الجيش الوطني السوري في ناغورنو كاراباخ: تركيا تضحّي بالسوريين لتدعم تدخّلاتها
تعرّضت حياة المئات من السوريين وإنفاذ القانون الدولي الإنساني للخطر في النزاع الأذربيجاني الأرمني المتصاعد من قبل شركات الأمن التركية والمسؤولين الحكوميين الأتراك الذين يرسلون مقاتلين مأجورين من شمال غرب سوريا إلى جبهات عسكرية نشطة في ناغورنو كاراباخ. وينتمي العديد من هؤلاء المقاتلين البالغ عددهم حوالي 1,000 مقاتل إلى الميليشيات المدعومة من تركيا والتي يتألف منها الجيش الوطني السوري. ودفعت الظروف الإنسانية الصعبة والصعوبات الاقتصادية في سوريا المجندين الجدد كلياً إلى قبول الأجر المرتفع نسبياً الذي قدّمه من قام بتجنيدهم من الأتراك لما يُزعم أنه مَهمّة تقتصر على تأمين البُنية التحتية للنفط والغاز في أذربيجان. وفي الأسابيع القليلة الماضية، قُتل العديد من المقاتلين السوريين في القتال في إقليم ناغورنو كاراباخ ذي الإثنية الأرمنية المتمتع بالحكم الذاتي، وسط تقارير متزايدة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل طرفي النزاع – اللذين يشملان القوات الأذربيجانية التي سعت تركيا إلى تعزيزها على نحو صريح.
نمط من حروب المرتزقة
يُعدّ نشر تركيا لمقاتلين سوريين في النزاع الأذربيجاني الأرمني أحدث مثال على القوى الإقليمية والدولية التي تستبدل التكاليف المادية والسياسية للتدخل العسكري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجنود مرتزقة. حيث أبلغت مصادر إعلامية محلية وغربية عن هذه الممارسة في مجموعة من النزاعات في المنطقة، بما في ذلك في أفغانستان والعراق، حيث اعتمدت الولايات المتحدة على شركات أمنية متعددة الجنسيات لتنفيذ عمليات عسكرية؛ وفي سوريا، حيث أرسلت روسيا جنوداً شيشانيين للقتال ضد قوات المعارضة؛ وفي اليمن، حيث تواصل الإمارات استخدام مقاتلين سودانيين. وقد ولّد هذا النمط المتنامي نقاشاً وقلقاً واسعين بشأن صعوبة تحميل المرتزقة – وكذلك الدول التي تعاقدت معهم – المسؤولية عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
وكما أوضح المركز السوري للعدالة والمساءلة سابقاً، تستخدم تركيا مرتزقة سوريين في النزاع الليبي منذ أواخر عام 2019، عندما استدرجت الآلاف من مقاتلي الجيش الوطني السوري بعقود مجزية لصدّ هجوم الجنرال الليبي خليفة حفتر المدعوم من روسيا على الأراضي التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة وذات الأهمية الاقتصادية الخاصة لتركيا. ولقد فعلت ذلك معرّضةً حياة وحقوق السكان المدنيين المحليين والجنود السوريين لخطر شديد. وبالنسبة إلى هؤلاء الجنود، الذين كان بعضهم دون سن 18 عاماً، فإن مشاركتهم في النزاع كمرتزقة يعرّضهم للخطر بما في ذلك وضعهم المستقبلي المحتمل كأسرى حرب أو لاجئين.
وفي الآونة الأخيرة عبر شمال غرب سوريا، ومع تصاعد التوترات بين أذربيجان وأرمينيا وتحوّلها إلى نزاع عسكري صريح في أواخر أيلول/سبتمبر، أطلقت شركات الأمن التركية الخاصة حملة تجنيد في صفوف السوريين العائدين من ليبيا بالإضافة إلى مجندين جدد كلياً. حيث عرضت شركات الأمن هذه على المجنّدين ما بين 1,000 و1,500 دولار شهرياً – أكثر بخمسة عشر ضعفاً مما تدفعه تركيا غالباً مقابل عمل المرتزقة في سوريا نفسها – لتأمين منشآت النفط والغاز الأذربيجانية والمناطق الحدودية في ناغورنو كاراباخ. وقد أفاد موقع Al-Monitor بأن الحكومة التركية نفسها أرسلت مقاتلين سابقين في الجيش السوري الحر يحملون الجنسية التركية الآن إلى ناغورنو كاراباخ. وفي الوقت نفسه، بدأت شركات الأمن التركية الخاصة المتمركزة في إدلب وعفرين في نقل مقاتلي الجيش الوطني السوري إلى غازي عنتاب وإسطنبول وصولاً إلى أذربيجان.
ولقد سبق وأن تورّطت العديد من فصائل الجيش الوطني السوري التي تقاتل الآن في ناغورنو كاراباخ، مثل فرقة السلطان مراد وفرقة الحمزة، في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان خلال الحملات العسكرية التي قادتها تركيا في شمال سوريا في الخريف الماضي. ويُعتبر وجودهم مثيراً للقلق بشكل خاص بالنظر إلى أن منظمات حقوق الإنسان قد دقّت ناقوس الخطر بشأن الهجمات العشوائية على الحياة المدنية والبُنية التحتية في ناغورنو كاراباخ وسط الأعمال العدائية بين أذربيجان وأرمينيا. ولكن بدلاً من توفير الشفافية المطلوبة بشأن وجود مقاتلين سوريين وتحمّل المسؤولية القانونية عن أفعالهم في الحرب، دحض المسؤولون الحكوميون الأتراك والأذربيجانيون التقارير الإعلامية المكثفة، وفي المقابل ادّعوا دون دليل على أن أرمينيا تنشر مقاتلين من حزب العمال الكردستاني. وإن مثل هذا الخطاب المراوغ هو محاولة لتقويض أي محاولات مستقبلية لمحاسبة مجموعات المرتزقة على الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي الإنساني في ناغورنو كاراباخ. وكما اعترفت الأمم المتحدة، فإن هذه هي الاستراتيجية نفسها التي تم استخدامها عندما أرسلت تركيا مقاتلين سوريين إلى ليبيا.
الإكراه الإنساني والتكاليف البشرية
على الرغم من أن وجود المقاتلين السوريين في ناغورنو كاراباخ قد تم تحليله من قبل البعض من منظور أيديولوجي، إلا أنه يجب فهمه بالرجوع إلى الظروف الاجتماعية الكارثية التي تسود الآن في معظم أنحاء سوريا: الانهيار الاقتصادي، ونقص السلع الأساسية، وتنامي أزمة الصحة العامة بسبب انتشار كوفيد-19 – والتي نتجت عن سياسات حكومة الأسد وتفاقمت بسبب عدم قدرة منظمات الإغاثة الإنسانية على الوصول بسهولة إلى فئات السكان الأكثر احتياجاً. وفي الواقع، بينما أصبحت الروابط السياسية وأوجه التقارب الأيديولوجي بين تركيا وقادة الجيش الوطني السوري راسخة الآن تماماً، فإن حقيقة أن الكثير من المجندين السوريين الجدد قد تم تضليلهم على ما يبدو بشأن طبيعة عقودهم تشير إلى الحرمان المادي والشعور باليأس الذي يجبر الكثيرين على التجنيد. وقد اعترف أحد المجنّدين لصحيفة الغارديان قائلاً: “كنتُ أعرف أن هناك مناوشات بين البلدين، لكنني لم أكن أعرف أنني قادم إلى حرب. اعتقدتُ أن الأمر مقتصر على الحراسة… أتيت إلى هنا لكسب المال والحصول على حياة أفضل عندما أعود إلى سوريا حيث الظروف المعيشية بائسة. أنا أعتبر هذه وظيفة، لا شيء آخر”. ولقد أدّى عقد من الحرب والنزوح والانهيار الاجتماعي إلى جعل القتال العسكري أحد الخيارات القليلة المتاحة للرجال السوريين للحصول على وظيفة مجزية. غير أنه وفقاً لصحيفة الإندبندنت، من بين حوالي 360 شخصاً قُتلوا في النزاع الأذربيجاني الأرمني، هناك العشرات من الجنود السوريين الذين لم تتلقّ عائلاتهم على ما يبدو التعويضات التي وُعدوا بها. وهكذا فقد ترك المرتزقة السوريون وراءهم عائلات أصبحت الآن في وضع أكثر هشاشة من ذي قبل.
ومع دعم تركيا غير المعلن للتكاليف البشرية لتدخلاتها الجيوسياسية المتتالية من خلال استغلال حالة الإكراه الإنساني في الخارج، ينبغي على المجتمع الدولي الضغط من أجل مزيد من الشفافية ومعالجة الظروف الاجتماعية الصعبة التي تساعد في تجنيد المرتزقة. ويجب على تركيا أن تتحمل المسؤولية بموجب القانون الدولي عن سلوك الجماعات المسلحة السورية التي تديرها، سواء كانت تلك الجماعات في سوريا نفسها أو في ساحات القتال الخارجية مثل ناغورنو كاراباخ.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.