1 min read
محكمة دولية لمقاتلي داعش – حالة طوارئ للأمن القومي وحقوق الإنسان

محكمة دولية لمقاتلي داعش – حالة طوارئ للأمن القومي وحقوق الإنسان

Photo Disclaimer: The appearance of U.S. Department of Defense (DoD) visual information does not imply or constitute DoD endorsement.

تم نشر النسخة الكاملة لهذا المقال من قبل موقع Just Security.

يعتبر مصير حوالي 10,000 من مقاتلي داعش علاوةَ على 60,000 امرأة وطفل باقين في أعقاب الهزيمة الإقليمية لداعش إحدى التحديات الأكثر تعقيدا التي تواجه شمال شرق سوريا. هؤلاء الأفراد محتجزون في شبكة من السجون والمخيمات التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تحت القيادة السياسية لمجلس سوريا الديمقراطية ومع بعض الدعم المالي من الولايات المتحدة وحكومات أخرى. وتسبب الاكتظاظ والظروف غير الإنسانية الموجودة في السجون والمخيمات   في ضغوط هائلة على قوات سوريا الديمقراطية وأثارت التوتر، وهي مستمرة بدون وجود حل في الأفق. ونظرا لنطاق المشكلة، هناك حاجة عاجلة لتطوير استجابة منسقة بما يخص مختلف المجموعات المحتجزة وتحديد الظروف الأكثر إلحاحا التي تتطلب المعالجة أولا.

محكمة الإرهاب القائمة على المعاهدات

إن أهم تهديد للأمن والاستقرار هو 2,000 مقاتل أجنبي محتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية. يجب أن يحظى وجودهم بالأولوية بعيون المجتمع الدولي. لكي تعالج هذه المشكلة الفريدة، يجب على المجتمع الدولي إنشاء محكمة لقضايا الإرهاب قائمة على المعاهدات بالتعاون مع حكومة إقليم كردستان في العراق وعلى أساس ترتيبات لنقل المقاتلين المدانين إلى أوطانهم الأصلية لقضاء فترة العقوبة.

ينحدر مقاتلو داعش الأجانب المحتجزون في سجون قوات سوريا الديمقراطية من 58 دولة على الأقل. من خلال معاهدة متعددة الأطراف، يمكن لهذه الدول جمع ولاياتها القضائية لغاية تشكيل محكمة مختصة بمحاكمة المقاتلين على مبدأ الاختصاص الشخصي بحيث تسمح معظم المنظومات القانونية المحلية بمقاضاة مواطنيها على جرائم الإرهاب. ونتيجة لذلك، ستعتبر الجرائم المرتكبة من قبل هؤلاء الجناة – سواء كانت في سوريا أو العراق أو في أي مكان آخر – من اختصاص المحكمة. السابقة التاريخية لهذه الاستراتيجية القانونية هي اتفاقية لندن الموقعة بين قوات الحلفاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية من أجل مقاضاة القيادة النازية في نورمبرج. سيتم ضمان حقوق الإجراءات القانونية الواجبة في الميثاق للمحكمة الجديدة، وهي تستبعد عقوبة الإعدام باعتبارها غير متوافقة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

إقليم كردستان في العراق هو أكثر مكان يناسب المحكمة لأنه كان من ضمن الأراضي التي سيطرت عليها داعش سابقا. ما يزال الضحايا والشهود لجرائم داعش يقيمون في المنطقة، وهي مستقرة نوعا ما. على الرغم من أن الأماكن التي وقعت فيها الجرائم وأماكن وجود المحتجزين الآن هو الموقع المثالي للقيام بالمحاكمات، إلا أن مجلس سوريا الديمقراطي لا يتمتع بالشخصية القانونية  للدخول في اتفاقيات دولية. لا تتعاون الحكومة السورية مع جهود العدالة الدولية، كما إن عدم وجود الثقة بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية يمنع التعاون الفعال. وفوق ذلك كله، يوجد توتر سياسي بين مجلس سوريا الديمقراطي وحكومة إقليم كردستان وهو يتطلب حلا. ولكن معالجة هذه القضية ذات الاهتمام المشترك قد تؤدي إلى علاقات أقوى بين الجانبين، لا سيما إذا كان كلا الكيانين مدعومين من المجتمع الدولي.

يجب أن يقتصر نطاق اختصاص المحكمة على موضوع الجرائم المتعلقة بالإرهاب والتي قد تُحكم بكافة  العقوبات المحتملة  وبما في ذلك السجن المؤبد. وبالإضافة إلى ذلك يمكن للمحاكمة أن تتناول العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. على سبيل المثال، يعرف القانون الجنائي العراقي الإرهاب بأنه يشمل “أي عمل إجرامي” تم ارتكابه بقصد إرهابي وبما في ذلك العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي والاختطاف والجرائم الأخرى المرتكبة بقصد محدد. اقتصار الولاية القضائية على هذا النوع من الجرائم سينفي الحاجة إلى تحقيق العناصر السياقية للجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية، وهي تقدم قضايا معقدة تتطلب استثمار الكثير من الموارد وقد تستغرق مدة طويلة. أما مقاتلي داعش الأجانب فإنه لا يزال من الممكن محاسبة مرتكبي الأعمال الوحشية أمام محاكمهم الوطنية، ومن بينهم الأشخاص الذين يتحلمون أكبر قدر من المسؤولية عن هذه الجرائم أو أو أولئك الذين يكون ضحاياهم من الرعايا الأجانب. إن الاعتراف بالإبادة الجماعية للإيزيديين مهم للغاية، ويجب معاقبة الأشخاص الذين يتحملون أكبر قدر من المسؤولية عن هذه الجرائم، إما في المحاكم العراقية أو في محاكم دول أخرى بموجب الولاية القضائية العالمية.

الأصول المتفرقة للمقاتلين الأجانب الذين ينحدرون من أكثر من 50 دولة تقدم معضلة حول القانون الجنائي الموضوعي المطبق في هذا السياق. سواء كان القانون السوري أو العراقي أو الدولي، يجب أن يأخذ القرار المتعلق بتعريفات الجرائم بعين الاعتبار مبدأ الشرعية، مما يعني أنه يجب تعريف الجرائم بوضوح قبل ارتكاب هذه الجرائم المزعومة كما كان من اللازم توعية المتهم بالقوانين المعنية.

قد تتبع المحكمة الإجراءات الجنائية التي وضعتها حكومة إقليم كردستان (أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المطبقة في إقليم كردستان في العراق المعدلة في 14 فبراير سنة 2010)، وهذا سينفي الحاجة إلى صياغة واعتماد قواعد فريدة بشأن الإجراءات والأدلة، كما سيلحق بمثال محكمة الخمير الحمر التي استندت إلى القانون الكمبودي لقواعدها الإجرائية. وعلى الرغم من أن هذا الترتيب ليس اعتياديا إلا أنه توجد سوابق تاريخية. جرت في هولندا محاكمة لوكربي الجنائية المتعلقة بالتفجير الإرهابي  لرحلة بان أم 103 ولكنها طبقت الإجراءات الجنائية الاسكتلندية.

تشمل المسائل العملية الأخرى عبء القضايا الكثيرة والتمويل. المحاكم الدولية ليست معتادة على مقاضاة عدد كبير من المتهمين، بل هي مصممة لمحاكمة كبار القادة والأشخاص الذين يتحملون أكبر قدر من المسؤولية عن الأعمال الوحشية .على سبيل المثال، أدانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة 161 شخصا، ولذلك قد تكون محاكمة القرصنة (وهي تعتبر نوع من الجرائم المتعلقة بجريمة الإرهاب) النموذج الأكثر ملاءمة. منذ عشر سنوات، تصاعدت بشكل حاد هجمات القراصنة في منطقة سواحل الصومال، حيث اعتقلت القوات البحرية الدولية المكلفة بحراسة المنطقة مئات من القراصنة. في برنامج نسقه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، واعتمده مجلس الأمن الدولي، تم إنشاء محاكم مختصة بمكافحة القرصنة في عدة دول، مما أدى إلى إدانة أكثر من 1,200 قرصان بهدف نهائي هو إعادتهم إلى دولهم الأصلية. وفعلا نجحت هذه الاستراتيجية، إلى جانب استخدام الدوريات البحرية الدولية وشركات أمنية خاصة، في الدفاع عن السفن التجارية ومنع القرصنة. اعتبرت المحاكمات عادلة بشكل عام، وتمت إعادة القراصنة المدانين إلى أوطانهم الأصلية لقضاء عقوبتهم. للمزيد من المعلومات حول هذه المحاكمات انظر هنا وهنا.

وبالنسبة لمسألة التمويل، يتردد العراق في تحمل العبء الكامل لهذه المحاكمات. فقد أفادت التقارير أن العراق طلب مليون دولار أمريكي لكل محاكمة لمقاتلي داعش الأجانب.ولكن محكمة الإرهاب القائمة على المعاهدات لن تعتبر بمثابة مؤسسة عراقية، وإنما ستُدعم من جهات مانحة دولية والتي يمكن أن تتحكم في ميزانية وعمل المحكمة. يجب اتخاذ قرار نهائي بشأن أنسب الموظفين بعد التوصل لقرار بشأن القانون الموضوعي القابل للتطبيق. ومن الجدير بالذكر أن المحاكم التي تعتمد لغة رسمية واحدة (مثل المحكمة الخاصة لسيراليون) كانت أكثر فعالية من المحاكم التي استخدمت لغتين أو ثلاث لغات مثل المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أو الدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا. ينبغي اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية للمحكمة كما يجب على المحامين والقضاة القدرة على التكلم بلغة المحكمة.

حقوق الناجين والبحث عن المفقودين

لا تزال وحشية داعش تؤثر على الناجين وخاصة العائلات في سوريا والعراق اللذين اختفى أحباؤهم على يد داعش ولا يزالون في عداد المفقودين. يُعتَبر مقاتلو داعش من أفضل مصادر المعلومات للكشف عن مصير المفقودين في ضوء معرفتهم بمواقع سجون داعش والمقابر الجماعية. يجب أن توفر المحاكم التي تقاضي مقاتلي داعش فرصًا للحصول على هذه المعلومات أثناء الإجراءات القضائية. ويجب على المدعين العامين والقضاة طرح أسئلة على مقاتلي داعش، كما يجب السماح للناجين بالمشاركة في هذه الإجراءات بواسطة ممثل قانوني وفقا للإجراءات الجنائية لحكومة إقليم كردستان. إذا اختار المتهم أن يلتزم بالصمت خلال المحاكمة فإنه يجب طرح هذه الأسئلة عليه مرة أخرى قبل النطق بالحكم.

نقل الأحكام بالسجن بدلا من تسليم المجرمين

منذ عام 2019، وعلى الرغم من الدعوات المتكررة لإعادة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم، إلا أننا لم نشاهد تحركا من قبل دول غربية. وما يتسبب في ذلك جزئيا هو الخوف من تبرئة المقاتلين الأجانب نتيجةَ لنقص الأدلة والقلق حول التهديدات الأمنية عند إطلاق سراحهم. يمكن لمحكمة قائمة على المعاهدات أن تعالج هذا القلق من خلال محاكمة المقاتلين قبل تسليمهم إلى أوطانهم، ولكن في نهاية المطاف ينبغي إعادتهم إلى أوطانهم الأصلية من خلال نقل الأحكام. يمكن للدول المعنية التوقيع على معاهدة ثنائية أو معاهدة متعددة الأطراف مع حكومة إقليم كردستان من أجل تسهيل إعادة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم الأصلية لقضاء عقوباتهم على نحو متوافق مع قانون حقوق الإنسان.

في حال التبرئة، يجب وضع منظومة أخرى لإعادة إدماج وتأهيل المقاتلين في أوطانهم الأصلية.

مقاتلو داعش السوريون والعراقيون

إن محكمة الإرهاب القائمة على المعاهدات والتي ستختص بقضية المقاتلين الأجانب لن تلائم محاكمة 8,000 من مقاتلي داعش العراقيين والسوريين الموجودين في سجون قوات سوريا الديمقراطية. يجب مقاضاة هؤلاء الأفراد في أوطانهم أمام الولايات القضائية المحلية، بموجب القوانين السائدة والإجراءات القضائية الاعتيادية.

يجب القيام بالملاحقات القضائية ضد المقاتلين السوريين في محاكم مجلس سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا وبموجب القانون السوري. ستحتاج هذه المحاكم إلى الدعم الدولي لكي يضمن أنها تتوافق مع قانون حقوق الإنسان ذي الصلة في هذا السياق. يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم بشكل البنية التحتية والخبرة التقنية. بينما تفكر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في استئناف جهود إعادة بناء البنية التحتية في شمال شرق سوريا، يجب عليها التفكير في برنامج لتعزيز القضاء وقطاع العدالة الجنائية، وبما في ذلك البنية التحتية للسجون وبرنامج لإعادة تأهيل وإدماج مقاتلي داعش.

يجب تسليم أعضاء داعش العراقيين لمحاكمتهم في العراق، والتي ينبغي أيضا أن تحظى بدعم مالي من المجتمع الدولي. ولكن من جهة أخرى، من الضروري أن لا يتواطأ المجتمع الدولي في انتهاكات حقوق الإنسان. يجب على الأمين العام للأمم المتحدة أن يسعى  للحصول  على ضمانات دبلوماسية بأن أقصى عقوبة مفروضة لن تتجاوز السجن المؤبد وتأكيدات حول احترام الإجراءات الأساسية الواجبة ومن ضمنها الحق في الدفاع والمحاكمة العادلة. يجب حضور مراقبي المحاكمات الدوليين لكي يتم ضمان احترام الإجراءات القانونية الواجبة.

النساء والأطفال

إن محاكمة مقاتلي داعش الأجانب في محكمة منشأة بموجب معاهدة ومحاكمة مقاتلي داعش العراقيين والسوريين في بلدانهم الأصلية لن تعالج وضع النساء والأطفال الباقين في المخيمات في شمال شرق سوريا. تتحمل بعض هؤلاء النساء المسؤولية عن ارتكاب جرائم ويجب محاكمتهن. من الممكن رفع هذه القضايا إلى المحكمة القائمة على المعاهدة ولكنها تتطلب شروطا خاصة لضمان بأن المحكمة مجهزة للتعامل مع المحتجزات، مما يؤدي إلى مسائل شائكة وقد يتطلب التركيز أولا على محاكمة الرجال المحتجزين في سجون قوات سوريا الديمقراطية.

الختام

لا ينبغي الخلط بين محاكمة مقاتلي داعش والعدالة الشاملة لسوريا. كانت وما زالت الحكومة السورية أسوأ مرتكب للأعمال الوحشية طوال النزاع المستمر منذ عشر سنوات، وينبغي عدم السماح لها بالإفلات من العقاب. قد بدأت عمليات العدالة بشكل تدريجي من خلال المحاكمات الجارية بموجب الولاية القضائية العالمية في ألمانيا وفرنسا وأماكن أخرى، كما توجد درجة من الأمل في محاسبة كبار القادة السوريين يوما ما. لكن هذا لا ينبغي أن يمنع المجتمع الدولي من معالجة حالة الطوارئ المستمرة للأمن القومي وحقوق الإنسان التي يشكلها مقاتلو داعش البالغ عددهم 10,000 مقاتل يقبعون في سجون قوات سوريا الديمقراطية ضمن موارد محدودة. بكل تأكيد، التحديات كبيرة ولكنها ليست مستعصية على الحل.

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.