جرائم "لا شرف": السعي إلى تحقيق العدالة لضحايا العنف الجنسي والعنف القائم على النوع
لقد تم توزيع رسوم توضيحية لرشا بسيس، التي قتلها شقيقها في أواخر الشهر الماضي، على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.
في أواخر آب/أغسطس، ظهر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تتهم فيه امرأة من عفرين زعيم ميليشيا محلية بالاغتصاب. حيث تعرّف المرأة، إسراء يوسف خليل، بهويتها علناً وتروي بالتفصيل تعرّضها للعديد من الاعتداءات، مضيفة أن نساء أخريات عانين من جرائم مماثلة على يد المتهم، محمد جاسم، وغيره من المقاتلين في لواء السلطان سليمان شاه. ولقد تم الإبلاغ عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي ارتكبها لواء سليمان شاه والمنظمة الأم، السلطان مراد، على نطاق واسع (بما في ذلك مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان OHCHR ومنظمة العفو الدولية)، غير أن شهادة إسراء، التي حصلت على عشرات الآلاف من المشاهدات، ليست مجرّد جريمة أخرى فحسب، وإنما حالة نادرة في ثقافة يُعتبر فيها العنف الجنسي أحد المحظورات، حيث يُتوقع من الضحايا التزام الصمت حيال الإساءات التي تعرضوا لها ونادراً ما يُحاسَب مرتكبوها. وفي الواقع، أدى مقطع فيديو إسراء إلى مقاومة من قبل المتهم والعديد من أنصاره، ثم نقضت إسراء قصتها في وقت لاحق، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كانت قد تعرّضت لضغط للقيام بذلك.
وهناك عواقب وخيمة تترتّب على هذا الأمر المحظور، مما يجعل من الصعب الوصول إلى الناجين والناجيات لأغراض التوثيق وتقديم الرعاية الطبية والدعم النفسي الاجتماعي. وعلاوة على ذلك، غالباً ما يتسبّب العار المرتبط بالعنف الجنسي بضرر إضافي للناجي، ولاسيما النساء، اللواتي قد يواجهن العزلة الاجتماعية وزيادة خطر الانتحار، بل وحتى جرائم الشرف على يدي أفراد من الأسرة. ففي أواخر الشهر الماضي، بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تتداول مقطع فيديو يتضمن مشاهد عنف، يظهر فيه شاب يصوّر نفسه وهو يقتل شقيقته رشا بسيس أمام الكاميرا فيما يسمى بجريمة شرف. ويُزعَم أن بسيس كانت على علاقة مع جندي تركي، وكان بالإمكان سماع صوت في الفيديو يقول “اغسل عارك”. وأثار الفيديو غضباً واسع النطاق، حيث قام معلّقون وناشطون بتغيير اسم الحادث وأطلقوا عليه “جريمة لا شرف” وناقشوا الحاجة إلى القيام بإصلاحات قانونية لحماية نساء مثل بسيس.
وفي عام 2015، نشر المركز السوري للعدالة والمساءلة دراسة حول التوجّهات المجتمعية إزاء العنف الجنسي والعنف القائم على الجندر. وكان أحد الاستنتاجات المفاجئة إلى حدٍ ما في الاستطلاع أنه في حين ذكر معظم الأفراد الذين تمت مقابلتهم أنهم يتعاطفون مع الناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على الجندر ويرغبون في رؤيتهن يتلقين الدعم داخل المجتمع، فإن نفس المستطلَعين ذكروا بشكل عام أن مجتمعاتهم لن تتقبل هؤلاء الناجيات. وفي حين أن هذا الرأي الأخير غير مشجّع، فإن ردود الأفراد المستطلَعين تشير إلى وجود احتمال لتحوّل ثقافي حول كيفية مناقشة هذه الجرائم. ويُعدّ تغيير هذه المعايير أمراً حيوياً لتحقيق العدالة وتعافي الناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على الجندر، لأن العدالة لن تكون ممكنة أبداً إذا كانت الناجيات يخشين من الإبلاغ ويخشين من السعي للحصول على الدعم المناسب.
وبالتالي، فإن النقاشات العامة، كتلك التي حفّزها اختيار إسراء مشاركة قصتها والتي تجري في أعقاب وفاة بسيس، ستكون خطوة ضرورية لتغيير التوجهات إزاء العنف الجنسي والعنف القائم على الجندر، ويمكن أن تخلق زخماً تجاه المساءلة عن هذه الجرائم. وقد أعلنت الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) عزمها السعي لتحقيق المساءلة عن العنف الجنسي والعنف القائم على الجندر، ولاحظت أنه على الرغم من المحظورات، ترغب العديد من الناجيات في السعي لالتماس العدالة. وفي حين يجب ألا يتم الضغط على الناجيات كل على حِدة لمشاركة قصصهن بشكل علني، يجب أن تتم الإشادة بهنّ وتقديم الدعم لهن عندما يفعلن ذلك. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تقوم منظمات التوثيق ودعم الناجين برفع العبء عن الناجيات للتشارك بقصصهن بالتحدث صراحة وبشكل متكرر عن دور العنف الجنسي والعنف القائم على الجندر في النزاع، وتعزيز العدالة للناجين والناجيات، وجعل أنواع الخدمات الطبية والنفسية الاجتماعية التي قد يحتاجها الناجون والناجيات أمراً طبيعياً. والأهم من ذلك، يجب على تلك المنظمات أن تدعم الناجين والناجيات من خلال إعطاء الأولوية لهم في برامج إعادة توطين اللاجئين، وتطبيق تدابير وقائية أفضل في مخيمات اللاجئين، والدعوة إلى إجراء إصلاحات قانونية داخل سوريا والمنطقة تسمح للنساء بتسجيل المواليد خارج إطار الزواج، وتيسّر لهن الحصول على الطلاق. وتؤكد زيادة عدد النساء السوريات اللواتي يخترن الطلاق في أوروبا هذه الحاجة، وإن ما يرافق ذلك من حالات العنف ضد النساء اللواتي يطلبن الطلاق يُبرهن على ضرورة استهداف الدعم والحماية. وأخيراً، ينبغي أن يكون للناجين والناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على الجندر دور في تصميم عمليات العدالة في المستقبل، لضمان التعاطي مع الجرائم التي تعرّضوا لها على نحو ملائم. ويجب أن يشعر الناجون والناجيات بأنهم قادرون على التحدث بصراحة ويجب أن يكون المجتمع على استعداد لفضح الجناة ومقاضاتهم لقاء الجرائم التي ارتكبوها.
وقد بذل المركز السوري للعدالة والمساءلة، ولجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في سوريا، وغيرها من المنظمات جهوداً متضافرة لجمع المعلومات حول العنف الجنسي والعنف القائم على الجندر وفهم دوره في النزاع السوري. وعلى الرغم من التوثيق المستمر، إلا أن الحقيقة هي أن هذه الجهود لا تغطي سوى نسبة صغيرة من الانتهاكات التي يتم ارتكابها داخل البلد، وبدون وجود قبول للناجين والناجيات الذين يتكلمون بصراحة وتأمين الحماية لهم، سيبقى هناك حاجز كبير أمام جمع المعلومات واستيعاب النطاق الكامل لهذه الانتهاكات.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.