1 min read
اعتبارات حول محكمة الولاية القضائية المدمجة لسوريا

اعتبارات حول محكمة الولاية القضائية المدمجة لسوريا

بدأت مبادرة العدالة للمجتحع المفتوح (OSJI) نقاشاً مع منظمات المجتمع المدني السوري حول إنشاء محكمة على غرار محكمة نورمبرغ لمحاكمة مجرمي الحرب السوريين. وفي حين يعبّر المركز السوري للعدالة والمساءلة عن دعمه عموماً لجميع الجهود التي يمكن أن تحقّق قدراً من العدالة والمساءلة عن الفظائع المرتكبة في سوريا منذ عام 2011، إلا أن عقبات عملية وقانونية كبيرة تقف أمام إنشاء مثل هذه المحكمة.

ما هي محكمة الولاية القضائية المدمجة؟

يمكن إنشاء محكمة ولاية قضائية مدمجة بموجب اتفاق دولي من قبل دولتين أو أكثر مهتمّتين بمحاكمة جرائم الحرب السورية من خلال تفويض الصلاحيات القائمة لديهما أصلاً إلى هيئة جديدة. وتشمل الدول التي تلاحق حالياً قضايا جنائية من خلال الولاية القضائية العالمية ألمانيا وهولندا والسويد ودول أوروبية أخرى. ويوجد اقتراح يشير إلى أن محكمة الولاية القضائية المدمجة ستكون أكثر كفاءة، وتقلل من الأعباء داخل كل دولة، وتستفيد من مشاركة المتخصصين في القانون الجنائي الدولي.

تم إنشاء محكمة نورمبرغ من قبل المنتصرين في الحرب العالمية الثانية في ظل عدم وجود دولة ألمانية فاعلة لمقاضاة القيادة النازية. وتم إنشاؤها بموجب اتفاقية دولية، ولكن تم انتقادها لتجريمها أفعال لم تكن مجرمة قبل إنشائها (بأثر رجعي أو مبدأ الشرعية). ويُقال إنها مثال لمحكمة ولاية قضائية مدمجة.

مخاوف بالغة

تم إنشاء وحدات خاصة بجرائم الحرب في عدد من الدول للتحقيق في جرائم الحرب، ولاسيما عندما يكون الجاني مقيماً داخل البلد. وقد زاد عدد القضايا التي تلاحقها هذه الوحدات بشكل مطرد على مدى العقد الماضي مع مزيد من التركيز بألا يكون هناك إفلات من العقاب على الجرائم الخطيرة، حتى عندما تُرتكب تلك الجرائم في الخارج كتلك التي ارتُكِبت في سوريا. كما أصبحت هذه الوحدات أكثر تخصصاً وطورت خبرات في القضايا التي تحقّق فيها.

وفي ضوء هذا التطور، ليس من الواضح ما إذا كانت الموارد متاحة من هذه الدول نفسها للمساهمة في إنشاء محكمة ولاية قضائية مدمجة. وهناك خطر حقيقي يتمثل في أن الأموال والموارد التقنية التي يمكن أن تدعم الهياكل القائمة أصلاً سيتم استنزافها لدعم الكيان المنشأ حديثاً. وعلاوة على ذلك، سيستغرق التفاوض على الصكوك القانونية اللازمة (النظام الأساسي، والقواعد الإجرائية، والأدلة) قدراً كبيراً من الوقت والنفقات التي ستكون ضرورية لإنشاء وتشغيل محكمة ولاية قضائية مدمجة. وتشير التجارب إلى أن هذا يمكن أن يستغرق من سنة إلى سنتين. وحتى بعد إنشائها، من المحتمل ألا تتمتع هذه المحكمة بسلطات أكثر من المؤسسات الحالية لمحاكمة مجرمي الحرب السوريين.

تمنع الحصانات الوظيفية والشخصية عمومًا مقاضاة كبار المسؤولين الحكوميين في بلد أجنبي (انظر قضية مذكرة التوقيف الصادرة عن محكمة العدل الدولية). حتى لو لم تكن محكمة الولاية القضائية المدمجة ملزمة بهذه الحصانات – وهي مسألة سيتم الترافع بشأنها بالتأكيد- فليس هناك احتمال معقول بأن يمثل بشار الأسد أو غيره من كبار المسؤولين السوريين أمام هذه المحكمة لمقاضاتهم.

الحقيقة البسيطة هي أنه لا توجد آلية مادية للوصول إلى رفع الحصانة عن هؤلاء الأشخاص من خلال إجراءات التسليم مالم يحدث تغيير سياسي في سوريا. كما أن علاقة مثل هذه المحكمة مع الآلية الدولية المستقلة والمحايدة (IIIM) غير واضحة. تم إنشاء هذه الآلية لوضع الأساس للملاحقات القضائية المستقبلية من خلال دمج الأدلة وتوثيقات الانتهاكات الحاصلة في سوريا في “مستودع مركزي”، لكن ليس لديها صلاحية للإدعاء. هل ستخلق محكمة الولاية القضائية المدمجة مزيدًا من التكرار أم أن الآلية الدولية المستقلة والمحايدة (IIIM) ستصبح قديمة؟ عملت المنظمات السورية بجد لمناصرة إنشاء هذه الآلية وتمويلها الكامل. سيكون من العار إنهاء دورها في هذا المنعطف لصالح فكرة غير مثبتة الجدوى.

أخيرًا، نشأ اقتراح تشكيل محكمة الولاية القضائية المدمجة من مناقشة فشل الحكومة السورية في الاستجابة لطلب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW). حيث يعد استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية ضد شعبها انتهاكاً خطيراً للغاية يتطلب التحقيق والمحاسبة.

في الواقع إن فريق التحقيق والتحديد التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (IIT) مكلف بإسناد المسؤولية عن الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا، على الرغم من أنها تفتقر أيضًا إلى الولاية القضائية للمحاكمة. ولكن إذا تم إنشاء محكمة مختصة مشتركة خارج هذه العملية، فهناك خطر كبير يتمثل في أن اختصاصها يمكن أن يقتصر فقط على النقاط المتنازع عليها أمام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أي استخدام الأسلحة الكيميائية. في حين أن أي محكمة يتم إنشاؤها لمحاكمة الجرائم في سوريا يجب أن تكون شاملة وأن تنظر في المشهد الكامل للانتهاكات المرتكبة أثناء النزاع.

الخلاصة

لا تزال هناك ثغرات خطيرة في المساءلة عن الجرائم المرتكبة في سوريا. وفي مقدمتها الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة السورية والقادة المدنيون والعسكريون الذين أمروا بتلك الانتهاكات. في نهاية المطاف ، ستكون الملاحقة القضائية في محكمة دولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية، أو محكمة سورية مختلطة بعد النزاع، هي المكان الأنسب لمقاضاة ومحاسبة هؤلاء الأفراد. إلى أن يحين الوقت الذي يصبح فيه ذلك ممكنًا سياسيًا، يجب أن ندعم عمل وحدات جرائم الحرب الخاصة (بما في ذلك الموارد المتاحة) التي لا تزال الطريقة الأكثر عملية لتحقيق قدر من العدالة للضحايا السوريين على المدى القريب. ويجب أن تأخذ أي مناقشة بشأن محكمة الولاية القضائية المدمجة هذه العوامل في الاعتبار. ولا ينبغي رفع آمال وتوقعات الضحايا والناجين السوريين من أجل مناورة أكاديمية.

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.