1 min read
المرسوم الأخير هل هو عفو حقيقي أم حيلة سياسية؟

المرسوم الأخير هل هو عفو حقيقي أم حيلة سياسية؟

في 15 أيلول/سبتمبر، أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 20/2019، الذي يمنح العفو عن بعض الجرائم المرتكبة قبل 14 أيلول/سبتمبر من هذا العام. حيث يخفف العفو من العقوبات على بعض الجرائم ويعفو عن الذين لم يؤدوا خدمتهم العسكرية إذا عادوا والتحقوا بالخدمة العسكرية ضمن الأطر الزمنية المحددة. غير أن قراءة متمعنة للنص، بالإضافة إلى نظرة عامة على تنفيذ مراسيم سابقة من هذا القبيل، تبين أن المرسوم التشريعي رقم 20/2019 يمثل حيلة سياسية إلى حد كبير، ومن غير المرجّح أن يخاطب الآلاف من السوريين المعتقلين دون وجه حق أو الذين يخشون العودة بسبب تهرّبهم من الخدمة العسكرية.

ويخفف المرسوم الجديد عقوبة الإعدام إلى السجن مدى الحياة مع الاشغال الشاقة ويقلص عقوبة السجن المؤبد إلى ٢٠عاماً. وبالنسبة لأولئك الذين تهرّبوا من الخدمة العسكرية الإلزامية، ينص هذا المرسوم على العفو العام شريطة أن يلتحقوا بالخدمة العسكرية في غضون ثلاثة أشهر إذا كانوا داخل سوريا، أو ستة أشهر إذا كانوا في الخارج. ولكن، ربما يكون فهم ما لا يتضمنه هذا المرسوم أكثر أهمية. حيث لا يمنح هذا المرسوم عفواً لأي سوري شارك في المعارضة أو في أي “أنشطة إرهابية”، بما في ذلك معظم الجرائم المنصوص عليها بموجب قانون مكافحة الإرهاب السوري. وبدلاً من ذلك، ينطبق العفو العام على مجموعة واسعة من القوانين بموجب قانون العقوبات العام وعلى ثلاث مواد فقط بموجب قانون مكافحة الإرهاب، ولا يفيد أي منها آلاف المعتقلين السياسيين الذين يرزحون في سجون حكومية.

وحتى بالنسبة لأولئك الذين قد يستفيدون من هذا المرسوم، فلا يوجد سبب وجيه يدعو إلى الثقة بأنه سينفذ تنفيذاً كاملاً وعادلاً. وليس مرسوم العفو رقم 20/2019 الأول من نوعه، فهو يشبه مرسوم 18/2018 الصادر في العام الماضي وكذلك مرسوم 32/2015 ومرسوم 8/2016، خاصة فيما يتعلق بموضوع الخدمة العسكرية. وعلى غرار ذلك، تضمنت اتفاقات المصالحة في المنطقة الجنوبية الغربية بند العفو العام لأولئك الذين يوافقون على “المصالحة”. ومع ذلك، بقيت عمليات اعتقال العائدين منتشرة على نطاق واسع، بما في ذلك الأفراد الذين وقّعوا اتفاقات المصالحة التي تتضمن بند العفو العام. في الثالث والعشرين من أيلول، تم اعتقال قائد سابق للجيش السوري الحر من قبل الحكومة السورية بعد عودته إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة عقب مرسوم العفو الأخير على أمل المصالحة. هذا يدل كذلك على أن المرسوم له دافع سياسي لتقديم العفو عن فئة مختارة من السوريين.

وتواصل الحكومة إصدار قوانين العفو الجوفاء هذه لتدّعي أنها تتعاطى مع القلق الدولي المتعلق بالمعتقلين وبسلامة اللاجئين العائدين الذين لم يؤدوا الخدمة العسكرية، بينما في واقع الأمر يبقى عدد لا يُحصى مفقوداً في السجون الحكومية ويتعرض العائدون إلى الاختفاء. وإن توقيت هذا المرسوم جدير بالملاحظة بشكل خاص. حيث أعلنت الحكومة السورية مرسوم العفو العام في اليوم التالي لاستضافة الأسد المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ونائب ووزير الخارجية الروسي في دمشق. حيث زعمت روسيا، حليف الحكومة السورية، أنه من الآمن للاجئين العودة إلى سوريا، وأن لديها مصلحة راسخة في رؤية سوريا مرحباً بها مرة أخرى في المجتمع الدولي، مما يستلزم إحراز تقدم بشأن المعتقلين وعودة اللاجئين. وبالإضافة إلى ذلك، ينطلق أسبوع الأمم المتحدة رفيع المستوى للجمعية العامة يوم الاثنين، وقد تشعر الحكومة بالضغط، خاصة بعد الإحاطة الأخيرة بشأن المعتقلين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما صدر مرسوم العفو لعام 2018 في وقت استراتيجي. حيث أُعلن عنه بعد أسابيع قليلة من إلقاء وزير الخارجية السوري خطاباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، داعياً فيه المواطنين السوريين إلى العودة إلى ديارهم، قائلاً: “الأبواب مفتوحة أمام جميع السوريين في الخارج للعودة الطوعية والآمنة”. ويشير هذا النمط إلى أن نوايا الحكومة السورية ليست إصدار عفو عام للبناء نحو مزيد من مفاوضات السلام، بل لتقديم نفسها كحكومة تعالج قضية اللاجئين والمعتقلين.

وفي المستقبل، قد يكون العفو عن أولئك الذين قاتلوا ضد الحكومة (وليسوا مسؤولين عن ارتكاب جرائم خطيرة) جزءاً مهماً من اتفاقية السلام. إضافة إلى ذلك ، يجب ألا ينتظر المعتقلون السياسيون صدور عفو أو مرسوم لإخلاء سبيلهم ، لأن فكرة مرسوم العفو تأتي من العفو عن إرتكاب جرائم أو إنتهاكاتت. لذلك يجب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين على الفور دون أي شروط مسبقة.غير أن العفو الحالي ليس دلالة على التقدم، بل هو بمثابة حيلة دعائية من الحكومة السورية لإثبات أنها تعالج المخاوف الدولية المتعلقة بالمعتقلين وعودة اللاجئين. ويحثّ المركز السوري للعدالة والمساءلة المجتمع الدولي على رفض هذه المسرحية ومواصلة الضغط من أجل إصلاحات حقيقية واسعة النطاق، لتشمل إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وضمانات السلامة للاجئين العائدين.

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.