ماذا تعني قضية ماري كولفين للسوريين؟
أصدرت محكمة مقاطعة أمريكية في الأسبوع الماضي حكماً يقضي بأن تدفع الحكومة السورية 302.5 مليون دولار لعائلة الصحفية المقتولة ماري كولفين، مما أثار جدلاً كبيراً في أوساط السوريين حول معنى ومضامين هذا الأمر الصادر عن المحكمة. وكانت المراسلة الحربية ماري كولفين واحدة من الصحافيين الأجانب الذين كانوا يغطون الأحداث من مدينة حمص المحاصرة في شباط/فبراير 2012، عندما قُتِلَت في هجوم من قبل الحكومة السورية. وفي عام 2016، رفعت عائلة كولفين دعوى مدنية تزعم فيها أن الحكومة السورية استهدفت كولفين بشكل مقصود كجزء من حملة أوسع لاستهداف المراسلين الصحفيين. وتحدث المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC) مؤخراً مع كارمن تشيونغ، المديرة القانونية في مركز العدالة والمساءلة (CJA)، المنظمة التي أجرت جزءاً كبيراً من التحقيق في مقتل كولفين، لفهم تفاصيل القضية بشكل أفضل وما يمكن أن تعنيه بالنسبة للضحايا السوريين. وقد تم تضمين بعض أفكارها أدناه.
ما الدور الذي لعبه مركز العدالة والمساءلة في قضية كولفين؟
قاد مركز العدالة والمساءلة التحقيق الذي استمر خمس سنوات في قضية كولفين، وفي تموز/يوليو 2016، قاموا برفع القضية بالتعاون مع شركة المحاماة المشاركة (Sherman & Sterling LLP) نيابة عن عائلة ماري كولفين في محكمة مقاطعة كولومبيا الأمريكية.
كيف تمكنت عائلة كولفين من مقاضاة الحكومة السورية؟
يسمح قانون الحصانة السيادية الأجنبية للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة الحكومات الأجنبية على جرائم تشمل القتل غير المشروع والأعمال الإرهابية إذا صُنفت الحكومة الأجنبية المعنية على أنها “دولة راعية للإرهاب”. وقد نجحت عائلة كولفين في المحاججة بأن مقتل ماري كولفين كان بمثابة إعدام خارج نطاق القضاء وبالتالي يقع في فئة “القتل غير المشروع”.
كيف تم تحديد الرقم 302.5 مليون دولار؟
شمل التعويض الذي يبلغ قيمته 302.5 مليون دولار مبلغ 2.5 مليون دولار لتغطية تكاليف الجنازة والأضرار العاطفية التي عانت منها شقيقة كولفين. وخُصّصت الغالبية العظمى من هذا المبلغ، 300 مليون دولار، للتعويضات الجزائية. وتهدف التعويضات الجزائية لتكون بمثابة أحد أشكال العقوبة للمتهم. وبينما يحكم القضاة عادة بمبلغ 150 مليون دولار على سبيل التعويضات الجزائية عن حالات الوفاة الفردية، يمكنهم الحكم بتعويض أكبر في الحالات التي يتم فيها استهداف الضحية لسبب معين – في قضية كولفين، لأنها كانت صحفية.
لماذا لم تسعى عائلة كولفين إلى رفع دعوى جنائية؟
لا يسمح قانون الحصانة السيادية الأجنبية (FSIA) برفع دعوى جنائية، وفي النظام القانوني الأمريكي، لا يؤدي رفع دعوى مدنية إلى إجراء تحقيق جنائي.
هل ستقوم الحكومة السورية بتعويض عائلة كولفين حقاً؟
على الأرجح لن تدفع الحكومة السورية لعائلة كولفين مباشرة. وقد يكون السعي لملاحقة الأصول المجمدة للحكومة السورية خياراً لتأمين الدفعات. وقد أدت قضية سابقة في عام 2014 إلى تمكين الضحايا الأمريكيين لجرائم داعش من الحصول على 82 مليون دولار من الأصول المجمدة للحكومة السورية المحتفظ بها في الولايات المتحدة. ولكن بما أن معظم الأصول المتبقية محتفظ بها الآن في الخارج، فمن المحتمل أن تضطر عائلة كولفين إلى متابعة تنفيذ الحكم في بلد ثالث. إذ سينظر القاضي في بلد ثالث أولاً ما إذا كان من الممكن رفع نفس الدعوى أمام المحاكم في ذلك البلد، حيث من غير المحتمل أن ينفّذ القضاة أحكاماً لا نظير لها في نظام المحاكم المحلية. وتُعتبر الخيارات في هذا الإطار ضيّقة؛ حيث لا توجد في معظم البلدان أحكام تسمح لمواطنيها بمقاضاة دولة أجنبية، كما أن معظم الدول لا تسمح بتعويضات جزائية. ومن المحتمل ألا تتلقى عائلة كولفين أياً من هذه الأموال.
هل بإمكان السوريين من ضحايا الانتهاكات الحكومية السعي لرفع قضايا مماثلة؟
تُعتبر الخيارات المتاحة للضحايا السوريين لرفع قضايا مماثلة محدودة. ومن أجل رفع دعوى بموجب قانون الحصانات السيادية الأجنبية، يتعين أن يكون السوري يحمل الجنسية الأمريكية وقت ارتكاب الجريمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجرائم التي يغطيها قانون الحصانات السيادية الأجنبية يقتصر على الإصابة الشخصية أو الوفاة الناجمة عن أحد الوسائل التالية: التعذيب، أو القتل خارج نطاق القضاء، أو احتجاز رهائن، أو أعمال التخريب ضد الطائرات. غير أن هناك خيارات أخرى متوفرة للسوريين للسعي لتحقيق العدالة في المحكمة. حيث يوجد لدى العديد من الدول الأوروبية ولاية قضائية عالمية على جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، ومن المحتمل أن تمنح السوريين الذين يعيشون في أوروبا خياراً لمحاولة رفع قضايا جنائية ومدنية في المحكمة.
في نهاية المطاف، لا تزال قضية كولفين تحمل بعض الأهمية، حتى لو لم تكن هذه العائلة قادرة على استرداد الأموال، ولم يستطع السوريون استغلال نفس الطريق لتحقيق العدالة. ولم يعتمد الحكم في قضية كولفين على التحقيق في مقتل كولفين فحسب، بل اعتمد أيضاً على سياسة الحكومة السورية الأوسع التي تسعى إلى استهداف الصحفيين وقتلهم. ويمكن لهذه القضية وغيرها من القضايا المماثلة أن تساعد في إنشاء سجل تاريخي للجرائم التي ارتُكبت أثناء النزاع، الأمر الذي يمكن أن يُسهم بشكل كبير في عمليات العدالة الانتقالية والمصالحة في مرحلة ما بعد النزاع.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.