ميثاق عدالة جديد يمنح صوتاً لمطالب الضحايا
في 17 شباط/فبراير، 2021، قامت مجموعة من منظمات يقودها الضحايا والعائلات تعمل من أجل تحقيق العدالة للمعتقلين والمفقودين بإصدار “ميثاق الحقيقة والعدالة”. حيث يقدّم هذا الميثاق رؤية موحدة للعدالة في جرائم الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في سوريا ويتضمن قائمة مطالب موحدة. وتهدف هذه الوثيقة إلى توفير إطار لجهود العدالة التي تركّز على روايات الضحايا وتسمح لمنظمات الضحايا بالعمل معاً على هذه القضايا.
وفي حين أن المنظمات التي يقودها الناجون والعائلات كانت بالفعل تقود الجهود لتسليط الضوء على الاعتقال والجرائم ذات الصلة، فإن الميثاق يمثل خطوة مهمة إلى الأمام. ومن خلال توضيح رؤيتها المحددة والموافقة على التعاون، يمكن للمنظمات زيادة تأثير عملها. ويوفر الميثاق أيضاً إطاراً مهماً للجهات الفاعلة الأخرى في مجال العدالة الراغبة في السعي لتحقيق العدالة التي تركز على الضحايا.
وتم تطوير هذا البيان المشترك من خلال عملية تشاور واسعة النطاق، تم إطلاقها في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 من قبل ممثلين من خمس منظمات يقودها ناجون:
- رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا – مجموعة من معتقلين سياسيين سابقين يدافعون عن الحقيقة والعدالة عن الجرائم التي وقعت في سجن صيدنايا.
- رابطة عائلات قيصر – مجموعة من أفراد عائلات المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب والقتل أثناء الاعتقال في سوريا وتم التعرف عليهم لاحقاً في صور قيصر ويطالبون بالحقيقة والعدالة والإنصاف لأحبائهم.
- تحالف أسر الأشخاص المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية داعش (مسار) – مجموعة من أفراد العائلات تسعى إلى الحقيقة والعدالة لأفراد أسرهم المختطفين من قبل داعش أثناء احتلاله لأراض سورية.
- عائلات من أجل الحرية – مجموعة تقودها نساء من أفراد عائلات المعتقلين بشكل غير قانوني من قبل جميع أطراف النزاع السوري للمطالبة بعودة أقاربهم.
- تعافي – مبادرة يقودها الضحايا وتتمحور حول الضحايا وتدعم الناجين من الاعتقال والتعذيب مع شبكة من 120 ناجٍ يدافعون عن حقوق الضحايا في العدالة والمساءلة والمشاركة.
العدالة المرتكزة على الضحايا
يؤكد ميثاق الحقيقة والعدالة على الحاجة الملحّة لوقف الانتهاكات والتخفيف من محنة الناجين وعائلاتهم. كما يشدّد على أهمية تطوير طرق فعالة لمنع تكرار مثل هذه الجرائم على المدى الطويل. ولذلك تم تقديم المطالب في هذا البيان الجماعي، مع ترتيب الأولويات. وفيما يلي مطالب العدالة المحددة، المقتبسة من الميثاق:
- الإفراج الفوري عن المعتقلين وكشف مصير المختفين والمغيّبين قسراً؛
- الوقف الفوري للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والجرائم الجنسية؛
- تسليم رفات المتوفين نتيجة لظروف الإختفاء القسري والاعتقال؛
- إلغاء المحاكم الميدانية والاستثنائية؛
- توفير محاكم عادلة مدنية مستقلة تراعي المعايير الدولية؛
- التعويض وجبر الضرر؛
- الاعتراف بالحقيقة وتخليد الذكرى؛
- إصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية وممارساتها.
ويسهب الميثاق في شرح كل من هذه المطالب، ويتبع ذلك مطالب إضافية تتعلق بالمساءلة وعملية السلام. وترى المنظمات الموقعة أن السلام لا يتحقق إلا بعد الكشف عن مصير المعتقلين والمختفين وإطلاق سراح جميع المعتقلين ظلماً. وبالنسبة لهم، فإن محاسبة الجناة على جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم في سوريا. وفي حين أن محادثات السلام مهمة للتغلب على الأزمة وإنهاء الأعمال العدائية، فإن العملية برمتها ستكون بلا معنى إذا تم التنازل عن العدالة.
أخيراً، تطالب المجموعة بدستور سوري يحترم ويحمي كرامة الإنسان وسيادة القانون ويضمن استقلالية النظام القضائي، ويجرّم الإخفاء القسري للأشخاص والتعذيب والاعتقال التعسفي والمحاكمات الجائرة.
ميثاق الحقيقة والعدالة: من الورق إلى التطبيق
يُعدّ توحيد المطالب من أجل الحقيقة والعدالة، في بيان رسمي مشترك، خطوة قيّمة لتعزيز جهود العدالة الانتقالية في سوريا. ولكن من الضروري النظر في إنشاء إطار عملي لتحقيق مطالب الميثاق. حيث أكّدت المنظمات الموقعة عزمها خلال حفل الإطلاق على دراسة عدد من التدابير المحددة التي من شأنها ضمان تنسيق وتعاون أفضل بين أعضاء المجموعة بالإضافة إلى سلسلة من أنشطة التوعية لتوسيع المعرفة بالميثاق. ويمكن لهذه المنظمات أن تستفيد من خلال النظر إلى بعض الأمثلة من التاريخ لمعرفة كيف نجحت تحالفات مماثلة في سياقات أخرى.
وإن في حالتي غواتيمالا وجنوب إفريقيا مصدر كبيرً للإلهام. في غواتيمالا، لعبت جمعية المجتمع المدني (ACS)، وهي عبارة عن تجمع لمنظمات متنوعة (نقابات، مجموعات حقوق إنسان، جامعات، أحزاب سياسية، إلخ)، دوراً مهماً في تسهيل الحوار وبناء توافق في الآراء بين الحكومة والوحدة الثورية الوطنية الغواتيمالية (URNG) بشأن تشكيل لجنة الحقيقة. وبذلت الجمعية جهوداً لبناء قدرتها التقنية في مجال المناصرة وفضّ النزاع مما أدى إلى الاعتراف الرسمي بها كمحاوِر من قبل الطرفين خلال محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.
وإن التحالف ضد الإفلات من العقاب هو مثال آخر ذو صلة من نفس السياق. حيث يتألف التحالف من العديد من منظمات حقوق الإنسان الرئيسية في غواتيمالا. ومن خلال مجموعة من جهود المناصرة المحددة، ضغطت المجموعة لاستبعاد العفو عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قانون المصالحة الوطنية.
وفي جنوب إفريقيا، لعبت المنظمات غير الحكومية أيضاً دوراً مهماً في توجيه ودعم المعارضة العامة، فضلاً عن توثيق ونشر الفظائع التي ارتكبتها الحكومة. وكانت مساهمتها أكثر أهمية في اعتماد وتشكيل لجنة الحقيقة والمصالحة (TRC). ولم تقتصر جهودها على زيادة الوعي. حيث عملت المنظمات غير الحكومية في جنوب إفريقيا بجدّ لتبليغ وإدماج مطالبها ورؤاها في التشريعات وشاركت بنشاط في عمليات التحقيق وجبر الضرر.
إن ترجمة مطالب الميثاق إلى خطوات ملموسة لمعالجة الثغرات والتحديات التي تواجه المساءلة ستعزز تأثير الأداة وتضيف إلى قيمتها على المستويين الوطني والدولي. ومن شأن استكشاف تحالفات وشراكات جديدة، فضلاً عن فرص بناء القدرات للمنظمات الموقّعة في مجال العدالة الانتقالية، والتوثيق، والمناصرة، وصنع السياسات أن يؤدي إلى تمكين المبادرة أيضاً. ويمكن أن يكون إطلاق الميثاق السوري للحقيقة والعدالة مدخلاً للمنظمات التي يقودها الضحايا والناجون للعب دور أكبر في تشكيل مستقبل العدالة في سوريا.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.