1 min read
داخل محاكمة أنور رسلان #28: الحُكم الصادر بحق إياد الغريب بالتفصيل

داخل محاكمة أنور رسلان #28: الحُكم الصادر بحق إياد الغريب بالتفصيل

محاكمة أنور رسلان وإياد الغريب

المحكمة الإقليمية العليا – مدينة كوبلنتس، ألمانيا

التقرير الثامن والعشرون لمراقبة المحاكمة

تاريخ الجلسة 24 شباط/فبراير، 2021

تحذير: تتضمن بعض الشهادات أوصافاً للتعذيب

الملخّص/أبرز النقاط:1

اليوم الثاني والستون للمحاكمة – 24 شباط/فبراير، 2021

بعد توقف محاكمة إياد الأسبوع السابق، أصدر القضاة حكمهم في القضية. وجد القضاة أن إياد الغريب مذنب بالمساعدة والمشاركة في التعذيب والحرمان الشديد من الحرية كجرائم ضد الإنسانية. وأوضحوا أنه كان ضالعاً في اعتقال ما لا يقل عن 30 شخصاً ونقلهم إلى الفرع 251 في أيلول/سبتمبر أو تشرين الأول/أكتوبر 2011. وبحسب القضاة، كانت لديه عدة خيارات معقولة للهروب من ذلك الوضع، بدلاً من البقاء والمساهمة في هذه الجرائم. وتبيّن أنه لم يَدْفع بما يدل على تعرّضه للإكراه. وبعد النظر في العوامل المشدِّدة والمخفِّفة للعقوبة بناءً على مُجمل الأدلة (وتحديداً المقابلة التي أجراها مع سلطة اللجوء الألمانية والتي تضمنت تجريمه لذاته)، حكم القضاة على إياد بالسجن لأربع سنوات ونصف تأييداً لمذكرة احتجازه.

وفي حين أعلن المدّعون العامون أنهم لن يسعوا لاستئناف الحكم، أشار محامو الدفاع إلى أنهم سيتخذون الإجراءات القانونية المعمول بها للطعن في الحكم.

اليوم الثاني والستون للمحاكمة – 24 شباط/فبراير، 2021

بدأت الجلسة الساعة 9:30 صباحاً بحضور 25 من ممثلي وسائل الإعلام و29 شخصاً.

أصدرت المحكمة الحكم التالي:

[هذا ليس الحكم الرسمي. وإنما هو ملخص مفصّل للجلسة الشفوية التي أعلن فيها الحكم]

باسم الشعب، صدر الحكم التالي: وُجِد المدّعى عليه إياد الغريب مذنباً بالمساعدة والمشاركة في التعذيب والسجن القسري كجرائم ضد الإنسانية، وفقاً للفقرة 7(1) البندين 5 و9 من قانون (VStG). وحُكم على المتهم بالسجن لأربع سنوات وستة أشهر.

وبعد تلاوة الحكم، أعلنت رئيس المحكمة كيربر أنه ستكون هناك ترجمة عربية تعاقبية للجلسة بأكملها، تُنتقل عبر مكبرات الصوت في قاعة المحكمة. لذلك تلت الحكم مرة أخرى، للسماح للمترجم بترجمته للجمهور.

واستمرت القاضي كيربر في تلاوة أسباب الحكم:

[ملاحظة: ما يلي ليس نسخة طبق الأصل لأسباب الحكم التي تمت تلاوتها في المحكمة من قبل القضاة. وإنما يستند إلى ما استطاع مراقبو المحاكمة سماعه في قاعة المحكمة]

أسباب الحكم:

أولاً، نوهت رئيسة المحكمة القاضي كيربر بالنيابة عن القضاة إلى أن المدّعى عليه، إياد، لم يُدلِ بإفادة شفوية في المحكمة. وبناء على نصيحة محامي الدفاع، قدّم المدّعى عليه إفادة مكتوبة بخط اليد.

استطردت القاضي كيربر بادئ ذي بدء تقديم تفاصيل عن المدّعى عليه: وُلِد إياد الغريب في 25 أيار/مايو، 1976 في دمشق. وهو سني ونشأ في محافظة دير الزور حيث التحق بالمدرسة التي تركها دون الحصول على شهادة بعد الصف الثاني عشر. ومن عام 1994 حتى عام 1996، عاش في دمشق مع عمه/خاله2 وشقيقيه. وفي عام 1996، التحق بإدارة المخابرات العامة في نجها، حيث تلقّى تدريباً لمدة عامين. وشمل هذا التدريب أيضاً تدريباً على حمل السلاح واستخدامه. وبعد ذلك، أكمل تدريباً آخر ليصبح مدرباً. وعمل المدّعى عليه في إدارة المخابرات العامة من 10 تموز/يوليو، 1996 حتى 15 كانون الثاني/يناير، 2012. ومن نهاية عام 1997 عمل مدرّباً. أشارت كيربر إلى أنه وفقاً لإفادته الخاصة، كان جيداً جداً في وظيفته. وكان يعمل بشكل أساسي مدرباً بدنياً. وأشارت كيربر مرة أخرى إلى اقتباس نقلاً عن المدّعى عليه أنه “على المرء أن يجبر الناس على تحمّل المزيد”. وتابعت كيربر موضحة أن المدعى عليه تلقى تدريبا على مكافحة الإرهاب في 2004/2005، وأضافت أنه قد تم تدريبه أيضا على كشف وإنشاء الكمائن، واختطاف الأشخاص، واعتقال الأشخاص، والعمل كحارس شخصي. وكان يركّز بشكل أساسي على قتال الشوارع والاقتحام. وفي شباط/فبراير 2010، بدأ إياد العمل في الفرع 251 في دمشق كضابط صف (مساعد أول).3 وبهذه الصفة، عمل في قسم “الأديان“، حيث أشرف على أربع مناطق في دمشق فيما يتعلق بمراقبة المساجد والأئمة. وكان عليه أن يرفع تقاريره إلى رئيسه كمال الأحمد. وبعد هذا العمل، تم نقله إلى الزبداني في صيف 2011. كما تبين للقضاة أنه لم يعجبه العمل المكتبي هناك وقبل عرضاً من رئيسه السابق للعودة إلى الأعمال التنفيذية (الميدانية). وعمل إياد في البداية في “قسم الأديان” بالفرع 251 لمدة شهر أو شهرين، قبل أن يتم نقله إلى القسم 40 في تموز/يوليو 2011، حيث مكث هناك حتى كانون الثاني/يناير 2012.

وفي ذلك الوقت ذهب إلى دير الزور دون زوجته وأطفاله، وكانت المخابرات تبحث عنه واستجوبت زوجته. ووفقا لنتائج القضاة، لم تتمكن أجهزة المخابرات من منع عائلة إياد من الفرار. وتمكنت عائلته من الانضمام إليه فيما بعد باستخدام بطاقة هوية ابنة عمة/ابنة خالة4 زوجته. ولم يكن واضحاً للقضاة متى غادر إياد سوريا بالضبط. وفقاً لإفادته الخاصة، فقد دخل تركيا في آذار/مارس 2013. ولكن ما علمه القضاة على وجه اليقين فقط أنه جاء إلى ألمانيا عبر اليونان في 25 شباط/فبراير، 2018. حيث جاء إياد إلى ألمانيا عبر “برنامج لم شمل الأسرة”. وكان قد أرسل في المرة الأولى ابنه البالغ من العمر 16 عاماً [إلى ألمانيا]، وثم تبعه بعد ذلك في شباط/فبراير 2018. وأوجزت القاضي كيربر أنه في تلك الأثناء، كان لدى إياد ستة أطفال وتلقى الحد الأدنى من المعاش التقاعدي المضمون في ألمانيا. وكان لديه تصريح إقامة يسمح له بالبقاء في ألمانيا أثناء انتظار إجراءات اللجوء الخاصة به.

وفيما يتعلق بسجلاته الجنائية وجد القضاة أن لدى إياد، قيد في السجل الجنائي يتعلق بالتسبب بإصابة جسدية واحدة. حيث أقدم في 25 أيار/مايو، 2018، في مكان إقامته في هيرمسكايل، بعد مشاجرة بين ابنه وطفل آخر، على ضرب الطفل الآخر على وجهه. حُكم عليه بدفع 20 أجراً يومياً [5 يورو في اليوم، وكان المجموع 100 يورو]، وقام بدفع المبلغ.

وفيما يتعلق بالمحاكمة الحالية، أشارت القاضي كيربر إلى أنه تم القبض على إياد في 12 شباط/فبراير، 2019 وتم وضعه في الحبس الاحتياطي، وتم الإفراج عنه في 17 أيار/مايو، 2019 وبناء على أمر من محكمة العدل الاتحادية الألمانية بتاريخ 6 حزيران/يونيو، 2019، وُضع مرة أخرى في الحبس الاحتياطي في 15 آب/أغسطس، 2019. وكان إياد رهن الحبس الاحتياطي والمحاكمة منذ ذلك اليوم.

تقييم الأدلة:

بالنيابة عن القضاة، قدمت رئيسة المحكمة القاضي كيربر بعض الإفادات القصيرة فيما يتعلق بتقييم الأدلة في هذه المحاكمة. وأوضحت أن هذه المحاكمة تستند بشكل أساسي إلى إفادات المدّعى عليه التي أدلى بها لدى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) وإفادته لدى مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية بألمانيا (BKA) بتاريخ 16 آب/أغسطس، 2018. وعالجت محكمة العدل الاتحادية الألمانية مسألة مقبولية إفادة إياد لدى مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية. وأكدت المحكمة مقبولية الإفادة، حتى أنها ذكرت بالتفصيل رقم الصفحة والفقرة: الصفحة 13، الفقرة الأولى. وأشارت كيربر أيضا إلى أنه خلال المحاكمة الرئيسية، لم يحصل القضاة على أي إفادات إضافية من المدّعى عليه.

الوضع في سوريا:

أشارت رئيسة المحكمة القاضي كيربر أولا إلى أن الوضع السياسي في سوريا له أهمية كبيرة في هذه المحاكمة. لذلك من الضروري أيضاً التطرق إلى الأحداث التي سبقت حكم بشار الأسد.

استهلت كيربر بالإشارة إلى تنوع المجموعات الدينية في سوريا. وذكرت أنه قبل عام 2011، كان حوالي 60–70% من السكان من السنة. وقبل بدء النزاع كان حوالي 11% من الناس من الطائفة العلوية. وكان باقي السكان يتألفون من أقليات مختلفة مثل الدروز واليزيديين والمسيحيين. وبعد استقلال سوريا، كان الجيش هو الفرصة الوحيدة للارتقاء بالنسبة للعلويين. وبالتالي كانوا يمثلون غالبية أفراد الجيش.

كما أشارت كيربر إلى أنه في أعقاب انقلاب لحزب البعث في الستينيات وانقلاب آخر في عام 1970، وصل حافظ الأسد إلى سدّة الحكم. وفي عام 1973، تم تعديل الدستور بإعلان حزب البعث حزباً للدولة. وشددت كيربر على أنه لم يكن ممكناً للناس معارضة عائلتي الأسد ومخلوف. وكانت إحدى وسائلهم المركزية للاحتفاظ بالسلطة هي أجهزة المخابرات. ووفقا للقضاة، تغلغلت أجهزة المخابرات في المجتمع بأسره وخلقت جواً من عدم الثقة والخوف. ويسّرت حالة الطوارئ، التي دخلت حيز التنفيذ منذ عام 1963، الاعتقال التعسفي للأشخاص واحتجازهم في سجون المخابرات. وعلى الرغم من حقيقة أن التعذيب كان محظوراً بموجب الدستور، لم تكن هناك عقبات، في ذلك الوقت، تحول دون تعذيب الناس.

استطردت كيربر قائلة إن حافظ الأسد استخدم الجيش في الحالات التي كانت فيها المخابرات “غير كافية”. وأضافت كيربر إن ذلك قد برز في مجزرة حماة عام 1982عندما تم قصف مدينة حماة وقتل آلاف المدنيين، وأصيبت المقاومة ضد الحكومة بنكبة. وبعد وفاة حافظ الأسد، تولّى نجله بشار الأسد السلطة عام 2000.

وأشارت كيربر إلى الأشهر الأولى من تولي بشار الأسد منصبه – تُعرف هذه الفترة أيضاً باسم ربيع دمشق – عندما كان باستطاعة المرء ملاحظة بعض التغييرات. أضافت كيربر أنه تم إطلاق سراح السجناء السياسيين وتأسست صحف مستقلة. ولكن في صيف 2001 عاد بشار الأسد إلى سياسة والده. حيث تم تقييد الحريات السياسية مرة أخرى، وفي أيلول/سبتمبر 2001، تم اعتقال العديد من الأشخاص. وكما أشارت كيربر إلى أن الحرب في العراق تسببت في اضطرابات في المنطقة وأدت إلى تقارب سوريا مع إيران. ولكن بشار الأسد جدّد وطبّع العلاقات الخارجية السورية.

وفيما يتعلق بالربيع العربي، أشارت كيربر إلى أنه أثار الآمال بين السوريين في الحصول على مزيد من الحرية. وبدأ الناس في التنسيق عبر الإنترنت ونظموا المظاهرات. كما أوردت القاضي كيربر أنه في البداية، لم تتفاعل الحكومة كثيراً مع الاحتجاجات. غير أن الوضع تصاعد في آذار/مارس 2011. حيث قام مراهقون في درعا بكتابة شعارات على أحد الجدران. وبالتالي تم اعتقالهم من قبل شعبة المخابرات العسكرية وجهاز المخابرات. وعلى الرغم من إطلاق سراحهم في وقت قصير نسبياً، فقد ظهرت على أجسادهم علامات تعذيب واضحة. وتسبّب هذا في العديد من المظاهرات في جميع أنحاء سوريا. وفي 15 آذار/مارس، 2011، تظاهر الناس في دمشق. وبعد ثلاثة أيام، في 18 آذار/مارس، تجمّع الناس للاحتجاج في درعا بعد صلاة الظهر. وتدخلت قوات الأمن وقُتل شخص أو شخصان على الأقل. ولم يتم الإعلان عن أي إصلاحات بعد هذه الحوادث. وبدلاً من ذلك، تم تعزيز تواجد قوات الأمن في درعا، بدعوى أنهم يقفون إلى جانب المتظاهرين. وأشارت القاضي كيربر إلى أحداث 23 آذار/مارس، 2011، عندما أطلقت أعيرة نارية على المتظاهرين والمساجد، مما أدى إلى سقوط العديد من القتلى. وفي غضون ذلك، شهدت الاحتجاجات مشاركة آلاف الأشخاص. وفي 1 نيسان/أبريل، 2011، سقط أول قتلى من المتظاهرين في دمشق وريف دمشق، ولقي أربعة أشخاص على الأقل مصرعهم في مظاهرة في دوما إثر استخدام القوات الحكومية للذخيرة الحية. ورشق بعض المتظاهرين القوات الحكومية بالحجارة، لكن لم يحمل أي منهم أسلحة نارية في ذلك الوقت. وخلصت القاضي كيربر إلى أن معظم التظاهرات كانت سلمية في البداية. وحمل الناس على سبيل المثال سعف النخيل لإثبات أنهم كانوا مسالمين.

استرسلت رئيسة المحكمة القاضي كيربر مبينة أنه للتعامل مع هذه الديناميكيات، تم إنشاء الخلية المركزية لإدارة الأزمة في آذار/مارس 2011. وتبين للقضاة أن هذا كان هو المكان الذي تمت فيه مناقشة الاستراتيجية والخطوات التالية لقوات الأمن. وترأس الخلية بشار الأسد. وضمّت في عضويتها رؤساء مكتب الأمن الوطني، وشعبة المخابرات العسكرية، وإدارة المخابرات الجوية، والأمن السياسي، وإدارة المخابرات العامة، ووزيري الداخلية والدفاع. كما تبين للقضاة أنه اعتباراً من نيسان/أبريل 2011، قررت الخلية كيفية التعامل مع المعارضة. وفي رسالة إلى القوات المسلحة والمخابرات بتاريخ 18 نيسان/أبريل، 2011، ذكرت الخلية أن “مرحلة التسامح والتعاون قد انتهت”. كما قدّمت تفاصيل حول كيفية التعامل مع المتظاهرين: لن يتم الإفراج عن المعتقلين، ويجب أن تتولى الشرطة التعامل مع المظاهرات، والتي ستدعمها المخابرات في حالات الطوارئ. ووفقا للقضاة فقد قالت الخلية أيضا إن “من يرفعون السلاح ضد الدولة، يجب أن يجابَهوا باستخدام العنف المسلح”. وعقب اجتماع الخلية في 20 نيسان/أبريل، 2011، تم تشديد هذه الإجراءات بشكل أكبر. وقالت الخلية: “من الضروري البدء في مرحلة أخرى. علينا أن نكسب هذه المعركة باستخدام العنف المسلح“ و”يجب إعداد خطط تفصيلية لمواجهة الاحتجاجات غير المسلحة والمسلحة: خاصة في درعا ودمشق وضواحيها وحمص“. وكان من المقرر أن يشارك في تصميم هذه الخطط ليس فقط المخابرات، ولكن أيضاً الجيش، وذلك بناءً على سيناريو انتشار الاضطرابات في جميع أنحاء البلد. وخلصت القاضي كيربر إلى أن هذا كان هو الوقت الذي شهد فيه عدد الضحايا المدنيين زيادة كبيرة.

واستكملت القاضي كيربر بسرد الأحداث في 23 نيسان/أبريل، 2011، حينما قُتل أشخاص في مظاهرة باستخدام مدافع المياه والذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع. وفي 25 نيسان/أبريل، اقتحم الجيش السوري دمشق بمساعدة دبابات وقناصة. ووفقا للقضاة فقد استمر الحصار التالي حتى 29 نيسان/أبريل، وأدى إلى مقتل 200 شخص على أيدي قوات الأمن. وعندما احتج الآلاف في درعا على نقص إمدادات الماء والغذاء، تم إطلاق النار عليهم بالذخيرة الحية، مما تسبب في سقوط العديد من القتلى. ووقعت حوادث مماثلة في أماكن أخرى أيضاً في نفس الوقت. وأشارت كيربر إلى مثال في دوما، حيث تم إطلاق النار على الناس أثناء مداهمة واعتُقل الكثيرون بسبب أعمال عنف واسعة النطاق. وفي أيار/مايو 2011، بدأ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في فرض عقوبات على الحكومة السورية. ومع ذلك، ازداد عدد المطلوبين وازدادت الاعتقالات في سوريا. وظهرت الميليشيات، ومعظمها من الشبيحة الموالين للحكومة، بشكل متزايد في المظاهرات.

كما وجد القضاة أنه في شهر تموز/يوليو 2011، تأسس الجيش السوري الحر بزعم حماية الناس من الحكومة. وتألفت أجزاء من الجيش السوري الحر من جنود منشقين، عملوا سابقاً في الجيش السوري. ووجد القضاة أنه تم إطلاق النار على الجنود الذين خالفوا الأوامر. وأوردت رئيسة المحكمة القاضي كيربر تصاعد النزاع مبينة أن حماة اقتُحِمت في نهاية تموز/يوليو 2011 وقُتل فيها عدد كبير من المدنيين. وأضافت كيربر أن وتيرة النزاع تصاعدت أكثر في آب/أغسطس 2011. وبعد اجتماع في 5 آب/أغسطس، 2011، أدانت خلية إدارة الأزمة رد فعل قوات الأمن “المتراخي” على المظاهرات. وفي الرسالة نفسها، أبلغت الخلية مكتب الأمن الوطني بأن يقوم الجيش والمخابرات بمداهمات يومية. ويجب العثور على جميع مؤيدي الاحتجاجات ونقلهم إلى المخابرات. ويجب سحق المظاهرات. ويجب أن تُرسل تقارير يومية إلى رئيس مكتب الأمن الوطني. وأعقب ذلك اجتماعات ونقاشات أخرى في خريف 2011، كما تبين للقضاة. وأصبح سحق المظاهرات السلمية عنيفاً بشكل متزايد. وكأحد الأمثلة على العمل العسكري ضد المظاهرات، أوردت القاضي كيربر حادثة في دوما، حيث تم قطع الكهرباء والماء والإنترنت. وفي نهاية أيلول/سبتمبر 2011، حاصر الجيش المدينة.

واختتمت كيربر قائلة إنه من منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2011، حاولت جامعة الدول العربية التوسط. وقدّم النظام اقتراحات معينة، منها على سبيل المثال إطلاق سراح 3,500 معتقل، وسحب الدبابات، والسماح للجامعة ووسائل الإعلام بتغطية الوضع في سوريا.

الإجراءات التي اتخذها النظام

ألقى القضاة الضوء بإيجاز على الإجراءات التي اتخذها النظام في هذا السياق. ذكرت رئيسة المحكمة القاضي كيربر أن النظام حاول خلق صورة بأن هناك هجمات إرهابية تحدث في سوريا. لذلك “اتهموا المتظاهرين باستخدام السلاح” لتبرير أعمالهم العنيفة. وتم نقل عناصر المخابرات إلى المستشفيات متظاهرين بأنهم جرحى. ثم سُمح لممثلي وسائل الإعلام بمقابلة هؤلاء المصابين المزعومين. وعندما زارت جامعة الدول العربية الفرع 251، كان قد تم نقل جميع المعتقلين إلى مكان آخر وتظاهر السجّانون بأنهم المعتقلون. وعلى الرغم من جهود جامعة الدول العربية، استمر العنف في عام 2012.

قدمت القاضي كيربر عدة أمثلة: في شباط/فبراير 2012، تم إطلاق النار على شخص في مظاهرة في المزة، واعتقل العشرات. وفي الشهر نفسه، تعرضت حمص لقصف بالصواريخ عدة مرات. وفي بداية آذار/مارس 2012، تعرّض الناس في حمص لمجزرة. وقُتل أطفال وبالغون على أيدي القوات الحكومية والميليشيات. ووجد القضاة أن الحكومة واصلت الادعاء بأنها كانت تتصدى للهجمات الإرهابية فقط. وأوضحت كيربر أن هذه التفاصيل واستعادة الأحداث تستند بشكل كبير إلى شهادات الخبراء: السيدة ثورمان، و كريستوفر إنجلز من اللجنة الدولية للعدالة والمساءلة (CIJA)، الذي قدّم أيضاً وثائق خلية إدارة الأزمة المذكورة أعلاه إلى المحكمة، وكريستوف رويتر. ويعبّر القضاة عن امتنانهم الخاص للخبيرين مازن درويش وأنور البني.

دور أجهزة المخابرات

وفقا للقضاة فقد لعبت أجهزة المخابرات دوراً أساسياً في قمع الثورة. ولقد كانوا عنصراً حاسماً في الاحتفاظ بالسلطة، كما فعلوا ذلك لحافظ الأسد. وتبين للقضاة أن هناك خمس منظمات لأجهزة المخابرات في سوريا: مكتب الأمن الوطني، وهو وكالة التنسيق، وشعبة المخابرات العسكرية، وإدارة المخابرات الجوية، وإدارة المخابرات العامة، ومجلس الأمن الوطني5. وإن الأربعة الأخيرة مركزية6، ولها فروع في دمشق وفروع إقليمية. وفقا للقضاة فإنه بناءً على تفويضها، كان لدى الأفرع مرافق اعتقال خاصة بها، حيث تعرّض الناس بالفعل للتعذيب عندما كان حافظ الأسد في السلطة. ومن أساليب التعذيب: الضرب العشوائي بالكابلات والعصي، والدولاب والشبح. أوضحت القاضي كيربر أن بشار الأسد تبنّى هذه الهياكل واستخدمها لترهيب وإبادة المعارضة، لاسيما في عام 2011. وبدأت وسائل تحقيق ذلك في آذار/مارس 2011، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب والاعتقالات. وأضافت كيربر أنه خلال الثورة، ازداد عدد المعتقلين والقتلى بشكل مطرد. وفي حين كان الهدف من الاعتقالات هو الحصول على المعلومات في السابق، إلا أنه بدءاً من عام 2012 على أبعد تقدير، كان الهدف الرئيسي هو ترهيب وإبادة المعارضة.

وجد القضاة أن الأوضاع في مراكز الاعتقال استمرت في التدهور. ولم يضطر الناس لتحمل التعذيب فحسب، بل جُوّعوا وخُنقوا. وكان الوضع الصحي كارثياً. حيث تفاقمت حالات المرض والإصابات الناجمة عن التعذيب ولم يُقدم العلاج الطبي إلا على مستوى أساسي للغاية، هذا إذا تم تقديمه على الإطلاق. وأورد القضاة أن شهودا وصفوا كيف كانت حبوب الدواء تُرمى ببساطة داخل الزنزانة. ووفقا للقضاة فقد كان الناس يخشون للغاية أن يتم نقلهم إلى مستشفى لدرجة أنهم حاولوا إخفاء مشكلاتهم الصحية. وكان معروفاً بشكل خاص أنه بدلاً من تلقّي العلاج الطبي، تم تعذيب وقتل الناس في المستشفيات العسكرية مثل تشرين والمزة وحرستا.

وتابعت رئيسة المحكمة القاضي كيربر موضحة أنه تم جمع جثث المتوفين أثناء الاعتقال لدى المخابرات في المستشفيات. وبعد وقت قصير من بدء الثورة، تم تكليف مصورين عسكريين بتوثيق الجثث. وكان عليهم أن يلتقطوا صوراً للجثث التي كُتب عليها أرقام. وفقا للقضاة، فإن هذه الممارسة جاءت لضمان وجود دليل على عدم إطلاق سراح هؤلاء الأشخاص في الواقع. وكان عدد الأشخاص الذين ماتوا لدى المخابرات يتزايد بشكل ملحوظ بمرور الوقت. وأشار القضاة إلى تقارير عن حفر مقابر جماعية في [مقبرة] نجها في تشرين الأول/أكتوبر 2011. وكان عمق هذه المقابر 6 أمتار وعرضها 2–4 أمتار وطولها 100–200 متر. وتوجد تقارير مماثلة عن [مقبرة] القطيفة. حيث نقلت شاحنات مبردة الجثث، وتم توثيق أعدادها فور وصولها إلى المقابر الجماعية، ثم دفنت على عجل.

وأضافت القاضي كيربر أنه لم يتم إبلاغ أقارب المعتقلين بمكان وجود أحبائهم وبمصيرهم. واستطاعوا أحياناً الحصول على معلومات أو في بعض الأحيان حتى الإفراج عن أحبائهم عن طريق استخدام الرشوة أو استخدام علاقاتهم الجيدة مع أشخاص معينين.

تقييم الأدلة:

ذكرت القاضي كيربر أنه خلال المحاكمة، استمعت المحكمة إلى العديد من الشهود. وأضافت أيضا أن شهادة لو كين كانت مهمة بشكل خاص، حيث نقلت المعلومات التي قدمها قيصر وسامي. وتم تقديم شهادة سامي من قبل المفتش الجنائي الذي أجرى مقابلة معه سابقاً. وتتضمن ما تُدعى بملفات قيصر 26,935 صورة لـ6,821 شخصاً. كما تم تحليلها من قبل الأستاذ الدكتور روتشيلد الذي قدّم تحليله الشرعي المثير للإعجاب في المحكمة. وصرحت رئيسة المحكمة القاضي كيربر: “أودّ الإدلاء بإفادة شخصية حول هذه الملفات: لن أنسى هذه الصور أبداً“.

بخصوص الفرع 251:

استهلت القاضي كيربر قائلة أن الفرع “يتناسب تماماً مع الصورة العامة لفروع أجهزة المخابرات“. وذكرت أن الفرع 251 يسمى أيضاً “الفرع الداخلي” أو “الخطيب”، مضيفة أنه فرع لإدارة المخابرات العامة وقد كُلف في البداية بمراقبة الشرطة وعامة السكان والحزب [البعث]. ووجد القضاة أن توفيق يونس كان يرأس الفرع 251، المسؤول العام عن الأمن الداخلي. وفيما يتعلق بموقع الفرع وبمرافقه، فقد تبين للقضاة أن الفرع يقع في شارع بغداد بدمشق بالقرب من مستشفى الهلال الأحمر. ويتكون الفرع من مبنيين متقابلين بينهما ساحة. ويوجد في قبو أحد المبنيين على الأقل سجن للفرع 251. ويحتوي هذا السجن على زنازين منفردة وجماعية بالإضافة إلى غرف تحقيق. وتوجد غرف تحقيق إضافية في الطوابق العليا أيضاً. وكان يتم اعتقال الإناث بالإضافة إلى الذكور في الفرع، ولكن كان يتم فصلهم عن بعضهم البعض.

وتابعت كيربر مبينة أنه كلما كانت هناك مظاهرة، كانت مجموعات أكبر من المعتقلين الجدد تصل إلى الفرع 251. وكانوا يُجبرون على النزول من الحافلات في ساحة الفرع. وكانوا يتلقون في هذه المرحلة ما كان يُطلق عليه بشكل ساخر “حفلة الترحيب”. وهذا يعني أنه في اللحظة التي كانوا ينزلون فيها من الحافلات، كان السجانون يبدؤون بضربهم بقبضات اليد أو بأشياء معينة مثل العصي أو القضبان أو الهراوات. وكان هذا الضرب عنيفاً لدرجة أن بعض الشهود أخبروا المحكمة عن أشخاص عانوا من كسور في الضلوع. وتعرّض المعتقلون للركل وضرب رؤوسهم بالجدران، مما تسبب في فقدان بعضهم للوعي لساعات. وكان المعتقلون الجدد يضطرون أحياناً إلى الانتظار في الساحة لساعات قبل نقلهم إلى مكتب حيث كان يتعيّن عليهم خلع ملابسهم وترك متعلقاتهم الشخصية. وكان تفتيش المعتقلين يتضمن الجلوس في وضعية القرفصاء للتأكد من أنهم لم يُخفوا أي أشياء. وبعد ذلك، يُسمح لهم بارتداء ثيابهم مرة أخرى، على الأقل إلى درجة معينة، وثم يتم اقتيادهم إلى زنزانتهم.

كما وجد القضاة أن الزنزانات المنفردة التي تبلغ مساحتها 1×2م كانت تؤوي العديد من المعتقلين. وكانت الظروف في جميع الزنزانات كارثية. وكانت جميعها مكتظة جداً لدرجة أن الناس  لم يكن بوسعهم إلا الجلوس أو الاستلقاء في مناوبات. ولم يكن بالإمكان الاستلقاء والنوم إلا والأرجل متشابكة، وهي ممارسة كان لها اسمها الخاص [غير أن الاسم لم يذكر في هذه المرحلة]. وفي الزنزانات المجهزة بمرحاض، لم يكن المرحاض مفصولاً عادة عن الزنزانة. وإذا كان منفصلاً، فقد تم ذلك فقط من خلال ستارة معلقة، لذلك بشكل عام، لم تكن المراحيض منفصلة بشكل كافٍ عن بقية الزنزانة. وكان المرحاض يُستخدم من قبل عدد كبير من المعتقلين. كما لخصت القاضي كيربر أنه في الزنزانات غير المزودة بمرحاض، يُسمح للمعتقلين فقط باستخدام المرحاض خارج الزنزانة مرة أو مرتين في اليوم. وكانت مياه الشرب متاحة فقط من الصنبور بالقرب من المراحيض. ونظراً لتقييد الوصول إلى منطقة المراحيض، فيما يتعلق بكل من عدد المرات في اليوم والوقت المتاح لكل استخدام، لم يكن الأشخاص عادةً قادرين على الغسل أو حتى الاستحمام. وفي معظم الحالات، لم يكن هناك ضوء نهار داخل الزنزانات. حيث كانت إما مظلمة تماماً أو مضاءة طوال الوقت. وفي كلتا الحالتين، لم يتمكن المعتقلون من معرفة الوقت. وطبقا للقضاة فقد تسببت الظروف الغير صحية في العديد من الأمراض الجلدية التي لم يتم علاجها. ولم يكن العلاج الطبي متاحاً في الواقع. وكان الهواء داخل الزنزانات “تعيساً” وكانت التغذية غير كافية. حيث كانت المؤن الغذائية بالكاد تكفي للناس للبقاء على قيد الحياة. وكان بإمكان المعتقلين سماع صراخ وأصوات تعذيب في زنزاناتهم ليلاً ونهاراً. ولم يكن يتم إبلاغهم بمدة سجنهم وما إذا كانوا سيخرجون أحياء أصلا.

وبخصوص التحقيق، وضّحت القاضي كيربر أنه عادة ما كان يتم التحقيق بحضور ضابط تحقيق وسجّان واحد على الأقل. وأضافت أن الأشخاص الذين تم التحقيق معهم تعرّضوا لسوء المعاملة باستمرار. حيث كانوا يتعرضون لسوء المعاملة إما لأن الضابط لم يعجبه الجواب، أو قبل أن يجيبوا، أو لمجرّد إجابتهم. وجد القضاة أنه كانت هناك أوامر بإساءة معاملة الأشخاص، ولكن السجّانين أساءوا معاملة الأشخاص أيضاً دون تلقي أوامر محددة. وفي الفرع 251، تعرض المعتقلون عادة للصعق بالكهرباء والضرب بالكابلات والقضبان. وتم استخدام أسلوب الفلقة بشكل متكرر جداً. كما تعرّض المعتقلون للتعذيب باستخدام الدولاب والشّبْح. حيث لم يقتصر استخدام أسلوب الشّبْح لتعليق الأشخاص من السقف، ولكن أيضاً لضربهم أثناء وجودهم في هذا الوضع. وأشارت القاضي كيربر إلى أن شهودا أفادوا أنهم تلقوا تهديدات ضد عائلاتهم.

وفيما يتعلق بدور المدعى عليه، تبين للقضاة أن إياد الغريب عمل في هذا الفرع منذ عام 2010. وضّحت كيربر أنه عمل في البداية في قسم “الأديان”، ثم في المكتب في الزبداني، قبل أن ينضم إلى القسم 40 في تموز/يوليو 2011. وكان القسم 40 تابعاً رسمياً للفرع 251. ولكن نظراً لحقيقة أنه كان بقيادة حافظ مخلوف، ابن خال بشار الأسد، فقد تمتع هذا القسم بقدر كبير من الاستقلالية. وفقا للقضاة فقد كان عناصر القسم 40 بمثابة قوة تدخل سريع، وعملوا عادة في الميدان، واعتقلوا الناس في المظاهرات وعند نقاط التفتيش وقاموا بمداهمات. وأوردت كيربر أن المدّعى عليه نفسه وصف القسم 40 بأنه “تحالف أشبه ما يكون بالمافيا”.

الجرائم:

كما اقتنع القضاة أنه أثناء عمله في الفرع 251، لم تكن الأوضاع وكذلك الأفعال في الداخل محجوبة عن المدّعى عليه. وكان يعرف بشكل خاص عن وقوع التعذيب. وأشارت القاضي كيربر إلى إخباره الشرطة الجنائية الاتحادية بألمانيا أن المرء كان قادراً على سماع صراخ التعذيب وهو في كافيتريا الفرع.

وفي سرد تفاصيل الجرائم التي اتهم بها إياد، بيّنت القاضي كيربر في البداية أنه في مظاهرة انطلقت من مسجد في دوما في أيلول/سبتمبر أو تشرين الأول/أكتوبر 2011، تظاهر حوالي 3,000 – 6,000 من المتظاهرين السلميين، حيث جلسوا ورقصوا في الشوارع. وصدرت أوامر لحوالي 1,000 عنصر من قوات الأمن لمواجهة تلك المظاهرة. وكان من بين هؤلاء العناصر أفراد من المخابرات الجوية، ووزارة الداخلية، وعدة أفراد من الفرع 251، والجيش وحوالي 250 شخصاً من القسم 40. وتابعت كيربر موضحة أنه قد صدرت أوامر على الأقل لعناصر القسم 40 بإطلاق النار على الناس. واستغل حافظ مخلوف نفسُه الفرصة لإطلاق النار على المتظاهرين وأمر بأنه “من يحب الرئيس فليُطلق النار على الخونة”. ووفقا للقضاة فقد كان حافظ مخلوف قد وصل إلى المظاهرة بسيارته من طراز مرسيدس بنز، وشتم المتظاهرين وفتح النار من رشّاشه. وأصاب ما لا يقل عن خمسة أشخاص بقوا على الأرض، وبدأ 6–7 أشخاص آخرين في إطلاق النار أيضاً. بيْد أن القضاة وجدوا أن المدّعى عليه لم يُطلق النار وبدلاً من ذلك حاول التراجع. وحينما حاول المتظاهرون الفرار، لاحقهم عناصر الأمن ومن بينهم إياد واعتقلوا الكثيرين منهم. واقتنع القضاة أن ما لا يقل عن حافلتين صغيرتين نقلتا الأشخاص من دوما إلى الفرع 251. وتعرّض العديد من الأشخاص الموقوفين للضرب أثناء الرحلة، وبمجرّد وصولهم إلى الفرع 251، تعرّضوا لما يُطلق عليه “حفلة الترحيب” في طريقهم من الساحة إلى المبنى. حيث تعرّض جميع المعتقلين للضرب المبرح والضرب بقضبان معدنية.

لم يتمكن القضاة من تحديد ما إذا كان إياد نفسه قد ضرب أياً من المعتقلين. وتم تحديد عدد الأشخاص وحالات التعذيب التي شارك فيها إياد لصالح المدّعى عليه. وبينما ذكر إياد “حافلات”، وجد القضاة أن هناك حافلتين [تقلّان أشخاصاً معتقلين]. وتحديداً بعد صلاة الجمعة، كان يتم نقل الأشخاص إلى الفرع 251 على متن هاتين الحافلتين. وأشارت القاضي كيربر إلى الشاهد P5 الذي أخبر المحكمة أن سعة هاتين الحافلتين كانت حوالي 15–20 شخصاً، ومع ذلك، فهي عادة ما كانت مكتظة. ولصالح المدّعى عليه، وجد القضاة أنه كان هناك 15 شخصاً في كل حافلة. وتعرّض جميعهم للتعذيب وعانوا من آلام جسدية أثناء اعتقالهم. وعانوا جميعاً من “حفلة الترحيب” ومن ظروف اعتقال لا توصف. واضطروا جميعاً إلى سماع صراخ وأصوات تعذيب مستمرة. ولقد تُركوا جميعاً في حالة من عدم اليقين التام بشأن ما إذا كانوا سيتمكنون من الخروج أحياء.

واستطردت القاضي كيربر مبيّنة أن بصفته عنصرا في جهاز المخابرات المكلّف بقمع المظاهرات، علم إياد بالاعتداء الواسع والمنهجي للحكومة السورية. كما كان على علم بنقل المعتقلين إلى الفرع 251 والمعاملة القاسية التي تعرّضوا لها هناك. وأضافت كيربر أن كونه عمل موظفاً لمدة عام في الفرع 251، فقد كان إياد يعلم بممارسات التعذيب والمصير الذي لاقاه المعتقلون. وعمل في الفرع 251 منذ شباط/فبراير 2010، ومنذ ذلك الحين كان يدخل المبنى ويغادره بانتظام وكان يسمع أصوات الصراخ التي كان بإمكان المرء سماعها حتى في الكافيتريا، كما أوضح هو نفسه. وإجمالا، وجد القضاة أن علمه لم يكن يقتصر على أشخاص يتعرضون للتعذيب ابتداءً من آذار/مارس 2011، بل كان يعلم أيضاً بالتغييرات التي حدثت منذ آذار/مارس 2011. وأوردت كيربر قول إياد إن “العقاب ازداد، وكان السجانون يفعلون ما يشاؤون“.

التقييم القانوني:

وُجِد المدّعى عليه إياد مذنباً بالمساعدة والمشاركة في جرائم ضد الإنسانية. وتم استيفاء متطلبات الاعتداء واسع النطاق والمنهجي على الأقل منذ نهاية آذار/مارس 2011. وكجزء من هذا الاعتداء، فقد ساعد إياد وشارك في التعذيب (المادة 7(1) 5 VStGB ) والحرمان الشديد من الحرية (المادة 7(1) 9 CCAIL) في 30 حالة. ولا ينطبق الدّفْع بالإكراه وفقاً المادة 35 StGB.

وفي حين كانت العقوبة القاسية ممكنة في حالات العصيان، لم يتمكن القضاة من أن يجزموا ما إذا كان إياد قد فكّر بالفعل في المغادرة أو بقي رغماً عنه بسبب العواقب المحتملة. وذكرت رئيسة المحكمة القاضي كيربر أن إياد لم يُدلِ بأي إفادات حول هذه النقاط.

ووفقا للقضاة فإنه لا يستقيم القول بأنه لم تكن لديه فرصة للمغادرة على الإطلاق. ففي ضوء وجود 250 عنصراً من القسم في هذه المظاهرة بالذات، وجد القضاة أنه من المشكوك فيه ما إذا كان سيتم اكتشاف ذلك، هب أن إياد غادر المكان. وكان بإمكانه أيضاً التظاهر بأنه أصيب بسبب التعثر أو التظاهر بالتواء في الكاحل. كما كان بإمكانه الادعاء بالمرض قبل تلك العملية. [وبما أنه لم يَدْفع بالإكراه] خلصت رئيسة المحكمة القاضي كيربر إلى أن إياد مذنب بارتكاب عمل غير قانوني.

الحُكم:

مشددة على أن إياد لم يكن يُحاكَم على الفظائع التي ارتكبها النظام، وضّحت القاضي كيربر أنه كان متهما فقط بارتكاب أفعال منسوبة إليه مباشرة وبمساهمته في هذه الأفعال. وفي ضوء ذلك، فقد اتخذ القضاة القرارات التالية فيما يتعلق بمدة العقوبة في قضيته:

وفقاً للمادة 7(1) CCAIL، يعاقَب الفرد بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات لانتهاكات المادة 7(1) البند رقم 5 CCAIL (التعذيب) وبالسجن لمدة لا تقل عن سنتين لانتهاكات المادة 7(1) البند رقم 9 CCAIL (الحرمان الشديد من الحرية). وضّحت كيربر أنه في ضوء الجريمة الرئيسية المتعلقة بالمساعدة والمشاركة في التعذيب وفقاً للمادة 7(1) البند رقم 5 CCAIL، تكون العقوبة مبدئياً بالسجن لمدة تتراوح بين 5 و15 عاماً. وفي ضوء الظروف الإجمالية وعدد الأشخاص، تم تعديل العقوبة في الخطوة التالية إلى السجن لمدة تتراوح بين عامين و15 عاماً، وفقاً للمادة 7(2) CCAIL. وبيّنت القاضي كيربر أن هذا التعديل أتى لصالح المدّعى عليه نظراً للعوامل التالية:

  • قام إياد بتجريم نفسه لدى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين وكذلك لدى مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية بألمانيا، وجاء الحكم الصادر بحقه إلى حد كبير استناداً إلى هذه الإفادات.
  • في الوقت الذي ارتُكبت فيه الجرائم، كان جزءاً من هيكل هرمي حيث تعرّض لضغط معين للتصرّف.
  • بعد انشقاق مبكّر نسبياً في كانون الثاني/يناير 2012 – أدار ظهره للنظام ولم يجد القضاة ما يخالف ذلك –.
  • في الوقت الذي ارتُكبت فيه الجرائم، لم يكن لديه سجل جنائي، بقدر ما أمكن تحديد ذلك.

واستطردت كيربر مبيّنة أن هذه العوامل وحدها لم تكن كافية لتخفيض العقوبة القصوى، بافتراض وقوع حادثة أقل خطورة. غير أن حقيقة أنه فقط قد ساعد وشارك في الجرائم كانت سببا كافيا لتخفيض العقوبة على النحو المذكور أعلاه. وأشار القضاة إلى المادة 49 StGB التي تنص على أن أعلى عقوبة ممكنة في مثل هذه القضايا هي السجن 11 عاماً و3 أشهر.

وأشارت كيربر أنه لزم إجراء تعديل إضافي على الحكم وفقاً للمادة 46ب StGB. وأوضحت أنه في حين أن المدّعى عليه لم يدلِ بأي إفادات أثناء المحاكمة الرئيسية، إلا أنه ساهم بالفعل في اكتشاف جرائم [أخرى] في استجوابه لدى مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية بألمانيا. وخلال هذا الاستجواب، تحدّث بالتفصيل عن تصرفات أنور رسلان وعلى وجه الخصوص عن حقيقة أنه شاهد كيف تم ضرب الناس بقضبان معدنية في الفرع 251 وكيف تعرّضوا للضرب حتى الموت. وذكر أنه شهد خمس أو ست عمليات نقل لحوالي عشر جثث من الفرع 251 حدثت في عام 2011. وأوردت كيربر أن هذه الحوادث مدرجة أيضاً في لائحة الاتهام ضد أنور رسلان وما كان بالإمكان إثباتها وعزوها إلى أنور رسلان بدون إياد. وللأسباب المذكورة أعلاه، تم تحديد هامش العقوبة بالسجن من 6 أشهر إلى 11 سنة و3 أشهر. ولتحديد هذا الهامش، تمت مراعاة الجانب المذكور أعلاه لصالح المدّعى عليه وكونه ساعد وشارك في الجرائم وساهم في الكشف عن جرائم. وشددت كيربر مرة أخرى على أنه لولا إفادة إياد لما كان قد صدر حُكم.

اعتبر القضاة ما يلي عوامل مشددة للعقوبة في قضية إياد:

  • عمل طوعاً في جهاز قمعي وعاد طوعاً من وظيفة مكتبية إلى العمل التنفيذي (الميداني).
  • عدد الأشخاص [30].
  • تعرّض المعتقلون لظروف يصعب وصفها بالكلمات.
  • ساعد وشارك في شكلين من الجرائم ضد الإنسانية بموجب المادة 7(1) CCAIL: التعذيب والحرمان الشديد من الحرية.

سبق وأن ذكر القضاة العوامل المخففة للعقوبة، وفي نهاية المطاف حكموا على إياد بالسجن 4 سنوات و6 أشهر وأمروا بتأييد مذكرة احتجازه [إبقائه في الحجز].

وأعلنت رئيسة المحكمة، القاضية كيربر، أنه تم الانتهاء من جلسات التعليل الشفوي، وسألت الدفاع الآن عما إذا كانوا يريدون أن يتم إبلاغهم بسبل الانتصاف وما إذا كان ينبغي أن تعرض النسخة المختصرة أو الطويلة من ذلك. فطلب الدفاع نسخة مختصرة.

وطلب أحد المترجمين أخذ استراحة. فقالت القاضي كيربر إن هذا سيستغرق خمس دقائق فقط كحد أقصى وطلبت من المترجمين التناوب.

وقدّمت القاضي كيربر المعلومات التالية فيما يتعلق بسبل الانتصاف للدفاع:

يمكن استئناف الحكم [إعادة النظر في الحكم] خلال أسبوع واحد [إخطار بالاستئناف]. ويجب أن يتم ذلك إما كتابياً أو يتم نقله إلى البروتوكول في مكتب المحكمة المحلية في كوبلنتس أو المحكمة المحلية التي تشرف على سجن المدعى عليه. ويجب كتابة إخطار الاستئناف باللغة الألمانية. حيث يجب تقديم إعلان مكتوب إلى المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس في غضون المهلة المحددة. وبالتالي لا يكفي مجرد الحصول على الطابع البريدي في غضون المهلة الزمنية المحددة. ويجب أن تكون إعادة النظر مشفوعة بالأسباب. لذلك، يجب تقديم طلب يوضح بالتفصيل إلى أي مدى سيتم استئناف الحكم. علماً بأن رسالة موقعة تعتبر غير كافية. وبدلاً من ذلك، يجب أن يؤخذ الطلب والتعليل إلى البروتوكول من قبل مكتب المحكمة. ويجب أن يتم التوقيع عليها من قبل محامي الدفاع وتقديمها كتابة. ويجب أن يتم ذلك في غضون شهر واحد بعد تلقّي الحكم. وهنا مرة أخرى، لا يعتبر الطابع البريدي كايا للوفاء بالموعد النهائي.

وسألت القاضي كيربر إياد ومحامي الدفاع عنه عمّا إذا كانوا يطلبون معلومات أكثر تفصيلاً. نفى محامي الدفاع شوستر ذلك.

سألت القاضي كيربر المدعين العامين نفس السؤال، ونفوا بدورهم ذلك أيضاً.

واختتمت القاضي كيربر المحاكمة باستمرار سجن إياد، على أن يتم تقديم الطعون ضد ذلك كتابةً باللغة الألمانية إلى المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس أو المحكمة المحلية المسؤولة عن السجن الذي يقيم فيه إياد حالياً.

قال المدعون العامون إنهم سيمتنعون عن اتخاذ أي خطوات قانونية [استئناف] ضد الحكم.

انتهت محاكمة إياد الغريب في المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس في الساعة 11:15 صباحاً بتاريخ 24 شباط/فبراير، 2021.

ستنعقد الجلسة القادمة من محاكمة أنور رسلان في 10 آذار/مارس، 2021.

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.