العدالة أم الصّفح؟ قضية أنور رسلان
في 13 فبراير/شباط، أعلن ممثلو الادعاء العام في ألمانيا أنهم، بالتعاون مع نظرائهم الفرنسيين، اعتقلوا ثلاثة سوريين متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ويُزعم أن أحد هؤلاء المشتبه بهم، والذي يُعرف فقط باسم أنور ر.، قد تورط في تعذيب السجناء وإساءة معاملتهم في مركز احتجاز حكومي في دمشق. وسرعان ما ظهرت تقارير تفيد بأن المدعو أنور ر. قد يكون في الحقيقة أنور رسلان، عقيد في إدارة المخابرات العامة السورية وانشق عام 2012 وانضم في نهاية المطاف إلى المعارضة، وقدّم الدعم الفني وحضر المحادثات التي رعتها الأمم المتحدة في جنيف في عام 2014 كعضو في وفد المعارضة. وأثار هذا الإدراك جدلاً بين السوريين حول ما إذا كان يجب مقاضاة رسلان بسبب جرائمه المزعومة، ويسلط الضوء على الحاجة إلى تواصل أفضل مع المجتمعات السورية فيما يتعلق بقضايا الولاية القضائية العالمية في أوروبا.
وبرزت النقاشات حول هذا التوقيف على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينقسم السوريون حول خيار توقيف رسلان. وشارك سجين سابق قصته حول كيف ساعده رسلان خلال فترة احتجازه، متسائلاً ما إذا كان توقيف هذا الرجل هو في الواقع مثال للعدالة. وأشار آخرون إلى أن قرار توقيف منشقين قد يؤدي إلى نتائج عكسية عن طريق تثبيط انشقاقات قد تحدث في المستقبل. وقد شعر كثيرون بالإحباط لأن العدالة لا تطال سوى المسؤولين الذين انشقوا وفروا من البلد، في حين يتمتع الذين يواصلون ارتكاب الجرائم بالإفلات من العقاب. ومن ناحية أخرى، تفاءل العديد من السوريين لسماع خبر التوقيف. حيث قالوا إن الأفعال المزعومة كانت مروعة إلى درجة أنه لا توجد عوامل مخففة يمكن أن تبرر هذه الجرائم وأنه يجب تقديم رسلان إلى العدالة. وكتب أنور البني، مدير المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، على الفيسبوك: “تغيير موقف أو موقع أي شخص لا يعفيه أبداً من الملاحقة عن الجرائم التي ارتكبها وخاصة عندما تكون جرائم ضد الإنسانية…. وإذا كنا نريد حماية المجرمين الذين يقولون إنهم بجانب الثورة فإننا نبرر للمجرم بشار الأسد حمايته للمجرمين الذين في صفه”.
وتُعتبر النقاشات حول من يستحق أن يحاكَم، ومن يستحق العفو، جزءاً لا يتجزأ من أي عملية مساءلة جنائية في مرحلة ما بعد النزاع. ورغم أن العديد من البلدان منحت عفواً واسعاً لمرتكبي الجرائم من الرُّتب الدنيا، فإن اتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع الجناة الفرديين، الذين أعربوا عن ندمهم أو ربما خاطروا بحياتهم للانشقاق، هو أكثر صعوبة. وفي حين لا توجد أمثلة سابقة على وجه التحديد تشبه قضية رسلان، إلا أن هناك حالات تم التساهل فيها مع أشخاص أعربوا عن ندمهم. فعلى سبيل المثال، حكمت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة على درازين إرديموفيتش بالسجن لفترة مخفضة لخمس سنوات بتهمة ضلوعه في مذبحة سريبرينيتسا، على أساس أنه كان يتصرف تحت وطأة الإكراه وأعرب عن ندمه. وإن الأفعال التي قام بها رسلان، بما في ذلك ما إذا كان قد ارتكب جرائم خوفاً على سلامته الشخصية، يمكن أن تؤخذ في الاعتبار عند إصدار الحكم.
وبغضّ النظر عما يحدث في حالة رسلان، يمكن استخلاص بعض الدروس المهمة من كيفية التعامل مع هذه القضية. ففي حين تكون العدالة والمصالحة أكثر فعالية عندما تشارك المجتمعات المتضررة في هذه العملية، إلا أن معظم السوريين علموا بهذه الاعتقالات من وسائل الإعلام، وكانت التقارير المبكرة مربكة، وفي بعض الحالات، متناقضة. وجرت الكثير من النقاشات حول هوية رسلان من خلال القيل والقال على وسائل التواصل الاجتماعي، ولم تتوافر سوى معلومات محددة قليلة، لا سيما باللغة العربية. ومن شأن هذا النقص في التواصل، مقترناً بالمشاعر المختلطة حول قرار توقيف رسلان، أن يهدّد بالتسبب في خيبة أمل لدى فئة من الشعب السوري ممن يشعرون بالإحباط فعلاً بشأن احتمال حدوث المساءلة الجنائية.
وبطبيعة الحال، تتطلب التحقيقات والمحاكمات الجنائية درجة معينة من السرية، ولا يكون المدعون العامون دائماً في وضع يسمح لهم بمشاركة المعلومات علناً. ولكن، يمكن بسهولة توضيح بعض أسباب الالتباس الأخرى، بما في ذلك العدد الكبير من المنظمات التي تتولى التعاون بشأن هذه القضية، عبر المزيد من الشفافية والتعاون بين منظمات المجتمع المدني. ومع استمرار الملاحقات القضائية الدولية، يتعين على كل من المدعين العامين ومنظمات المجتمع المدني الذين يتعاونون في هذه القضايا أن يتقبلوا أدوارهم كجهات اتصال، بحيث يوضّحوا هذه العمليات للسوريين في الداخل والخارج على حدٍ سواء. على سبيل المثال، يمكن للمنظمات شرح النتائج المحتملة لهذه المحاكمات، بما في ذلك إمكانية الحكم على رسلان بالسجن لفترة قصيرة نسبياً إذا ادّعى بأنه ارتكب جرائم تحت الإكراه، فضلاً عن الفوائد الإضافية التي ستتمخّض عن التحقيق مع رسلان، مثل الحصول على الأدلة ضد جناة رفيعي المستوى. وإذا تُرك السوريون في الظلام مع استمرار النظر في هذه القضايا، فقد يصابون بالإحباط بسرعة بسبب النتائج التي لم يكونوا مستعدين لها. ولن يؤدي التواصل الأفضل إلى إشراك السوريين في القضايا الجارية فحسب، بل ويمكن أن يبني الثقة كذلك بين المدعين العامين والجالية السورية في أوروبا، مما يزيد من احتمال مبادرة المزيد من الضحايا والشهود السوريين إلى الشروع في تحقيقات مماثلة.
ويثير القبض على هؤلاء المشتبه بهم قضايا خلافية تتعلق بمعنى العدالة والمصالحة. حيث يُعتبر التعذيب تحت أي ظرف من الظروف جريمة مشينة لا تنتهك القانون الدولي فحسب، بل وكذلك المرتكز الأساسي لإنسانيتنا المشتركة. وتتطلب المفاهيم التقليدية للعدالة محاسبة أولئك الذين ارتكبوا هذه الفظائع. غير أن ما يشكّل العدالة في قضية مثل قضية رسلان قد يكون أكثر تعقيداً. ومع وجود أعداد كبيرة من المنشقين السوريين الذين يعيشون في الخارج، ستستمر مسائل مماثلة في الظهور مع تقدّم عمليات المساءلة. وفي نهاية المطاف سيتعيّن على السوريين أن يقرّروا بأنفسهم من ينبغي مساءلته ومن ينبغي الصفح عنه. وفي الوقت الحالي، من المهم أن نتذكر أن اعتقال رسلان ليس حكماً بالإدانة. ونأمل أن تلقي المحاكمة القادمة الضوء على جرائمه المزعومة، ويمكن للقاضي في النهاية أن يأخذ في الحسبان جميع أفعاله، بما في ذلك أي أفعال قام بها منذ مغادرته سوريا، عند إصدار الحكم عليه.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.