كيفية محاكمة "ناطق" بإسم ميليشيا
بتاريخ 9 كانون الثاني/ديسمبر، 2020، تم اعتقال القيادي السابق في جيش الإسلام مجدي مصطفى نعمه (والمعروف باسمه الحركي إسلام علوش) في مارسيليا، فرنسا. وبعد يومين، ,وجهت له وحدة جرائم الحرب في المحكمة الابتدائية العليا في باريس اتهامات بالتعذيب، وحالات الاختفاء القسرية، وتجنيد الأطفال، والتواطؤ في هذه الجرائم. وبصفته الناطق باسم الجماعة، زُعِم بأن علوش لعب دورا أساسيا أثناء السيطرة العنيفة لجيش الإسلام على الغوطة الشرقية لمدة تُقارب الستة سنوات من خلال حملة الدعاية المُغرِضة، والتي أدت إلى جذب عقول التابعين إلى التطرف وارتكاب أعمال وحشية جسيمة ضد الشعب السوري. وفي ضوء السوابق المعمول بها والتي أسستها المحاكم الدولية، يتمتع المدعون العامون الفرنسيون بالقدرة على تحقيق العدالة لضحايا جيش الإسلام من خلال مقاضاته بتهمة التحريض على الجرائم المذكورة سابقا. ولكن هذه الأنواع من القضايا تبيّن صعوبة ربط الشخص المُروّج للدعاية المغرضة مع الجرائم المُرتكبة.
وتُمثل إدانة علوش أول تحقيق في الجرائم التي ارتكبها جيش الإسلام، وهي جماعة إسلامية ثورية تمولها السعودية. انضمت هذه الجماعة التي تربو عن 20,000 مقاتل إلى المعارضة ضد الحكومة السورية في عام 2011، وسيطرت على الغوطة الشرقية وبعد ذلك ارتكبت جرائم دولية ضد المدنيين الذين يعيشون هناك حتى فقدت السيطرة على المنطقة في شهر نيسان/أبريل 2018. وكون جيش الاسلام غير مصنف كمنظمة ارهابية من قبل الأمم المتحدة، او في فرنسا أوأوربا، ينفي هذا الأمر إمكانية الملاحقة القضائية في فرنسا لعلوش وأعضاء آخرين في جيش الإسلام حصرياً بناءً على عضويتهم في منظمة إرهابية. وعلى أي حال، فلا شك من أن هذه الأعمال الوحشية التي ارتكبتها الجماعة لا تزال تتطلب تحقيق العدالة، مما يجبر فرنسا على البحث عن وسائل مساءلة بديلة.
وفي دوره السابق كقيادي، يُزعم بأن علوش كان الناطق بلسان جيش الإسلام حتى عام 2017. وبالتالي، بعد اعتقاله وإدانته، تواجه فرنسا الآن مهمة صعبة بربط منصب علوش كناطق باسم الجماعة مع الأعمال الإجرامية التي نفذتها الجماعة من أجل أن تثبت المحكمة مسؤوليته عن تلك الجرائم التي تم ارتكابها.
وهنالك بعض السوابق القضائية التي يمكن الاستفادة منها. فقد كانت محكمة نورمبرغ هي الأولى التي تتطرق إلى دور الإعلام في ارتكاب الجرائم الدولية ضمن سلسلة من قضايا الدعاية المغرضة. ومن بينها كانت محاكمة يوليوس سترايشر، رئيس تحرير صحيفة (دير شتورمر)، وهي صحيفة معادية للسامية كانت قد حرّضت على الازدراء العنيف ضد المواطنين الألمان اليهود. وباستخدام هذه الوسيلة أدين سترايشر بتهمة الاضطهاد بوصفها جريمة ضد الإنسانية نتيجة لتحريضه على القتل والإبادة. وفي قضايا لاحقة لـ هانز فرتيزش، فقد تمت إدانة كل من رئيس قسم الإذاعة في وزارة الدعاية السياسية تحت ولاية يوزف غوبلز، وأوتو دييتريخ، رئيس صحيفة الرايخ الثالث. مما يُبيّن العلاقة ما بين خطاب الكراهية وانتهاكات حقوق الإنسان على صعيد واسع.
وبعد ستة عقود، أكملت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا دعوى “قضية وسائل الإعلام“، حيث أدين أفراد محطة إذاعة وتلفزيون (ميل كولين الحرة) وجريدة (كانغورا) بتهمة التحريض المباشر والعام على ارتكاب إبادة جماعية، وهي جريمة منصوص عليها بموجب المادة 3(ج) من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948. ولقد نظرت القضية في دور محطة إذاعة وتلفزيون (ميل كولين الحرة) وجريدة (كانغورا) في تزايد العنف أثناء الإبادة الجماعية في رواندا في عام 1994 – وخصوصا كيف أن الكلمات المستخدمة في الإعلام قد تكون مكمّلة للطلقات النارية في تحريضها على القتل. حيث أنهم نشروا الحقد والعنف وتسببوا بموت الآلاف باستخدام الإعلام. وقد أقرت المحكمة حرية التعبير التي يضمنها قانون حقوق الإنسان، ولكنها رأت بأن البيانات التي نشرها المتهمون كانت جنائية لشدة فظاعتها.
وحتى لو لم يحمل الإعلاميون أي أدوات للقتل، إلا أنه بالإمكان محاسبتهم على الجرائم الدولية التي حرّضوا عليها، بغض النظر عما إذا كان هذا التحريض ناجحا أو أن هنالك عوامل أخرى أثّرت على الجناة. وبالرغم من ذلك، فقد تعثرت قضايا أخرى بسبب الحماية القوية لحرية التعبير. فعندما تم اتهام الناطق باسم القوات الديمقراطية لتحرير رواندا “كاليكستي مباروشيمانا” بالتحريض على الإبادة الجماعية، دافعت السلطات الفرنسية عن حريته في التعبير. وفي نهاية المطاف، رفضت المحكمة الجنائية الدولية قضيته لعدم كفاية الأدلة. ولكن لا يزال موضع اشتباه بتهم أخرى.
في حين أن اتهام علوش بجريمة التحريض مثل سترايشر يُوفر طريقاً واحداً للمقاضاة، إن جريمة التحريض عادةً ما تقتصر على التحريض على جريمة “الإبادة الجماعية”. وفي غياب تهمة الإبادة الجماعية، فإن دعوات علوش المزعومة لارتكاب الجرائم من قبل جيش الإسلام والتي قد يتم النظر فيها من منظور المساعدة والمشاركة. وإن اعتبار علوش مسؤولا عن جرائم جيش الإسلام بصفته الناطق باسمهم بهذا الشكل من المسؤولية يعتبر تحدياً أكبر؛ لأن إثبات التصريحات التحريضية في محاكات جرائم الحرب لا يعتبر كافيا بحد ذاته؛ حيث أن المطلوب هو إثبات الضرر المترتب عليها (مثل التعذيب، والتجنيد… الخ.) وربط علوش بالتسبب في الضرر وإيعازه بذلك.
ولنكون واضحين، فإن هنالك ما يكفي من الأسباب التي تدفع إلى الاعتقاد بأن تورط إسلام علوش يتجاوز فقط كونه الناطق باسم الجماعة وأنه كان أحد أفراد القيادة العليا في جيش الإسلام. فقد يكون أيضا مسؤولا عن اختفاء العديد من المدنيين السوريين. ويجب أن تتم ملاحقته قضائيا على كامل أعماله الإجرامية. كما ينبغي أن تنتهز السلطات هذه الفرصة للكشف عن مصير أولئك الذين اختطفهم جيش الإسلام.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.