أخطاء دي ميستورا: ما ينبغي على المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة أن يتعلّمه من ال?
منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا. المصدر: ويكيميديا كومنز
في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تعيين الدبلوماسي النرويجي جير بيدرسن في منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا. وبينما يستعد المجتمع الدولي لرحيل ستافان دي ميستورا من منصبه في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر، يسلّط المركز السوري للعدالة والمساءلة الضوء على ست قضايا رئيسية برزت خلال ولاية دي ميستورا، ويقدّم توصيات للمبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة حول كيفية المضي قُدُماً دون تكرار أخطاء الماضي.
إعادة تنشيط مسار جنيف. لقد خضع دي ميستورا للضغط من روسيا للشروع في عملية مسار أستانا المنفصلة والتعاطي معها مما قوّض مفاوضات مسار جنيف. ومن خلال تقديمه لهذا التنازل الكبير فيما يتعلق بالعملية مقابل تنازلات أصغر، غالباً ما لا يتم الوفاء بها من أصحاب المصلحة الإقليميين، فقد سمح للنفوذ الروسي أن يبقى دون مراقبة إلى حدٍ كبير. وفي محادثات كانون الثاني/يناير 2018 في سوتشي، مارست روسيا سيطرتها على جميع الوفود السورية، حيث اختارت على وجه التحديد فريقاً موالي للأسد إلى حدٍ كبير وسمحت له بالسيطرة على سلوك فريق المعارضة الصغير. وعلى الرغم من هذه العملية الزائفة التي نتج عنها بيان مشترك تم الاتفاق عليه بشكل أساسي قبل بدء المحادثات، قام دي ميستورا بإضفاء الشرعية على هذه المحادثات من خلال المشاركة كمراقب في الاجتماع، وكلّ ما فعله هو أنه رفض أن يترأس الاجتماع بعد ضغوط شديدة من الحكومتين الأمريكية والفرنسية. وينبغي للمبعوث الخاص الجديد أن يرفض فكرة أن التنازل عن السيطرة الرئيسية على المفاوضات إلى روسيا يستحق تنازلات أخرى؛ وبدلاً من ذلك، يمكنه رفض المشاركة، والإصرار على إعادة النقاشات إلى الاتفاق المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم 2254 وبيان جنيف. ويمكن أن يستفيد بيدرسن من الشراكات مع المؤيدين الأوروبيين لمحادثات مسار جنيف ليمارس ضغطاً على جميع أطراف النزاع من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات وفقاً لشروط الأمم المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي ألا يمنح بيدرسن الحكومة السورية وحلفاءها صلاحية اختيار الأفراد الذين هم على استعداد للتفاوض معهم، وبدلاً من ذلك، ينبغي أن يساعد في ضمان وجود أصوات فعلية وتمثيلية على طاولة المفاوضات.
إعادة تقييم المقاربة تجاه مناطق التهدئة (خفض التصعيد). غالباً ما أشاد دي ميستورا باستراتيجية مناطق خفض التصعيد المحلية كوسيلة لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل. ولكن عندما أصبح من الواضح أن الحكومة السورية لم تكن تنوي أبداً الوفاء بالتزاماتها إلى أجل غير مسمى، وإنما كانت تستغل الاتفاقات باعتبارها فرصة لتركيز الموارد على استعادة المناطق الواحدة تلو الأخرى، لم يناصر دي مستورا إجراء تغيير في الاستراتيجية. وعلاوة على ذلك، فقد السوريون الثقة في عملية السلام نتيجة للفشل المتكرر لاتفاقات وقف إطلاق النار والقصف المستمر أثناء جلسات التفاوض وغياب الأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان في تدابير بناء الثقة؛ وكان المدنيون متشككين في قدرته على تأمين سلام طويل الأمد إذ لم يتمكن من ضمان حتى بضعة أيام من السلام أثناء المفاوضات. ويجب على المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة إعادة تقييم المقاربة المتبعة في اتفاقات مناطق خفض التصعيد حيث أن ثلاثة من أصل أربعة منها لم تعد موجودة. وإذا تقرر أن مناطق خفض التصعيد ضرورية، فينبغي للمبعوث الخاص أن يكفل وجود فريق شرعي من مراقبي وقف إطلاق النار ومناطق محدّدة بوضوح.
عدم إضفاء الشرعية على التهجير القسري. قدّم دي ميستورا مراراً وتكراراً تهجير المدنيين كحل عملي لتجنّب التصعيد في استخدام القوة وقصف المناطق المدنية بدلاً من اتخاذ موقف واضح لا هوادة فيه ضد الهجمات العشوائية التي كانت دوماً الدافع الرئيسي للنزوح. على سبيل المثال، في حالة “اتفاق المدن الأربع” في نيسان/أبريل 2017، قال دي ميستورا إن “مبادرات كهذه تقدم الإغاثة للمجتمعات المحاصرة أو المعزولة، ولها قيمة كبيرة”. ووجدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا لاحقًا أن عمليات النقل تشكّل تهجيراً قسرياً والذي يُعتبر جريمة حرب. ومع اقتراب الحكومة السورية من إدلب في وقت سابق من هذا العام، قال دي ميستورا إنه سيذهب شخصياً إلى إدلب لضمان إخلاء الناس ثم تمكّنهم من العودة إلى منازلهم، كما لو أنه نسي النزوح النظامي والعقبات التي تحول دون العودة (بما في ذلك من خلال التشريعات) التي حاكتها الحكومة السورية خلال السنوات العديدة الماضية. وفي أيلول/سبتمبر، 2018 خلال جلسة إحاطة لمجلس الأمن حول الوضع في إدلب، أجبرت السفيرة الأمريكية نيكي هايلي دي ميستورا على الاعتراف بأنه كان يفتقر إلى مقترحات محددة لحلّ الوضع في إدلب بشكل آمن. وينبغي للمبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة أن يرفض المشاركة في الخطط التي تنطوي على نزوح المدنيين ما لم يكن النزوح هو الملاذ الأخير وأن تكون عمليات الإجلاء المقترحة طوعية بالفعل. وأخيراً، ينبغي للمبعوث الخاص الجديد أن يفهم أن النزوح له تبعات بعيدة المدى على السكان المدنيين والقضايا الأوسع نطاقاً المتعلقة بإعادة الإعمار واسترداد الملكية.
إعطاء الأولوية للمعتقلين والمفقودين. خلال فترة ولايته، أهمل دي ميستورا بشدّة قضية المعتقلين. وعلى الرغم من أنه كان على استعداد للإعراب عن قلقه بشأن المعتقلين في اجتماعات خاصة مع منظمات المجتمع المدني، إلا أنه رفض ممارسة الضغط على القضية علانية، موضحاً أن إحراز تقدم بشأن لجنة دستورية يحظى بالأسبقية. وعلاوة على ذلك، سمح لعملية أستانا باختطاف قضية المعتقلين، مما أدى إلى التركيز فقط على مقايضة المقاتلين بدلاً من الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين والمعتقلين بشكل تعسفي. ونتيجة لذلك، في اتفاق في تموز/يوليو 2018 لإطلاق سراح 1,500 معتقل محتجزين لدى الحكومة، لم يتم فعلياً إطلاق سراح سوى بضع مئات منهم، معظمهم من المقاتلين السابقين. ويدعو المركز السوري للعدالة والمساءلة المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة إلى إعطاء الأولوية بشكل علني لوصول مراقبين مستقلين إلى جميع مراكز الاعتقال، سواء التي تسيطر عليها الحكومة أو الثوار، والإفراج عن جميع السجناء السياسيين.
الاعتماد على إطار حقوق الإنسان. بدلاً من إدانة كل حالة من انتهاكات حقوق الإنسان القائمة على تقصي الحقائق والتوثيق، غالباً ما كان دي ميستورا يساوي بين الأخطاء في محاولة لإبقاء الحكومة السورية على طاولة المفاوضات. ففي آذار/مارس 2016، صرّح في إحاطة فيديو إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بخصوص الوضع في الغوطة بأن احتمالية قتل المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة مساوية لاحتمالية قتلهم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وفي حين كان مقاتلو المعارضة يقصفون المناطق الحكومية بشكل عشوائي، كانت الغالبية الساحقة من الهجمات العشوائية تُنفذ من قبل القوات الجوية التابعة للحكومية السورية بأسلحة أكثر تدميراً. وعلى غرار ذلك، في أيلول/سبتمبر 2018، أشار دي ميستورا إلى أن كلا الجانبين لديه القدرة على استخدام الأسلحة الكيميائية، بما يتفق مع التأكيدات الروسية بأن قوات المعارضة خططت لاستخدام الأسلحة الكيماوية ومن ثم ألقت باللوم على حكومة الأسد لشن الهجوم. وينبغي للمبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة ألّا ينخرط في خطاب غير مدعوم ببراهين في محاولة لطمس المسؤولية عن الجُرم؛ وبدلاً من ذلك، ينبغي أن يسعى إلى معالجة الفظائع المنهجية، بالاعتماد على تقارير موثقة جيداً من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وآلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة، وتشجيع عمل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة في التحقيق في الانتهاكات. ومن خلال القيام بذلك، يمكن للمبعوث الجديد تحسين تأطير المفاوضات ضمن إطار واسع لحقوق الإنسان يمنح الأولوية لرفاهية المدنيين.
إشراك المجتمع المدني والمرأة بشكل فعلي. خلال فترة تولي دي ميستورا منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة، زادت خيبة أمل منظمات المجتمع المدني السوري بسبب تأكيداته بأن مطالبهم بشأن حقوق الإنسان والعدالة وتدابير بناء الثقة يجري أخذها بعين الاعتبار. وقد تم تأسيس غرفة دعم المجتمع المدني (CSSR) في كانون الثاني/يناير 2016 للسماح لمنظمات المجتمع المدني السوري بالمشاركة بشكل فعلي في المفاوضات. غير أن دي ميستورا لم يفلح في تضمين معلومات من المجتمع المدني في إحاطاته الدورية إلى مجلس الأمن أو في التطرق إلى توصيات غرفة دعم المجتمع المدني أثناء المفاوضات. وينبغي للمبعوث الخاص الجديد أن ينظر إلى غرفة دعم المجتمع المدني والمجلس الاستشاري النسائي باعتبارهما لاعبين مهمين، وليس مجرد مربّعات عليه أن يؤشّر عليها في قائمة تحقق. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على بيدرسن توفير شفافية أكبر في عملية اختيار المشاركين في الاجتماعات، وفي نفس الوقت حماية هويات المشاركين الذين يخشون التعرض لأعمال انتقامية محتملة من قبل الحكومة السورية. كما يدعو المركز السوري للعدالة والمساءلة المبعوث الخاص الجديد إلى إنهاء ممارسة الإصرار على أن تتوصل منظمات المجتمع المدني المستقلة إلى اتفاق واحد مع المنظمات الحكومية، وبدلاً من ذلك، السماح بالاختلاف كفرصة لمزيد من الحوار.
ويأمل المركز السوري للعدالة والمساءلة أن يأخذ المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة هذه الأخطاء في الاعتبار وأن يستجيب للمساهمات التي يقدّمها المجتمع المدني السوري.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.