وثائق جديدة تُظهر قيام الحكومية السورية باستخدام المدارس لأغراض عسكرية
يتم الإبلاغ على نطاق واسع عن الدمار الذي خلفه النزاع السوري على نظام التعليم في البلد منذ الأيام الأولى للنزاع. حيث استُهدِفت المدارس بضربات جوية عسكرية، واتّخذها النازحون ملاجئ على نحو مرتجل، واستُخدمت لأغراض عسكرية من قبل قوات الحكومة والمعارضة. وفي هذا اليوم، احتفاءً باليوم الدولي للتعليم، ينشر المركز السوري للعدالة والمساءلة عيّنة من وثائق الحكومة السورية التي توضّح مدى الدمار الذي لحق بنظام التعليم في سوريا بسبب النزاع. وفي هذه الوثائق، تُقرّ الحكومة بوضوح باستخدامها المدارس لأغراض عسكرية، وتُقرّ بالدمار الواسع الذي تعرّضت له المدارس، وتحديداً في منطقة إدلب.
كانت الوثيقتان الحكوميتان، المكونتان من 38 صفحة، من بين آلاف الوثائق التي جمعها فريق التوثيق التابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة في عامي 2013 و2015 من منشآت حكومية مهجورة داخل سوريا. وفي هذه الوثائق التي أعدّتها وزارة التربية والموجهة إلى محافظ إدلب عام 2013، تم توفير معلومات عن 410 مدارس في محافظة إدلب. حيث تم عمل قائمة بالمدارس بحسب فئات مختلفة، منها: مدارس مشغولة من قبل مدنيين نازحين، ومدارس مشغولة من قبل جماعات [معارضة] مسلحة، ومدارس مشغولة من قوات عسكرية سورية، ومدارس مغلقة، ومدارس تعرّضت لدمار جزئي أو كلي. وإذا أخذناها مجتمعة، تقدّم هذه القائمة نظرة عامة صادمة بشأن الدمار الذي لحق بمدارس المحافظة في ذروة النزاع.
الوثيقة أ: تصنيف المدارس
تتضمن هذه الوثائق اعترافاً واضحاً من الحكومة السورية باستخدام تسع مدارس لأغراض عسكرية من قبل قواتها. وتم تسجيل هذه المدارس التسع أول مرة على أنها “مشغولة من قبل قوات حكومية” في وثيقة في حزيران/يونيو 2013، ثم مرة أخرى بعد أكثر من شهر في تموز/يوليو، تمت الإشارة إلى استخدام قوات حكومية سورية للمدارس كقواعد عسكرية لفترة طويلة من الزمن.
الوثيقة ب: المدارس المشغولة من القوات العسكرية
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها توثيق استخدام المدارس في سوريا لأغراض عسكرية. في الواقع، بين عامي 2013 و2018، أكّدت الأمم المتحدة 72 حالة من حالات استخدام المدارس في سوريا لأغراض عسكرية، بالإضافة إلى 23 حالة في عام 2019. وشملت هذه الحالات إشغالاً للمدارس من قبل قوات حكومية سورية، وداعش، وهيئة تحرير الشام، ووحدات حماية الشعب الكردية، والقوات التركية من بين آخرين. وتتضمن وثائق المركز السوري للعدالة والمساءلة أيضاً معلومات عن 42 مدرسة مختلفة يقال إنها مشغولة من قبل جماعات مسلحة غير حكومية. غير أن هذه الوثائق فريدة من نوعها في تقديم تفاصيل عن الاستخدام العسكري الحكومي للمدارس كما أفاد مسؤولو الحكومة السورية نفسها.
ويمثّل الاستخدام العسكري للمباني المدرسية خطراً واضحاً على الأطفال. حيث يؤدي وجود الجيش في المرافق التعليمية إما إلى إغلاق المدارس، أو حرمان الأطفال من حقهم في التعليم، أو وضع الأطفال على مسافة قريبة من الجيش بشكل خطير، مما يعرّضهم غالباً لاحتمالية الاستغلال والتجنيد. وعلاوة على ذلك، فإن استخدام المدارس كقواعد عسكرية يلغي وضعها كبنية تحتية مدنية، مما يعرّضها لهجوم عسكري، ومما يعرّض الطلاب والمعلمين للخطر، ويمكن أن يُلحق ضرراً أو دماراً بالبنية التحتية التعليمية.
وعلى الرغم من هذه المخاطر، لم يكن هناك على مرّ التاريخ حظر واضح على استخدام المدارس لأغراض عسكرية. ومع ذلك، فقد ازدادت وتيرة القلق بشأن هذه القضية على مدى العقد الماضي، مما أدى إلى إطلاق حملة لحظر استخدام المدارس لأغراض عسكرية، وتعزيز المكانة المدنية للمدارس، وتأمين حماية أكبر للأطفال الذين يعيشون في ظل النزاع. وتُوّجت هذه الجهود بإصدار المبادئ التوجيهية لحماية المدارس والجامعات من الاستخدام العسكري أثناء النزاعات المسلحة لعام 2014 وإعلان المدارس الآمنة لعام 2015. ومنذ إطلاقه، وقّعت 106 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على هذا الإعلان، والتزمت بتعزيز حماية المدارس، بما في ذلك حظر الاستخدام العسكري. ولم تكن سوريا من بين الدول الموقّعة.
قد تتطلب حماية الطلاب ومنع الانتهاكات المتعلقة بالتعليم كيانات متميزة من القانون الدولي للنظر إلى الحق في التعليم بشكل أكثر شمولاً. ويفرض القانون الدولي لحقوق الإنسان التزامات واسعة على الدول لضمان الحق في التعليم. وإن هذه الالتزامات منصوص عليها في مواثيق مختلفة صادقت عليها الدول، بما في ذلك سوريا، لكن تفعيل امتثال الدول دائماً ما يمثل مشكلة. ويشجع القانون الدولي الإنساني الجهات الفاعلة الحكومية والغير حكومية على منع إعاقة التعليم في سياق النزاع المسلح. ولكن يُنظر إلى نطاق الحقوق المتعلقة بالتعليم من منظور ضيق للغاية ولا ينطبق إلا على سيناريوهات محددة. ويمكن أن يوفر القانون الجنائي الدولي سبيلاً مفيداً للانتصاف. وعلى الرغم من أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يجرّم على وجه التحديد استهداف وتدمير الممتلكات ذات الصلة بالتعليم، إلا أنه لا يجرّم استخدام المدارس لأغراض عسكرية. ومع ذلك، يمكن أن تقع آثار جانبية لسوء استخدام المدارس ضمن فئات أخرى من الجرائم، مثل الاضطهاد. وتتجاوز الانتهاكات المتعلقة بالتعليم عدم قدرة الطفل على الذهاب إلى المدرسة أو الذهاب إلى المدرسة في ظروف غير آمنة. فهي تؤدي بشكل مباشر إلى انتهاكات أخرى، بما في ذلك تجنيد الأطفال في جماعات مسلحة وأشكال مختلفة من استغلال الأطفال، بناءً على عضوية الطفل في مجموعة مستهدفة، مثل المجتمعات المحلية في سوريا ذات الانتماءات السياسية الواضحة. وبناءً على ذلك، فإن توسيع نطاق رؤية ما يشكّل جريمة ذات صلة بالتعليم، فضلاً عن الالتزامات المتعلقة بالتعليم للجهات الفاعلة الحكومية والغير حكومية، من شأنه أن يعزز الحق في التعليم بشكل أكثر فعالية.
كان تدمير المرافق التعليمية، والإصابات والوفيات بين الطلاب والمعلمين أثناء وجودهم في المدرسة، وحرمان عدد لا يحصى من الأطفال من حقهم في التعليم من أكثر التبعات المروعة والدائمة للنزاع في سوريا. وفي اليوم الدولي للتعليم لهذا العام، ينبغي أن يواصل المجتمع الدولي جهوده لحماية جميع المدارس بصفتها مساحات مدنية والعمل على حظر الاستخدام العسكري للمرافق التعليمية في سوريا وفي جميع أنحاء العالم.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.