لا يمكن إغفال جرائم إيران في سوريا
يمكن تتبّع المشاركة الأجنبية في النزاع السوري إلى كل ركن من أركان المعمورة، بما في ذلك روسيا وتركيا والولايات المتحدة والدول المجاورة مثل العراق ولبنان وإيران. وعلى الرغم من أن الحكومة السورية مسؤولة عن أكبر نسبة من الانتهاكات، إلا أنه لا ينبغي تجاهل تلك التي ارتكبتها أو دعمتها دول أجنبية. وقد أدت عملية اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، التي وقعت مؤخراً، إلى لفت الانتباه مجدداً للسوريين الذين تعرضوا لانتهاكات من قبل إيران. وفي ظل المناخ السياسي الحالي، من الصعب تصور موقف تدعم فيه إيران بمحض إرادتها تحقيق العدالة للضحايا السوريين. ومع ذلك، يمكن إضافة تعويض مالي لضحايا الانتهاكات الإيرانية إلى قائمة المطالب في المفاوضات لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، مما يعد خطوة نحو تحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم.
وكان سليماني هو العقل المدبّر وراء معظم الانتهاكات الإيرانية في سوريا، حيث قام بتوجيه تدخلات حزب الله، وهو جماعة سياسية وعسكرية لبنانية تأسّست لتكون حليفاً راسخاً لإيران وحلفائها، بما في ذلك الحكومة السورية. ومنذ بداية النزاع، وفّرت إيران وحزب الله قروضاً، ونفطاً، ومساعدات مالية، وأسلحة، وتدريباً في ساحة المعركة، ومقاتلين للحكومة السورية بتوجيه من المرشد الأعلى لإيران. وشوهد سليماني في الشوارع والخطوط الأمامية لكل من حلب واللاذقية وحماة ودير الزور، حيث كان يُشرف مباشرة على معارك لا تُعدّ ولا تُحصى ويحرص على استمرار حكم الأسد مع اجراء تغيير ديموغرافي واسع في العديد من القرى والمدن السنّية من أنحاء سوريا للحفاظ على السيطرة والنفوذ الإيرانيَّين. وخلال ما يقرب من تسع سنوات، كان سليماني مسؤولاً عن قتل الآلاف من السوريين وتهجير الملايين، حيث ساعد الأسد في إجراء الآلاف من عمليات القصف، وتدمير عشرات المدن والبلدات، وتنفيذ هجمات الأسلحة الكيميائية، وعمليات الحصار بقصد التجويع، وجرائم القتل الجماعي للسكان السوريين. وترقى هذه الأفعال إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الشعب السوري، والتي لن تتم مساءلة سليماني عنها أبداً أمام العدالة.
ما هي العدالة المتاحة لضحايا جرائم سليماني السورية؟
وفي غياب محكمة دولية لسوريا، يجب النظر في آليات العدالة والمساءلة غير القضائية لضحايا الجرائم التي ارتكبها سليماني وإيران. وقد يكون من المفيد ذكر مثالين من التاريخ.
في 21 كانون الأول/ديسمبر، 1988، انفجرت طائرة الرحلة 103 التابعة لخطوط “بان أمريكان العالمية” فوق لوكربي في اسكتلندا بعد أن فجّر عملاء المخابرات الليبية قنبلة، مما أسفر عن مقتل جميع الأشخاص الـ259 الذين كانوا على متنها و11 شخصاً على الأرض. وفي نهاية المطاف، أجبرت العقوبات الدولية الخانقة القذافي على تسليم المشتبه بهم وراء التفجير إلى المحكمة الاسكتلندية إنشاء في هولندا حديثاً لمحاكمتهم وتقديم تعويضات مالية لعائلات ضحايا لوكربي. واعتُبرت هذه التنازلات قبولاً للمسؤولية عن التفجير من قبل القذافي والحكومة الليبية؛ رغم أن المسؤولين الليبيين قلّلوا من أهمية ذلك. وبعد ما يقرب من عقدين من التفجير، في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية، أنشأت ليبيا صندوقاً بقيمة 2.7 مليار دولار لعائلات الضحايا، بما في ذلك خطّة سداد تصل إلى 10 ملايين دولار لكل ضحية. واعتبرت عائلات ضحايا لوكربي أن مدفوعات التعويض هذه هي الوسيلة الوحيدة المهمة لتحقيق العدالة عندما تكون حكومة الأجنبية هي الجاني.، إلى أن دفع التعويض الكامل كان لا يزال سبيلاً هاماً لتحقيق العدالة.
وإن إسقاط الرحلة رقم 752 التابعة للخطوط الجوية الأوكرانية من قبل نظام دفاع صاروخي إيراني، على ما يبدو بطريق الخطأ، يعيد إلى الذاكرة حادثة لوكربي. وحتى الآن، تُقدّر تكلفة العقوبات الأمريكية المشددة على إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني المبرم في عهد أوباما بـ100 مليار دولار من عائدات النفط و100 مليار دولار أخرى من أموال الاستثمار. وفي كانون الأول/ديسمبر 2019، أذن الكونجرس بفرض عقوبات إضافية على سوريا وروسيا وإيران لتدخل حيّز التنفيذ بعد ستة أشهر فيما يعرف باسم قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019. حيث يمكن إجبار إيران على تقديم تعويض مالي مماثل لضحايا الرحلة 752، كذلك إلى الضحايا السوريين لقاء الجرائم التي ارتكبها سليماني وحزب الله وجيش الحكومة السورية المدعوم من إيران كجزء من استئناف المفاوضات لرفع العقوبات الاقتصادية.
علاوة على ذلك ، في الوقت الذي وعد فيه رئيس الوزراء جوستين ترودو والحكومة الكندية بدفع مبلغ 25000 دولار لعائلات ضحايا الطائرة التي أسقطتها إيران ، أعلن ترودو توقعه أن على إيران تعويض هذه العائلات ، وبالتالي بدء الضغط الدولي على إيران ، والتي يمكن الاستفادة منها لإعادتها إلى طاولة المفاوضات. ولكن نظراً لتركيز هذه المفاوضات على القضاء على البرنامج النووي الإيراني، فقد يُنظر إليها على أنها صرفت الانتباه عن ضحايا جرائم الحرب السوريين.
ومن النماذج الأخرى، هو محاكم المطالبات مثل محكمة المطالبات الإيرانية-الأمريكية (IUSCT) ، وكذلك لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة (UNCC)، ولجنة المطالبات الخاصة بإريتريا وإثيوبيا، والتي تسمح بالتعويضات النقدية للضحايا من خلال تسوية المطالبات والدعاوى الناشئة من انتهاكات حقوق الإنسان. ولقد أنشئت هيئة التحكيم في الدعاوى الإيرانية-الأمريكية في عام 1981 بموجب اتفاقات الجزائر، بناء على ظروف سياسية فريدة أجبرت كل من الولايات المتحدة وإيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل تقديم تعويضات عن أضرار واسعة النطاق. وتحديداً، في محاولة لتحرير الرهائن الأمريكيين المحتجزين في طهران، جمّدت الولايات المتحدة الأصول الإيرانية في الولايات المتحدة، مما أجبر الطرفين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وتم دفع التعويضات التي قضت بها هيئة التحكيم ضد إيران من حساب إئتماني مموّل مبدئياً من نفس الأصول الإيرانية. وفي الوقت الحالي، لا توجد أموال للحكومة الإيرانية لتجميدها في الولايات المتحدة. وهذا من شأنه أن يشكّل عقبة أمام تمويل استئناف هذه الهيئة أو إعادة تنشيطها لصالح الضحايا السوريين الذين تعرّضوا للجرائم الإيرانية.
وفي النهاية، مع احتفال العديد من المواطنين في بعض أنحاء سوريا بمقتل سليماني من خلال توزيع البقلاوة في الشوارع، تتطلب جسامة المسؤولية المزيد، ولاسيما، التحديد المنصف للمساءلة والعدالة من جميع الأطراف المسؤولة، بما في ذلك إيران. وفي حين أن هناك عقبات كبيرة أمام العدالة الدولية فيما يتعلق بالجرائم الإيرانية في سوريا، قد تكون آليات المساءلة غير القضائية أكثر قابلية للتحقيق على المدى القريب. ولذلك، قد ينظر المفاوضون الدوليون في إمكانية أن يكون تعويض الضحايا السوريين عن انتهاكات إيران جزءاً من جهود حسن النية لإعادة بدء المفاوضات لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.