في اليوم الأوروبي لمواجهة الإفلات من العقاب، حان الوقت للتركيز على مصلحة الضحايا
تظهر المحاكمات المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية، مثل المحاكمة التي تجري حاليا في كوبلنتس، أن ضحايا الجرائم الدولية الرئيسية لا يتمتعون عادةََ بالمعرفة الكافية حول حقوقهم في الدعم والمشاركة ولا حول تداعيات مشاركتهم في المحاكمات كشهود أو مدعين. في السنوات الأخيرة حققت وكالات الاتحاد الأوروبي مثل يوروبول ومشروع شبكة الإبادة التابعة لوكالة يورو جَست تقدما كبيرا في تسهيل ملاحقة الجرائم الدولية الرئيسية في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ولكن، كما يحيا الاتحاد الأوروبي هذا اليوم ضد الإفلات من العقاب على الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، بيجب على الاتحاد الأوروبي التركيز على توسيع جهوده في توحيد القوانين وبناء القدرات والتواصل مع أشخاص تأثروا بالجرائم الدولية الرئيسية. القيام بذلك سيسهل المحاكمات السليمة والسريعة والحصول على العدالة والمساءلة لضحايا الجرائم الدولية الرئيسية.
كوبلنتس والاحتياجات الخاصة لضحايا الجرائم الدولية الرئيسية
تكشف محاكمات الولاية القضائية العالمية التي تدور حول جرائم مرتكبة في النزاع السوري عن الاحتياجات الخاصة لضحايا الجرائم الدولية الرئيسية. تظهر محاكمة مسؤولين سابقين في المخابرات السورية تجري حاليا في مدينة كوبلنتس الألمانية أنه هناك حاجة معينة لقواعد خاصة بالدعم المناسب لسياق النزاعات بالإضافة إلى التواصل مع ضحايا الجرائم الدولية الرئيسية.
بموجب مقاربة القوانين الألمانية الحالية، يشارك ضحايا جرائم محاكمة كوبلنتس في الإجراءات كشهود، مدعين، أو مجرد حاضرين من الجمهور العام. وبعد مضي عام على بدء المحاكمة، أصبح واضحا أن كلا من التواصل وتوعية حقوق الضحايا كانا ناقصين. في مرحلة مبكرة من التحقيقات، أُبلغ المشاركون في المحاكمة كشهود بحقوقهم وواجباتهم الرسمية، ولكن مع مرور الوقت تجلت ظاهرة مثيرة للاهتمام. كان عدد متزايد من شهود استدعوا للشهادة في المحكمة يرفضون السفر إلى كوبلنتس بحجة أن الشهادة في محكمة عامة ستعرضهم وعائلاتهم للخطر [وعلى سبيل المثال، انظر إلى تقريري مراقبة المحاكمة 31 و33]. وبدلا من حضورهم، تم تقديم شهادتهم في المحكمة من خلال ضابط الشرطة الذي استجوبهم أثناء فترة التحقيقات [وعلى سبيل المثال، انظر إلى تقرير مراقبة المحاكمة 31]. وبالإضافة إلى ذلك، يُطرحاسم الشاهد في المحكمة إذا لم يطلب تدابير وقائية في مرحلة مبكرة من جلسات الاستماع.
اتصل القضاة تكرارا بضحايا أشاروا إلى أنهم يفضلون عدم الإدلاء بشهادتهم في المحكمة، كما شرح القضاة لهؤلاء الأشخاص ما يتوفر من تدابير الحماية في مجال الدعم النفسي الاجتماعي والأمور اللوجستية. وعلى الرغم من هذه الجهود، لم يحضر كثير من الشهود الذين تم استدعائهم، مما يشدد على أهمية توفير معلومات مفصلة للضحايا حول حقوقهم وواجباتهم وآليات الدعم الموجودة لضمان سلامة المحاكمة ومشاركة الضحايا الفعالة. وحقيقة أن الكثير من الشهود عبروا عن قلقهم حول سلامتهم وسلامة عائلاتهم تطرح تساؤلا حول ما إذا كانت السلطات والمنظمات المعنية بالتحقيق قد أولت اهتماما كافيا للنزاع الجاري في سوريا ، وموقف الحكومة القوي، والتداعيات المحتملة على الضحايا من الشهادة غير المجهولة.
مارس بعض الضحايا حقوقهم أيضا من خلال الانخراط في محاكمة كوبلنتس كمدعين. وفي حين أنه يحق لجميع الضحايا (بغض النظر عن صفتهم كمدعين) أن يطلبوا تعويضات أثناء المحاكمة الجنائية عن طريق ما يسمى بالإجراءات التكميلية (قسم 403 في مدونة الإجراءات الجنائية الألمانية)، فإن المدعين يتمتعون ببعض الحقوق الإجرائية الإضافية. ومن ضمن حقوق أخرى، فإنه يحق للمدعين وقفا لقسم 2.3] أن يحضروا أي يوم من المحاكمة (يجب على الشهود عدم الحضور قبل أن يدلوا بشهادتهم في المحكمة)، ويحصلوا على ملف القضية، ويقدموا طلبات إلى القضاة، ويلقوا مرافعة ختامية. عموما، بموجب القانون الألماني ووفقا لقواعد الاتحاد الأوروبي ذات الصلة، فإن لدى المدعين صلاحيات مماثلة لمحامي الادعاء. يستطيع محامي المدعي مساعدة الضحايا على ممارسة حقوقهم وتمثيلهم في المحكمة. وعلى خلاف ذلك، [انظر إلى قسم 4].
الحاجة إلى المعايير الدنيا المتجانسة المحسنة
تُدرج حقوق مشاركة الضحايا وحمايتهم في التشريعات الإجرائية المحلية. ومع ذلك ، منذ عام 2012 ، حقق الاتحاد الأوروبي تقدما كبيرا في توحيد قوانين الدول الأعضاء الخاصة بحقوق الضحايا. وبعد إصدار توجيه حول المعايير الدنيا بشأن حقوق ودعم وحماية ضحايا الجريمة، أنشأ الاتحاد الأوروبي أيضا آلية مراقبة لمتابعة التنفيذ المحلي للتوجيه. في عام 2015، تأسست الشبكة الأوروبية لحقوق الضحايا، وتم تنفيذ إرشادات تكميلية ركزت على ضحايا الإرهاب والاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي والمواد الإباحية عن الأطفال. يوفر توجيه الاتحاد الأوروبي لعام 2012 مجرد مجموعة معايير دنيا كان من الممكن الموافقة عليها من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. في الكثير من الأحيان، يكون اختيار “التدابير المناسبة” المحددة أمرا متروكا للدول الأعضاء (على سبيل المثال، انظر إلى المادة 3(1) من توجيه 29/2012/EUs).
قد يُزعم أن هذه المعايير كافية لضحايا جميع أنواع الجرائم نظرا لمعرفة عامة المواطنين بالقوانين القابلة للتطبيق وآليات الدعم الموجودة في بلادهم. ولكن هؤلاء الأشخاص الذين يتأثرون بالجرائم الدولية الرئيسية لا ينحدرون من دول الاتحاد الأوروبي ولذلك لا يعلمون كثيرا عن حقوقهم والقوانين المحلية ذات الصلة. ولتسهيل الحصول على العدالة والمساءلة لضحايا هذه الجرائم، فإنه من الضروري تنفيذ قواعد موحدة وأكثر صرامة ومعلومات أوسع فيما يتعلق بالمشاركة في الإجراءات الجنائية وتدابير الحماية.
أخذ الاتحاد الأوروبي بعض هذه المخاوف بعين الاعتبار من خلال تطوير قواعد محددة لضحايا الإرهاب. ونتيجة لإنشاء مركز الخبرة لضحايا الإرهاب التابع للاتحاد الأوروبي، تستفيد منظمات الضحايا والسلطات الوطنية من جهود بناء القدرات والدعم في تنفيذ القواعد الإجرائية الموحدة وكذلك التواصل مع الضحايا. ويظهر ذلك، بالنسبة لبعض الجرائم، أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد تخطت القلق حول قضية السيادة المتعلقة بالقانون الإجرائي المحلي ونفذت قواعد أكثر تفصيلا حول مشاركة الضحايا ودعمهم (خاصة فيما يتعلق بالدعم النفسي والنقاط المحورية). بناءََ على تجربة هذه المبادرات، يجب تنفيذ قواعد موحدة حول المشاركة والحماية والمعلومات لضحايا الجرائم الدولية الرئيسية. وعلى سبيل المثال، يجب توسيع قواعد الاتحاد الأوروبي حول ضحايا الجرائم الدولية الرئيسية ليشمل أفراد مجتمعات تأثرت بالجرائم الدولية الرئيسية لكي يضمن وصولهم إلى الإجراءات. يجب على هذا الوصول إلى المعلومات أن يكون في لغة قابلة للفهم، وأن يضم، كحد أدنى، معلومات عن أوامر الاعتقال المنفذة، ولوائح الاتهام العلنية، وبدء المحاكمة وجدولتها، وقرارات المحكمة، وكذلك الترجمة الفورية في داخل المحكمة للجمهور. وفوق ذلك كله، تتطلب هذه المجموعة من الأفراد حقوق المشاركة الدنيا في شكل الحصول على المعلومات حول التحقيقات والمحاكمات في لغتهم الخاصة.
الخاتمة
خلال العقد الماضي، قامت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتوحيد وتطوير المقاربات القانونية إلى حد كبير لضمان المشاركة الفعالة للضحايا ودعمهم في الإجراءات الجنائية. وبالرغم من ذلك، فإن العدد المتزايد من محاكمات الولاية القضائية العالمية يثير الحاجة إلى التطوير الإضافي للمقاربة القانونية الحالية وكذلك هياكل الاتصال المتعلقة بالجرائم الدولية الرئيسية. بناءََ على الهياكل والقواعد الموجودة، يجب على الاتحاد الأوروبي تطوير مقاربة قانونية تسمح بأن يتابع الأشخاص الذين لا يشاركون في المحاكمة مباشرةََ الإجراءات من خلال الحصول على الترجمة الفورية في داخل المحكمة في لغاتهم الأصلية، وتنفيذ برامج بناء القدرات والتدريب المختصة بدعم ضحايا النزاعات، وتوفير معلومات مركزية حول حقوق الضحايا في الدعم والمشاركة الموجودة في الدول الأعضاء الفردية.
______________________________________________
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والملاحظات، يُرجى التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected] ومتابعتنا على الفيسبوك وتويتر. ويرجى الاشتراك في النشرة الإخبارية الصادرة عن المركز السوري للحصول على تحديثات حول عملنا.