1 min read
هل سوريا بحاجة إلى آلية تابعة للأمم المتحدة بشأن الأشخاص المفقودين؟

هل سوريا بحاجة إلى آلية تابعة للأمم المتحدة بشأن الأشخاص المفقودين؟

في شباط/فبراير من هذا العام، قام تحالف من منظمات سورية بقيادة الناجين وعائلات المفقودين في سوريا بإصدار ميثاق الحقيقة والعدالة الجديد، حيث وضعوا رؤيتهم لسلام عادل. وكان المطلب الأول في الوثيقة هو “الإفراج الفوري عن المعتقلين والكشف عن مصير المختفين/المغيّبين قسراً”. وتطالب الوثيقة بوجوب السماح “للهيئات الدولية المحايدة” بالوصول إلى مراكز الاحتجاز لكشف حقيقة ما يجري بالتعاون مع الضحايا والناجين وأفراد عائلاتهم.

في أيار/مايو، قام نفس التحالف، المعروف الآن باسم مجموعة الميثاق، بالتوسع في هذا المطلب من خلال إصدار ورقة بحثية بالتعاون مع باحث مستقل، جيريمي ساركين، تضع خطة لآلية دولية مستقلة للتحقيق في مصير المفقودين في سوريا. وذكرت المنظمات المشاركة أنها تدرك صعوبة تحقيق المساءلة، لذا فهي تعطي الأولوية لمعرفة الحقيقة عن مصير أحبائها. ويعكس منح الأولوية للحقيقة على حساب المساءلة مستوى الإحباط بين العائلات بسبب عدم إحراز تقدّم على صعيد المساءلة ويعكس ذلك تفضيلات العديد من عائلات الأشخاص المفقودين في جميع أنحاء العالم. وينبغي أن يقود هذا التفضيل السياسة الدولية بشأن هذه القضية. ولكن ليس من الواضح ما إذا كان إنشاء آلية هو أفضل طريقة لإحراز تقدم في هذا الملف.

محدّدات وتحديات آلية الأشخاص المفقودين

يمكن لآلية دولية تركّز على الأشخاص المفقودين أن تعمل كأداة مناصرة مهمة، بحيث تسلّط الضوء على هذه القضية من خلال إنشائها، وربما من خلال الإحاطات والتقارير اللاحقة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تضمن التعاون بشكل أفضل بين المنظمات المشاركة حالياً في التوثيق لتحديد الهوية، بما في ذلك من خلال الحفاظ على قاعدة بيانات مركزية. غير أن هناك قيوداً شديدة على أي تقدّم ملموس يمكن أن تحقّقه آلية من هذا النوع.

آلاف السوريين فُقدوا أثناء النزاع لأسباب عديدة؛ ومع ذلك، فإن غالبية الأشخاص المفقودين اختفوا قسراً من قبل الحكومة السورية، كما اختفى عدد كبير آخر على يد الجماعات المسلحة الغير حكومية، بما في ذلك تنظيم داعش. ومن أجل البدء في الكشف عن مصير الأفراد المحتجزين، سيحتاج المحققون إلى الوصول المادي إلى مرافق الاحتجاز و/أو سجلات السجناء التفصيلية طوال فترة النزاع. وبالنسبة للمعتقلين الذين تحتجزهم الحكومة، وفي غياب انتقال سياسي أو فقدان الحكومة للسيطرة الفعلية على مرافق الاحتجاز، فإن هذا سيتطلب تعاون الحكومة. وحيث أن التحدي الأساسي الذي تواجهه آلية للأشخاص المفقودين هو الحصول على هذا التعاون.

ومع ذلك، إذا تم إنشاء آلية كهذه من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي كما يقترح ساركين، فسيُنظر إليها على أنها مُسيَّسة من قبل الحكومتين السورية والروسية، وهما الكيانان اللذان سيكون تعاونهما أساسياً من أجل التحقيقات. وهذا من شأنه أن يمنع الوصول إلى مراكز الاحتجاز وحتى إلى البلد نفسه، مما سيضطر الآلية إلى أن تعمل من الخارج. وفي حين أن الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) ولجنة التحقيق الدولية (COI) كانتا قادرتين على القيام بأعمال قيّمة على الرغم من هذه القيود، فإن تفويضهما يختلف اختلافاً كبيراً عن الآلية المقترحة. حيث تجمع الآلية الدولية المحايدة والمستقلة ولجنة التحقيق الدولية أدلة مستفيضة من الدول الأطراف ومجموعة واسعة من منظمات المجتمع المدني السورية التي توثّق داخل سوريا. وفي حين أنه يمكن لآلية للأشخاص المفقودين أن تجمع التوثيق من منظمات المجتمع المدني والنشطاء من الأفراد، فإن هذا التوثيق لن يشمل أنواع السجلات الحكومية التي لا غنى عنها من أجل تحديد مكان ومصير المحتجزين، ناهيك عن الإفراج عنهم. وإذا عملت آلية كهذه من خارج البلد، فستكون مجرد آلية إبلاغ دولية أخرى ذات نطاق مختلف.

السبيل للمضي قدماً

إن الآلية الأفضل لإحراز تقدّم ملموس بشأن الاحتجاز في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة هي اللجنة الدولية للصليب الأحمر. حيث كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر رائدة في التحقيقات المتعلقة بالأشخاص المفقودين منذ إنشاء “الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين” منذ أكثر من خمسين عاماً. وتتمتع بخبرة واسعة في إعادة الاتصال بين العائلات وأفرادها المحتجزين، وتأتي في طليعة مجال أنثروبولوجيا الطب الشرعي. فهي تشترك في التركيز الإنساني والبحث عن الحقيقة الذي تطالب به مجموعة الميثاق حالياً، والأهم من ذلك أنها تحافظ على علاقات جيدة مع الحكومة السورية. ويوجد للجنة الدولية للصليب الأحمر مكاتب في دمشق وفي جميع أنحاء البلد وتعمل بنشاط على مسألة الاحتجاز في سوريا. وعلاوة على ذلك، فهي في وضع جيد لتكون بمثابة مستودع مركزي للبيانات حول الأشخاص المفقودين في النزاع، حيث قامت بالفعل بجمع تقارير عن الأشخاص المفقودين من آلاف العائلات. وفي حين أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر غير قادرة على إدخال هذه البيانات في آليات المساءلة، فإن الآلية الدولية المحايدة والمستقلة في وضع جيد بالفعل لاستكمال جهودها من خلال جمع التوثيق لأغراض متابعة المساءلة الجنائية عن الاختفاء القسري والجرائم ذات الصلة.

وفي حين أنه من السذاجة الادّعاء بأن هناك تقدّما وشيكا بشأن ملف الاحتجاز، فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي الأنسب لنوع التقدّم الذي تسعى إليه العائلات. وبدلاً من التركيز على إنشاء آلية جديدة، يجب على النشطاء التركيز على زيادة التمويل لبرنامج اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا من أجل توسيع جهودها في البحث عن المفقودين ومُرافقة الأسر. وتحتاج اللجنة الدولية أيضاً إلى العمل على زيادة الشفافية حيثما أمكن، بحيث تفهم العائلات ما بوسع المنظمة القيام به بشكل معقول. وينبغي أن يشمل ذلك اجتماعات مباشرة بين موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر وأعضاء روابط العائلات لتقديم تحديثات عن عملها.

ولكن لتحقيق تقدّم حقيقي، يجب أن يكون هناك ضغط سياسي واسع النطاق على الحكومة السورية لزيادة تعاونها مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وبينما حاول المجتمع الدولي الضغط على الحكومة السورية بشأن هذه القضية حتى منذ الفترة التي سبقت اندلاع النزاع، إلا أنه لم يشهد نجاحاً يُذكر، وهناك حاجة إلى استراتيجيات جديدة.

هناك سبب للاعتقاد بأن روسيا قد تكون أكثر انفتاحاً على التقدّم في ملف الاعتقال مما هي عليه في القضايا الأخرى. حيث لا تستفيد روسيا بشكل مباشر من نظام الاعتقال المروّع في سوريا، والذي يعيق في الواقع تدفّق مساعدات إعادة الإعمار التي تريد روسيا بشدة رؤيتها. وإن الخوف من الاعتقال هو أيضاً أحد العوائق الرئيسية للعودة، مما يزيد من عرقلة التطبيع بالنسبة لسوريا على الساحة الدولية، الأمر الذي يلحق ضرراً بروسيا. وإن الإفراج على نطاق واسع وزيادة الشفافية حول أولئك الذين بقوا أو ماتوا في الحجز يمكن أن يكون خطوة أولى في عملية من شأنها أن تخفف على روسيا العبء الاقتصادي اللازم لدعم حليفتها. ولهذا السبب، ينبغي على المجتمع الدولي تركيز جهوده في هذا المجال على روسيا واقتراح خطوات مشروطة لتخفيف العقوبات مقابل إحراز تقدم في هذه القضية.

ثانياً، في حين أن الموارد الهائلة التي سيتم ضخها في إنشاء آلية جديدة للأشخاص المفقودين لن تبرر الفوائد المحدودة فيما يتعلق بالمناصرة، إلا أن هناك طرقاً أخرى لضمان إبراز هذه القضية بشكل كبير. أولاً، يجب على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إصدار قرار مستقل يطلب معلومات عن مصير المفقودين في سوريا، وهو الطلب الذي طال انتظاره من قبل عائلات المفقودين وسيكون بمثابة اختبار لموقف روسيا بشأن هذا الموضوع. ثانياً، يمكن تعيين ممثل للأمم المتحدة على مستوى المبعوث لتقديم تحديثات منتظمة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الأشخاص المفقودين والمحتجزين في سوريا. وفي حين أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن غالباً ما يشمل تحديثات كهذه في إحاطاته، إلا أنه ينبغي فصل هذه القضية عن النقاشات السياسية.

أخيراً، تركّز التوصيات هنا بشكل خاص على الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة لأن الحكومة هي الجاني الأساسي وراء الاختفاء القسري وهي العائق الأساسي الذي يحول دون إحراز تقدم. غير أن البحث الحالي عن المفقودين في شمال شرق سوريا، بما في ذلك من قبل فِرَق الاستجابة الأولية في الرقة ودير الزور، يوفّر فرصة مهمة لتطوير القدرات لاستجابةٍ بقيادةٍ سورية وصياغة الممارسات والشراكات، بما في ذلك التعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي يمكن استخدامها في نهاية المطاف على مستوى الدولة.

ويتشارك المركز السوري للعدالة والمساءلة مع مجموعة الميثاق في شعورها بالحاجة الملحّة لرؤية تقدّم في هذه القضية. ويجب أن يكون الكشف عن مصير المفقودين في صُلب عمليات العدالة في سوريا، وإن كل يوم يمضي دون إجابات يترك آلاف المعتقلين يعانون في ظروف يُرثى لها ويترك أفراد عائلاتهم ينتظرون الحصول على الإجابات. وفي حين أن آلية دولية قد تخلق لحظة وجيزة من الدعاية والاحتفال، إلا أنها في نهاية المطاف لن تحقّق تقدّماً ملموساً يُذكر. بل، وسيوفر ذلك للحكومات الراعية “مَخرجاً”، مما يسمح لهم بالادعاء بأنهم يدعمون البحث وفي الوقت نفسه يعفيهم من الانخراط في الضغط السياسي المطوّل الذي سيكون ضرورياً للحصول على إجابات حقيقية حول مصير المفقودين في سوريا.

______________________________________________

لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والملاحظات، يُرجى التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected] ومتابعتنا على الفيسبوك وتويتر. ويرجى الاشتراك في النشرة الإخبارية الصادرة عن المركز السوري للحصول على تحديثات حول عملنا.