الفراغ القانوني: مستقبل أطفال داعش
في الأسابيع الأخيرة، امتلأت وسائل الإعلام الدولية بقصص عن الأعضاء الأجانب بتنظيم داعش الذين يحاولون العودة إلى بلدانهم الأصلية في أوروبا وأمريكا الشمالية. وينبغي أن يكون ضمان حصول هؤلاء الأفراد على محاكمات عادلة وعدم تعرّضهم للتهديد بانعدام الجنسية عن طريق سحب الجنسية منهم أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي. غير أن هذه القصص تجاهلت مجموعة أخرى تُركت في طيّ النسيان القانوني بعد تدمير ما يسمى بدولة الخلافة: وهم الأطفال الذين وُلدوا لأمهات سوريات ومقاتلي داعش الأجانب. ولا يحظى كثير من هؤلاء الأطفال بمطالبات قوية بالمواطنة في بلدان آبائهم، وبسبب قوانين الجنسية السورية، فإنهم لا يحملون الجنسية السورية أيضاً (إلا في حال جهالة نسب الأب وحتى في هذه الحالة وضمن الظروف الحالية يستحيل التسجيل في الأقاليم الخارجة عن سيطرة الدولة ). ويعيش كثير منهم حالياً في ظروف صعبة داخل مخيمات النازحين، وسيواجهون وأمهاتهم وصمة اجتماعية حادة عندما يحاولون إعادة الاندماج في المجتمع. وفي حين يتعيّن على الدول الأجنبية العمل على إعادة أعضاء تنظيم داعش إلى بلادهم، ستحتاج سوريا إلى مواجهة التحدي المتمثل في إعادة إدماج هؤلاء الأطفال في المجتمع وضمان وضعهم القانوني.
وبما أن آخر المدن التي سيطر عليها تنظيم داعش قد سقطت خلال الأسابيع القليلة الماضية، فقد فرّ أعضاء سابقون بالإضافة إلى مدنيين أبرياء، وانتهى بهم الحال في مخيمات كبيرة للنازحين. وتصف تقارير واردة من داخل أحد هذه المخيمات، يُدعى “الهول”، في شمال شرق سوريا، ظروفاً قاسية، مع وصول وافدين جدد، بمن فيهم نساء برفقة أطفال صغار وحتى رُضّع، ينامون في الهواء الطلق. وبينما يعيش عدد صغير من النساء الأجنبيات في هذه المخيمات، إلا أن غالبية السكان سوريون، بما في ذلك العديد من النساء اللائي تزوجن ولديهن أطفال من مقاتلين أجانب. وتواجه هؤلاء النساء الآن مجموعة فريدة من التحديات. حيث تنبع المشكلة من قانون الجنسية السوري، والذي لا يمكن للأم بموجبه أن تنقل الجنسية إلى أبنائها. إلا في حالة جهالة نسب الأب وهذا يعني أن الأطفال المولودين لأب غير سوري لا يُعتبرون سوريين، حتى لو وُلدوا داخل البلد لأم سورية. ونتيجة لذلك، يتم ترك العديد من الأطفال بدون جنسية أو شهادة ميلاد ودون أي صفة قانونية خارج الأراضي التي يسيطر عليها داعش. وبدأت بعض النساء في التغلب على هذه المشكلة من خلال تسجيل أطفالهن تحت اسم جد الطفل من جهة الأم بشكل غير رسمي بمساعدة بعض الجهات المدنية بمدينة الرقة. إلا أن هذا ليس حلاً طويل الأمد للمشكلة وسيؤدي إلى زيادة تعقيد الوضع القانوني للطفل في المستقبل.
ويُعتبر انعدام الجنسية عائقاً خطيراً وطويل الأمد يحول دون الحصول على الخدمات والحقوق الأساسية، بما في ذلك التعليم والرعاية الطبية. وفي العراق، حيث أنجبت العديد من النساء العراقيات أطفالاً من مقاتلين أجانب من القاعدة، يبقى العديد من الأطفال عديمي الجنسية وبدون أوراق هوية أساسية حتى مع بلوغهم سن المدرسة. وينشأ هؤلاء الأطفال دون الوصول إلى الخدمات الأساسية وغالباً ما يُنبذون من مجتمعاتهم المحلية، حيث أدى انتماءهم للتطرف وكذلك الشكوك حول أنهم وُلدوا خارج إطار الزواج إلى وصمة عار عميقة.
وقد تم تكريس الحق الأساسي لجميع الأشخاص في الجنسية في عدد من الصكوك القانونية الدولية، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن واجب جميع الدول اعتماد تدابير لمنع انعدام الجنسية بين الأطفال المولودين على أراضيها أو الأطفال المولودين لرعاياها. ويجب على الحكومة السورية وكذلك قوات سوريا الديمقراطية اتخاذ خطوات فورية لتأمين الوضع القانوني لهؤلاء الأطفال. أولاً، يجب على سوريا تعديل قوانين الجنسية حتى تتمكن الأمهات من منح جنسيتها إلى أطفالهن، وهو تغيير يجب تطبيقه بأثر رجعي على كامل النزاع لضمان أن جميع الأطفال المولودين لمقاتلين أجانب خلال النزاع قادرون على المطالبة بحقوقهم كمواطنين سوريين. وبالإضافة إلى ذلك، يجب إنشاء عملية رسمية لتسجيل المواليد والزيجات التي وقعت تحت سيطرة داعش، بحيث يمكن للأطفال الحصول على أوراق هوية جديدة صادرة عن الدولة أو السلطة الحاكمة الحالية.
وعلى المدى الطويل، يجب وضع برامج لدعم إعادة إدماج الأطفال، والأمهات ممن لا يوجد دليل على سلوكهم الإجرامي، في المجتمع السوري. ويواجه العديد من أطفال المقاتلين الأجانب، ولاسيما أولئك الذين يظهر بأنهم أجانب، وصمة عار عميقة داخل المخيمات. ويواجه أطفال المقاتلين السوريين تحديات خاصة. وفي بعض الحالات، لا تعرف زوجات مقاتلي داعش، سواء كانوا أجانب أو سوريين، هوية أزواجهن السابقين، حيث فضّل المقاتلون استخدام أسماء حركية. وقد قُتل العديد من هؤلاء الرجال أو اعتُقلوا أو فرّوا، تاركين وراءهم زوجاتهم دون أي معلومات عن هويتهم. وفي حين أن قانون الجنسية السوري يسمح للأطفال مجهولي النسب بالحصول على الجنسية من أمهاتهم، إلا أن بطاقات الهوية الخاصة بهم سوف تذكر بأن اسم الأب مجهول، وهو مصدر دائم للعار والوصمة بالنسبة للكثيرين. ويجب إدماج هؤلاء الأطفال وأمهاتهم في برامج الدعم التربوي والنفسي-الاجتماعي الأوسع عندما يعاودون الانضمام إلى المجتمع السوري.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.