هل تتكرر تجربة أفغانستان في سوريا
لا تزال أفغانستان في أزمة مع الضحايا الذين يعانون من هجمات داعش خراسان على المدنيين والجنود الأمريكيين في مطار كابول حتى وقت كتابة هذه السطور. وهناك جهود كبيرة جارية لإجلاء المواطنين الأمريكيين وكذلك الأفغان الذين كانت مساعدتهم مهمة في تسهيل الجهود الأمريكية في بناء الدولة. وعلى الرغم من التغييرات القادمة وغير المؤكدة، فقد فرض الواقع المزعج لسيطرة طالبان على الأفغان التحلي بالصمود الذي لطالما اشتهروا به. وبغض النظر عن التعاطف الذي أعرب عنه المجتمع الدولي تجاه الأفغان في الأسابيع القليلة الماضية، فقد كانت الحكومات سريعة جداً في وضع استراتيجيات لتجاوز التزاماتها القانونية الدولية وفي نفس الوقت كانت بطيئة جداً في تصحيح الضرر الذي تسببت فيه، فيجب أن يتركز الاهتمام على تقليل أضرار الانسحاب الأمريكي وعلى حماية الأفغان الأبرياء الذين قد يتم استهدافهم بسبب صِلاتهم بالبعثة العسكرية الأمريكية.
كما وتستدعي الأحداث الأخيرة أن نتوقف لحظة للتفكير على نطاق أوسع، فالوضع في أفغانستان يعكس دوامة العنف السائدة في جميع أنحاء جنوب الكرة الأرضية، بما في ذلك في سوريا التي تسبب التدخل الأجنبي فيها والاستراتيجيات السياسية المتغيرة في إحداث فوضى في حياة المدنيين. وبناءً على ذلك يجب تسليط الضوء على الدروس المستفادة من أنماط العنف الشائعة ويجب على الدول أن تنظر في كيفية تجنب تداعيات القرارت التي اتخذتها في أفغانستان في الحالة السورية بدءاً من قضايا الهجرة وجبر الضرر.
الهجرة
قامت الولايات المتحدة وشركاؤها بإجلاء آلاف الأفغان النازحين داخلياً. وتم ربط أولئك الذين تم اختيارهم للإجلاء بتأشيرات الهجرة الخاصة الممنوحة من قبل وزارة الخارجية للأفراد الذين تم توظيفهم من قبل أو نيابة عن حكومة الولايات المتحدة (اعتباراً من حزيران/يونيو 2021، هاجر ما يقرب من 77,000 أفغاني إلى الولايات المتحدة بتأشيرات الهجرة الخاصة). كما واستقل العديد من حاملي هذه التأشيرات طائرات مستأجرة وطائرات عسكرية متجهة إلى دول الخليج التي وافقت على العمل كمواقع لمعالجة طلبات الهجرة للأفغان العابرين إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك قاعدة العديد الجوية في قطر. والجدير بالذكر أن دول الخليج أبدت صراحة عدم اهتمامها باستضافة اللاجئين الأفغان إلى أجل غير مسمى. وتم نقل لاجئين آخرين إلى أوروبا أو مباشرة إلى الولايات المتحدة.
مما لا شك فيه أن إعادة توطين حاملي تأشيرات الهجرة الخاصة أمر بالغ الأهمية نظراً لخوفهم المبرر من الاضطهاد الناجم عن انتسابهم إلى الولايات المتحدة أثناء إقامتهم في أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان. وعلى المستوى المحلي سيُطلب من منظمات المجتمع المدني سد الثغرات في الخدمة وتقديم الدعم اللازم للاجئين بشكل سريع للتأقلم مع حياتهم الجديدة في الولايات المتحدة بدءاً من تعليم اللغة إلى الدعم النفسي والاجتماعي تماماً كما فعلت عند تدفق اللاجئين العراقيين بعد عام 2007. ومن الطبيعي أن يكون هذا صعباً نظراً لمغادرة اللاجئين المفاجئة ولأن العديد من الأشخاص لم يتمكنوا من تأمين النقود قبل المغادرة كما وقد كانوا أقل استعداداً من الناحية العاطفية.
وأما بالنسبة لغالبية الأفغان الذين لا تنطبق عليهم خيارات الهجرة الخاصة فإن الطريق إلى اللجوء مسدود. فبعد ساعات فقط من تداول لقطات مقلقة لأفغان يحاولون الفرار من مطار كابول من قبل الصحافة الدولية، ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطاباً متلفزاً أكّد خلاله على ضرورة قيام فرنسا “بتوقع وحماية نفسها من موجة [الأفغان] المهاجرين”. وردد وزير الهجرة اليوناني، نوتيس ميتاراشي كلمات الرئيس الفرنسي مشيراً إلى أننا “[نحن] لن نكون ولا يمكن أن نكون بوابة أوروبا للاجئين والمهاجرين الذين يمكنهم محاولة القدوم إلى الاتحاد الأوروبي… لا يمكننا استقبال الملايين من الأشخاص الذين يغادرون أفغانستان ويأتون إلى الاتحاد الأوروبي… وبالتأكيد ليس من خلال اليونان”. ببساطة، تستعد الدول الأوروبية بالفعل لمنع تدفق الأفغان إلى حدودها خوفاً من تكرار عام 2015 على الرغم من حقيقة أن جيران أفغانستان جعلوا الفرار شبه مستحيل.
وتوضّح الفوضى الحالية في أفغانستان ما يمكن أن يحدث في سوريا إذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب كما فعلت تقريباً في تشرين الأول/أكتوبر 2019. وبصرف النظر عن الاحتمال الواضح لعودة داعش إلى الظهور، لا يتمتع جيران سوريا ولا نظراؤهم الأوروبيون بالإرادة السياسية أو الدعم الشعبي لإدارة التدفق المحتوم للاجئين والذين قد نزح الكثير منهم عدة مرات. ومما يزيد الأمور تعقيداً أن الكونجرس لم يوافق بعد على برنامج تأشيرة الهجرة الخاصة للسوريين الذين عملوا لصالح التحالف أو بالنيابة عنه كما اقترح المركز السوري للعدالة والمساءلة في عام 2019. وفي حالة انسحاب الجيش فمن المفترض أن يُترك هؤلاء الأشخاص لتدبّر أمورهم بأنفسهم وسط فراغ من العنف.
وبالتالي، يجب على الكونجرس تعديل قانون تفويض الدفاع الوطني ليشمل برنامج تأشيرة الهجرة الخاصة السوري الذي يعمل على تمكين الأفراد وعائلاتهم الذين دعموا الجيش الأمريكي أو البعثات الإنسانية أو المنظمات غير الحكومية الأمريكية منذ عام 2014. كما ويجب منح أحقية الحصول على هذه التأشيرة للمترجمين والمترجمين الفوريين والجنود والمستشارين وغيرهم ممن تعرضت حياتهم للتهديد بسبب دعمهم للبعثة الأمريكية لهزيمة داعش. ومع أأخذ العوائق التي تحول دون الوصول إلى البرنامج الأفغاني في الاعتبار، يجب أن يكون البرنامج السوري متاحاً على نطاق واسع ويجب أن يتم الإعلان عنه جيداً وأن يتضمن تعديلات تتجاوز المدفوعات النقدية آخذين بعين الاعتبار العوائق التي تحول دون الوصول إلى البرنامج السوري. علاوة على ذلك، يجب منح تأشيرات B-2 المخصصة لأغراض السياحة للأفراد الذين يعانون من مخاوف صحية خطيرة بسبب دعمهم لبعثة الولايات المتحدة لهزيمة داعش إضافة إلى المدنيين المتضررين بسبب هذه البعثة. ويجب أن يستفيد اللاجئون عند وصولهم إلى الولايات المتحدة من برامج الإدماج التي تساعد الوافدين الجدد على الاندماج في حياتهم الجديدة.
جبر الضرر
طورت الولايات المتحدة برامج لجبر الضرر لضحايا العمليات العسكرية الأمريكية خلال حربي أفغانستان والعراق. ويُقصَد بجبر الضرر “تقديم المساعدة و/أو الاعتراف بالمدنيين الذين تضرروا في الحرب بسبب وجود الجهات المسلحة والأنشطة والعمليات التي قامت بها”. ويمكن أن تتخذ التعديلات أشكالاً مختلفة بدءاً من الدفعات المالية إلى المساعدة المادية إلى تقديم اعتذار رسمي. ومع ذلك فهي لا تشكل اعترافاً بالخطأ، فهي ببساطة تهدف إلى “التعبير عن الندم والاعتراف بفاعلية الضحايا المدنيين وكرامتهم”.
وأنشأت الولايات المتحدة برنامجين لجبر الضرر في أفغانستان: الأول هو برنامج المساعدة المقدمة للمدنيين في تخفيف حدة النزاعات والممول من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ويقدم هذا البرنامج مساعدات غذائية وطبية طارئة غير نقدية للضحايا، والثاني هو برنامج المبالغ المدفوعة على سبيل الهبة من خلال الجيش والذي يقدم تعويضات للأفراد الذين قتلوا أو أصيبوا أو تضررت ممتلكاتهم خلال العمليات العسكرية. لكن محدودية الوصول جعلت آلاف الأفغان يتكيفون مع مصاعبهم دون الاعتراف أو الدعم المناسبين. فعلى سبيل المثال، وجد مركز ضحايا النزاع أن برنامج المساعدة المقدمة للمدنيين في تخفيف حدة النزاعات مقصور فقط على الأفغان الذين يمكنهم السفر إلى مراكز المقاطعات لتقديم الطلبات. ووجدت أيضاً أن العديد من المدنيين لا يعرفون كيفية التقدم بطلب لبرنامج المبالغ المدفوعة من قبل الجيش على سبيل الهبة أو أن أياً من البرنامجين موجود.
ومع ذلك وبغض النظر عن العيوب اللوجستية، فإن إنشاء برنامج لجبر الضرر في أفغانستان جدير بالثناء ويجب أن يتم نقله إلى سوريا حيث اعترفت الولايات المتحدة بمسؤوليتها عن وفيات المدنيين والإصابات والأضرار بالممتلكات لكنها لم تضع بعد برنامجاً لجبر الضرر يتجاوز تعويضات المواساة التي نادراً ما تُمنح. ويجب نقل مثل هذا البرنامج على الرغم من القيود الإقليمية التي عمل فيها التحالف ومجموعة الخيارات غير المالية للتخفيف من المصاعب الناتجة عن الإجراءات التي قام بها التحالف. وبشكل أكثر تحديداً يجب على الولايات المتحدة إنشاء برنامج لجبر الضرر في الشمال الشرقي تنفذه وزارة الخارجية الأمريكية والذي يوفر دعماً مستهدفاً لأولئك الذين أصيبوا أو فقدوا أحد أفراد أسرتهم خلال الضربات الجوية الأمريكية، فضلاً عن الدعم على مستوى المجتمع للمساعدة في التعامل مع أعقاب الدمار الذي سببته الغارات الجوية التي شنّها التحالف.
الخاتمة
إذا كانت أفغانستان بمثابة المكان التاريخي الذي” تذهب الإمبراطوريات إليه للموت”، فيجب أن تكون الآن المكان الذي يلهم المحادثات حول السياسة الاستبدادية والهيمنة والاستشراق، فعواقب هذه المفاهيم واضحة للغاية ولا ينبغي تجاهلها. وعلاوة على ذلك يجب تطبيق الدروس المستفادة من المجتمع الدولي في أفغانستان على النزاعات الأخرى عند الاقتضاء، كما هو الحال في سوريا التي لا يزال فيها المدنيون يعانون في السنة العاشرة من النزاع. والأهم من ذلك يجب على الدول أن تنظر بشكل استباقي في العواقب الإنسانية لأعمالها قبل التنفيذ وأن تكون على استعداد لتصحيح الضرر اللاحق.
______________________________________________
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والملاحظات، يُرجى التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected] ومتابعتنا على الفيسبوك وتويتر. ويرجى الاشتراك في النشرة الإخبارية الصادرة عن المركز السوري للحصول على تحديثات حول عملنا.