لماذا يجب على الولايات المتحدة توسيع العقوبات إلى شمال سوريا
يمثّل فرض العقوبات الأميركية الأخيرة على فصيل “أحرار الشرقية” المسلح المدعوم من تركيا خطوة إلى الأمام في حماية حقوق الإنسان في شمال سوريا. حيث تُظهر ردود الفعل على العقوبات من قبل أعضاء أحرار الشرقية وحلفائها أن إدراجها على قائمة العقوبات قد يكون أداة قوية لتغيير السلوك. يجب على الولايات المتحدة توسيع العقوبات وفقاً لذلك لتشمل الجماعات المسلحة الأخرى التي ترتكب الانتهاكات في المنطقة دون عقاب، بما في ذلك فصائل الجيش الوطني السوري مثل لواء السلطان سليمان شاه. وينبغي أن تقترن هذه العقوبات بضغط دبلوماسي لمقاومة محاولات تطبيع الاحتلال التركي لشمال غرب سوريا.
توسيع العقوبات إلى شمال سوريا
الصورة لـ: وكالة الفرات للأنباء . رئيس الإئتلاف الوطني في لقاء مع أبو حاتم شقرا، قائد فصيل أحرار الشرقية المعاقب أميركياً
في بيان رسمي صدر الشهر الماضي، أوضح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية أنه استهدف أحرار الشرقية لأن الجماعة “ارتكبت العديد من الجرائم ضد المدنيين، لا سيما الأكراد السوريين، بما في ذلك القتل غير المشروع، والاختطاف، والتعذيب، ومصادرة الممتلكات الخاصة”. وفي حين أن هذا الإعلان، الذي يفرض عقوبات على مجموعة لديها القليل من الأصول المالية في متناول النظام المالي الأميركي لمعاقبتها أو حجزها، قد يبدو رمزياً إلى حد كبير، فقد أثار القرار خوفاً حقيقياً بين الجماعات المسلحة الأخرى في شمال سوريا، مما يشير إلى أن العقوبات يمكن أن تكون أداة قوية للحد من استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة. وكمثال واحد فقط، في آذار/مارس من هذا العام، وسط دعوات لفرض عقوبات على جماعات مسلحة في الشمال، اتصل متحدث باسم إحدى الجماعات المسلحة الرئيسية مع المركز السوري للعدالة والمساءلة لشرح تصرفات الجماعة والتعهد بالعمل على مسائل حقوق الإنسان. وكان المركز السوري للعدالة والمساءلة قد ذكر اسم هذه الجماعة في تقريره بشأن التجنيد الاستغلالي للمرتزقة. وفي حين أن المركز السوري للعدالة والمساءلة لم يتواصل مع المتحدث الرسمي بعد ذلك، وليس لديه دليل على وجود أي تغيير سلوكي، فمن الواضح أن قيادة هذه الجماعة كانت تتابع النقاش الدائر حول العقوبات عن كثب، وتحرص على تجنب إدراجها على القائمة.
ينبغي على الولايات المتحدة استخدام ورقة الضغط هذه بشكل أكبر من خلال استهداف فصائل الجيش الوطني السوري، لا سيما تلك التي اتّهمها مسؤولو الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان مثل التعذيب والسلب والاعتقال التعسفي. وأظهرت تحقيقات أجرتها مؤخراً منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة أن مقاتلي داعش السابقين ينضمون الآن إلى العديد من الجماعات التابعة للجيش الوطني السوري. وعلاوة على ذلك، قام المركز السوري للعدالة والمساءلة، بالتعاون مع سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بتوثيق الأساليب الاستغلالية التي قام الجيش الوطني السوري من خلالها بتجنيد النازحين والأطفال للقتال كمرتزقة خارج البلد بينما يقوم بالاحتيال على عائلاتهم. وفي ضوء تلك الانتهاكات، يواصل المركز السوري للعدالة والمساءلة الدعوة إلى فرض عقوبات على قادة فصائل الجيش الوطني السوري مثل محمد الجاسم (المعروف محلياً باسم أبو عمشة، قائد لواء السلطان سليمان شاه). وقد تشكل العقوبات المالية تهديداً خاصاً للجاسم، الذي أسس ممتلكات واسعة النطاق في تركيا على أساس سياسات الابتزاز التي ينتهجها الجيش الوطني السوري في عفرين.
وعلى الرغم من الرقابة العامة المتزايدة على الجرائم في الشمال الشرقي، قامت قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية (الائتلاف) مؤخراً برحلات متعددة إلى شمال سوريا المحتل من قبل تركيا، بما في ذلك رحلة قام بها مؤخراً رئيس الائتلاف سالم المسلط، حيث التقى بالملقب أبو عمشة المتهم بارتكاب جرائم خطيرة، بما في ذلك العنف الجنسي والنهب. وظهر المسلط في مقطع فيديو وهو يزور ويدعم “أبو حاتم شقرا” قائد أحرار الشرقية الذي تم إدراجه على قائمة العقوبات. إن مثل هذه الزيارات لا تدعم الأفراد الخاضعين للعقوبات وتضفي مصداقية على الميليشيات الإجرامية الفردية العاملة في هذه المنطقة فحسب، ولكن تدعم أيضاً الاحتلال التركي الذي يسمح بذلك. وفقاً لذلك، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها النظر في فرض عقوبات أو تكتيكات ضغط أخرى تستهدف قادة المعارضة السورية السياسيين الذين يتعاونون مع قادة الميليشيات هؤلاء ويرفعون من شأنهم.
إدارة التوترات العربية الكردية
لم يكن من المستغرب أن يلقى الإدراج ردود فعل متباينة على أسس سياسية وعرقية. حيث أشاد مجلس سوريا الديمقراطية، الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والتي تحكم شمال شرق سوريا، بهذه الخطوة باعتبارها تبعث برسالة إلى الجماعات المسلحة الأخرى التي تتصرف بحصانة في شمال سوريا وتحقق شكلاً صغيراً من العدالة للسياسية الكردية السورية المغدورة هفرين خلف. ومع ذلك، انتقدت بعض الجهات الفاعلة في شمال سوريا بشدة قرار مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ووصفته بأنه غير عادل وانعكاس للتحيز في سياسة الحكومة الأميركية. وبعد وقت قصير من الإعلان، أصدر مجلس القبائل والعشائر السورية بياناً يُدين الحكومة الأميركية بزعم تشويه السمعة التي حظيت بها أحرار الشرقية في قتال كل من القوات الحكومية السورية والوحدات العسكرية الكردية “الإرهابية” التي تتألف منها قوات سوريا الديمقراطية. وفي مسيرات في تل أبيض، حمل المتظاهرون لافتات تندد بقيام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بإدراج أحرار الشرقية على أنه قرار جائر وغير مبرر. وفي تغريدة له على تويتر، أشار الرئيس السياسي لأحد الفصائل في الجيش الوطني السوري، مصطفى سيجري، إلى أن العقوبات تعكس مشاعر مؤيدة للأكراد من جانب الحكومة الأميركية، ولا تستند إلى تقييم موثوق لحالة حقوق الإنسان في شمال سوريا.
غير أن هذا الاحتجاج هو تقييم غير دقيق لمدى الجرائم التي تُرتكب في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية والرد الأميركي. حيث تم الإبلاغ باستمرار عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في شمال سوريا، ليس فقط من قبل المنظمات غير الحكومية المستقلة، ولكن أيضاً من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، لم يقتصر نقد الولايات المتحدة بشأن الجرائم المرتكبة في الشمال الغربي فحسب، بل استخدمت أيضاً نفوذها في شمال شرق سوريا للاحتجاج على الاعتقالات التعسفية والتعذيب المزعوم للنشطاء من قبل قوات سوريا الديمقراطية. ويعتبر هذا الإدراج لأحرار الشرقية انعكاساً دقيقاً للجرائم التي تُرتكب داخل البلد، ويجب على الولايات المتحدة الآن أن تذهب إلى أبعد من ذلك، من خلال توسيع العقوبات لتشمل جماعات مسلحة أخرى في المنطقة.
______________________________________________
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والملاحظات، يُرجى التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected] ومتابعتنا على الفيسبوك وتويتر. ويرجى الاشتراك في النشرة الإخبارية الصادرة عن المركز السوري للحصول على تحديثات حول عملنا.