1 min read
العمليات التركية السابقة تنذر بارتكاب جرائم جديدة في شمال شرق سوريا

العمليات التركية السابقة تنذر بارتكاب جرائم جديدة في شمال شرق سوريا

لقد أثارت العملية التركية “نبع السلام” أزمة إنسانية متجددة في شمال شرق سوريا كما أن هناك إمكانية لإعادة تشكيل المنطقة. كانت هناك بالفعل تقارير عن انتهاكات خطيرة ؛ لقد نزح ما يقدر بنحو 160،000 شخص ، واستهدفت القوات المدعومة من تركيا قوافل من المدنيين والصحفيين ، وقيل إنها استخدمت الفسفور الأبيض ضد الأكراد. ويرجع القلق على سلامة المدنيين في هذا الهجوم الجديد جزئياً الى تاريخ تركيا المقلق من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها في عملياتها السابقة، لاسيما ضد السكان الاكراد. ويشير تقييم الوضع في المناطق التي تحتلها تركيا في شمال غرب سوريا الى أنه إذا لم تغير تركيا من طريقة عملها فمن المحتمل أن ترتكب نفس الانتهاكات في الشمال الشرقي.

وقبل عملية “نبع السلام”، منحت عمليتان منفصلتان – عملية “درع الفرات” في عام 2016 وعملية “غصن الزيتون” في عام 2018 – تركيا السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي في شمال حلب من جرابلس إلى عفرين. وفي كلتا العمليتين، اعتمدت تركيا على خليط من فصائل الجيش السوري الحر ذات الوحدة الواهنة تحت قيادتها. ولكنها فشلت في، أو أهملت عمداً، تحقيق الاستقرار وسيادة القانون من خلال وكلائها السوريين. وفي المقابل، ظهر واقع فوضوي، حيث تفشّت عمليات الابتزاز والفساد والاختطاف، بينما ثارت التوترات العرقية وسط اتهامات بالقمع والتهجير القسري ضد الأكراد.

مدن منهوبة

عندما اقتحمت القوات المدعومة من تركيا مدينة عفرين بعد حصار دام شهراً في آذار/مارس 2018، قامت بنهب المتاجر والمنازل في مشاهد فوضى مروعة. وسرعان ما ألقت السلطات التركية اللوم في حوادث النهب على عدد محدود من الأفراد الذين لم يمتثلوا لأوامر سلسلة القيادة، لكن الصور التي عُرِضت أظهرت ما يبدو أنه سلب لأحياء بأكملها بينما قام المقاتلون بلهفة وفي بعض الأحيان بابتهاج بتكديس الأثاث والغذاء والماشية وأي شيء آخر ذي قيمة على سيارات نقل (بيك أب). وتم إثبات نطاق النهب لاحقاً في تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية. وعلى الرغم من الوعود التي قطعتها السلطات التركية بالتحقيق في حالات النهب، لم يتم تعويض الضحايا على نطاق مجدي. ودمّرت هذه الحادثة بفعالية سمعة القوات المدعومة من تركيا لدى السكان المحليين، وكشفت عن عدم وجود انضباط في أوساط الميليشيات، ومهّدت الطريق لتفكك سيادة القانون في المدينة.

انهيار الحكومة

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على دخول تركيا سوريا لأول مرة، لا تزال رؤيتها للحكم في المنطقة غير واضحة لأنها سمحت بتعزيز انعدام القانون. حيث حلّت المجالس المحلية المدعومة من تركيا محل تلك التي كانت تعمل في السابق تحت حكم الدولة الإسلامية ووحدات حماية الشعب الكردي. وفي حين أن العضوية في المجالس تتكون من سكان محليين، فمن المفهوم ضمنياً أنها يجب أن تبقى متماشية مع السلطات التركية التي لها الكلمة الأخيرة في نهاية المطاف. وفي الوقت نفسه، يتم تقويض استقلالية وسلطات المجالس المحلية والمحاكم بسبب إفلات مجموعات الميليشيات المحلية من العقاب.

وكان فشل تركيا في إنشاء قوات شرطة محلية مؤهلة هو أحد العوامل الرئيسية في غياب سيادة القانون. وفي أعقاب كلتا العمليتين، تمكّنت جماعات الثوار من تحديد مناطق سيطرتها بسرعة. وأصبح النهب والابتزاز والاحتجاز التعسفي والاختطاف أمراً شائعاً، بالإضافة إلى عمليات الاستيلاء على الممتلكات من قبل فصائل الثوار. وفي حين عملت تركيا لاحقاً على نقل الأمن إلى قوات الشرطة العسكرية والمدنية، إلا أن هذه الجهود فشلت في تجاوز نفوذ الميليشيات. على سبيل المثال، حاولت الشرطة العسكرية في عفرين عبثاً وضع حد للقطع غير القانوني لأشجار الزيتون من قبل الفصائل المحلية، التي تتقاضى أيضاً ضرائب باهظة على محاصيل الزيتون من المزارعين. وفي الوقت الحاضر، لا تزال العديد من الميليشيات تعمل في ظل الإفلات من العقاب في حين تبقى الأنشطة الإجرامية دون مراقبة. وفي حادثة وقعت في أيار/مايو، قُتل طفل يبلغ من العمر 10 أعوام مصاب بمتلازمة داون إلى جانب والده وجدّه بعد أن فشلت عائلتهم في دفع فدية قدرها 10,000 دولار لجماعة الثوار التي اختطفتهم.

قمع الثقافة الكردية

في الوقت نفسه، أدى استيلاء تركيا على البلدات ذات الأغلبية الكردية في شمال غرب سوريا عبر فروعها التابعة للجيش السوري الحر التي يهيمن عليها السنة إلى دفع التوترات العرقية إلى مستويات خطيرة. حيث اتُهم السكان الأكراد بأنهم مؤيدون ومتعاطفون مع وحدات حماية الشعب، خلال عملية “غصن الزيتون”، وتم اعتقال الكثيرين بسبب أي ارتباط مع هذا الفصيل الكردي، بما في ذلك أولئك الذين عملوا ببساطة كموظفين مدنيين تحت إدارة وحدات حماية الشعب السابقة. على سبيل المثال، قُبِض على عميد كلية الأدب الكردي بجامعة عفرين على الرغم من زعمه أنه ليس لديه أي انتماء سياسي. وبعد أن سيطرت القوات المدعومة من تركيا على عفرين، كانت هناك اتهامات واسعة النطاق من السكان الأكراد في عفرين بأن الثوار كانوا يستهدفون الأكراد بشكل غير متناسب في عمليات النهب، وأن الميليشيات المدعومة من تركيا مَنَعت بعض السكان الأكراد على وجه التحديد من العودة إلى ديارهم بعد القتال.

وقامت تركيا وقوات الجيش السوري الحر أيضاً بعدد من الأعمال التي استهدفت الثقافة الكردية. ففي إهانة للأكراد المحليين، هدموا تمثالاً لـ(كاوه الحداد)، وهو بطل في أسطورة كردية، في وسط عفرين. وبينما أحكمت تركيا وقواتها السيطرة على المنطقة، تم استبدال تعبيرات الثقافة واللغة الكردية بأخرى تركية. وأصحبت لافتات المدارس والمباني الإدارية باللغة التركية بعد أن كانت في السابق باللغة الكردية (على الرغم من بقاء اللافتات العربية). وحلّت حصص اللغة التركية محل الكردية في المناهج المدرسية. وتم حظر الاحتفالات بعيد النوروز. وفي وسط المدينة، تمت إعادة تسمية دوار “كاوه الحداد” باسم دوار “غصن الزيتون”. وتم إطلاق اسم “رجب طيب أردوغان” على ميدان آخر في المدينة.

التغيير السكاني القسري ومصادرة الممتلكات

كما اتهم النقّاد الحكومة التركية بمحاولات لإضعاف السكان الأكراد من خلال عملياتها في شمال حلب، مما أدى إلى تغييرات سكانية كبيرة. حيث تمّ تشريد حوالي 137,000 شخص خلال عملية “غصن الزيتون”، تاركين آلاف المنازل والمتاجر خاوية. وتداخلت العملية في عفرين مع سيطرة الحكومة السورية على الغوطة الشرقية، مما أجبر أكثر من 65,000 شخص على النزوح إلى آخر المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب وإدلب. واستولى كثير ممن انتهى بهم المطاف في عفرين على المنازل الفارغة والتي كانت ملكيتها تعود على الأغلب للأكراد الذين فرّوا. وفي بعض الروايات، دعمت جماعات الثوار إعادة توزيع الممتلكات على عائلات عربية، أو استولت على ممتلكات لتأجيرها. ولا يوجد لدى الأسر التي سعت إلى استعادة ممتلكاتها سوى النذر اليسير من سبل الانتصاف، ويبدو أنها تبقى تحت رحمة المجموعات المسؤولة.

التبعات طويلة الأجل

سيكون للانتهاكات المبيّنة هنا تبعات طويلة المدى على المجتمعات المحلية، تتجاوز نطاق العمليات الأولية. كمسألة أساسية، يجب على تركيا اتباع مبدأي التناسب والتمييز، والالتزام بالقانون الإنساني الدولي، واحترام حقوق السكان الأكراد. ويدعو المركز السوري للعدالة والمساءلة المجتمع الدولي إلى التأكد من أن الانتهاكات نفسها التي ارتُكبت أثناء وبعد العمليات التركية السابقة لن تتكرر مرة أخرى في شمال شرق سوريا. وسيواصل المركز السوري للعدالة والمساءلة توثيق هذه الانتهاكات وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها تركيا، وجميع الجهات الفاعلة الأخرى، في عملية “نبع السلام”.

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.