556 من قانون العقوبات السوريّ |
الحرمان
من الحرية لمدة تزيد عن شهر واحد؛ والحرمان من الحرية مع إنزال التعذيب؛
[المرتكب بحقّ موظف أثناء قيامه بوظيفته] |
الأشغال
الشاقّة من 3 سنوات إلى 15 سنة |
المادة
357 من قانون العقوبات السوريّ |
قيام
الموظفين أو ضبّاط الإدارة، أو الضّابطة العدلية، أو الجيش، أو الضبّاط المدنيين
بحرمان أحد من الحرية |
نفس
حدّ العقوبة أعلاه |
المادة
358 من قانون العقوبات السوريّ |
الحرمان
من الحرية أو استباق العقوبة لأبعد من الأجل المحدد على يدّ مديري وحرّاس
السجون، أو كل من اضطلع بصلاحياتهم دون مذكرة قضائية أو قرار قضائي |
الحبس
من سنة إلى 3 سنوات |
|
احتجاز
الرهائن والأفعال ذات الصلة التي لم يعاقب عليها القانون في السنوات 2012/2011 |
|
الموّاد
559 - 562 من قانون العقوبات السوريّ |
توعد
آخر بارتكاب جناية، مثال: التهديد بالقتل، والتهديد بالسلاح |
الحدّ
الأدنى للعقوبة |
2) الجرائم الجنسية
العقوبات المترتبة على الجرائم الجنسية:
|
الاغتصاب
بإيلاج العضو التناسلي الذكري بالتهديد أو العنف |
|
البند
1 من المادّة 391 من قانون العقوبات السوريّ |
يقضى
بعقوبة مشددة إذا انتزع شخص إقرار من آخر بالتعذيب أو الإكراه، وإذا كان الجاني
من الموظفين |
الحبس
16 سنة على الأكثر |
المادة
493 قانون العقوبات السوريّ |
يمكن
لأي إنسان ذكر كان أو أنثى أن يكون ضحية للأفعال المنافية للحشمة (الفحشاء).
يُنظر إلى الفعل على أنه منافٍ للحشمة إذا وقع على شخصٍ في موضع يعيبه، أو يؤذيه
في عفته ويُلحق به العار. |
|
المادة
493 من قانون العقوبات السوريّ |
إجراء
فعل منافٍ للحشمة بالإكراه أو التهديد |
الأشغال
الشاقة مدة لا تنقص عن 12 سنة |
|
في حال
كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من العمر |
الأشغال
الشاقة مدة لا تنقص عن 18 سنة |
|
بموجب
أحكام هذه الفقرة، ينُظر إلى أفعال القيام بكشف عورة امرأة وملامستها باستخدام
أحد الأطراف مثل اليدين، أو فض البكارة باستخدام أداة أخرى بخلاف العضو التناسلي
الذكري على أنها أفعال منافية للحشمة/ من صور العنف الجنسي. ولا
يمكن استبعاد اعتبار فعل إيلاج عصا في دبر شخص آخر من باب الجنس الشرجي، وإدراجه
تحت فئة الأعمال المنافية للحشمة بموجب أحكام هذه المادة. ومع ذلك، لا يتوفر فقه
قانوني حول سوابق من هذا القبيل. تعتبر
محاولة تجريد شخص من بنطاله من صور الأفعال المنافية للحشمة. ومن غير المعروف
كيف ينطبق هذا التوصيف القانوني على فعل دفع رأس شخص باتجاه حِجر شخص آخر عنوة. |
|
المادة
505 من قانون العقوبات السوريّ |
يُنظر
إلى ملامسة أو مداعبة فتيات أو نساء بصرف النظر عن أعمارهنّ، أو الصبيان الذين
لم يتموا الخامسة عشرة من العمر على أنه فعل منافٍ للحشمة إذا وقع بغير رضاهم |
الحبس
مدة لا تزيد على السنة ونصف السنة |
|
يتحقق
إلحاق العار بشكل ضمني عن طريق ملامسة منطقة العانة، والملامسة الجسدية اللصيقة،
وملامسة ثدي امرأة يُفرّق
بين الوقائع التي تندرج ضمن أحكام المادتين 493 و505 من قانون العقوبات السوريّ
بالاعتماد على مقدار الضغط الممارس بيد الشخص على جسد المعتدى عليه، ومنطقة
الجسم التي وقع عليها الاعتداء، ومكان وزمان حدوث الجُرم. وعليه، فيعاقب كل من
قام بلمس ثدي امرأة بموجب أحكام المادتين 493 و505 من قانون العقوبات السوريّ |
|
3) حظر التعذيب
يرد حظر التعذيب في كلتا النسختين من الدستور السوري:
البند 3 من المادة 28 من الدستور السوري لعام 1973
البند 2 من المادة 53 من الدستور السوري لعام 2012
يعرّف دستور عام 1973 التعذيب على أنه أي عنف جسدي أو معنوي، فيما يحظر دستور عام 2012 التعذيب بشكل عام فقط.
يُعاقب بموجب أحكام قانون العقوبات السوري كل من يقوم بتعذيب آخر بالحبس لمدة لا تزيد على 3 سنوات. إذا أفضت أعمال التعذيب على المعتدى عليه إلى مرض أو جراح، كان أدنى العقاب الحبس سنة ونصف السنة [تكون العقوبة سنة في حال استخدم التعذيب لانتزاع اعتراف من أحدهم وفقًا لأحكام الفقرة ثانيًا من المادة 391 من قانون العقوبات السوريّ].
ملحق: نص الترجمة الألمانية لمقتطفات من قانون العقوبات السوري ومواد الدستور ذات الصلة:
المادة
44 من قانون العقوبات السوريّ |
أشغال
شاقة مدة 3 سنوات إلى 15 سنة في الحالات التي لم يعيّن القانون فيها مفعول حكم
الأشغال الشاقة، ويحدد فيها فقط حكمًا "بالأشغال الشاقة المؤقتة" |
البند
1 من المادّة 247 من قانون العقوبات السوريّ |
يتوجب
تغليظ العقوبة في الحالات التي تندرج تحت المادة 246 من قانون العقوبات السوري
(تكرار ارتكاب الجناية) على الوجه التالي: يبدل الإعدام من الحبس المؤبّد: زيادة
الحكم بواقع الثلث والنصف |
المادة
340 من قانون العقوبات السوريّ |
المعنى
المقصود بلفظة "موظّف" |
المادة
357 من قانون العقوبات السوريّ |
يعاقب
بالأشغال الشاقة المؤقتة [من 3 سنوات إلى 15 سنة] كل موظف يقوم بحرمان شخص من
حريته في غير الحالات التي ينصّ عليها القانون |
المادة
358 من قانون العقوبات السوريّ |
يعاقب
بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات مديرو وحرّاس السجون أو المعاهد التأديبية أو
الإصلاحيات وكل من اضطلع بصلاحياتهم من الموظفين إذا قبلوا سجينًا أو قاموا بحبس
شخص دون مذكرة قضائية أو قرار قضائي، أو استبقوه إلى أبعد من الأجل المحدد بموجب
أحكام القانون. |
البند
1 من المادّة 381 من قانون العقوبات السوريّ |
يعاقب
بالحبس من شهرين إلى ثلاث سنوات كل شخص يُجبر آخر على الاعتراف بإنزال التعذيب
به |
البند
2 من المادّة 381 من قانون العقوبات السوريّ |
إذا
لحق المعتدى عليه أذى جسدي ممّا أُنزل به من تعذيب، لا تقلّ عقوبة الحبس عن سنة
واحدة |
البند
2 من المادّة 492 من قانون العقوبات السوريّ |
(بالإشارة
إلى البند 1 من المادة 492 الذي يجرّم جماع الأصول الشرعية لقاصر متمًا الخامسة
عشرة وغير متم الثامنة عشرة من عمره، والذي يفرض على ذلك عقوبة الأشغال الشاقة
المؤقتة تسع سنوات) ويقضى بالعقوبة نفسها إذا كان المجرم موظفًا أو رجل دين أو
مدير مكتب استخدام أو عاملًا فيه فارتكب الفعل مسيئًا استعمال السلطة أو
التسهيلات التي يستمدها من وظيفته. |
البند
1 من المادّة 493 من قانون العقوبات السوريّ |
يعاقب
كل من أجبر آخر على إجراء فعل منافٍ للحشمة بالإكراه أو الشدة بالأشغال الشاقة
مدة لا تقل عن 12 سنة. |
البند
2 من المادّة 493 من قانون العقوبات السوريّ |
إذا
كان المعتدى عليه قاصرًا لم يتم الخامسة عشرة من عمره، يقضى بعقوبة الأشغال
الشاقة مدة لا تقل عن 18 سنة |
المادة
497 من قانون العقوبات السوريّ |
ترفع
العقوبات المنصوص عليها في المواد 489 و493 و495 من قانون العقوبات السوري إذا
كان المجرم أحد الأشخاص المشار إليهم في المادة 492 من قانون العقوبات السوري |
المادة
505 من قانون العقوبات السوريّ |
ملامسة
أو مداعبة قاصرٍ أو امرأة بصورة منافية للحشمة |
البند
1 من المادّة 555 من قانون العقوبات السوريّ |
يقضى
بعقوبة لا تزيد على الحبس سنتين كل من يقوم بتعذيب آخر. |
المادة
556 من قانون العقوبات السوريّ النافذة منذ سنة 2011 |
يقضى
بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة كل من يقوم بحرمان آخر حريته إذا: 1- جاوزت مدة
حرمان الحرية الشهر، و2- أنزل بمن حرم حريته أذى جسدي أو نفسي، و3- وقع الجرم
على موظف |
المادة
556 من قانون العقوبات السوريّ النافذة منذ سنة 2012 |
إذا
ارتكب الجرم بحق حدث، يقضى بعقوبة الأشغال الشاقة 10 سنوات إلى 12 سنة وبالغرامة
كل من يحرم آخر حريته إذا: 1) أ- جاوزت مدة حرمان الحرية الشهر، ب- أنزل بمن
حرمت حريته تعذيب جسدي أو نفسي، ج- وقع الجرم على موظف، وإذا 2) استخدم العنف،
والتهديد بالقتل أو طلب الفدية |
الموّاد
560 و561 و562 من قانون العقوبات السوري |
يقضى
بالحد الأدنى من العقوبة على كل من يهدد بارتكاب جناية من قبيل التهديد بالقتل
أو بتصويب السلاح إلى رأس شخص |
البند
3 من المادة 28 من الدستور السوري لعام 1973 |
حظر
التعذيب |
البند
2 من المادة 53 من الدستور السوري لعام 2012 |
حظر
التعذيب |
تقرير الخبراء الصادر عن معهد ماكس بلانك بتاريخ 4 أيّار/مايو 2021
معهد ماكس بلانك لدراسة الجريمة والأمن والقانون
فرايبورغ
[حُجبت المعلومات]
وعلى شاكلة القانون الفرنسي، لا ينّص القانون السوري على ما يشبه المادة 243 من قانون العقوبات الألماني والمتعلقة بالظروف المغلّظة لجريمة السرقة.
الأحكام ذات الصلة الواردة في قانون العقوبات السوري: المادة 559 من قانون العقوبات السوريّ الموّاد 559 - 564 من قانون العقوبات السوريّ
نص الترجمة الألماني للسيرة الذاتية لأنور والتي أشار إليها أثناء التحقيق معه
السيرة الذاتية للعقيد أنور
ولد العقيد أنور بتاريخ 3 شباط/فبراير، 1963 في الحولة، حمص.
التحقت بالمدرسة الابتدائية، والمدرستين الثانويتين الأولى والثانية في حمص. وبعد أن حصلت على شهادة الثانوية العامة (البكالوريا)، التحقت بجامعة في دمشق لدراسة القانون. وتخرجت من كلية الحقوق بعد 4 سنوات من الدراسة الجامعية. ثم التحقت بإحدى الدورات التدريبية للرقباء في أكاديمية الشرطة التابعة لوزارة الداخلية.
ثم عملت في قسم الهجرة والجوازات في حلب والحسكة قبيل تخرجي من الجامعة.
ومنذ 22 آب/أغسطس 1992، كنت أعمل مدير قضاء، والتحقت بدورة تدريبية عن التحقيق والهياكل القانونية، وتخرجت منها برتبة ملازم أول، وكان ترتيبي الثاني على الدفعة. ثم عملت ضابط تدريب في تلك الأكاديمية، وكنت من بين أفضل ثلاثة ضبّاط بنفس الرتبة بعد مرور عام ونصف العام. وأتممت أيضًا دورة تدريبية مدتها 6 أشهر عن إدارة أمن الدولة.
عملت ضابط تحقيق، وشغلت منصب رئيس الفرع 285، وقدمت مئات المحاضرات.
بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر 2003، أنهيت دورة تدريبية لمدة سنة عن البحث العلمي، والاقتصاد، وعلم الجريمة، والتحقيق، ومنحت شهادة بذلك.
بتاريخ 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2007، عملت في مجال التجسس لمدة 9 أشهر بصفتي رئيسا لقسم التحقيق، ورئيسا للوفد الأمني السوري.
[…]
رافقت وفد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في العام 2007.
وشغلت منصب رئيس قسم التحقيق في الفرع 251 التابع لأمن الدولة من تاريخ 9 آب/أغسطس، 2008 إلى 7 أيلول/سبتمبر، 2012. وفي ذلك المنصب، تعاونت مع بعض أعضاء لجان الثورة في دمشق، وأصدرت أوامر تقضي بالإفراج عن المعتقلين.
وتم نقلي إلى الفرع 285 على إثر خلاف مع حافظ مخلوف واللواء المسؤول بسبب موقفه إزائي، وجراء تعاوني مع المعارضة السورية.
بتاريخ 4 كانون الأول/ديسمبر، 2012، كنت قد أخفقت في محاولتين للهرب، وأفرجت عن آلاف المعتقلين
ثم توجّهت إلى الأردن حيث كنت أعمل لصالح [...]
وشملني المرسوم الصادر بخصوص الضبّاط السوريين المنشقّين.
تقيم زوجتي وأطفالي الخمسة في العاصمة الأردنيّة عمّان. وتلقوا تهديدات كثيرة من أشخاص مرتبطين بالنظام السوري كانوا يرسلون معلومات إلى إدارة المخابرات العامة السورية، وعمدوا إلى مضايقتهم. وعليه، فإنني أريد أن أقيم في بلدكم حمايةً لعائلتي، وبما يتوافق مع القوانين الدولية.
[رقم الهاتف]
مع خالص الشكر.
سجّل أنور الجنائي وفقًا للسجّل المركزي الاتحاديّ في ألمانيا
السجّل المركزي الاتحادي 30 أيلول/سبتمبر، 2012 المعلومات التي قدمتها وزارة العدل الاتحادية لمكتب الشرطة الجنائية الاتحادية بألمانيا
معلومات عن أنور
مواليد الحولة، سوريا بتاريخ 3 شباط/فبراير، 1963
[عنوانه البريدي في ألمانيا]
لم يتم العثور على أي قيود حتى بعد استخدام معلومات شخصية مختلفة في عملية البحث.
أعلنت القاضي كيربر رئيسة المحكمة أنه يسمح للمترجمين الشفويين بالانصراف كخبراء [فيما يتعلق بالترجمة من وإلى الألمانية، والعربية، والفرنسية] لعدم وجود أي طلبات تتعلق بأدائهم القسم.
أُغلقت فترة أخذ الأدلة في محاكمة أنور في تمام الساعة 1:22 مساءً. أعلنت القاضي كيربر رئيسة المحكمة أنه ليس هناك أي مساومات للإقرار بالذنب وفقًا لأحكام البند (ج) من المادة 257 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني.
رُفعت الجلسة في تمام الساعة 1:24 ظهرًا.
اليوم المائة وستّة – 2 كانون الأول/ديسمبر، 2021
بدأت جلسة الاستماع في تمام الساعة 9:32 صباحا بحضور سبعة أشخاص، وسبعة ممثلين من الصحافة. سجل مصوران مقاطع فيديو، والتقطا صورًا فوتوغرافية قبيل بدء الجلسة. ومثّل الادّعاء العام المدّعيان العامان كلينجه وبولتس. لم يكن محامي المدّعين رايجر حاضرًا، وانضم محامي المدّعين بانز إلى الجلسة متأخرًا بواقع عشرة دقائق، ولم يكن محامي الدفاع بوكر حاضرًا.
البيانات (المرافعات) الختامية – الادّعاء العام
[ما يلي هو ملخص للبيانات الختامية التي قام المدعيّان العامّان بتلاوتها، بناءً على ما تمكّن مراقب المحاكمة من سماعه في المحكمة. يُشار إلى الاقتباسات المباشرة باستخدام علامتي التنصيص ""، فيما يرِد تفصيل الملاحظات الإضافية داخل الأقواس المربعة].
مقدمة
استهلّ المدّعيان العامّان بياناتهما الختامية باقتباس للكاتب النمساوي اليهوديّ جان أميري والذي قال إنه "لا يمكن لمن عانى من التعذيب أن يشعر بأنه في وطنه أبدًا". أفاد المدّعيان العامّان أن ذلك الاقتباس قد شغل تفكيرهما طيلة مدة المحاكمة، وأن ما حصل في أجهزة المخابرات السورية قد ترك ندبًا على الناجين إلى الأبد. وعلى الرغم من محاولتهم جميعًا أن يجدوا سُبلًا للعودة، إلاّ أنه لم يكن بإمكان أي منهم أن يشعر بأنه في وطنه مرّةً أُخرى. وقال المدّعيان العامّان إنه يمكن لكل الحاضرين في قاعة المحكمة أن يشعروا بذلك. وأضافا أنه ينبغي للضحايا أن يعرفوا أنهم ليسوا بمفردهم في معاناتهم تلك.
وأشار المدّعيان العامّان إلى أن خوض الحرب ضد النضال من العقاب يشكل أحد التحديات التي يواجهها القانون الجنائي الدولي، وإحدى المسؤوليات التاريخية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، ولكن، يشكّل الضحايا أساس تحريك الدعاوى العامة. وبحسب المدعيين العامين، إن المشاركة في تحريك الدعاوى العامة في سياق المحاكمات والتحقيقات المتعلقة بالجرائم الدولية هو أمرٌ يصعب على كافة الضحايا القيام به، بل ومن شأنه أن يؤدي إلى استثارة شعورهم بالصدمة النفسية. ولا مفر من التعامل مع ذلك إلا بإخفاء هوية الشهود عند الضرورة، وتوفير الحماية لهم، وتوكيل محامٍ لهم. وبحسب المدعيين العامين، تم تطبيق تلك التدابير في محاكمة كوبلنتس، ولكن ذلك لا ينفي تعارضها مع حقوق أخرى.
وأضاف المدّعيان العامّان أن المطالبة بتسجيل وقائع محاكمات من هذا القبيل أمر فتّاك، لما قد يحمله ذلك من آثار سلبية وأضرار بالغة على استعداد الشهود للإدلاء بشهاداتهم كونهم يشعرون بالخوف أصلًا من هذه الخطوة، فضلًا عن اعتقادهم بأن كل ما يتم تسجيله سوف ينتهي به المطاف في يد النظام السوري عاجلًا أم آجلًا، ومن شأن ذلك أن يحمل تبعات سلبية على المحاكمات المستقبلية، بحسب المدعيين العامين. وأضافا أن تلك المحاكمات من شأنها أيضًا أن تُشعر الكثير من الأشخاص بالرضا، وأن تكون عونًا لهم في استعادة كرامتهم المهدورة.
وشكر المدّعيان العامّان الدفاعَ على جهوده، وإحجامه عن طرح أسئلة مؤلمة أو مزعجة. وبحسب المدعيين العامين، لم ينسحب ذلك السلوك المُنصِف على جميع المحاكمات الجنائية، للأسف.
قال المدّعيان العامّان إنهما يأملان بأن يتمكن الضّحايا، أو بعضهم على الأقل، من أن يشعروا بأنهم في وطنهم مرة أخرى. ووفقًا للمدعيين العامين، تتطلب سيادة جوّ من التعايش السلميّ يشمل الناس أجمعين إجراء محاكماتٍ من قبيل تلك التي أُجريت في كوبلنتس. وأشارا إلى ديباجة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي تنصّ على أنّ " هذه الجرائم الخطيرة التي تهدد السلم والأمن والرفاه في العالم، [وأن] أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألّا تمر دون عقاب، وأنّه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تُتّخذ على الصعيد الوطني، وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي". وخلص المدّعيان العامّان إلى أنه يُعوَّل على ألمانيا وغيرها من الدّول كي تقاضي مرتكبي هذه الجرائم من أجل أن تحول دون مرورها بلا عقاب. ولا ينطبق ذلك إلا على الجرائم الوحشية الجماعية، وليس من شأنه أن يكفل اتساع نطاق الملاحقة القانونية من خلال زيادة عدد الأفراد الملاحقين، وأن التبرير الوحيد للجوء إلى مثل هذه المحاكمات [محليًّا] بموجب [الولاية القضائية العالمية] متعلقٌّ فقط بالقضايا التي يطال أثرها المجتمع الدولي ككلّ.
أكّد المدّعيان العامّان على أهمية سيادة القانون في تلك المحاكمات على وجه التحديد [التي تُجرى بموجب الولاية القضائية العالمية]، وأن لعب القضاء دور "الملاك المنتقم" سوف يعود بالضرر على هذه المسألة. واستشهدا بمقولة لبنيامين فيرينكز، وهو آخر مدّعٍ عام شارك في محاكمات نورمبرج لا يزال على قيد الحياة، في مرافعته الافتتاحية في نورمبرج، ومفادها: "الانتقام ليس هدفنا، ولا نسعى إلى مجرد قصاص عادل. [...] إن قضيّتنا هي طلب التماس تتقدّم به الإنسانيّة إلى القانون." ووفقًا للمدعيين العامين، ينطبق ذلك على هذه المحاكمة التي تدور حول سيادة القانون. لا يمكن أن يُنظَر إلى شخص بمفرده على أنّه ممثل لنظام حكم غير شرعي بأكمله، أو أن يتم إصدار أحكام مُسبَقة بحقّه. بل إن الضروري في هذا المقام هو إجراء تقييم تحليلي تبايني حول مدى مساهمة المتهم في الأفعال الإجرامية المرتكبة. وخلص المدّعيان العامّان إلى أن ذلك هو مكمن التحدي الذي يواجه القانون الجنائي الدولي.
وقبيل الخوض في تفاصيل الموضوع، أشار المدّعيان العامّان إلى أنهما سوف يتقيدان بإيراد تفاصيل السيرة الذاتية للمدّعى عليه أنور حسب الاقتضاء فقط، وذلك بُغية رسم ملامح صورة الوضع العام في سوريا، ولأغراض متعلقة بإصدار الحكم. بالإضافة إلى ذلك، سيقدمان توضيحات محدودة عن وجود هجوم منهجي وواسع النطاق في سوريا، لكون القضاة قد أكّدوا إلمامهم بذلك في نص الحُكم الصادر في محاكمة إياد الغريب. وستُستخدم تواريخ الإدلاء بالشهادة أمام المحكمة للإشارة إلى الشهود الذين سُمح لهم بعدم الكشف عن هُويّتهم، وذلك في حال لم يتم إخفاء هويّتهم في المراحل السابقة من المحاكمة.
الموضوع
اندلعت في أوائل العام 2011احتجاجات ومظاهرات الربيع العربي، وشملت سوريا. وبحسب المدعيين العامين، أبدى السوريون تعاطفهم مع الاحتجاجات في البلدان العربية الأخرى اعتبارًا من شباط/فبراير 2011، وبدأوا مظاهرتهم ضد الحكومة اعتبارًا من آذار/مارس العام نفسه. وسرعان ما تصدّت الحكومة لتلك الموجة عن طريق فضّ المظاهرات بصورة وحشيّة. وتسارعت وتيرة تصعيد الأوضاع في ضوء سقوط عدد من القتلى في درعا على يد الحكومة في آذار/مارس 2011. أشار المدّعيان العامّان إلى اتّخاذ الحكومة السوريّة عددًا من التدابير من قبيل نصب نقاط التفتيش، والسيطرة على المشافي، مما أثّر على عامة السكان، دون أن يقتصر على من شاركوا في الاحتجاجات السلمية فقط. ولكن، لم يحُل ذلك دون انتشار الاحتجاجات في عموم أنحاء سوريا.
تم تشكيل خلية إدارة الأزمة السوريّة في آذار/مارس 2011، وضمّت رؤساء وضبّاطًا في أجهزة الاستخبارات الأربعة، بالإضافة إلى آخرين. وأوكِلت إليها مهمة إصدار الأوامر المتعلقة بقمع المظاهرات بصورة وحشية، ودامية، وسريعة. وبحسب المدعييْن العاميْن، نُفذت أولى العمليات العسكرية في درعا في نيسان/أبريل 2011 وتسببت بمقتل ما يزيد على 200شخص على أيدي النظام، وهو ما حصل في دوما أيضًا. ثم شرع الجيش بمهاجمة السكان المدنيين في "الأحياء المتمردّة". وبحسب المدعيين العامين، قامت أجهزة الاستخبارات السورية والجيش السوري بدور مركزيّ في قمع المجتمع المدنيّ. وسقط آلاف المدنيين ما بين جريح وقتيل جراء استخدام الهراوات، والرصاص الحي.
اعتُقل الكثير من الأشخاص، وزُجّ بهم في السجون في ظل ظروف لا إنسانيّةً، وتعرّضوا للتعذيب والإهانة. وأفاد المدّعيان العامّان أن نظام التعذيب معمول به منذ عقود، ولكن، ازدادت طبيعة التعذيب ووتيرته سوءًا مع اندلاع الثورة. وغصّت السجون بالمعتقلين، ولم تُستخدم عمليات التوقيف والاعتقال لاستخلاص المعلومات، من أجل كَسْر شوكة المعارضة. وبحسب المدعيين العامين، كانت تلك العمليات بمثابة وسيلةً للقضاء على المعارضة.
كما وصف المدّعيان العامّان التعذيب الجسديّ والنفسيّ في السجون، وتعرّض المعتقلون فيها لعنف جماعيّ، وعانوا من سوء التغذية، واكتظاظ الزنازين. وبحسب المدعيين العامين، إن زنازين السجون هي "زنازين الموت". ودُمجت المشافي العسكريّة في هذا النظام أيضًا، فمنذ أن اندلعت الاحتجاجات، استُخدمت المشافي العسكرية لتعذيب الأشخاص، وتحولّت إلى منشآت تعذيب، بحسب المدعيين العامين. وعادةً ما أصبحت تلك المشافي هي "الوجهة الأخيرة" للمعتقلين، لا سيّما مشفى المزّة 601، ومشفى تشرين 507، ومشفى حرستا. قال المدّعيان العامّان إنّه سرعان ما تم إرسال الجثث إلى تلك المشافي، والتقاط صورٍ فوتوغرافيّة لها يتم تجميعها في ألبوم قبل أن تؤخذ في مقابر جماعية. وكان القصد من ذلك إثبات حالات الوفاة بين المعتقلين كي لا يطلب أحد رشوةً بزعم تسهيل عملية الإفراج عنهم، وبما يضمن عدم ادّعاء موت أحد المعتقلين في محاولة للإفراج عنه بصورة غير رسميّة.
وبحسب المدعيين العامين، لعبت إدارة المخابرات العامة المعروفة باسم أمن الدولة دورًا هامًّا في سوريا، إلى جانب المخابرات العسكرية، والمخابرات الجويّة، والأمن السياسي، وكان لدى كل تلك الأجهزة فروع مختلفة. يقع الفرع 251التابع لإدارة المخابرات العامة في حيّ الخطيب في دمشق، وذلك هو سبب إطلاق اسم "فرع الخطيب" عليه. وبحسب المدعيين العامين، كان ذلك الفرع مسؤولًا عن دمشق وما حولها. وقام الفرع 251بالكثير من عمليّات الاعتقال، ونصب حواجز أمنيّة، بالإضافة إلى القسم 40 الكائن في جسر الأبيض. وتولّى قيادة القسم 40 حافظ مخلوف، وهو أحد أبناء عمومة بشّار الأسد. وعلى الرّغم من أن القسم 40 كان تابعًا للفرع 251، إلاّ أنه تفرّد في قراره بعض الشيء، وكان مسؤولًا عن تنفيذ المداهمات، وتفريق الاحتجاجات، وعمليّات التفتيش عند الحواجز الأمنية. ونظرًا لافتقار القسم 40لسجنه الخاصّ، اعتاد أن ينقل سجناءه إلى الفرع 251، ويودعهم في عُهدة موظفي ذلك الفرع. وعلى نحوٍ أكثر تفصيلًا، أوضح المدّعيان العامّان أنه دائمًا ما تمت تلك الاعتقالات بنفس النّسَق من الوحشية، وسرعة التنفيذ كما لو كانت مداهمة خاطفة. وتمّ اعتقال المدنيين، ومعاملتهم بصورة سيئة، وملاحقة كل مَن يهرب منهم. وعمد القسم إلى تكديس الأشخاص في الحافلات والسيارات كي يتم اقتيادهم في نهاية المطاف إلى فروع التعذيب.
أضاف المدّعيان العامّان أنه لم يتم إعلام المعتقلين بأسباب اعتقالهم، ولم يراعِ توقيفهم الإجراءات الجنائية، ولم يتمّ إعلام أقاربهم بأماكن تواجدهم. وبحسب المدعيين العامين، كان بإمكان معظم معتقلي الفرع 251 أن يتصورّوا ماذا سيحّل بهم في غضون الأيام، أو الأسابيع، أو حتى الأشهر المقبلة بمجرد دخولهم الفرع. واتّسم الأمر بالوحشية، ولم يكن مصيرهم معلومًا. وودّ موظفو الفرع لو كان بيدهم ألا يدعوا المعتقلين يرتاحون أبدًا؛ ووجد المعتقلون ما يُعرف "بحفل الاستقبال" بانتظارهم، حيث أوسع السجّانون فيه المعتقلين الجدد ضربًا، وتضمّن ذلك ضرب رؤوسهم بالحائط في بعض الأحيان. ولم يتوقّف الضرب إلا عند نزولهم إلى الطابق السفلي من المنشأة، علمًا بأن بعضهم لم ينجُ من حفل الاستقبال.
أشار المدعيان العامان إلى تعرُّض أحد المعتقلين للضرب بقسوة من قبل أحد ضباط الفرع 251 عند وصوله إليه في حزيران/يونيو 2011، ما أفضى إلى وفاته في الساحة الخارجية. وفي حالات قليلة فقط، نُفذت إجراءات حفل الاستقبال في مراحل لاحقة من اعتقالهم، وليس عقب وصولهم إلى الفرع. وبعد انتهاء حفل الاستقبال، يتم إجبار المعتقلين الجدد على التجرد من ثيابهم في الطابق السفلي، وتفتيش أجسادهم، مع أخذ وضعية القرفصاء بضع مرات وهم عراة، وأُطلق على تلك الممارسة اسم "الإجراء الأمني". وتُعاد ثياب المعتقلين إليهم بعد مصادرة مقتنياتهم الشخصية، وأربطة أحذيتهم. وخضعوا أثناء اعتقالهم لجلسات تحقيق عنيفة، لأن أهمية الحصول على المعلومات عن طريق انتزاع اعترافات بالإكراه كانت أهمية ثانوية حيث تعرضوا للتعذيب بشدة، وخضعوا للتحقيق أحيانًا من غير أن تُطرح عليهم أي أسئلة ذات فائدة. وعادةً ما يحضر كل جلسة تحقيق سجّان واحد على الأقل، يتولى أمر إهانة المعتقلين، وكيل الشتائم لهم. وقال المدعيان العامان إنه من المُحتمل أن أساليب التعذيب من قبيل الفلقة، والدولاب، والكرسي الألماني، والشَّبْح مستخدمة منذ عقود، بل ومنذ قرون. وكان الصعق بالكهرباء من الأساليب المستخدمة بشكل يومي.
أضاف المدعيان العامان أن المعتقلين قاسوا ظروفًا لا إنسانية طيلة فترة اعتقالهم في الفرع 251 (فرع الخطيب). وكثيرًا ما تم رفض طلبات حصولهم على الرعاية الطبية أو العلاج، حتى عندما كان ذلك ضروريًّا. وزُجّ بالنساء، والأطفال، وكبار السّن في زنازين مكتظّة جدًّا لا يمكن النوم فيها إلا وقوفًا. وافتقرت الزنازين لأجهزة تكييف الهواء، لذا كان من المعتاد أن يفقد الأشخاص وعيهم على إثر تدنّي مستويات الأكسجين في الزنزانة. ولم تكن كمية الطعام المقدم لهم كافيةً، مع أنه لم يكن من الممكن تناوله أصلًا. وكانت أوضاع النظافة "كارثيّة" لا سيما مع سقوط البراغيث والقمل من سقف الزنزانة، بالإضافة إلى رائحة عرق المعتقلين التي تزكم الأنوف. ولم يُسمح لهم بالاغتسال أو الحصول على أدنى متطلبّات النظافة الشخصية الأساسية، ما أدّى إلى إصابتهم بالجرب، والطفح الجلدي. اضطروا إلى قضاء حوائجهم داخل الزنزانة أحيانًا، الأمر الذي أدّى إلى انبعاث روائح لا تطاق بسبب البول والغائط. بالإضافة إلى ذلك، دائما ما سمع المعتقلون صرخات الآخرين الذين يتعرضون للتعذيب. وخلص المدّعيان العامان إلى أن الكثير من المعتقلين يجدون أمر سماع صرخات الآخرين يفوق سوءًا تعرّض أحد المعتقلين نفسه للتعذيب، وذلك خشية أن يكون هو الشخص التالي الذي سيتعرض للتعذيب. وقال المدعيان العامان إنه ليس من الغريب أن الكثير منهم فقدوا صوابهم في المُعتَقَل، لا سيما مع تعرضهم للعنف الجنسي، والإهانة أيضًا، والتهديد بالاغتصاب أو بارتكاب اعتداءات جنسية بحقّهم أو بحق أقاربهم.
خلص المدعيان العامان إلى أنه عندما بدأ النظام السوري بهجومه المنهجي والواسع النطاق بين تاريخي 29نيسان/أبريل، 2011 و7 كانون الأول/ديسمبر، 2012، أي عندما انشقّ أنور، كان 4,000 معتقل في الفرع 251يتعرضون لضروب من العنف الوحشي، ويعيشون حالة خوفٍ دائمٍ على حياتهم، إذ أن احتمال مغادرتهم الفرع جثثًا هامدةً شكّل خطرًا حقيقيًّا عليهم. ووجد الكثير منهم أن ذلك الشعور بالخوف، وسماع صرخات الآخرين يفوق سوءًا تعرض أحدهم إلى التعذيب الجسدي. وبحسب المدعيين العامين، أصاب القضاة في توصيفهم اعتقال الأشخاص في فرع الخطيب على أنه تعذيب قائم بذاته كما أشاروا في نص الحكم الصادر في محاكمة إياد الغريب.
قال المدعيان العامان إن الكثير من الشهود وصفوا تلك الأوضاع، ومنهم المدّعون: P1, P11, P12, P19, P25, P27, P28, P30, P41, P39, P38, P34, P32, P22, P50, P48, P47, P46, P44, P42.
[قدّم المدّعيان العامان ملّخصًّا مقتضبًا يتناول شهادة كل مدّعٍ، والتفاصيل التالية: زمان ومكان وكيفية الاعتقال؛ ومدة الاعتقال في الفرع 251، وغيره من الأماكن (حيث ينطبق ذلك)، والمعاناة التي مرّوا بها أثناء اعتقالهم في الفرع 251؛ وآثار ذلك عليهم إلى يومنا هذا. للاطّلاع على موجز شهادة كلّ مدّعٍ، يُرجى زيارة الموقع التالي: SJAC’s trial monitoring website والذي يوفّر أيضًا روابط لموجز شهادة كل شاهد في المحكمة].
خلص المدّعيان العامان إلى أن ما لا يقلّ عن 30 شخصًا لقوا حتفهم جراء سوء المعاملة في فرع الخطيب أثناء مدة التوقيف [أي بين تاريخي 29 نيسان/أبريل، 2011 – 7 كانون الأول/ديسمبر، 2012].
المُتّهم
انتقل المدّعيان العامان في حديثهما إلى عرض السيرة الذاتية للمتهم:
· بعد أن حصل أنور على شهادة الثانوية العامة (البكالوريا)، التحق بالجامعة في دمشق لدراسة القانون.
· وتقدّم بطلب للالتحاق بصفوف الشرطة السوريّة في العام 1984، حيث بدأ يعمل معهم في العام 1986. وأضاف المدّعيان العامان أن المعارضة تعرّضت لاضطهاد شديد على يد حافظ الأسد في الثمانينيات. وعقب المذبحة التي حصلت في حماة بتاريخ 2 شباط/فبراير، 1982، اكتظّت السجون بالمعتقلين، وتشابهت الظروف حينها مع نظيرتها السائدة بعد العام 2011.
· وفي العام 1987، عمل أنور ضابط شرطة في حلب، والحسكة، وطرطوس، وذلك بعد أن أنهى تدريبه، ودراسته الجامعية في تخصص القانون.
· وفي العام 1992، أنهى أنور تدريبه كضابط شرطة، وتخرّج كثاني أفضل ضابط في فئة رتبته. وعمل بعدها مدربًّا في أكاديمية الشرطة لمدة عام ونصف العام.
· وفي العام 1995، أي عندما كان يبلغ أنور 32 عامًا من العمر، تمت ترقيته للعمل في إدارة المخابرات العامة نظرًا لأدائه المهني المتميز. وقاد دوريات تابعة للفرع 251 لمدة عام ونصف العام.
· ثم عمل ضابط تحقيق، ونُقل إلى الفرع 285 في كفرسوسة.
· وأصبح برتبة مقدم بتاريخ 9 آب/أغسطس، 2008، ثم أُعيد نقله إلى الفرع 251 حيث شغل منصب رئيس قسم التحقيق هناك.
· وتمت ترقية أنور إلى رتبة عقيد بتاريخ 1 كانون الثاني/يناير، 2011.
· وكان مكتب أنور في الطابق الأول من الفرع 251الكائن في حي الخطيب في دمشق. وكانت مكاتب التحقيق في الطابق الأرضي، فيما كان السجن في القبو حيث كان له مكتب ثان هناك. وضمّ قسم التحقيق 30-40 موظّفًا، منهم 6-7 ضبّاط تحقيق، وكتّاب محضر، وضبّاط السجن الآخرين.
· وأُعيد نقل أنور إلى الفرع 285 بتاريخ 9 أيلول/سبتمبر، 2012 حيث عمل فيه حتى كانون الأول/ديسمبر، 2012.
· وكان تاريخ 7 كانون الأوّل/ديسمبر، 2012 هو اليوم الأخير لأنور في العمل قبل أن يغادر سوريا.
أشرف أنور على عمليّات القتل، والتعذيب، والحرمان من الحرية، والاعتداء الجنسي أثناء مدة التوقيف [الواقعة بين تاريخي 29 نيسان/أبريل، 2011 – 7 كانون الأول/ديسمبر، 2012]، بحسب المدعيين العامين. وأوضحا أن أنور كان مسؤولًا عن السجن الذي اعتُقِل فيه الأشخاص، وتعرّضوا فيه للتعذيب. اعتمد الفرع الهيكل التنظيمي للمؤسسة العسكرية بتسلسل قيادة واضح، وأصدر أنور أوامر مباشرة لضباط التحقيق لديه، وعمل السجّانون تحت إشرافه أيضًا. وبحسب المدعيين العامين، كان أنور مسؤولًا عن إعداد جداول الورديّات، وتعيّن على الموظفين أن ينصاعوا لأوامره. وفيما يخصّ إصدار الأوامر، أوضح المدعيان العامان أن إعطاء أوامر بتعذيب أحد المعتقلين لم يكن ضروريا نظرًا لوجود "نظام تعذيب راسخ" وفعّال. يعرف الجميع عن التعذيب، ولم يكن من الضروري الحصول على إذن صريح يقضي باستخدامه. وكان يتم إعطاء الأوامر الصريحة [بالتعذيب] فقط في الحالات التي ينبغي ألاّ يتعرّض الأشخاص فيها للتعذيب وسوء المعاملة الوحشيين. وحضر أنور بنفسه بعض جلسات التحقيق، بحسب المدعيين العامين، ولكن، بصفته عقيدًا ورئيسا لقسم التحقيق، "لم يلّطّخ يديه باقتراف أي من ذلك"، فهذا هو دور موظفيه. ومع ذلك، عرف أنور على الدوام جسامة ما يحصل من عمليّات قتل، وتعذيب، وحرمان من الحريّة، واعتداء جنسي؛ حيث كان على علم بما يحصل بصفته رئيسا لقسم التحقيق، وتقبّل ذلك دون اكتراث. وبحسب المدعيين العامين، لم يوافق أنور على التعذيب في حالات التحقيق الفردي بعد آذار/مارس 2011، ويُعزى ذلك إلى أن التعذيب قد أعاق عمله كمحقق، دون أن يمنعه ذلك من مواصلة عمله في الفرع.
***
[استراحة لمدة 25 دقيقة]
***
تقييم الأدلة
التجريد المزعوم من الصلاحيات
استمعت المحكمة خلال المحاكمة إلى الخبيرة لاورا تورمان والأستاذ الدكتور ماركوس روتشيلد اللذين قاما بفحص عدد من الوثائق، واستمعت إلى شهادات الكثير من الشهود أيضًا، وإفادة محامي دفاع المتهم. وبحسب المدّعيين العامين، جاء في الإفادة أنه قد بدأ في عمله كضابط شرطة في أواسط الثمانينيات، وفي أمن الدولة في العام 1995. وعمل في الفرع 285بعد أن تنقّل بين الفروع، واعتبارًا من العام 2008، عمل في الفرع 251 رئيسًا لقسم التحقيق فيه. قال المدّعيان العامّان إن أنور دفع بأن الفوضى قد عمّت سوريا بتاريخ 15آذار/مارس، 2011، وأقدمت الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد وقوات الحرس الجمهوري على قمع تلك الفوضى. دفع المدعيان العامان بحجج تشير إلى أن الحرس الجمهوري على وجه التحديد قد شارك الفرع 251 في نطاق مسؤولياته، حسب قول أنور. تعرض الكثير من الأشخاص الذين اعتقلهم الحرس الجمهوري لكسور، وغير ذلك من الإصابات. وبحسب ما ورد في إفادة محامي دفاع أنور، ارتفع عدد المعتقلين في الفرع من 250ليزيد عن ألف معتقلٍ اعتبارًا من تاريخ 15آذار/مارس، 2011، مما أدّى إلى اكتظاظ الزنازين. كما أشار المدّعيان العامان إلى إبراز أنور حججًا مفادها أن ذلك [السجن المكتظ جدًّا] يقع ضمن نطاق مسؤوليات رئيس الفرع 251 توفيق يونس الذي اشتكى إليه أنور أوضاع ذلك السجن، وأنه أراد أن يتثبت من صحة الاعتقالات من قبيل إصدار مذكرات توقيف أصولية، كي يُفرج عن جميع المعتقلين الذين لم تظهر أسماؤهم في القوائم ذات الصلة. تقدم أنور بشكوى إلى توفيق يونس في مناسبتين، بحسب ما ورد في إفادة الدفاع، ولكن، ردّ يونس على أنور في المرة الثانية قائلًا إنّه ينبغي له ألاّ يفاتحه بالموضوع مرّة أخرى. أشار المدّعيان العامان إلى أن أنور قال أمام المحكمة في تلك الإفادة إن توفيق يونس ذكر على مسمعه في أوائل نيسان/أبريل 2011 أنه ثمة أشخاص يحتجون ضد الحكومة في الحولة – مسقط رأس أنور. ورأى أنور في ذلك تهديدًا مباشرًا له، واتّخذ قرارًا بالانشقاق على إثر ذلك.
وزعم أنور أيضًا بأنه ساعد أكبر عدد ممكن من المعتقلين بين آذار/مارس وحزيران/يونيو 2011، وأصدر أوامر كثيرة منها الإفراج عن كافة المعتقلين غير المسلحين، حسب زعمه، حيث تم الإفراج عن بعضهم فعلًا. رأى الحرس الجمهوريّ في ذلك سببًا كافيًا لتقديم شكوى بحقّ أنور لدى توفيق يونس. وبحسب ما ورد في إفادة محامي دفاع أنور، كان ذلك هو السبب وراء إعادة هيكلة صلاحيات الموظفين في الفرع، وقيام توفيق يونس بتجريد أنور من صلاحيّاته، وبتعيين الرائد النعسان والقسم 40 كرؤساء له في العمل. ثم اقتصر دور أنور على رفع التقارير إلى رئيس الفرع فحسب، دون خفض رتبته رسميًّا. وبحسب أنور، تلّقى أوامر بأن يداوم على القدوم إلى السجن بشكل منتظم بُغية التغطية على الغاية الفعلية المتمثلة بتأسيس دولة داخل الدولة. ولم يُسمح لأنور أن يُجري جلسات التحقيق ابتداءً من شهر حزيران/يونيو 2011، وذلك إلى أن تم نقله إلى الفرع 285، بحسب ما ورد في إفادة الدفاع التي واصل المدّعيان العامان تلخيص ما ورد فيها. وقُبيل نقله من الفرع، سمع عن نقل الكثير من المعتقلين إلى مشافٍ مختلفة مثل مشفى الهلال الأحمر، والمشفى في حرستا. وكان بإمكانه أن يسمع أشخاصًا يصرخون وهو في مكتبه، وقيل له أنه قد تم اللجوء إلى العنف أثناء جلسات التحقيق. وبخلاف ما وصفه عدد من الشهود، زعم أنور عدم وجود أدوات معلّقة على الحائط أو الأسقف لتعذيب المعتقلين باستخدام أسلوب الشّبْح.
أشار المدّعيان العامان أيضًا إلى قول أنور في إفادة الدفاع إنه قد حاول ترتيب أمور انشقاقه مع الجيش السوري الحر في أواسط العام 2011، ولكنّه لم يُرد المغادرة وحيدًا من غير أسرته. كما أفاد بأنه رفض احتجاز معتقلين جدد أثناء إحدى وردياته الليلية لكون أسمائهم لم تظهر في أيّ من قوائم المطلوبين. وبحسب أنور، أدى ذلك إلى فتح تحقيق معه، وصدر بحقه حكم بالسجن 20 يومًا مع وقف التنفيذ ووضعه تحت المراقبة، قبل أن ينُقل للعمل في الفرع 285. كما زعم بأنه وُضع تحت المراقبة المشددة حتى تاريخ 9 أيلول/سبتمبر، 2012. وكانت الضوابط في الفرع 285 غير صارمة، فتمكّن في نهاية المطاف من ترتيب أمور انشقاقه وفراره في كانون الأول/ديسمبر 2012.
أشار المدعيان العامان إلى إفادة محامي دفاع أنور، وأنه شغل منصب رئيس التحقيق في الفرع 251 اعتبارًا من العام 2008. ونُفذت عمليات اعتقال واسعة النطاق مع انطلاق الاحتجاجات في 2011. وأثناء عمل أنور في الفرع، عومل المعتقلون معاملة سيئة، ووصل السجن إلى مرحلة الاكتظاظ في خمس مناسبات في الأثناء. وبحسب المدّعين العامين، اعترف أنور أنه اعتاد زيارة مرافق السجن بصورة منتظمة، ولم يُنكِر وفاة بعضهم داخلها. ولكنه ذكر في إحدى إفاداته حول الوفيات في آذار/مارس 2012 عدم معرفته بحصول وفيات في ذلك الشهر تحديدًا. وبناء على إفادته، خلص المدعيان العامان إلى أن أنور اعترف بوفاة بعض المعتقلين في الفرع في أوقات أخرى.
[...] كما أشار المدّعيان العامان إلى ما ورد في إفادة أنور حول تجريده من جميع صلاحياته في حزيران/يونيو 2011، وعدّها من باب "المراوغة للدفاع عن نفسه". ووفقًا للمدعييْن العامين، إن ما يؤكد على أن تلك هي مجرد حيلة عدم مروره على ذكر الموضوع قبل الإدلاء بإفادة الدفاع ذات الصلة، والتي زعم فيها بأنه قد جُرّد من صلاحياته كافّة.ولم يدّع أنور بأنه جُرّد من صلاحياته لأنه تبنّى موقفًا منتقدًا للنظام في حزيران/يونيو 2011، على الرغم من أنه قد سنحت له أكثر من فرصة للقيام بذلك، أي عندما كتب سيرته الذاتية على سبيل المثال، أو أثناء التحقيق معه من قبل مكتب الشرطة الجنائية الاتّحادية بألمانيا، ومكتب الشرطة الجنائية للولاية. لقد كان من البديهي أن يتطرق أنور حينها إلى ذكر تلك الواقعة أثناء كتابته سيرته الذاتية أو التحقيق معه من قبل الشرطة، لأن كل ما ذكر يتمحور حول دوره السابق في أجهزة المخابرات السوريّة. وبحسب المدعيين العامين، أدلى أنور بإفادة تشير إلى أنه ظل محط تقدير لدى الكثيرين، لا سيما إذا ما أخذنا طلب استدعاء الشاهد P56في الاعتبار. ويفيد الطلب، وشهادة P56 التي أدلى بها أمام المحكمة أن أنور كان أحد أعضاء اللجان التي شكلتها وزارة الداخلية، وتألفت من عميد واحد من كل فرع مخابرات، ومثّل فيها أنور إدارة المخابرات العامة. وقال المدّعيان العامان إنه لمن "السخيف" أن نفترض تعيين أنور عضوًا في تلك اللجنة الهامّة إذا كان مجرّدًا من صلاحياته في حينها.
دفع المدعيان العامان أيضًا بأنه "من غير المنطقيّ" أيضًا أن يُجرد شخص من صلاحياته، وأن يُسمَح له في الوقت ذاته بأن يظّل في منصبه حفاظًا على الصورة العامة. "ومن المنافي للمنطق" أن تُرسم ملامح صورة عامة تُظهر بقاء شخص في منصبه حتى وإن كان لا يثق "بالنظام الظالم". وبحسب المدعييْن العامين، من المُرجّح في تلك الحالة أن يتم تسريح ذلك الشخص من الخدمة، أو اعتقاله، أو نقله إلى مكان آخر قسرًا. وأكّد ذلك الإجراء أيضًا P10، وهو ضابط ذو رتبة رفيعة في إدارة المخابرات العامة، إذ أفاد بأن الضباط المشكوك في أمرهم يُعتقلون من قبل الفرع 285، أو أنهم يُنقلون للعمل في مناطق نائية. وأكّد ذلك الشاهد P55 أيضًا الذي عمل في الفرع 285. قال المدّعيان العامان إنه يمكن دحض مزاعم أنور بتجريده من صلاحياته بالإشارة إلى واقعة نقله عقيدًا من أحد الفروع العامة إلى أحد الفروع الأخرى المتخصصة في إجراء التحقيقات. وتمتع أنور بالكثير من الامتيازات في الفرع الذي نُقل إليه، فلم يكن أمر نقله بالتالي خفضًا من رتبته. وبحسب المدعيين العامين، إنه لمن "الهراء" أن يُجرد ضابط غير جدير بالثقة من صلاحياته، وأن يُترك للعمل دون مراقبة في فرع آخر. وعلاوة على ذلك، دفع المدعيان العامان بأن أنور ناقض نفسه في إفادة الدفاع بقوله إنه جُرّد من جميع صلاحياته في حزيران/يونيو 2011، وبادّعائه في الوقت ذاته أنه ساعد عددًا لا حصر له من المعتقلين في وقت لاحق. وخلص المدعيان العامان إلى أن المرء إما أن يكون مجردًّا من صلاحياته وغير مخوّل بالإفراج عن أي شخص، أو أن يتمتّع بصلاحيات تخوله الإفراج عن المعتقلين. "ويستحيل منطقيًّا" لمن جُرّد من صلاحياته أن يُصدر أمرًا بالإفراج عن المعتقلين.
مضى المدعيان العامان في حديثهما، وساقا حججًا مفادها أن عددًا من الشهود الموثوقين قد أكدوا استمرار أنور في منصبه وممارسة صلاحيته بعد حزيران/يونيو 2011. حيث قام P5 الذي عمل حارسًا خارج مبنى فرع الخطيب بالإدلاء بشهادته حول المناصب الوظيفية في الفرع، والمهام الموكلة إلى ضبّاطه، وتسلسل القيادة فيه. وبحكم عمله، اعتاد أن يدخل الفرع 251 على نحو منتظم حيث عرف الجميع أن أنور هو رئيس قسم التحقيق، والمسؤول عن السجن، بحسب P5. وتولى أنور بنفسه القيام ببعض التحقيقات الهامّة، وحضر في العام 2011 إحدى حفلات الاستقبال في الساحة الخارجية، بناءً على ما أخبر P5المحكمة به. وأمر أنور السجّانين أثناء ذلك الحفل بأن يتوقفوا عن ضرب المعتقلين الجدد كي لا يحول ذلك دون التحقيق معهم بشكل صحيح. وبحسب P5، توقّف السجّانون عن ضرب المعتقلين، مما يؤكد وجود سلطة لأنور عليهم، بحسب ما خلص إليه المدعيان العامان. علاوة على ذلك، كان من المعتاد ملاحظة أنور في فرع الخطيب، وإصداره الأوامر حتى آب/أغسطس 2012.
وعلاوة على ذلك، أكد المتهم السابق إياد الغريب الذي عمل في القسم 40، وكان يعرف كمًّا هائلًا من المعلومات الداخلية، أن أنور كان رئيسًا لقسم التحقيق في الفرع 251حتى كانون الثاني/يناير 2012، وهو تاريخ انشقاق الغريب، وذلك وفقًا لما أخبر به الشرطة الألمانية بتاريخ 16 آب/أغسطس، 2016. ووفقًا لإفادة إياد الغريب، كان لأنور مكتب في الطابق الأول [يقصد الثاني] فوق السجن الكائن في القبو والتابع لقسم التحقيق. واستفاض الغريب في التفاصيل قائلًا إن قسم التحقيق تشكل من 6-7محققين، و30-40 آخرين ما بين كتّاب محاضر، وموظفي أرشيف، وسجّانين. وكانت رتبة أنور أعلى من رتبة مدير سجن الفرع 251، وتم استدعاؤه أحيانًا إلى الفرع 285كمحقق نظرًا لما يتمتع به من مهنية وخبرة. أشار المدعيان العامان إلى قيام كبير المحققين الجنائيين السيد دويسنج بتقديم تلك المعلومات أمام المحكمة بتاريخ 27 أيّار/مايو 2020. وعلى الرغم من تعذّر الإشارة إلى شهادة الغريب التي أدلى بها للشرطة في محاكمته، يمكن استخدام كامل إفادته في محاكمة أنور بموجب الولاية القضائية الدائمة لمحكمة العدل الاتّحادية بألمانيا [بالألمانيّة: Rechtskreistheorie]. وبحسب المدعيين العامين، تتمتع شهادة الغريب التي أدلى بها للشرطة بالمصداقية، ويمكن استخدامها كاملة في محاكمة أنور. أفاد المدعيان العامان أنه ليس هناك سبب قد يدفع الغريب لتجريم أنور بغير وجه حق أثناء التحقيق معه من قبل الشرطة، لأنه لم يكن يعرف أن أنور في ألمانيا، وأن هناك تحقيق جارٍ بشأنه. فلم يُشر إياد الغريب الذي كان ضابط صف في القسم 40، واعتاد أن يزور الفرع 251بصورة منتظمة إلى مزاعم تجريد أنور من صلاحياته، كون شيء من هذا القبيل لم يحصل، بحسب المدعيين العامين.
أشار المدعيان العامان أيضًا إلى الموقف الذي تعرّف فيه P18على هويّة أنور في المحكمة يوم الإدلاء بشهادته. كان P18 يبحث عن أحد أقاربه [حُجِب اسمه] في حزيران/يونيو 2011. وبعد أن دفعت عائلته الرشوة، سُمح لهم بمقابلة أنور في فرع الخطيب للاستعلام عن مكان تواجد قريب P18، إذ قيل للعائلة إنه من المرجح أن يكون ذلك الشخص قد اعتقل في الفرع 251. وبحسب المدعيين العامين، أوضح أنور بشكل لا لُبْس فيه مَن كان المسؤول عن تسيير الأمور عندما "مثل" P18أمامه. وانتظر P18 بادئ الأمر أمام المكتب مدة 15 دقيقة، سمع أثناءها أصوات صراخ مرتفعة، وشعر أنها كانت محاولة لتخويفه. وقام السجانون بجره عنوةً إلى داخل المكتب حيث عامله أنور بخشونة، وأمر P18بأن "يحمل واحدة من الجثث ويغادر". كما أمر أنور P18 بأن يذهب إلى مشفى تشرين أو حرستا وأن ينتقي إحدى الجثث لا على التعيين، وألا يستفسر عن الموضوع مجددًّا. ولكن، عندما همّ P18 بمغادرة المكتب، ناداه أنور وأخبره بأن هناك شروط معينة، وهي: ينبغي لقريب P18 أن يعود إلى سوريا، وأن يسلّم نفسه لأجهزة المخابرات، حينها فقط يمكن الإفراج عن قريب P18 الثاني، وتسليم جثة قريبه الآخر المفقود. خلص المدعيان العامان إلى أن تلك الحادثة تبرهن على أن أنور تمتع بصلاحيات اتخاذ القرار في الفرع، واتّسم بموقفه المتعجرف تجاه الآخرين، وعاملهم بعدوانية. وبدت آثار الصدمة من تلك الأحداث واضحة للعيان على P18.
دفع المدعيان العامان بأن الصحفي الألماني كريستوفر رويتر قد أكّد أيضًا منصب أنور القيادي في الفرع، حيث قابل أنور في العام 2013 عقب انشقاقه. قال رويتر إن أنور كان مصدرًا جيدًّا للمعلومات، وأخبر المحكمة أيضًا أنه يتمتع "بذاكرة صوريّة أو نحو ذلك". كما برزت مصداقيته عندما اقتبسه رويتر مرات كثيرة في كتاباته عن أجهزة المخابرات السورية. أشار المدعيان العامان إلى أن أنور أخبر رويتر بأنه التقى برئيس إدارة المخابرات العامة آنذاك، علي مملوك، عقب الانفجار الذي حصل في كفرسوسة في نهاية العام 2011 وأوائل العام 2012. وشارك في ذلك الاجتماع كل من علي مملوك وحاشيته، بالإضافة إلى أنور بصفته رئيسًا لقسم التحقيق. ولكن، لم يُرِد علي مملوك، وهو أهم شخص في أجهزة المخابرات العامة، أن يحقق أنور في التفجير، وكان بدوره غاضبا جراء انعدام المهنية في التعامل مع الموضوع. ومع ذلك، ووفق ما أفاد به المدعيان العامان، يُظهر هذا الاجتماع أن أنور شغل منصبًا رفيعًا في أجهزة المخابرات كونه قد شارك في إحدى تلك الاجتماعات إلى جانب مسؤولين رفيعين في أجهزة المخابرات والسلطات الأمنية. بالتالي، من غير المحتمل أن يكون أنور شخصًا "مهمشًا" ومجردًّا من كافّة صلاحياته، وفق زعمه. خلص المدعيان العامان إلى أنه لم يكن ليسمح لأي ضابط غير موثوق جراء أصوله أو توجهاته الناقدة بأن يشارك في مثل ذلك الاجتماع، وعلى النقيض من ذلك، سُمح لأنور بأن يقدم اقتراحاته أثناء الاجتماع. شدد المدعيان العامان على أن ذلك الاجتماع عُقد في أواخر العام 2011 أو أوائل العام 2012، أي في الفترة التي ادّعى أنور أنه جُرّد فيها من سلطاته كافّة ستة شهور على الأقل.
حاجج المدعيان العامان بأن P53 أدلى بشهادته أيضًا حول نفوذ أنور وصلاحياته الواسعة على صعيد اتّخاذ القرار.وأخبر P53 المحكمة أنه اعتقل مدة تقرب من الشهر في أواخر تمّوز/يوليو 2012قبل أن يُنقَل أنور إلى فرع آخر. واعتُقل بسبب حالة تشابه أسماء، وتواصلت عائلة P53 مع أنور كون الأسرتين كانتا جارتين في السكن منذ العام 2003. وتجمع والدة P53 وزوجة أنور علاقة صداقة جيدة حتى اليوم. وتمت الإشارة أيضًا إلى تواصل P53 مع أنور عقب الإفراج عنه. خلص المدعيان العامان إلى أن ذلك يدل على صلاحيات أنور الواسعة على صعيد اتخاذ القرار والتي تجاوز نطاقها حدود دمشق. كانت مكالمة هاتفية واحدة من أنور كفيلةً بالإفراج عن الأشخاص المعتقلين في الطرف الآخر من البلد، في الوقت الذي ادّعى فيه أنور أنه جُرّد من صلاحياته كافّةً. ووفقًا للمدعيين العامين، لو فرضنا جدلًا أن أنور قد كان تحت المراقبة فعلًا، وأنه عُدّ غير موالٍ للنظام، لتعذّر عليه أن يجري اتصالاته بغرض الترتيب للإفراج عن المعتقلين في غضون ساعتين أو ثلاث.
كما أكد عدد من الشهود أن أنور تمتع بنفوذ، وصلاحيات واسعة على صعيد اتخاذ القرار في فرع الخطيب، وفقًا لما أشار إليه المدعيان العامان. ومع ذلك، أوضح المدعيان العامان أنهما سيشيران فقط إلى الشهود الذين شاهدوا أنور في الفرع يقينًا وبما لا يقبل الشك. [أشار المدعيان العامان إلى زمن وكيفية مشاهدة كل من أولئك الشهود أنور في الفرع، وتعرفهم عليه بصفته ضابطًا رفيعًا. كما أجريا تقييما مقتضبًا لمصداقية أولئك الشهود].
بالنسبة لشهادة P11، أضاف المدعيان العامان أن أنور أكّد قيامه بالتحقيق مع P11. وعلى الرغم من أن P11 لم يتمكن من مشاهدة المحقق، إلا أنه من المؤكد أن أنور حقق معه لأنه اعترف بذلك.
وفيما يتعلق بشهادة P41، رأى المدعيان العامان أن شهادته متّسقة ومتماسكة، ولم يروا أنه تعمد تجريم أنور لأنه أشار على وجه التحديد إلى أن نائب أنور كان يحضر التحقيق عند غياب أنور.
وبخصوص P49، أشار المدعيان العامان إلى أن P49 وصف دور أنور في الإفراج عنه. وبحسب المدعيين العامين، أظهرت الشهادة أن أنور كان قادرًا في كانون الاول/ديسمبر 2011 على تجنيب بعض المعتقلين من التعرض للضرب، والإفراج عن بعضهم إن شاء. فقد انصاع موظّفوه لأوامره، ولاقت قراراته قبولًا لدى رؤسائه في العمل، على الرغم من أنهم لم يقتنعوا بها تمامًا. ويبدو أنه من المستحيل القيام بإجراءات من هذا القبيل لو كان أنور مجرّدًا من سلطاته فعلًا، بحسب المدعيين العامين.
وبالحديث عن P16، أشار المدعيان العامان إلى أن P16 أكدّت أنها تلّقت معاملة حسنة بعض الشيء، ويرجع ذلك إلى قيام كوفي عنان بزيارة سوريا أثناء فترة اعتقالها. ومع ذلك، أظهرت شهادتها أن أنور كان رئيس قسم التحقيق المسؤول في فرع الخطيب في نيسان/أبريل 2012.
وفيما يتعلق بالممثلة السورية [حُجِب اسمها]، دفع المدعيان العامان بأن كبير المفتشين الجنائيين كنابمان عرض في المحكمة الشهادة التي أدلت بها الشاهدة سابقًا لدى الشرطة، على الرغم من أنها لم تَمْثُل أمام المحكمة شخصيا للإدلاء بشهادتها. وأثناء مقابلتها مع الشرطة، وصفت الشاهدة بمصداقيّة لقاءها بأنور في الفرع، ولم تتعمد تجريمه، لا بل وأفادت أنها لقيت منه معاملة حسنة. وأكد أنور نفسه في إفادة الدفاع أنه شاهد تلك الشاهدة في الفرع.
وأمّا بالنسبة لشهادة P33، أشار المدعيان العامان إلى أن أنور نفسه أكد أنه التقى بتلك الشاهدة في مكتبه في فرع الخطيب حيث تعرفت على هويته بصفته ضابطًا رفيعًا تمتع بصلاحيات اتّخاذ القرار، وسهّل عملية الإفراج عنها.
وبخصوص P58[انظر النص أعلاه]، أشار المدعيان العامان إلى أنه كان "تجسيدًا للشخص الكاذب"، ولم يقدم معلومات من شأنها أن تُثبت أقواله. وقال المدعيان العامان: "خاب استثمار من دفع المال للشاهد P58 كي يدلي بشهادته".
أضاف المدعيان العامان أن جميع المعتقلين الآخرين أكدوا أن زعم أنور بتجريده من الصلاحيات "كان من وحي الخيال. وأنه بكل تأكيد كان لدى النظام السوري مشكلات أخرى ينبغي أن يتعامل معها بخلاف التستّر على واقعة تجريد موظف من صلاحياته". ووفقًا للمدعيين العامين، من المرجّح أن النظام السوري كان سيُفضّل أن يُشهر واقعة التجريد من الصلاحيات للاستفادة من أثرها الرادع".
مرافعات الدفاع كمحاولة لتسخيف الأمر
أفاد المدعيان العامان أن أنور حاول في مرافعات الدفاع أن يُسخّف من الأوضاع في سوريا، وأن يقلل من شأن الدور الذي أداه فيها. أولًا، ادّعى أنور أن جلسات التحقيق كانت مقبولة قبل آذار/مارس 2011، ولكن، لعل العكس هو الصحيح، وفقًا للشهادة التي أدلى بها كل من P35 وP40 وP52، وشاهِد آخر عُرضت شهادته في المحكمة من قبل كبير المفتشين الجنائيين دويسنج. وبعد إشاراتهما باقتضاب إلى ما قدّمه الشهود من أوصاف للتعذيب وظروف الاعتقال في الفرع 251 قبل آذار/مارس 2011، خلص المدعيان العامان إلى أن الظروف في الفرع كانت كارثية حتى قبل ذلك التاريخ، وأن أنور نفسه حضر تعذيب بعض الأشخاص، وذلك على النقيض مما دفع به. وثانيًا، أفاد أنور أن "الفوضى" عمّت سوريا بتاريخ 15آذار/مارس، 2011. وبحسب المدعيين العامين، كانت الأوضاع في سوريا في حينها بعيدة كل البُعد عن الفوضى، وتلخصت بالأحرى بقيام المدنيين بالمطالبة بحقوقهم الأساسية عن طريق احتجاجات سلميّة. وتم التعامل معها بالعنف الجماعي، "والقمع والاضطهاد اللذين مارستهما الدولة"، مما أدّى في نهاية المطاف إلى نشوب حرب أهلية اتسمت بالفوضى بكل تأكيد، وفقًا للمدعيين العامين. وخلُصا إلى أن إفادات أنور في هذا الشأن تدلّ بشكل واضح على حقيقة موقفه وتوجهاته.
كما أشار المدعيان العامان إلى أن أنور ادّعى في إفادته باتّخاذ إجراءات تأديبية بحقّه في صيف العام 2011 وذلك عندما أراد أن يتحقق من وجود مذكرات توقيف صادرة أصوليا بحقّ معتقلين جدد تم جلبهم على إثر موجة من الاعتقالات الجماعية. وادّعى أنور أنه رفض استلام الأشخاص المعتقلين من قبل الفرقة الرابعة إذا لم تصدر بحقّهم أي مذكرات توقيف أو لم ترد أسماؤهم في قوائم المطلوبين. وقال المدعيان العامان إن تلك الادّعاءات "هي استخفاف بواقع الأوضاع السائدة في حزيران/يونيو 2011". أشار المدعيان العامان أيضًا إلى أن الكثير من الشهود قد أخبروا المحكمة عن عدم وجود مذكرات توقيف صادرة بحقهم، وأن تلك الاعتقالات تمت بصورة تعسفيّة، وأنه لم يتم إجراء أي تحقيق أصولي معهم. ووفقًا للمدعيين العامين، حاول أنور أن يُضفي شكلًا من أشكال سيادة القانون، وهو أمرٌ غير قابل للتطبيق. وتحدّث جميع الشهود عن الرُّعب الممارَس من قبل أجهزة المخابرات، ولم يذكر أيٌّ منهم وجود دولة تحكمها سيادة القانون.
***
[استراحة لمدة 70 دقيقة]
***
[لم يعُد ثلاثة من الحضور إلى القاعة عقب انتهاء فترة الاستراحة].
تقييم الأدلة
قيام القسم 40 بالاستحواذ المزعوم على صلاحيات الفرع 251
دفع المدعيان العامان بأن الأدلة المأخوذة في هذه المحاكمة تؤكّد أن القسم 40 لم يبسط سيطرته على فرع الخطيب، ولم يُجرِ تحقيقاته الخاصة داخل ذلك الفرع، بخلاف ما تقدّم به محامو الدفاع عن أنور. قال P5 الذي عمل حارسًا على إحدى البوابات الخارجية للفرع 251 حتى آب/أغسطس 2012 إنه كثيرًا ما شاهد موظفي القسم 40 يغادرون عقب جلبهم معتقلين جددًا. وأفاد في شهادته أن القسم 40 تمتع بقدر من حرية التصرف، نظرًا إلى علاقة عائلة حافظ مخلوف بالرئيس. ولم يباشر القسم 40تحقيقاته في الفرع 251، وكان مسؤولًا عن قمع الاعتصامات، وتنفيذ عمليات الاعتقال فقط. لم يسبق للمتّهم الآخر إياد الغريب الذي عمل في القسم 40وأن تحدّث عن هيمنة القسم على فرع الخطيب، على الرغم من أنه قد أدلى بالكثير من المعلومات، منها تلك التي قد تُجرّمه بشدة. خلص المدّعيان العامان إلى أنه من غير المنطقي أن يستولي القسم 40على صلاحيات فرع الخطيب، حيث كان القسم مكلفًّا بالكثير من الأعمال بصفته أحد تشكيلات قوات التدخل السريع، ولم يكن بحاجة إلى تكليفه بالمزيد من الاختصاصات والمهام. علاوةً على ذلك، أفاد جميع الشهود الذين اعتقلوا من قبل القسم 40 أنهم خضعوا للتحقيق في الفرع 251 من قبل ضبّاط الفرع نفسه.
محاولات التخفيف من المسؤولية الجنائية
وفقًا للمدعيين العامين، حاول المتّهم أن يخفف من مسؤوليته الجنائية مدّعيا أنه لم يتم تعليق الأشخاص على الجدران أو من السقف، ولكن، أفاد الكثير من الشهود في شهاداتهم أنهم تعرضوا للتعذيب بأسلوب الشّبْح، وشاهدوا أو سمعوا معتقلين آخرين يتم تعليقهم من السقف أو الجدران. [ذكر المدعيان العامان عددا من الشهود اللذين أدلوا بشهاداتهم في هذا الشأن، وهم: P1، وP33، وP27، وP28، وP32، وP35، وP39، وP46، بالإضافة إلى أحد الشهود الذي عُرضت شهادته في المحكمة من قبل رئيس المفتشين الجنائيين دويسنج.
قال المدعيان العامان إنه يتوجب الاعتراف بأن أنور لم يوافق تمامًا على استخدام الوحشية بحق المعتقلين، ومع ذلك، تبنّى أنور ذلك الموقف فقط في الحالات التي عرقل استخدام الوحشية فيها عمله كمحقق. على سبيل المثال، عارض أنور ذلك في الحالات قد تُفضي إلى موت الأشخاص أو فقدانهم الوعي جراء الضرب المبرح. أشار المدعيان العامان إلى أن أنور أوضح أثناء التحقيق معه من قبل مكتب الشرطة الاتحادية للولاية في بادن-فورتمبيرغ بتاريخ 27 تشرين الأول/أكتوبر، 2017 المزيد من التفاصيل في هذا الشأن، وذلك عندما أفاد "متهكّمًا" أنه لم يعرف ماذا يفعل ببعض جثث المعتقلين التي كانت تُجلب له في بعض الأحيان كونها عديمة الفائدة بالنسبة لعمله. خلص المدعيان العامان إلى أن أهمية الوظيفة والمنصب بالنسبة لأنور تفوق أهمية الإقرار بالموقف الموصوف أعلاه، وذلك على الرغم من أنه تمتع بسلطة وصلاحيات اتّخاذ القرار خلال مدة توقيف المعتقلين في الفرع. وبالتالي، كانت مرافعة الدفاع بتاريخ 18 أيار/مايو 2020 محاولة فاشلة لإنكار مسؤوليته عن الظروف والأفعال اللاإنسانية في الفرع والتي حصلت بمعرفته، وضمن نطاق عمله، وتحت إمرته.
هجوم منهجي وواسع النطاق
بما أن المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس قد أوردت في نص الحُكم الصادر بتاريخ 24 شباط/فبراير 2021 تفاصيل الأوضاع في سوريا خلال مدة التوقيف، و"ووصفتها بصورة صحيحة" على أنها عبارة عن هجوم منهجيّ وواسع النطاق ضد الشعب السوري، فلم يورد المدعيان العامان سوى معلومات مقتضبة عن بعض الشهود الذين وصفوا الأوضاع ذات الصلة بفرع الخطيب خلال تلك الفترة، وهم:
P1, P4, P8, P11, P12, P16, P19, P24, P26, P27, P28, P30, P31, P33, فايز سارة P34, P35, P38, FR18, P41, P46, P47, P49, P50, P57.
أشار المدّعيان العامان إلى أن كل أولئك الشهود وصفوا بأنفسهم الأهوال التي حصلت في الفرع، أو أن أقوالهم عُرضت في المحكمة عن طريق محققي الشرطة الذين سبق وأن أجروا مقابلات معهم. ووصفوا كيف تعرض المعتقلون للضرب، والشتم، والإهانة، وأنهم كانوا أقرب للموت منهم إلى الحياة. ولا يزال الكثير منهم متأثرًا بهذه الأهوال حتى اليوم. واعتبر المدعيان العامان أن حزن الشهود ودموعهم قد ألقى بظلال سحابة قاتمة على قاعة المحكمة أثناء الإدلاء بشهاداتهم. ووصف أولئك الشهود أنهم لم يتعرضوا للتعذيب، ولكنهم تمكنوا من سماع صرخات معاناة الآخرين. أشار المدعيان العامان إلى أنهم قبعوا فترات زمنية مختلفة في السجن الكائن في قبو الفرع 251، ووصفوا الأوضاع الناجمة عن سوء التهوية، وامتزاج روائح الدماء والعرق والبراز فيه أيضًا. وتضوّر المعتقلون جوعًا على الدوام، ومُنعوا من الاغتسال، ولم يُسمح لهم بمغادرة الزنازين إلا عند اقتيادهم إلى التحقيق. عدّ المدّعيان العامان أن أقوال الشاهد P28 في المحكمة تمثل عينة من إفادات جميع الشهود، لا سيّما وصفه عملية اقتياده إلى الزنزانة رقم 5 التي كانت تُعرف "بزنزانة الموت". وقال P28إنه يشعر كما لو أنه لا يزال يقبع في الزنزانة إلى هذه اللحظة، وكانت زنزانة شبيهة بقبر مظلم زُجّ فيه بنحو 130-140 شخصًا، وافتقرت للضوء والنوافذ. وكانت بعرض 3-3.5 متر، وبطول 5-6 أمتار. وأُجبر P28 على الوقوف لست ساعات متواصلة على إحدى قدميه، ثم على الأخرى. وكان هناك دورة مياه أيضًا، وفتحة في أسفل باب الزنزانة بمساحة 30*50 سنتيمترا يدخل عبرها هواء وضوء خافت من الممر. واستخدمت مراوح الشفط للتهوية، وشعر المعتقلون أنهم كادوا يختنقون. وعادةً ما عاقبهم السجّانون بإغلاق فتحة الباب، مما أدّى إلى عدم قدرتهم على التنفس.
وصف الطبيبان P56 وP51 الأحوال في الفرع من وجهة نظر مختلفة كونهما قد عملا طبيبين مقيمين في المشفى الكائن بجانب فرع الخطيب، وقاما بزيارة الفرع أيضًا. ووصفا عدم كفاية موارد الرعاية الطبية فيه، بالإضافة إلى وجود معتقلين يعانون من الجفاف وسوء التغذية. وقالا أيضًا إن آثار البول والبراز على سراويل المعتقلين الداخلية، وإطلاق لحاهم تعد من المؤشرات على طول المدة التي قضوها في المُعتَقَل. كما أشار المدعيان العامان إلى حديث الطبيبين عن إصابة الكثير من المعتقلين بمختلف أنواع الخمج (الخُرّاج)، وأنهم كانوا في وضع يهدد بقاءهم على قيد الحياة. ومع ذلك، سُمح لمختصّي الرعاية الطبية بأن يقدموا العلاج بحده الأدنى فقط، ولم يُسمح لهم بتحديد طبيعة العلاج أو من ينبغي له أن يحصل عليه. وكانت رائحة المعتقلين كريهة جدًّا، وكانت ثيابهم ممزقة. ولم يجرُؤ سوى قلة منهم على إخبار الطبيب بالأسباب الحقيقية للإصابة، وإذا تحدث أحدهم، قاطعه السجانون، وقاموا بمعاقبته. ووفقًا للطبيبين، تم التستر على النطاق الكليّ للتعذيب باستصدار شهادات وفاة مزيفة تعطي أسبابًا كاذبة للوفاة، من قبيل الإصابة بالجلطة أو الفشل الكلوي. وتعمل الشاهدة التي كان من المفترض أن تُدلي بشهادتها بتاريخ 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 طبيبة مقيمة في مشفى الهلال الأحمر أيضًا. ولم تمثُل أمام المحكمة شخصيًّا، فعرض كبير المفتشين الجنائيين فراي إفاداتها السابقة التي أدلت بها أثناء مقابلتها مع الشرطة. وأكّدت أقوالها ما ورد في إفادتي زميليها أمام المحكمة.
خلص المدعيان العامان إلى أن الشك لا يخالط مصداقية أولئك الشهود، حيث لم يبدِ أيّ منهم رغبةً واضحة بتجريم المتّهم. ووفقًا للمدعيين العامين، ذكر أولئك الشهود جميعًا نفس التفاصيل الصغيرة، من قبيل ما يلي: حفل الاستقبال، والإجراء الأمني، والمطبخ كمكان للانتظار، والساحة الخارجية، والدّرَج، ومرافق السجن في القبو وغرف التحقيق في الطابق الأول، وأبو غضب وميماتي بوصفهما أعنف سجّانَيْن والأوامر غير المُعلنة باستخدام التعذيب، والاعترافات المعدّة مسبقًا التي أُجبر المعتقلون على التوقيع عليها، وتقييد عدد مرّات وأوقات استخدام دورات المياه، والزنازين المزوّدة بنوافذ مطّلة على الخارج، والأنبوب الأخضر الذي يحمل اسم أحد المسؤولين في الأمم المتحدة، وعدم كفاية الطعام، "وصوت المؤذن وهو يرفع الأذان على أنه آخر ما يربطهم بالعالم الخارجي الذي بدا وكأنه بعيد جدًّا عنهم".
خلص المدعيان العامان إلى أنه ليس هناك شكّ في أن آلاف المعتقلين قد تعرضوا أثناء مدة التوقيف للحرمان من الحرية بغير وجه حقّ، والتعذيب الجسدي، والاعتقال في ظروف شبيهة بالتعذيب. وأكّدت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس ذلك في نص الحُكم الصادر بتاريخ 24 شباط/فبراير، 2021.
أعداد حالات التعذيب والوفاة
أفاد المدعيان العامان أنه يتوجب أن يُحسب لصالح المتهم حالات التعذيب التي حصلت في الفرع 251 أثناء مدّة التوقيف والبالغ عددها 4,000 حالة. وفي سياق توضيح كيفية إحصاء ذلك العدد، أشار المدعيان العامان إلى مرافعة دفاع أنور التي أفاد فيها أنه لم يمرّ يوم واحد منذ تاريخ 15آذار/مارس، 2011 لم يشهد فيه سجن الفرع 251 اكتظاظًا شديدًا. وقال إن عدد المعتقلين فيه لم يقل عن 1,000 أبدًا، لا بل وكثيرًا ما زاد العدد عن ذلك. ووفقًا للمدعيين العامين، لم يكن هناك مدة اعتقال محددة، واختلفت مدد اعتقال أولئك الشهود في فرع الخطيب. أُجبر معظمهم على أن يقبع في الفرع مدة تتراوح بين بضعة أيام إلى ثلاثة أسابيع. واعتُقل كل من P4، وP50، وNW15 و[...] شهرًا واحدًا. واعتُقل P1 لشهرين، فيما اعتقل P22 مدة تقرب الثلاثة أشهر. وعليه، افترض المدعيان العامان أن كل معتقل بقي نحو شهرين في الفرع قبل الإفراج عنه، أو نقله إلى فرع آخر. ولو فرضنا جدلًا أن مدة التوقيف كانت 16 شهرًا، لكان 8,000 شخص على الأقل قد اعتقلوا في تلك الفترة. ولو حددنا متوسط مدة الاعتقال على أنها ثلاثة أشهر، لبلغ عدد المعتقلين 5,000 معتقل. لذا، يتوجّب علينا حساب عدد المعتقلين على أنه 4,000 لصالح المتهم. وأكد تلك الأعداد إياد الغريب الذي أخبر مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية بألمانيا في تمّوز/يوليو 2011 أن نحو 100 شخص قد اعتقلوا واقتيدوا إلى فرع الخطيب. فلو ضربنا مثلًا أن 75 منهم قد اعتقلوا في المظاهرات، وأن بعضًا منهم قد أُفرج عنه، قد يصل العدد بناء على أقوال إياد الغريب إلى 24,000 معتقل خلال مدة التوقيف. وقال الغريب إنه هو نفسه قد شارك في اعتقال 1,000شخص في الفترة الواقعة بين تمّوز/يوليو 2011 وكانون الثاني/يناير2012.
كما خلص المدعيان العامان إلى أن ما لا يقلّ عن 30 معتقلًا توفوا في الفرع 251 أثناء مدة التوقيف. وقدّم إياد الغريب إلى مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية بألمانيا أوصافًا تنطوي على درجة من التفصيل بخصوص تجربة الاعتقال في الفرع 251، وتبعاتها الرهيبة. ووفقًا له، كثيرًا ما تكرر أمر وفاة المعتقلين أثناء التحقيق معهم في الفرع. وشاهد بأم عينيه 10 جثث في الفرع في الفترة الواقعة بين أيّار/مايو وحزيران/يونيو 2011، وشهد بين تمّوز/يوليو وأيلول/سبتمبر 2011 إقدام أحد السجّانين على ضرب مُعتقل على رأسه باستخدام سيخ معدني، ما أفضى إلى وفاته. خلص المدعيان العامان إلى أنه لا يعتري مصداقية إفادات الغريب أي شكّ. لقد أكّد كبير المفتشين الجنائيين دويسنج إفادات إياد الغريب أيضًا، إذ يقوم الحكم الصادر بحقه على إفاداته بشكل أساسي. وفي ضوء ما سبق، تأكّد ما يلي:
· وفاة 10 أشخاص بين أيار/مايو وحزيران/يونيو 2011،
· وفاة شخص بين تموز/يوليو أيلول/سبتمبر 2011.
أشار المدعيان العامان إلى أن الشاهد FR18، الذي عرض كبير المفتشين الجنائيين كنابمان شهادته في المحكمة نظرًا لعدم رغبته في الإدلاء بشهادته في المحكمة في كوبلنتس، قد شهد وفاة أحد الأشخاص أثناء إحدى جلسات التحقيق التي خضع لها، عقب فترة قصيرة من اعتقاله في أوائل آذار/مارس 2012.وتأكد كنابمان من أن FR18تمكّن من التواصل بشكل جيّد مع مترجم مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية بألمانيا. وأخبر كنابمان المحكمة أيضًا أنه يرى أن شهادة FR18 ذات مصداقية، وأن الشاهد كان منفعلًا جدًّا أثناء المقابلة. كما أعرب FR18 لكنابمان والقضاة عن آرائه حول المحاكمة التي لم يوافق عليها. وبالتالي، يرى المدعيان العامان أنه ليس هناك أي سبب ظاهر قد يدفع FR18 لتلفيق تلك الحادثة. وقالا إنه تأكد ما يلي:
· وفاة شخص واحد في آذار/مارس 2012.
ثم أشار المدّعيان العامان في حديثهما بإيجاز إلى شهادة P4. وقال إنه شهد وفاة 15 شخصًا في الفرع بين أواسط تمّوز/يوليو 2011 وأواسط آب/أغسطس من العام نفسه. وكان بين المتوفين طفل دون السابعة من العمر أُغمي عليه في إحدى الزنازين الجماعية بسبب سوء التهوية. وبالإضافة إلى ذلك، وصف P4وفاة 13 شخصًا بسبب تعرضهم للتعذيب، وأن جثثهم تُركت في الردهات وكأن شيئًا لم يكن. وتعرض شخص آخر للضرب المبرح على حنجرته، مما أدّى إلى وفاته، وفقًا للشاهد. وقال المدعيان العامان إن P4وصف المزيد من حالات الوفاة في الفرع، ولكن، تم استثناؤها كونها ذكريات تفتقر إلى الدقة. ما يلي هو عدد حالات الوفاة التي وصفها P4 بدقة، حيث تأكد ما يلي:
· وفاة 15 شخصًا (بينهم طفل واحد) في الفرع في الفترة بين منتصف تمّوز/يوليو ومنتصف آب/أغسطس 2011.
قال P36 الذي عمل طبيبًا في مشفى الهلال الأحمر، وزار الفرع 251 بحكم عمله، للمحكمة إنه شهد وفاة ما لا يقل عن 10 أشخاص أثناء شهر رمضان من العام 2012، والذي وافق أول أيامه تاريخ 19 تموز/يوليو وانتهى بتاريخ 18 آب/أغسطس، 2012. أشار المدعيان العامان إلى أن أولئك الأشخاص إما توفوا فورًا في السجن، أو لاحقًا في أحد المشافي متأثرين بإصابتهم. يشمل الإطار الزمني لشهر رمضان للعام 2012 الفترة الزمنية التي شهد فيها P4وفاة 15 شخصًا في الفرع 251. وعليه، يتوجب علينا أن نفترض أن الجثث التي شاهدها P4 في فرع الخطيب هي نفس الجثث التي شاهدها P36 في الفرع نفسه. ولما كان P36 غير قادر على أن يتذكر بدقة عدد المعتقلين الذين توفوا في الفرع، والمشفى، بإمكاننا أن نخلص إلى أن شخصًا واحدًا توفي في المشفى. كما أفاد P36أنه شهد 50 حالة وفاة في فرع الخطيب، و100 حالة أخرى في المشفى في الفترة الواقعة ما بين شباط/فبراير 2012، ونهاية العام 2013. ولكن، افتقرت أقواله في ذلك الخصوص للدقة الكافية كي يُؤخذ بها في اعتبارات إصدار الحكم، لأنها كانت مجرد تخمينات. كما أنه من غير الواضح ما إذا توفي أشخاص أثناء فترة التوقيف أم لا، ولم يتضح عددهم على وجه التحديد. وخلص المدعيان العامان إلى أنه قد تأكد ما يلي:
· وفاة شخص واحد بين تموز/يوليو وآب/أغسطس 2012.
وصف المدعيان العامان بإيجاز كيفية اعتقال P46، ومشاهدته وفاة أحد الأشخاص في فرع الخطيب في الزنزانة الجماعية التي مكث P46 فيها طيلة ليلة اعتقاله الأولى، قبل أن يُنقل إلى مشفى حرستا بسبب حالته الصحية السيئة. وأشار المدعيان العامان باقتضاب إلى أقوال P46 المتعلقة بالظروف السائدة في المشفى، وخلصا إلى أنها مثلت "ضربًا من ضروب التعذيب الأعمى، والذي كانت أهدافه بعيدةً كل البعد عن استخلاص المعلومات". ولربّما ارتُكب التعذيب بحق المرضى لمجرد أن فرصة ذلك قد سنحت للسجانين ومقدمي الرعاية الصحية. ووصف P46 أن مرضى آخرين من الفرع 251 شاركوه غرفته في المشفى. وبحسب P46، خُصص لكل فرع مساحة في المشفى. وتوفي شخصان أثناء وجوده في المشفى، وكان أحدهما من الفرع 251. وكان الشاهد يعرف ذلك الشخص من قبل، ووصف تعرضه لإصابات شديدة إلى الحد الذي منعه من استخدام دورة المياه دون مساعدة، وأُصيب بالحُمّى في نهاية المطاف، ما أفضى إلى وفاته. وتوفي شخص آخر في نفس السرير الذي نام فيه P46، وقام السجانون بجر الجثة خارجًا بعد أن أصبحت باردةً. وشهد P46 ثلاث حالات وفاة أخرى في الزنزانة الجماعية، بعد أن نُقل إلى الفرع 251مرّةً أخرى في أوائل تمّوز/يوليو. ووصف كيف قام المعتقلون الآخرون بالدعاء لأولئك المتوفين بعد أن تثبتوا من أمر وفاتهم. وتداخلت بعض الشيء الفترة الزمنية التي شهد فيها P46 حصول حالات وفاة في المهجع مع تلك التي شهد فيها P4 الشيء نفسه. لذا، يمكننا أن نفترض أن الوفيات الثلاثة التي شهد P46 عليها تندرج ضمن حالات الوفاة التي وصفها P4 والبالغة عددها 14 حالة. وعليه، تأكد ما يلي:
· وفاة شخصين من الفرع 251 في مشفى حرستا.
أخبر P51 الذي عمل طبيبًا في مشفى الهلال الأحمر المحكمةَ أنه لم يشهد حصول وفيات في الفرع. ووصلت إلى المشفى في إحدى المرات سيارة نصف نقل (بيك أب) محملة بجثتين أو ثلاث من الفرع 251، وطُلب منه أن يؤكد وفاة أصحاب تلك الجثث، وذلك في أحد الأيام في الفترة الواقعة بين الربيع وحزيران/يونيو 2011. ومُنع P51 من فحصهم بطريقة صحيحة، واقتصر تدخلّه على تحديد حالتهم السيئة جدًّا، حيث كانت أجسادهم مجرد جلد على عظم. ولكن، ليس بالإمكان تحديد ما إذا كانت تلك الجثث هي نفسها التي شاهدها إياد الغريب أو الآخرون. وعليه، علينا أن نفترض أن الجثث التي شاهدها P51 هي نفسها التي وصفها الشهود الآخرون.
خلص المدّعيان العامان إلى وفاة ما لا يقل عن 30 معتقلًا من الفرع 251 أثناء مدة التوقيف. ولكن، لم يكن بالإمكان الوقوف على أسباب الوفاة على وجه التحديد. ويستحيل أن تكون وفاتهم طبيعية، ويرجع ذلك إلى فحوى شهادات الشهود الضحايا والأطباء، وإلى تعرض المعتقلين للتعذيب والظروف السيئة. لربّما تتلخص أسباب وفاتهم في حزمة مسببات تكمن جميعها داخل فرع الخطيب، ومشفى حرستا الذي يعد بؤرة تعذيب تابعة لذلك الفرع. وأكد خبير الأدلة الجنائية الأستاذ الدكتور روتشيلدالذي تفحص ملفات قيصر للمحكمة أنه يرجح وفاة الجثث المعروضة في ملفات قيصر لأسباب غير طبيعية. كما شدد على أن جميع تلك الجثث تحمل آثارًا متشابهة، وعليه، يمكننا القول إنه قد تم على نحو منهجي استخدام نفس الأدوات، والتعذيب بأساليبه وظروفه المختلفة. قال المدعيان العامان إنه ليس بالإمكان أن يُسند التسبب بجميع حالات الوفاة الأخرى إلى المتهم، باستثناء الثلاثين حالة التي ذُكرت للتوّ.
أخبر P5 الشرطة أنه شاهد وفاة أحد المسنين، ولكنه بدا غير متأكد إذا كان قد توفي بالفعل أو أنه فقد وعيه فحسب. وأضاف المدعيان العامان أنهما لم يأخذا وفاة شقيق P17 وقريب P18 في الاعتبار عندما تقدما بطلب لائحة الاتهام، بسبب عدم وضوح مكان وزمان حصولهما، وهو ما بقي غير واضح حتى بعد إبراز الأدلة في هذه المحاكمة. وأخبر P57 المحكمة عن أحد الأشخاص الذي أُصيب بعيار ناري، وتوفيّ لاحقًا. ولم يتسنّى تحديد ما إذا كان العيار الناري الذي أُصيب به قبل اعتقاله هو سبب وفاته.
خلص المدّعيان العامان إلى أن 30 معتقلًا من معتقلي فرع الخطيب قد فارقوا الحياة أثناء فترة التوقيف تحت إشراف أنور. وكان أنور قادرًا على أن يعرف أن ذلك قد يحصل، وسوف يحصل، وأنه أقر بحصول ذلك بكل استخفاف.
العنف الجنسي بوصفه جريمة ضد الإنسانية
أشار المدعيان العامان إلى أن الخبراء تورمان، والبُنّي، ودرويش، وكذلك الشهود P4، وP12،وP16، وP27، وP28، وP29، وP46، وP50، وP57 قد أدلوا بشهاداتهم حول العنف الجنسي ودوره المركزي في أجهزة المخابرات.وتحدثوا عن عدم الاستهانة بوصمة العار التي تلحق بضحايا العنف الجنسي، وقالوا إن مجرد تهديد شخص أو أحد أقاربه بالعنف الجنسي قد يدفع به إلى أن يفعل أي شيء للحيلولة دون حصول مثل ذلك الأمر. وليس بالإمكان الخوض في موضوع العنف الجنسي علنًا. وورد في تقارير أعدتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وشباط/فبراير 2012تفاصيل تبيّن تكرر استخدام العنف الجنسي في سوريا قبل الثورة وبعدها، تشمل ما كان أثناء مدة التوقيف. وأكّد القضاة في الحكم الصادر في 24 شباط/فبراير 2021 وجود هجوم منهجيّ وواسع النطاق أثناء مدة التوقيف.
أشار المدعيان العامان أيضًا إلى أن P1 وصف إدخال عصا في دُبره. وأخبرت P19 المحكمة أنها هي وأخواتها تلقّين تهديدات بارتكاب أشكال من العنف الجنسي بحقّهن. ووصفت P42 للمحكمة كيف قام أحد السجانين بدفع رأسها في حِجْره عنوةً. ووفقًا للمدعيين العامين، قدّم أولئك الشهود أوصافًا متّسقة ومترابطة، ولم يُبدِ أيّ منهم أي رغبة في تجريم المتهم. لذا، يمكن اعتبار الحوادث الثلاث المُشار إليها وقائع مؤكدة.
أشار المدعيان العامان إلى شهادة P32 التي قالت فيها للمحكمة إنها ضحية للعنف الجنسي، حيث تعرضت لنظرات السجانين السيئة واعتداءاتهم. وأشار المدعيان العامان إلى أنها تعرضّت لصدمة شديدة، ولم تتضمن أقوالها بشأن العنف الجنسي الدقة الكافية فيما يتعلق بوقت الحدث ومكانه. وثمة مفارقات جوهرية بين ما أفادت به في مقابلتها مع الشرطة، وما ورد في شهادتها التي أدلت بها أمام المحكمة. وعليه، يستحيل أن يتم تمييز الأفعال التي حصلت من تلك التي لم تحصل، ومكان حصولها.
تقييمٌ قانوني
وفقًا للمدعيين العامين، من غير الضروري أن يتم إجراء تقييم متعمق لمدى اختصاص المحكمة وصلاحياتها في مجال النظر في الجرائم المسندة إلى المتهم، نظرًا لوضوح ذلك في مبدأ الولاية القضائية العالمية كما هو منصوص عليه بموجب أحكام المادة 1 من مدونة الجرائم ضد القانون الدولي. وعلاوةً على ذلك، أكدت محكمة العدل الاتحادية بألمانيا مؤخرًّا في الحكم الصادر بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير، 2021 على أن الحصانة الوظيفية لا تنطبق على الحالات المندرجة ضمن نطاق مدونة الجرائم ضد القانون الدولي، والتي تنظر فيها بعض محاكم ألمانيا. وأكدت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس في الحكم الصادر بتاريخ 24 شباط/فبراير، 2021 وجود هجوم منهجي، وفي هذه الحالة، واسع النطاق "أيضًا" ضد السكان المدنيين السوريين أثناء مدة التوقيف. ووفر الشهود الذين أدلوا بشهادتهم عقب إصدار ذلك الحكم براهين وتأكيدات على حصول ذلك الهجوم. ولا شكّ في أن النظام السوري قد صعّد من وحشية أفعاله بحق المجتمع المدني المعارض حتّى نهاية مدة التوقيف ذات الصلة بتاريخ 7 كانون الأول/ديسمبر، 2021. وتوفي آلاف أفراد المعارضة السورية والمدنيين الذين لم يتبعوا للمعارضة بصورة مباشرة جراء سوء المعاملة التي تلقوها على أيدي أجهزة المخابرات حتى كانون الأول/ديسمبر 2012. وتوفي ما لا يقل على 30 شخصاُ بين 29 نيسان/أبريل، 2011 وأيلول/سبتمبر 2012 في فرع الخطيب حيث تولّى أنور منصب رئيس التحقيق، وأمور السجن فيه. ولم يكن ممكنًا أن يتم تقصي أسباب وفاتهم الحقيقية. وأشار المدعيان العامان إلى أنه يجب علينا أن نعتمد على شهادات الشهود كون الجرائم المسندة إلى المتهم قد حصلت منذ وقت طويل، وكون إجراء تحقيقات في مسرح الجريمة أمر غير ممكن حاليًّا.
حزمة الجرائم المرتكبة عن طريق الفعل أو الامتناع عن الفعل
جرائم القتل
وفقًا للمدعيين العامين، تكرر كثيرًا حصول جرائم عن طريق الفعل في فرع الخطيب، من قبيل الإهانة، والشتم، والعنف، فيما تضمنت الجرائم المرتكبة عن طريق الامتناع عن الفعل الحرمان من الحصول على الطعام، وأدوات النظافة الشخصية، وسُبُل العلاج الطبي. وتُنسب معظم حالات وفاة الأشخاص إلى الجرائم المرتكبة عن طريق الفعل، إذ أن أولئك الأشخاص ما كانوا بحاجة للعلاج الطبي في المقام الأول لولا تعرضهم لضروب سوء المعاملة الجسدية والنفسية. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن الأمر ليستدعي الكثير من الجهود التنظيمية للحيلولة دون حصول حالات سوء تغذية. وبموجب أحكام الفقرة 1 من المادة 7 من مدونة الجرائم ضد القانون الدولي، خلص المدعيان العامان إلى تأكيد وقوع 30 جريمة قتل مرتكبة عن طريق الفعل. وبموجب أحكام الفقرة 2 من المادة 211 من قانون العقوبات الجنائية الألماني، استنبط المدعيان العامان أنه ثمّة دوافع كامنة وراء ارتكاب جرائم القتل العمد تلك. ويعرّف القضاء الدوافع الكامنة على أنها دوافع دنيئة، وهو وصف ينطبق على هذه الحالة تمامًا، بحسب المدعيين العامين. إن القصد الوحيد وراء التعذيب وجرائم القتل هي وأد الرغبة الشرعية والمسالمة لدى شريحة كبيرة من السوريين المدنيين في نيل الحرية، حيث استهدفت تلك الجرائم الأشخاص الذين شاركوا حقيقةً أو زعمًا في التظاهر ضد النظام.
التعذيب
توصّل المدعيان العامان أيضًا إلى أنه استوفيت متطلبات الفقرة 1 من المادة 7 من الفصل 5 من مدونة الجرائم ضد القانون الدولي [التعذيب الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية] نظرًا لتعرض عدد من الأشخاص لا يمكن حصره للتعذيب خلال مدة التوقيف. وعلى أقل تقدير، تعرّض 4,000 شخص للتعذيب في الفرع 251 في الفترة الواقعة بين 29 نيسان/أبريل، 2011 و7 أيلول/سبتمبر، 2012. توصلّت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس في الحكم الصادر بتاريخ 24 شباط/فبراير، 2021 إلى أن ظروف الاعتقال في الفرع هي تعذيب بحد ذاتها. ولم يُرِد المدعيان العامان إضافة أي شيء إلى ما سبق.
الأذى الجسدي الخطير
وفقًا لنص المادة 224 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني، لا يمكن أن نُغفل الأذى الجسدي الخطير الذي تعرض له من سبق اعتقالهم لدى الفرع 251، وشاركوا في هذه المحاكمة بصفتهم الطرف المدّعي. وأشار المدعيان العامان إلى أن المعتقلين تعرضوا للشتم والإهانة والاحتقار وسوء المعاملة الجسدية منذ لحظة إلقاء القبض عليهم. وتعرّضوا للضرب أثناء حفل الاستقبال، وعلى طول الطريق وصولًا إلى زنازينهم. وقال المدعيان العامان إنه من المسلم به أن أولئك الأشخاص قد عانوا الكثير من الآلام، وتعرضوا للكثير من الإصابات. وفضلًا عن ذلك، تضوروا من الجوع، وقاسوا ظروفًا لاإنسانية، وهو ما قاله عدد من الخبراء، بالإضافة إلى P36، وP51 للمحكمة. مما لا شكّ فيه أن صحة المعتقلين تضررت جراء العبء النفسي المترتب على احتمالية وقوعهم ضحية للعنف مرّة أخرى، أو خوفهم من لحظة مداهمة المهاجع أو الشعور القاتل بالوحدة في المنفردات، أو الكراهية، أو خشية الموت. ومن ناحية قانونية، جاء ارتكاب الجريمة على شكل فعل جرمي واحد مستمر، وليس مجزأ على عدة أفعال جرمية، وذلك بما لا يصب في مصلحة الطرف المدّعي. وبمجرد وصول أولئك المعتقلين إلى الفرع وحتى مغادرتهم، تعرضوا لضرب من سوء المعاملة الجسدية والنفسية طيلة مدة اعتقالهم. لا يُعدّ الأذى الجسدي الذي لحق بهم بسيطًا (بموجب أحكام المادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني)، بل خطيرًا (بموجب أحكام المادة 224 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني) نظرًا لأنه اقتُرف ضمن إطار نظام. وضمّ ذلك النظام عددًا من الأشخاص الذين أسهموا في إدامة عمله وأداء وظائفه. وكان الكثير من السجّانين وضبّاط التحقيق ضالعين في حرمان المعتقلين من الطعام، وضربهم، والاعتداء عليهم، بينما تولّى أشخاص آخرون مثل أنور إصدار الأوامر وتحمّل المسؤولية، حيث تصرف الجميع بصورة مشتركة. وعليه، خلص المدّعيان العامّان إلى أن تحديد هوية الشخص الذي قام بأفعال بعينها بصورة مباشرة هو أمر غير ذي صلة. كما أضافا أن المعتقلين تعرضوا للضرب باستخدام أجسام مختلفة، وخلصا إلى أنه قد تم استيفاء معايير الاشتراك بإلحاق أذى جسدي خطير بشخص وفقًا لأحكام البند 4 من الفقرة 1 من المادة 224 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني، وكذلك [معايير استخدام أجسام] بموجب أحكام البند 2 من الفقرة 1 من المادة 224 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني. وأشارا إلى ما أورده الشهود التاليين من أوصاف ذات صلة: P1، وP11، وP12، وP19، وP25، وP27، وP39، وP38، وP32، وP22، وP50، وP44، وP47.
بناءً على ما سبق، خلص المدعيان العامان إلى نفاذ أحكام كلّ من الفقرة 1 من المادة 223، والبند 1 والبند 4 من أحكام الفقرة 1 من المادة 224 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني. وأشارا باقتضاب إلى شهادات عدد من المدّعين كي يوضحا وقائع تعرض بعض المعتقلين للضرب باستخدام أجسام، وكيف أن تلك الوقائع ترقى إلى مصاف الأذى الجسدي: اعتُقل P28 في أيار/مايو 2011، ومرّتين في الفرع 251. وتعرض للضرب بواسطة جسم ما قبل أن يتم نقله إلى الفرع 285، ومرة أخرى عندما أُعيد إلى الفرع 251. ويرقى ما سبق إلى مصافّ إلحاق أذى جسدي بشخص مكرر في حالتين، وذلك بسبب الانقطاع في ارتكاب الفعلين. اعتُقل P41 في الفرع 251 في تشرين الأول/أكتوبر 2011 قبل أن يتم نقله إلى كفرسوسة، ثم أُعيد إلى الفرع 251لأسبوع واحد. وتعرض للضرب مرة أخرى أثناء اعتقاله في الفرع للمرة الثالثة. وترقى تلك الحالات إلى مصافّ إلحاق أذى جسدي بشخص ما في ثلاث وقائع منفصلة. تعرض P46 لمعاملة سيئة جدًّا في القسم 40 في حزيران/يونيو 2012. وبعد أن مكث ليلة في فرع الخطيب، نُقل إلى مشفى حرستا حيث أُلقي به في إحدى الغرف رفقةَ معتقلين آخرين من الفرع. وتعرّض في المشفى للضرب على يد سجّانين من فرع الخطيب وبعض موظفي المشفى قبل أن يُعاد إلى الفرع 251 حيث تعرض أيضًا للضرب باستخدام أجسام. وظلّ تحت إمرة الفرع 251، على الرغم من أنه لم يبقَ معتقلًا فيه على الدوام. وترقى حالته إلى مصافّ حالة إلحاق أذى جسدي بشخص. كثيرًا ما تلقت P42 أوامر مفادها أن تتوجه إلى الفرع 251 وذلك بتاريخ 17 آذار/مارس، 2011. ورفضت بادئ الأمر، ثم توجّهت إلى الفرع في أوائل نيسان/أبريل لأول مرة. وبعد مرور بضعة أيام، تم اقتيادها إلى القبو حيث تعرضت للإساءة بضربها بخرطوم المياه، حالها كحال الأخريات. وأُجبرت على أن تُمضي تلك الليلة هناك. وتكرر حصول ذلك الإجراء أكثر من مرة. وعلى الرغم من كونها لم تُعتقل في الفرع لفترات زمنيّة طويلة، قاست ظروف الاعتقال السيئة، وتعرّضت للشتم، والضرب. وبوسعنا القول إن ذلك يرقى إلى مصافّ ارتكاب ثلاثة أفعال إلحاق أذى جسدي بشخص. وحصلت إحدى تلك الحالات أثناء التحقيق معها في القبو أول مرة، وكان بإمكانها أن تسرد تلك الواقعة بدقة في المحكمة. ولكن، لم يكن ممكنًا تحديد عدد المرات التي غادرَت فيها الفرع، وأُعيدت إليه. وبالتالي، وبما يصبّ في صالح المتهم، يسعنا القول بإن حالة إلحاق أذى جسدي بشخص قد حصلت قبل أن تُجبر الشاهدة على مكوث ليلة في الفرع، وتكرر الأمر عندما أُعيدت إلى الفرع. كما توصّل المدعيان العامان إلى أن P33 لم تتعرض لأذى جسدي، ولكنها قاست ظروف الاعتقال السيئة في الفرع، والتي تعد أذى جسديًّا بحد ذاتها.
الفرع 251 والحرمان الشديد للمعتقلين من حريتهم
أفاد المدعيان العامان أن قضاة المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس توصلوا في الحكم الصادر بتاريخ 24شباط/فبراير، 2021 إلى أن معتقلي الفرع 251 قد حُرموا من حريتهم بشكل شديد، وهو ما يشكّل جريمة ضد الإنسانية بموجب أحكام البند 9 من الفقرة 1 من المادة 7 من قانون الجرائم الدولية الألماني. واستمرّ ارتكاب أفعال الحرمان من الحرية حتى بعد كانون الثاني/يناير 2012 (أي نهاية مدة التوقيف في قضية إياد الغريب) وإلى نهاية مدة التوقيف في قضية أنور بتاريخ 7 كانون الأول/ديسمبر، 2012. وأكد ذلك عدد من الشهود الذين أدلوا بشهاداتهم قبل تاريخ 24شباط/فبراير، 2021وبعده. وعليه، أشار المدعيان العامان إلى الحُكم الذي سبق وأن أُصدر في هذا الشأن. وأشارا إلى أن ما ارتكبه النظام السوري من أفعال ذات صلة تستوفي معايير الفقرة 1 من المادة 239 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني [الحرمان من الحرية]، إلا أن أهمية هذا المعيار تصبح ثانوية لأغراض العمل بمبدأ الاتّساق. ولا ينطبق ذلك إلا على الجرائم الوحشية الجماعية، وليس من شأنه أن يوسّع نطاق الملاحقة القانونية. وخلص المدّعيان العامّان إلى أن هذا هو الحال بالنسبة لـ 14مدّعيًا. وفي حالة كل من P1 وP47، استوفت الجرائم المرتكبة بحقهما أركان جريمة احتجاز الرهائن المنصوص عليها في المادة 239(ب). وأضاف المدعيان العامان أن الحد الأدنى للعقوبة في تلك الحالتين قد يصل إلى 5 سنوات سجن (بموجب نصّ الفقرة 1 من المادة 239(ب) من قانون الإجراءات الجنائية الألماني) كونهما كلا الشاهدين قد تعرضا للإكراه أثناء الاعتقال. وبعد أن ألقي القبض على P1بغير وجه حق، اعتُقل في فرع الخطيب حيث تعرض فيه للتحقيق عددًا من المرات، ولسوء المعاملة، وما فيها من سوء المعاملة النفسية. وقال للمحكمة إنه كان في لحظة زمنية معينة على استعداد لأن يفعل أي شيء لتلافي ذلك الوضع. كما خضع P47 للتحقيق عددا من المرات، وأُعلم في المرة الثانية بأنه بالإمكان أن يُقتل برصاصة واحدة بكل سهولة إذا رفض أن يكون متعاونًا. وفي الحالتين، اختطف موظّفو الفرع الطرفين المدّعيين، واستخدموا وضعهما لإكراههما على إعطاء المعلومات، وبخلاف ذلك هددوهما بالقتل.
***
[استراحة لمدة 20 دقيقة]
***
الجرائم الجنسية
توصّل المدعيان العامان إلى أن حالة P1 تستوفي الشروط الواردة في البند 6 من الفقرة 1 من المادة 7 من قانون الجرائم الدولية الألماني "العنف الجنسي على أنه من الجرائم ضد الإنسانية". واستهلا الحديث بالقول إن موجبات سنّ قانون يتناول موضوع العنف الجنسي على أنه من الجرائم ضد الإنسانية تتعلق بإرساء قانون محلي ألماني يعكس الفقرة 1 (ز) من المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ورد في الوصف المتعلق بأركان الجرائمفي نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن أي إيلاج بدني يرتكب بحق شخص يشكّل جريمة اغتصاب التي تعدّ بدورها جريمة ضد الإنسانية في حال ارتُكبت ضمن هجوم منهجي وواسع النطاق. قال المدعيان العامان إن P1وصف بمصداقية كيف أن أحد السجانين قد أولَج عصا في دُبره أثناء التحقيق معه في إحدى المرات. ومما لا شك فيه أن تلك الواقعة هي جريمة اغتصاب تشكّل جريمة ضد الإنسانية، وفقًا لنصّ البند 6 من الفقرة 1 من المادة 7 من قانون الجرائم الدولية الألماني. كما يستوفي ذلك الفعل أركان جريمة الاغتصاب بموجب البند 1 من الفقرة 1 من البند 177، والبند 1 من الفقرة 2 من البند 177 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني (النص القديم)، ويتسّق ذلك المعيار مع المادة 7 من قانون الجرائم الدولية الألماني. ووفقًا للمدعيين العامين، تعد الأوصاف التي أوردها P1 من أشكال الاعتداء الجنسي على السجناء بموجب نصّ الفقرة 1 من المادة 174(أ) من قانون الإجراءات الجنائية الألماني (النص القديم) التي تصف بوضوح خضوع الضحية للجاني، وعجزها أمامه بعد تسليمها. وتوصّل المدعيان العامان إلى أن إيلاج عصا في دُبر P1 وهو معلّق من رسغيه يعدّ من أفعال الاعتداء الجنسي على السجناء.
اعتُقلت P19 مع أُخريات عددًا من المرات في فرع الخطيب في شباط/فبراير 2012، حيث تعرضت للاعتداء الجسدي على يد أحد السجانين الذي لمس ثدييها وهي معصوبة العينين. وبقيت P42 رهن الاعتقال مدة شهرين، مع السماح لها بمغادرة الفرع في تلك الفترة. ولكنها تعرضت للعنف نفسه، حالها في ذلك حال الأخريات. وشرع أحد السجانين ذات مرة بدفع رأسها في حجره عُنوةً. كما تعرضت للتعذيب بحضور أنور.
خلص المدعيان العامان إلى أن البند 6 من الفقرة 1 من المادة 7 من قانون الجرائم الدولية الألماني ينطبق على الحالات الآنفة الذكر كونها تستوفي أركان جُرم الإكراه الجنسي المنصوص عليها في البند 3 من الفقرة 1 من المادة 177 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني (النص القديم)، نظرًا لعجز المدعيات، فضلًا عن أنهن كنّ عرضةً لسلوكيات السجانين غير المنضبطة. وعلاوة على ذلك، فإن البند 1 من الفقرة 1 من المادة 177 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني (النسخة القديمة) ينطبق على الحالات السابقة أيضًا. وعلى النقيض من ذلك، يتسق كلا المعيارين مع البند 6 من الفقرة 1 من المادة 7 من قانون الجرائم الدولية الألماني. خلص المدعيان العامان إلى السجّان الذي عمل في سجن الفرع 251 قد ارتكب فعل الإكراه الجنسي الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية. وعليه، تنطبق أيضًا أركان جُرم الإكراه الجنسي ضد السجناء وفقًا لنص المادة 174(أ) من قانون الإجراءات الجنائية الألماني (النص القديم). ووفقًا للمدعيين العامين، لم يكن ممكنًا أن يتم الأخذ بأقوال P32 كونها انطوت على قدر من الغموض فيما يتعلق بوقت الفعل الجرمي، ومكان حصوله.
توصل المدعيان العامان أيضًا إلى أنه لم يكن ممكنًا أن يسري نص البند 6 من الفقرة 1 من المادة 7 من المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي على حالات تعرض المعتقلين للتعري القسري، وللإجراء الأمني المزعوم لحظة وصولهم إلى الفرع 251. وأوضحا أن المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي ظلّت محلّ تجاذب دائم بين أحكام القوانين الدولية والمحلية منذ أن دخلت حيز التنفيذ في العام 2001. وتعد المدونة بمفهومها العام قانونًا محليًّا ألمانيًّا، وتُفسّر بالتالي وفقًا لقواعد تفسير القوانين المحلية. ومع ذلك، تتطلب أحكام المادة 59 من الدستور الألماني توخي الاتّساق مع القانون الدولي في تفسير القوانين المحلية، وتطبيق الولاية القضائية العالمية المنصوص عليها في المادة 1 من المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي. بالتالي، لا بدّ من تطبيق المعاهدات الدولية، والقانون العرفي الدولي، ومبادئ القانون العامة عند تفسير المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي، وفقًا لنص الفقرة 1 من المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. سبق للمدعيين العامين وأن ذكرا أمر إعادة صياغة المادة 7 من المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي قياسًا على ما يشابهها من مواد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وبمقارنة المعيارين مع بعضهما البعض، نُلاحظ أن القانون المحلي الألماني لا يُصنّف "الاستعباد الجنسي" و"العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الجسامة" ضمن قائمة الجرائم الأساسية ضد الإنسانية، ولكنه يشير إلى "الإكراه الجنسي". وبناءً على تاريخ صياغة المعايير الألمانية المحلية، لا بدّ أن نقيّم إذا كان تعريض المعتقلين للتعري القسري، والإجراء الأمني يعدّ ضربًا من ضروب الإكراه الجنسي الذي يشمل بمفهومه الاستعباد الجنسي، والعنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة. لا ينطبق وصف الاستعباد الجنسي على هذه الحالة، لذلك، لا بدّ أن نحدد ما إذا كان السلوك الآنف الذكر يرقى إلى مصافّ عنف جنسي على مثل تلك الدرجة من الجسامة.
قال المدعيان العامان إنه من المسلم به أن المعتقلين لم ينزعوا ثيباهم طوعًا من تلقاء أنفسهم، حيث أن التعري الكامل ينطوي على كثير من الإهانة والإذلال. وفي معرض مقارنة درجة الجسامة للتعري القسري والإجراء الأمني بأوجه السلوك الآخر الواردة في البند 6 من الفقرة 1 من المادة 7 من المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي، لا يمكننا إغفال تبعاتهما الخطيرة على المعتقلين. وخلص المدعيان العامان إلى أن البند 6 من الفقرة 1 من المادة 7 من المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي ليس المعيار النافذ في سياق الاستجابة للحاجات القانونية والنفسية للمعتقلين الذين أُجبروا على التعري، والإجراء الأمني عقب وصولهم إلى الفرع 251. توصل المدعيان العامان إلى أن التعري القسري لم يُلحق أذى شديد الخطورة بسلامة المعتقلين الجسدية أو استقلاليتهم الجنسية، طالما لم تقترن بذلك أفعال من شأنها إلحاق الأذى بأجسادهم. وعلى الرغم من ذلك، فاقم تعرضهم للتعري القسري من شعورهم بالخزي والعار. وقالت جميع الشاهدات للمحكمة إنهن لم يتعرين إلا أمام مجموعة من النساء داخل غرفة، وإن موظفات من المشفى قد استدعين إلى الفرع لتفتيش المعتقلات وهن عاريات. ووفقًا للمدعيين العامين، خفف ذلك من إحساسهن بالخزي والعار، إلا أنه يثقُل عليهن التعري قسرًا أمام مجموعة كبيرة. كما أفاد المدعيان العامان أن أشكال العنف الجنسي الأخرى تنطوي على طائفة من التبعات الجسدية السلبية، من قبيل المرض، والحمل، وانتقال العدوى، بالإضافة إلى التبعات الاجتماعية. وعلاوة على ذلك، يتمتع عنصر الوقت بأهمية بالغة في تحديد ما إذا كان التعري القسري من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة. وبحسب المدعيين العامين، تزداد شدة العنف الجنسي بمرور الوقت عندما تستمر تبعات الفعل لمدة زمنية طويلة، وذلك هو الحال بالنسبة لحالات الحمل القسري على سبيل المثال. ولكن، لم يستغرق تفتيش أجساد المعتقلات وتعرّيهن بالتالي في الفرع 251 مدة طويلة، وسُمح لهن بارتداء ثيابهنّ عقب انتهاء التفتيش. ولا يجب أن نُغفل القصد من فعل العنف الجنسي المرتكب. دائمًا ما يكون عنصر الجنس بارزًا في حالات الإكراه على البغاء، والاغتصاب، والحمل القسري. ولكن، نادرًا ما كان ذلك هو القصد من وراء التعري القسري المُقترف في الفرع 251، إذ إنه يهدف إلى تفتيش أجساد المعتقلات فقط. وأكد الشهود P10، وP11، وP25 ذلك للمحكمة بقولهم إنه لم يتم لمس المعتقلين وهم عُراة، أو إنهم خضعوا للتفتيش بُغية التأكد من عدم حملهم أي أدوات. ووفقًا للمدعيين العامين، إن التفتيش الجسدي من الإجراءات الشائعة المتبعة من قبل أجهزة إنفاذ القوانين في أرجاء العالم. وتمتلك ولايات ألمانيا الاتحادية البالغ عددها 16 ولاية قوانين تسمح بتجريد السجناء الجدد من ثيابهم بهدف تفتيش أجسادهم وضمان أنهم لا يحملون أدوات خطرة معهم. وعليه، لا يعد تعري السجناء أثناء التفتيش الجسدي من ضروب العنف الجنسي التي هي على درجة من الخطورة، وفقًا للمدعيين العامين. ولا يعد ذلك أيضًا من ضروب الإكراه الجنسي الذي يندرج تحت أحكام البند 6 من الفقرة 1 من المادة 7 ضمن المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي.
أفاد المدّعيان العامّان أن ذلك الاستنتاج يتّسق مع أحكام القانون الدولي. وأشارا إلى إحدى القرارات الصادرة عن الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية لمحكمة "بمبا"، والتي لا يرقى بموجبها التعري القسري إلى مصافّ الجرائم الجنسية التي هي على درجة من الخطورة. ويُنظَر في المحاكم المخصصة للتعري القسري على أنه عنف جنسي فقط في الحالات التي يقترن فيها الحدث بأفعال أخرى من قبيل أمر الضحية باتّخاذ وضعية معينة أمام الرجال. ولكن، لا ينطبق ذلك على ما حصل في فرع الخطيب، بحسب المدعيين العامين. وخلُصا إلى أن تفسير البند 6 من الفقرة 1 من المادة 7 من المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي على نحو يتّسق مع القانون الدولي يحول دون اعتبار التعري القسري الذي حصل في فرع الخطيب على أنه عنف جنسي على درجة من الخطورة.
الاختفاء القسري للأشخاص
أضاف المدعيان العامان أنه لا ينطبق على الحالة أيضًا أركان الاختفاء القسري للأشخاص الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية (بموجب أحكام البند 7 من الفقرة 1 من المادة 7 من المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي). وأشارا إلى إفاداتهما في هذا الشأن، وكذلك إلى أقوال القضاة بتاريخ 13تشرين الأول/أكتوبر، 2021.
مساهمة المتّهم الجنائية في ارتكاب الفعل
الاشتراك في الجريمة
أفاد المدعيان العامان أن أنور ارتكب الجرائم المزعومة بالاشتراك بموجب أحكام الفقرة 2 من المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني. ودفعا بأن فروع أجهزة المخابرات السورية وسجونها أيضًا هي بناء رئيسيّ يضم عددًا كبيرًا من القائمين على إدامة أعماله، يشمل موظفين معنيين بشؤون الاعتقالات، والسجانين، وضباط التحقيق مثل إياد الغريب، وآخرين معنيين بأعمال إدارية مثل سعاة البريد، وموظفي قسم الأرشيف، والكادر الإداري. (بموجب أحكام الفقرة 2 من المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني) لم يشترك جميعهم بارتكاب الجرائم بكل تأكيد، وفقًا لما خلصت إليه محكمة العدل الاتحادية بألمانيا بتاريخ 6 حزيران/يونيو، 2019. إن كل من يشارك في الجريمة، ولديه العلم والدراية بالنتائج المترتبة على أفعال الجناة الآخرين يعدّ شريكًا فيها. لا يشترط وجود الشريك في مسرح الجريمة، أو مشاركته المباشرة في الفعل الجرمي الأساسي من عدمها، بل ما يهم هنا هو اتجاه نيته إلى تحقيق الواقعة الجرمية ووجود مصلحة شخصية له فيها، ونطاق مساهمته الجنائية فيها، ومدى قدرته على تبليغ الجريمة، ومدى تصميمه وإرادته.
ساق المدعيان العامان حججًا مفادها أن أنور تولى منصب رئيس قسم التحقيق في الفرع 251، وكانت لديه مصلحة شخصية خاصة في ارتكاب الجرائم المسندة إليه. وأراد أن تنجح عمليات قمع المظاهرات، وإلا سيخسر منصبه ووظيفته، ويتعرض للقمع نفسه. وعليه، تتلخص مصلحته الشخصية من ارتكاب تلك الجرائم في المحافظة على منصبه، ونفوذه، ونمط حياته. ووفقًا للمدعيين العامين، حاول أنور أن يرسم ملامح صورة تُظهره متعاطفا مع المعارضة، وقلقًا على مصير أسرته، ومتعذرًّا عليه أي حل آخر سوى البقاء في منصبه. [...] ولكن كان أنور مواليًا للنظام، على الرغم من كونه قد رفض ضرب المعتقلين بوحشية في بعض الحالات. وبحسب المدعيين العامين، لم يقتصر دوره في المشاركة في الجريمة على التدخل فيها والتحريض عليها وحسب. كان أنور رئيس قسم التحقيق في فرع الخطيب، وهو أحد فروع إدارة المخابرات العامة. ولذلك، كان مسؤولًا عن المعتقلين القابعين في السجن الكائن في قبو الفرع، ويعمل 30موظّفًا تحت إمرته، وكان هو محور إصدار الأوامر وتنفيذها. أورد ثلاثة من الشهود المطلعين على الشأن الداخلي بتفاصيل عن تسلسل القيادة في الفرع، حيث كان أنور ينفذ الأوامر، ويرفع تقارير بذلك حسب المطلوب. وبَرهن على موقفه كل من P55 الذي عمل معه أنور في الفرع 251، وعدد من الوثائق الممهورة بتوقيع المتّهم، فضلًا عن الوثائق التي عُرضت في المحكمة من قبل السيد كريس إنجيلز الذي يعمل مع لجنة العدالة والمحاسبة الدولية. أشار المدعيان العامان إلى أن أنور قد دفع بأنه تلقى الأوامر، وأن نطاق تصرفه كان محدودًا جدًّا. يضيق نطاق التصرف كلما تدنّت رتبة الشخص بكلّ تأكيد، ولكن يزيد نطاق تصرفه ومدى مساهمته كلّما علت رتبته. واتّضح للمدّعين العامين لاحقًا أن أنور قد كان الرجل الثاني في الفرع بعد توفيق يونس، وأن قيامه بالإفراج عن معتقلين بعينهم هو مثال على نطاق التصرف الواسع الذي تمتع به.
وعليه، خلص المدعيان العامان إلى أن أنور سهّل ارتكاب جميع تلك الجرائم. واتّخذ النظام السوري قراراته بناءً على المعلومات التي يتم جمعها من معتقلي فرع الخطيب. وبثّ الفرع الذي يعمل فيه أنور الخوفَ في نفوس المدنيين، حيث يعرف جميع سكّان دمشق فرع الخطيب، وسمعوا عن الأمور التي تحصل داخله. وبلغ خوف الأشخاص من الفرع مبلغًا اضطروا معه إلى العمل تحت غطاء من السرية. وفي النهاية، ليس أنور إلا رقمًا يمكن استبداله، حاله حال كل مَن يعمل مع الأنظمة المستبدة. وبحسب المدعيين العامين، لم يسمح أنور بأن يتم استبداله، حيث ظلّ على رأس عمله مدة 16 شهرًا، وأدّى وظيفته، وتمتع بامتيازات منصبه عقب بدء الثورة وما تبعها من ممارسات قمعية.
المسؤولية الموضوعية
قال المدعيان العامان إن تحقّق مسؤولية أنور الجزائية عن الجرائم المرتكبة في الفرع لا يستلزم إعطاء أوامر بارتكاب كل واقعة بعينها، أو معرفته بكل فعل جُرمي ارتُكب في الفرع، من قبيل احتجاز الرهائن، أو العنف الجنسي، وما إلى ذلك. ووفقًا لدائرة الاستئناف المنعقدة في المحكمة الدولية الجنائية ليوغسلافيا السابقة، تنشأ المسؤولية الجزائية عندما يكون المرء على وعي ودراية بأن ارتكاب جرائم معينة تحقق هدفًا ما. وبحسب المدعيين العامين، يمكننا أن نفترض أن ذلك ينطبق على حالة أنور، حيث إنه على درايةٍ بالهجوم المنهجي والواسع النطاق الذي شاركت أجهزة المخابرات في شنّه ضد السكان المدنيين، والذي اتّسم باستخدام التعذيب والعنف الجنسي، على الرغم من أن الأسلوب الأخير لم يُستَخدم على نحو منهجي في فرع الخطيب.
القصد الجرمي
أفاد أنور شخصيا أنه كان على دراية بالظروف والأوضاع العامة في الفرع. وأخبر مكتب الشرطة الاتحادية لولاية برلين أن نطاق عمله لم ينحصر في غرف التحقيق، وإنما شمل منطقة السجن حيث كان يشاهد تعرض أشخاص للتعذيب هناك، وسمع صرخاتهم. كما كان على علم بوفاة المعتقلين بسبب ظروف الفرع التي تهدد فرص بقائهم على قيد الحياة. ليس في السوابق القضائية الحالية الصادرة عن محكمة العدل الاتحادية بألمانيا أي مبرر قانوني ينطبق على قضية أنور.
الإقرار بالذنب
بحسب المدعيين العامين، لا شك في أن المتهم يقرّ بذنبه. ووفقًا لأحكام المادة 35 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني، ليس له أن يستخدم حجة الضرورة للدفاع عن نفسه. كان بإمكان أنور أن ينشق عقب بداية الثورة فورًا، كما كان بإمكانه اغتنام الكثير من الفرص التي أُتيحت له العام 2011، وأوائل العام 2012. وتواصل مع الجيش السوري الحر على إثر اختطاف صهره، وكان بوسعه أن يطلب منهم المساعدة في ترتيب انشقاقه وهربه. ولكنه آثر ألا يفعل ذلك مع ازدياد الأوضاع تعقيدًا وإرباكًا في البلاد. وهرب آلاف الضباط وموظفي النظام أثناء تلك الفترات. قد نتّفهم من وجهة نظر إنسانية حجة أنور في عدم رغبته بترك أسرته وراءه، ولكن، تنص السوابق القضائية الصادرة عن محكمة العدل الاتحادية بألمانيا على أنه بوسعه أن يغادر تاركًا أسرته وراءه لا سيما وأنه ضالع بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ذكر المدعيان العامان أن أنور عمد إلى رسم صورة يُظهر فيها رغبته بالانشقاق في نهاية العام 2011عقب اختطاف صهره من قبل الجيش السوري الحر، وإطلاق النار على ابنه، وذلك بناءً على الحقائق الموضوعية، وما ورد في إفاداته. ولكن المذبحة في الحولة حصلت بتاريخ 25 أيار/مايو 2012. وتزايد بعدها الضغط على أنور بصورة كبيرة، إلى حد منعه من البقاء في منصبه. أكد إياد الغريب وشهود آخرون أن ذلك هو السبب الفعلي وراء انشقاق أنور. وأخبر أنور مكتب الشرطة الاتحادية لولاية بادن-فورتمبرغ بتاريخ 16تشرين الأول/أكتوبر 2017 أن السبب الوحيد وراء انشقاقه كان ذا طابع اجتماعي. وينحدر أصله من المنطقة المحيطة بحمص، والتي قُتل فيها الكثير من الأشخاص وفيهم أقاربه وجيرانه، واتُّهم بقتل عدد من ضباط النظام، على الرغم من المنصب الذي شغله في أجهزة المخابرات. وقال المدعيان العامان إن ضابط الشرطة الذي أجرى التحقيق ذا الصلة بالموضوع مع أنور قد عرض إفاداته التي أدلى بها أثناء تلك المقابلة. ووفقًا لكريستوف رويتر، حصلت المذبحة في الحولة في وقت كان النظام السوري فيه على وشك الانهيار، أي عندما شرع كثير من كبار ضباط الجيش، بمنهم ضباط من عائلة طلاس، بالفرار من سوريا إلى الأردن. وأقرّ P56 بأنه انشق رفقة أنور في وقت متأخر جدًّا، عندما كان الجيش السوري الحر على أبواب مدينة دمشق. وأراد أنور أن يكون على الجانب الصحيح من التاريخ، فلم يغادر إلى الأردن إلا بعد أن استقرت أوضاع النظام والبلاد مجددًّا. وعليه، خلص المدّعيان العامان إلى أن أنور لم يكن قادرًا على الانشقاق في وقت سابق هو قول لا أساس له من الصحة.
الاختصاصات المتعلقة بجرائم القتل، والحرمان من الحرية، والعنف الجنسي
دفع المدعيان العامان بأنه بالنظر إلى السوابق القضائية الصادرة عن محكمة العدل الاتحادية، يتّضح أن الجرائم ضد الإنسانية عادةً ما تتألف من عدة أفعال جرمية. ويُنظر إلى تلك الأفعال على أنها وحدة واحدة عند تقييمها في ضوء الروابط الوقائعية، والزمنية، والمحلية. وفيما يتعلق بالروابط في هذه القضية، يتّضح أن النظام السوري أصدر أوامر بشن هجوم منهجي وواسع النطاق من خلال أعمال عنف تقودها الدولة بتاريخ 29 نيسان/أبريل 2011 على أقصى تقدير. واستمرّ ذلك الهجوم طيلة مدة التوقيف، وحتى بعد انتهائها. وارتُكبت جميع الجرائم المسندة إلى المتهم في الفرع 251، والمشفى الخاضع لسيطرة الفرع. وكانت آلة التعذيب والقتل تدور بشكل مستمر في أروقة الفرع 251. ولم يتم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وحسب، لا وبل أُلحق الأذى الجسدي بالطرف المدّعي في هذه القضية. ونشأ ذلك الأذى من استمرار نفس الظروف بشكل عام داخل الفرع. كما دفع المدعيان العامان بأن اشتراك أنور المباشر في إلحاق الأذى الجسدي بالأشخاص يعد غير ذي صلة بالموضوع، ولكن، ومن الأهمية بمكان في هذا المقام أن أنور كان مسؤولًا عن النظام المعتمد في الفرع، والذي تسبب في الأذى الجسدي للمعتقلين. ووفقًا للمدعيين العامين، تعرض المعتقلون لسوء المعاملة بشكر مستمر مما قيّد حريتهم. وخلص المدعيان العامان إلى أن أفعال الأذى الجسدي الخطير التي ارتكبت باستخدام أدوات أو أجسام بحق كل مدّعٍ في هذه القضية بالاشتراك تعد جميعها جريمة واحدة تندرج تحت المادة 7 ضمن المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي.
إصدار الحكم
توصل المدعيان العامان إلى أنه يجب إصدار الحكم عملًا بأحكام الفقرة 1 من المادة 7 من المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي، والمادة 211 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني، واللتان تنصان على القضاء بعقوبة السجن مدى الحياة. وينبغي تجاهل الحد الأدنى من العقوبة المنصوص عليه في تلك المادتين، وفقًا للمدعيين العامين. لا تنص أحكام المادة 211 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني على جرائم أخرى أكثر جسامة، ولا تنطبق على هذه القضية كذلك موجبات تخفيف العقوبة الأخرى. وعليه، طالب المدعيان العامان بالحكم بعقوبة السجن مدى الحياة على المتّهم أنور. وعلاوة على ذلك، طلبا من المحكمة أن تُظهر جسامة الذنب المرتكب على نحو خاص وفقًا لنص البند 2 من الفقرة 1 من المادة 57-أ من الفصل 1 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني [بمعنى أنه لا يمكن الحكم بوقف تنفيذ العقوبة بعد مضيّ 15 سنة].
العوامل المخففة
توصل المدعيان العامان إلى عدم إغفال حقيقة أن المتهم لم يرتكب جرائم في ألمانيا، وهو ما يُحسب لصالحه، وأنه قد أدلى باعتراف جزئي على الأقل في ضوء تقييم السياق الكلي، ووفقًا لأحكام الفقرة 1 من المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني. وأشارا إلى أن المحكمة علمت أن أنور ساعد معتقلين بعينهم على تفادي التعرض للتعذيب الجسيم، ومنحهم معاملة مميزة. ولا بدّ أن نأخذ في الاعتبار أن مساعدة أنور لأولئك الأشخاص لم تكن بدافع من الإيثار، حيث ساعد المعتقلين من الممثلين والممثلات بسبب تفضيله الشخصي للفنانين عمومًا. كما توصل المدعيان العامان إلى أن البيانات المقدمة إلى المحكمة تشير إلى أن أنور محقق مختص، وأبدى عدم توافقه مع أفعال النظام اعتبارًا من آذار/مارس 2011 فقط، كون التوسع في استخدام العنف أعاق عمله كمحقق، واقتصر اعتراضه على الحالات التي منع التعذيب فيها إجراء التحقيق مع المعتقلين على سبيل المثال. ولا يعد تسلسل القيادة من العوامل المخففة. من المؤكد أن نطاق تصرف ضباط الأجهزة كان ضيقا، ولكنه التحق بصفوف أجهزة المخابرات طوعيًّا على الرغم من أن كيفية عملها في البلاد أمر معروف منذ وقت طويل.
العوامل المشدِدة
اتّضح للمدعيين العامين أن 30شخصا قد توفوا في ضوء الظروف السائدة الفرع 251، وليس شخصًا واحدًا فقط. وتُظهر وفاة أولئك الأشخاص جسامة الجرم على نحو خاص. ونظرًا لاستيفاء الشروط الواردة في المادة 211 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني، والفقرة 1 من المادة 7 من المدونة الألمانية للجرائم بموجب القانون الدولي، ينبغي أن يحكم على المتهم بعقوبة السجن مدى الحياة مرتين، مع الإشارة إلى أنه لا يمكن الجمع بينهما. تعرّض ما لا يقل عن 4,000 متهم للتعذيب، والحرمان من الحرية. وعانوا جميعًا من التعذيب، وهو ما يغلّظ الجريمة المرتكبة. اشترك أنور في جرائم القتل والتعذيب، وواصل عمله مدة 16 شهرًا في الفرع حيث حصلت تلك الجرائم. واستمرّ في عمله ضمن ذلك "النظام المجرم الجبان".
وعليه، لا بدّ من إظهار جسامة الجرم المرتكب على نحو خاص. طلب المدعيان العامان من القضاة أن يدينوا أنور بالاشتراك في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قتل، وتعذيب، واغتصاب وحرمان من الحرية، بالإضافة إلى القتل العمد في 30 حالة، وإلحاق الأذى الجسدي الخطير بحق 26 حالة، والحرمان الشديد من الحرية في حالتين، واحتجاز الرهائن في حالتين، والاعتداء الجنسي في ثلاث حالات. وطالب المدعيان العامان بالحكم على أنور بالسجن مدى الحياة. كما طلبا من القضاة أن يُبقوا مذكرة الاعتقال الصادرة بحق أنور سارية المفعول، نظرًا لوجود مخاطر متعلقة باحتمال فراره.
شكرت القاضي كيربر رئيسة المحكمة مترجمي المحكمة الشفويين على جهودهم في ترجمة البيانات الختامية للمدعيين العامان، وذلك قبيل رفع جلسة المحاكمة لهذا اليوم.
رُفعت الجلسة في تمام الساعة 4:00 عصرًا.
ستُستأنف جلسات المحاكمة في تمام الساعة 9:30 من صباح يوم 8 كانون الأول/ديسمبر، 2021.
[1] في هذا التقرير، [المعلومات الموجودة بين قوسين معقوفين هي ملاحظات من مراقب المحكمة الخاص بنا] و"المعلومات الواردة بين علامتي اقتباس هي أقوال أدلى بها الشهود، أو القضاة، أو المحامون". يرجى العلم بأنه لا يُقصد من هذا التقرير أن يكن محضرا لجلسات المحاكمة، وإنما هو مجرد ملخص غير رسمي للمرافعات. وحُجبت أسماء الشهود.