اللاجؤون السوريون في الدنمارك: فقدان سُبل الحماية المقدّمة للاجئين
رغم أن مخاوف العودة القسرية كانت هاجساً لطالما طارد اللاجئين السوريين لوقت طويل في بلدان مجاورة، بما في ذلك لبنان وتركيا، إلا أن السوريين الذين مُنحوا حق اللجوء في أوروبا الغربية يتمتعون بالحماية بشكل عام. ولقد بدأ هذا الأمر يتغير على مدار العام الماضي، حيث تنتقص الدنمارك ببطء من سُبل الحماية الممنوحة لطالبي اللجوء السوريين، مما أدى إلى شعور العديد من السوريين في الدنمارك بالخوف من فقدان وضع الحماية المؤقت. فقد قررت مصلحة الهجرة الدنماركية، في حزيران/يونيو 2019، أن دمشق الآن باتت آمنة للعودة، مما يعني أنه إذا كان طالب اللجوء من دمشق فهذا لم يعد أساساً كافياً لطلب اللجوء. وفي كانون الأول/ديسمبر، للمرة الأولى، تم رفض طلبات ثلاث سوريات لتجديد وضع الحماية المؤقت بناءً على هذا القرار. وتعكس السياسة الجديدة سوء فهم جوهري لخطر العودة إلى سوريا، علماً بأن إجراءات الدنمارك لا تهدّد اللاجئين داخل حدودها فحسب، بل إنها تشكل سابقة خطيرة لدول أوروبية أخرى فيها أعداد من اللاجئين.
سياسة الدنمارك المتغيرة تجاه اللاجئين
في حين استقبلت الدنمارك عدداً صغيراً من المهاجرين خلال ذروة أزمة اللجوء الأوروبي، فقد اهتزت سياسة البلد بصور السوريين والمهاجرين الآخرين الذين يدخلون أوروبا، مما أدى إلى رد فعل سياسي وتشديد لاحق لسياسات اللجوء في هذا البلد. وفي شباط/فبراير 2019، أقر البرلمان الدنماركي مشروع قانون جديد أدى إلى إحداث “نقلة نوعية” في عملية اللجوء في البلد. ففي حين كان هدف الدنمارك في السابق هو دمج اللاجئين في المجتمع الدنماركي، فإن الهدف الآن هو العودة النهائية. ولقد أعاد هذا القرار بشكل أساسي صياغة الغرض من برنامج اللجوء الدنماركي.
ولقد أعقب قرار شباط/فبراير، الذي انطبق على جميع اللاجئين، قرار حزيران/يونيو الخاص بالسوريين والصادر عن مصلحة الهجرة. حيث أعلنت مصلحة الهجرة أن دمشق أصبحت آمنة الآن، وبالتالي لم يعد بإمكان السوريين الذين ينحدرون من أصل دمشقي التأهل تلقائياً للحصول على وضع الحماية المؤقت. ويمكن للسوريين في الدنمارك العيش في البلد بموجب عدد من الأوضاع المختلفة. حيث يُمنح بعضهم اللجوء السياسي بناءً على خوف شخصي من الاضطهاد. على سبيل المثال، يمكن منح هذا الوضع لنشطاء في المعارضة عرضة لخطر الانتقام من الحكومة. ويحتفظ السوريون الحاصلون على هذا الوضع بحقهم في البقاء في الدنمارك، بغض النظر عن مسقط رأسهم في سوريا.
غير أن بعض السوريين الموجودين في الدنمارك يتمتعون بوضع الحماية المؤقت على أساس الحالة العامة للنزاع في سوريا. ويحتاج هؤلاء الأفراد إلى تجديد وضعهم على أساس سنوي. وبالنسبة لأولئك الذين ينحدرون من أصل دمشقي، لم يعد التجديد مضموناً. وقد يُعرّض هذا القرار الجديد ما يصل إلى 3,000 – 4,000 سوري إلى خطر الرفض عندما يحين موعد تجديد وضعهم. وهذا ما حدث في كانون الأول/ديسمبر، عندما تم إخبار ثلاث نساء من دمشق بأن وضعهن لن يتم تجديده.
ويعكس هذا التغيير في السياسة سوء فهم عميق لسياسات الحكومة السورية ومعاملتها للعائدين. حيث تواصل الحكومة السورية ارتكاب انتهاكات خطيرة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء، ضد المدنيين. وبينما تستهدف الحكومة غالباً من يُعتقد أنهم محسوبون على المعارضة، يمكن للمدنيين أيضاً أن يعانوا من هذه الانتهاكات دون سبب واضح. وطالما استمر القطاع الأمني في سوريا في ارتكاب هذه الانتهاكات على نطاق واسع بطريقة لا يمكن التنبؤ بها، فإن جميع السوريين معرضون لخطر هذه الانتهاكات وبالتالي يستحقون الحصول على وضع اللجوء وكذلك وضع الحماية المؤقت.
محاولات لتحفيز العودة
نظراً لعدم وجود اتفاقية ترحيل بين الدنمارك والحكومة السورية، فلا يوجد خطر فوري للترحيل. غير أن الحكومة الدنماركية أنشأت مخيمات مغادرة لطالبي اللجوء المرفوضين، والتي صرّح وزير شؤون الهجرة والإدماج والإسكان بأنها مصممة على نحو صريح من أجل “جعل الحياة لا تُطاق” للاجئين وتحفيزهم على طلب العودة إلى بلدانهم الأصلية. وفي حين لا يحق للحكومة بموجب القانون أن تعتقل طالبي اللجوء المرفوضين، فقد طلبوا من المتقدمين المرفوضين الإقامة في هذه المراكز واحترام حظر التجول ومراجعة الشرطة بشكل منتظم. وتقع هذه المراكز في مناطق نائية وغالباً ما تكون بعيدة عن وسائل النقل العام، ولا يُسمح للمقيمين فيها بالسعي للحصول على عمل. وأشار سكان المخيمات بأنهم يعيشون تحت مراقبة مستمرة دون أمل في مغادرة المخيّم أو بناء حياة مختلفة لأنفسهم. ولا ينبغي اعتبار العودة طوعية إذا حدثت نتيجة للظروف السيئة داخل المخيمات.
معايير اللجوء عبر أوروبا
بينما تؤثر القرارات في الدنمارك على عدد صغير نسبياً من السوريين، فإن قرار الدولة قد يشجّع دولاً أوروبية أخرى لتحذوا حذوها وتعدّل سياسات اللجوء الخاصة بها. وقد بدأت هذه العملية بالفعل. ففي آب/أغسطس 2019، حذت السويد حذو الدنمارك، معلنةً أن الحكومة لم تعد تعرض وضع الحماية التلقائي للقادمين الجدد القادمين من دمشق وعدد من المحافظات الأخرى.
ومع بدء تحول السياسات في جميع أنحاء أوروبا، تزداد التباينات في مستوى الحماية التي يتلقاها السوريون في مختلف البلدان. وتُعدّ هذه المتطلبات المختلفة للجوء إشكالية كبيرة، لأنه بموجب لائحة دبلن الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، فإن رفض طلب اللجوء في بلد ما يستبعد مقدّم الطلب فعلياً من التماس اللجوء في دولة أوروبية أخرى. ويترك هذا السوريين الذين رُفضت طلبات لجوئهم في الدنمارك مع قدر ضئيل من الانتصاف عدا عن الإقامة الدائمة في مخيمات المغادرة، أو مواجهة احتمال حدوث انتهاكات خطيرة في الوطن.
وفي حين لم يتم ترحيل أي سوري من الدنمارك حتى تاريخه، إلا أن القرار القائل بأن دمشق آمنة يشكّل سابقة مقلقة. وينبغي على جميع الدول المضيفة للاجئين احترام حقوق السوريين في التماس اللجوء، بغض النظر عن مسقط رأسهم أو تفاصيل السيرة الحياتية الأخرى. وعلاوة على ذلك، يتعين على الدول المضيفة ضمان أن تكون الظروف المعيشية للاجئين ليست صعبة للغاية على نحو يجبرهم على العودة. وينبغي أن تكون الدنمارك ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى في طليعة الدول التي تعمل على حماية حقوق اللجوء للسوريين وأن تقدّم المساعدات الإنسانية لجيران سوريا لضمان الظروف الإنسانية للاجئين. وبدلاً من ذلك، تجرّد الدنمارك طالبي اللجوء من حقوقهم وتضغط على السوريين من أجل عودة محفوفة بالمخاطر.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.