السوريون يتعرضون للاعتقال والقتل بموجب اتفاقات المصالحة
مع استمرار الحكومة السورية في الترويج لروايتها بأن الصراع يوشك على الانتهاء، أصبحت الهدن التي تشير إليها الحكومة باسم “اتفاقيات المصالحة” طريقة شائعة بشكل متزايد لإعادة تأكيد السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. ومن المفترض أن توفر هذه الاتفاقات طريقة لإعادة دمج المجتمعات تحت سيطرة الحكومة بطريقة سلمية. غير أن الحملة المستمرة لاستهداف واعتقال الأفراد في المناطق التي سيطرت عليها المعارضة سابقاً، على الرغم من التأكيدات المقدمة في اتفاقات المصالحة، تعزز عدم الاستقرار وعدم الثقة بين السوريين. ويلفت المركز السوري الانتباه إلى هذه الاعتقالات المستمرة ويحثّ المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة على إعطاء الأولوية لهذه المسألة في إطار المفاوضات بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254.
وقد تم التفاوض على ما يُسمى باتفاقات المصالحة بين القوات الحكومية والقادة المحليين منذ آب/أغسطس 2016، عندما دخل أول هذه الاتفاقات حيز التنفيذ في داريا. ومنذ ذلك الحين، تم إبرام هذه الاتفاقات في العديد من المناطق، بما في ذلك الغوطة الشرقية ودرعا. وتترك الاتفاقات التي يتم التفاوض عليها محلياً للسكان الخيار بأن يتم نقلهم إلى إدلب التي تسيطر عليها المعارضة أو البقاء والمشاركة في عملية المصالحة التي تقودها الحكومة.
وبغض النظر عن مكان المصالحة، تشترط اتفاقات المصالحة من جميع الذكور الذين هم في سن الخدمة العسكرية من الذين يختارون البقاء في المناطق التي تستعيد الحكومة السيطرة عليها تسجيل أنفسهم لدى أحد مراكز المصالحة الحكومية خلال فترة زمنية معينة، عادة ما تكون حوالي ستة أشهر. ويعتبر البعض هذه العملية بمثابة عملية عفو، حيث تشير الحكومة إلى أن المشاركة في العملية تكفي لحماية الأفراد من الاعتقال الناجم عن الأنشطة السابقة المناهضة للحكومة. غير أن الوثائق التي يُطلب من الأفراد التوقيع عليها كجزء من العملية لا تفي بمعايير اتفاق عفو عادل. أولاً وقبل كل شيء، لا تشرح هذه الوثائق بشكل صريح الجرائم والظروف التي لن يتم محاكمة الشخص الموقّع عليها أو تتضمن أي أحكام أخرى تكون ملزِمة للحكومة. وبدلاً من ذلك، يتطلب جزء كبير من الوثيقة من المشاركين التوقيع على تنازلهم عن حقوق محمية بموجب القانون الدولي، مثل حرية التعبير والحق في التجمع السلمي. وتشمل هذه الوثائق اتفاقات تنص، إلى جانب أشياء أخرى، على الامتناع عن نشر أو مشاركة أي محتوى يسيء إلى الحكومة، والامتناع عن الاحتجاج “خارج حدود القانون”، وتقديم معلومات عن أقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم. كما يُطلب من الرجال أداء الخدمة العسكرية الإلزامية إذا لم يكونوا قد قاموا بذلك مسبقاً. ويُزعم أن هذه الاتفاقات مصممة لتسهيل إعادة دمج القوى المعارضة، وعلى نطاق أوسع، للتعجيل بعملية التقارب. ولكن المركز السوري وغيره من المنظمات قاموا بتوثيق حملات واسعة النطاق من قبل الحكومة لاستهداف واعتقال الذكور الذين يجب، من الناحية النظرية، أن يتمتعوا بالحماية بموجب هذه الاتفاقات.
أولاً، لم تلتزم الفروع الحكومية المكلفة بتنفيذ العملية المنصوص عليها في اتفاقات المصالحة. ففي درعا، قيل لبعض الأفراد الذين وصلوا للتوقيع على الأوراق المطلوبة بأن عليهم بدلاً من ذلك زيارة عدة فروع أمنية أخرى – وغالباً تكون فروعاً معروفة بالتعذيب واختفاء مصير المعتقلين فيها – على الأرجح في محاولة لتخويفهم ليمتنعوا عن إكمال عملية المصالحة. وعلاوة على ذلك، ألقت الحكومة القبض على أفراد عند مثولهم للتسجيل؛ وقد وثق المركز السوري حالات لأفراد تم اعتقالهم لمدة ستة إلى ثمانية أشهر إلى حين الانتهاء من “معالجة” أوراقهم.
وانتهكت الحكومة أجزاء إضافية من الاتفاقات: حيث وقعت مئات الاعتقالات قبل نهاية فترة التسجيل في أماكن مثل دمشق وريفها وحماة، ومؤخراً، في درعا وريف إدلب. وقد استهدفت حملات الاعتقال الأفراد الذين بقوا في المنطقة بعد إبرام اتفاق المصالحة، ولكن أيضاً أولئك الذين غادروا المنطقة في السابق، ولكنهم اختاروا العودة من إدلب بعد إبرام الاتفاقات، مما يعني أن الجهود التي تبذلها سوريا وروسيا لتشجيع النازحين واللاجئين على العودة إلى منازلهم لا ترافقها ضمانات بالسلامة أو الرحمة. كما وثق المركز السوري عدداً من حالات الأفراد الذين لم يتم القبض عليهم فحسب، ولكنهم قُتلوا أثناء وجودهم في المعتقل. وشملت إحدى الحالات اعتقال ومقتل رجل عاد إلى الغوطة الشرقية من إدلب خلال فترة العفو. وتتعلق الحالة الثانية باعتقال قائد سابق لجماعة مسلحة في درعا عند نقطة تفتيش؛ وبعد احتجازه لمدة ثلاث إلى خمس ساعات، تم الإفراج عن جثته.
كما استخدمت الحكومة اتهامات أخرى لاستهداف أولئك الذين امتثلوا لاتفاقات المصالحة. وبما أن عملية المصالحة لا توفّر عفواً عاماً عن جميع الجرائم المزعومة، فقد استغلت الحكومة تهماً (غالباً ملفّقة) بتهريب الممتلكات العامة أو سرقتها أو التعدي عليها، بالإضافة إلى اتهامات أكثر خطورة مثل استهداف المدنيين، من أجل اعتقال أولئك الذين كان يُفترض أن يتم حمايتهم بموجب مشاركتهم في اتفاق المصالحة. ومن خلال هذه الممارسة، تستطيع الحكومة اعتقال الأفراد بغض النظر عن وضعهم في إطار عملية المصالحة.
ولا يزال المركز السوري يشعر بالقلق إزاء الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في ما يُزعم بأنها مناطق تنعم بالسلام والأمن استعادتها الحكومة. ولكي يتم الالتزام بهذه الاتفاقات كحل حقيقي لإعادة دمج المجتمعات التي كانت تخضع سابقاً لسيطرة الثوار، تحتاج لغة الاتفاقات إلى تعديلات كبيرة لتجنب انتهاك الحقوق الأساسية. وبالإضافة إلى ذلك، ستحتاج الحكومة السورية إلى السماح بالمراقبة الصارمة لضمان الإنفاذ العادل. ويحث المركز السوري المجتمع الدولي على عدم التغاضي عن التجاوزات في المناطق التي تستعيدها الحكومة، وبدلاً من ذلك المطالبة بوقف حملات الاعتقال وإجراء تغييرات مهمة في عملية المصالحة من أجل حماية الحقوق الأساسية للسوريين.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.