كيفية تخفيف الضرر بعد الإنسحاب الأمريكي
يستعرض المركز السوري للعدالة والمسائلة الانتهاكات المقلقة التي ارتُكبت في الأسبوع الماضي، وما تعنيه التطورات من أجل السعي نحو تحقيق العدالة في سوريا.
بعد ثماني سنوات من سفك الدماء وحوالي نصف مليون قتيل، لن يكون هناك رابحون في النزاع السوري. ومع ذلك، كانت التطورات في الأسبوع الماضي بمثابة هزيمة مريرة لحقت بضحايا الحرب وبالمساعي المبذولة لتحقيق الإصلاح والعدالة في الامد القريب. فبعد الحصول على ما يبدو أنه “ضوء أخضر” من إدارة ترامب، بدأت تركيا عملية لطالما جرى إرجاؤها في شمال سوريا، مما تسبّب في حدوث ازمة إنسانية راهنة. وحتى يوم الثلاثاء، نزح 160,000 شخص وقُتل العشرات من المدنيين على جانبي الحدود.
وقد قاد الهجوم التركي فلول الجيش السوري الحر المفكّك، الذي أصبح يُطلق عليه الآن “الجيش الوطني السوري”. ولا يزال بعض المقاتلين ينظرون إلى الجيش الوطني السوري باعتباره الجبهة الاخيرة للمعارضة السورية، ولكن الميليشيا المدعومة من تركيا تتألف الآن من بعض الفصائل المتطرفة، ويبدو أن العديد من المقاتلين مدفوعين بالكراهية الطائفية والسلطة والربح. وقد وثّقت مقاطع فيديو مثيرة للقلق منشورة على الإنترنت جرائم الحرب التي ارتُكبت بشكل سافر. حيث يظهر في إحدى المقاطع قيام مقاتلي الجيش الوطني السوري بإعدام ثلاثة أسرى مجردين من أسلحتهم ومقيّدين ادّعوا بأنهم من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية. وزعمت مقاطع فيديو أخرى نشرها أحرار الشرقية، أحد الفصائل المدعومة من تركيا، إظهار مقتل هفرين خلف، إحدى قادة حزب سوريا المستقبل، التي أفادت قوات سوريا الديمقراطية بأنها قُتلت بكمين على جانب الطريق من قبل جماعة تدعمها تركيا. ويبدو أن الجيش التركي نفسه ارتكب انتهاكات مباشرة أيضاً. وفي مشاهد مألوفة جداً طوال الحرب السورية، استُهدِفت قوافل مدنية وبُنى تحتية مدنية حيوية مرة أخرى بغارات جوية.
وفي خطوة يائسة لوقف التقدم التركي، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية يوم الاثنين أنها أبرمت اتفاقاً مع دمشق يسمح لجيش الأسد بالعودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. وفي تحرّك سريع، من المتوقع أن يسقط حوالي ثلث مساحة البلد تحت سيطرة الحكومة السورية والروسية مرة أخرى، دون مقاومة، وفي بعض المناطق يبد أن ذلك يحدث بتيسير من الجيش الأمريكي. وبينما شعر العديد من السكان الأكراد في الشمال الشرقي بالارتياح لما اعتبروه إرجاء لمذبحة حتمية، فوجئ السكان العرب ومعارضو الحكومة الآخرون في مدن مثل الرقة ودير الزور بالاتفاق. وقد بدأ بعض السكان فعلاً بالاحتجاج على العودة الوشيكة للقوات الحكومية يوم الأربعاء. وفي هذه الأثناء، أخبر مصادر وشركاء محليون، بمن فيهم مدنيون كانوا يعملون في إطار مشاريع تمولها الحكومة الأمريكية، المركز السوري للعدالة والمساءلة أنهم يخشون من تعرّضهم للانتقام بسبب عملهم في تلك المشاريع ويفكرون الآن فيما إذا كان يتعيّن عليهم الهروب. وقد تثبتّت صحة مخاوفهم في تقرير جديد نُشر يوم الأربعاء يُبرز مدى تأثير الاعتقالات التعسفية والتجنيد القسري وعمليات الابتزاز واسعة النطاق على السوريين في المناطق التي شهدت إبرام اتفاقات مصالحة.
وبالنسبة للسوريين الذين شهدوا وعانوا من ثماني سنوات من الحرب والهجمات الكيماوية وعمليات الإعدام الممنهجة والغارات الجوية العشوائية المتواصلة، فإن الاجتياح الذي قامت به القوات التركية وعودة الحكومة السورية إلى شمال شرق سوريا يوضّحان سبب الفشل التام لعملية السلام الدولية. وبعد انسحابها، تكون الولايات المتحدة قد تخلّت عن ورقة ضغط قيّمة للدفع من أجل إصلاحات ديمقراطية وحماية الأقليات في سوريا. والآن ستهيمن الحكومة السورية وضامنو أستانا، روسيا وإيران وتركيا، على عملية السلام.
ولكن لا تزال هناك خطوات مهمة يمكن، بل ينبغي، للولايات المتحدة أن تتخذها على الفور لتخفيف المعاناة. وقد تكون الآن الفرصة الأخيرة والفُضلى للولايات المتحدة والمجتمع الدولي هي أن يتجاوزوا الإدانات الفارغة ومنح السوريين حلاً بشيء من الكرامة والعدالة. ويتعيّن على الحكومة الأمريكية والكونغرس الأمريكي والوفد الأمريكي الذين يزورون تركيا حالياً منح الأولوية لما يلي:
- حماية المقاولين السوريين المتعاقدين مع الحكومة الامريكية: يتعرّض آلاف السوريين الذين عملوا مباشرة مع الحكومة الأمريكية أو مع مشاريع تمولها الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا لخطر داهم بالتعرض للانتقام من قبل الحكومة السورية. وتتحمّل الحكومة الأمريكية مسؤولية تسهيل إخلاء هؤلاء السوريين وعائلاتهم، ومساعدتهم على طلب اللجوء في الخارج. وينبغي على الكونغرس الأمريكي توسيع برنامج تأشيرات الهجرة الخاصة ليشمل السوريين الذين عملوا مباشرة مع الجيش الأمريكي وينبغي لوزارة الخارجية الإسراع في معالجة هذه التأشيرات.
- الحفاظ على الأمن في السجون التي تحتجز معتقلي تنظيم داعش: يشكّل هروب أو إطلاق سراح معتقلي داعش تهديداً خطيراً لكل من سوريا والمجتمع الدولي. كما أنه يمكن أن يرجئ أمل العديد من الأسر السورية في تحقيق عدالة فعلية. ويجب على جميع الأطراف إعطاء الأولوية للحفاظ على الأمن في السجون التي تحتجز حالياً معتقلي داعش في مخيم الهول وفي أماكن أخرى الى أن يتم تحويلهم إلى آلية محاكمة. وينبغي على الدول الأوروبية المساعدة من خلال الوفاء بمسؤوليتها بإعادة أعضاء داعش إلى بلدانهم وملاحقتهم قضائياً.
- إدراج فصائل الجيش الوطني السوري التي ارتكبت جرائم حرب على قائمة المنظمات الإرهابية: لم ترتكب جميع فصائل الجيش الوطني السوري جرائم حرب، ولكن ينبغي إدراج الفصائل التي ارتكبت تلك الجرائم على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. ويشمل ذلك فصيل أحرار الشرقية، المجموعة المسؤولة عن إعدام خلف. وسيؤدي استخدام هذا الإدراج إلى الضغط على تركيا للاعتماد على قوات أكثر انضباطاً، وردع الفصائل الأخرى عن تكرار هذه الانتهاكات.
- منع إعادة اللاجئين: ستكون نوايا الرئيس أردوغان المعلنة بترحيل ما يصل إلى مليون سوري إلى منطقة آمنة في شمال شرق سوريا انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي ومبدأ عدم الإعادة القسرية. فالكثير من السوريين في تركيا لم يأتوا من المنطقة الآمنة المقترحة، ولن يكون لديهم مصدر رزق هناك، ولن يتمتعوا بحماية أو حرية التنقل بسبب الأعمال العدائية المستمرة. وينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا توضيح أن إعادة اللاجئين أمر غير مقبول، والعمل مع تركيا لضمان تقديم المساعدات الدولية للمجتمعات السورية داخل تركيا مع قبول عدد أكبر من اللاجئين في بلدانهم.
- مواصلة جهود تحقيق الاستقرار حيثما أمكن ذلك: قبل انسحابها، دعمت الحكومة الأمريكية إلى جانب حلفائها مجموعة متنوعة من المشاريع الإنسانية والحكم الرشيد، التي عمل بعضها بشكل مباشر لتخفيف الأضرار التي حدثت أثناء القصف الأمريكي ضد تنظيم داعش. وبدلاً من وقف التمويل عن سوريا تماماً، ينبغي على الولايات المتحدة أن تفكر في تحويل التمويل إلى المناطق الخاضعة للسيطرة التركية، مشروطة بالتزام القادة المحليين بالمعايير الأساسية لحقوق الإنسان.
- العمل مع العراق لضمان حدود مفتوحة للاجئين: ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تعمل عن كثب مع حكومة إقليم كردستان العراق لضمان بقاء الحدود مفتوحة وقدرة السوريين الذين يشعرون بالتهديد من اجتياح الحكومة التركية أو السورية على التماس اللجوء إلى العراق. فمنذ الاجتياح التركي، عَبَر حوالي 1,000 لاجئ الحدود العراقية، ولكن المنظمات الإنسانية تتوقع أعداداً أكبر بكثير في الأشهر المقبلة. وينبغي على الولايات المتحدة تحويل الأموال التي كانت تُنفق في شمال شرق سوريا لتوفير الإغاثة الإنسانية اللازمة لأولئك الذين يلتمسون اللجوء.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.