ماذا تعني تصفية جمال خاشقجي لسوريا
وزير الخارجية بومبيو يلتقي ملك السعودية لبحث قضية خاشقجي. مصدر: ويكيبيديا
مضت ثلاثة أسابيع على تصفية جمال خاشقجي، الكاتب السعودي والمنتقد البارز للحكومة السعودية وولي العهد محمد بن سلمان على وجه الخصوص. أثارت الحادثة نقاشات في وسائل الإعلام العربية التي عقدت مقارنة بين وحشية مختلف الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. على سبيل المثال، نشر صحفيون لبنانيون داعمون للأسد مقارنة بين الحكومتين السورية والسعودية، ودافعوا عن الحكومة السورية بأنها لم تَبلغ قطّ حدّ قتل معارض في سفارة على أرض أجنبية. ومع ذلك، إذا فشل المجتمع الدولي بالرد على جريمة تصفية خاشقجي، فإنه يرسل إلى الحكومات في كل مكان رسالة تفيد بأنه يمكنها أن تستهدف معارضيها في الخارج وتفلت من العقاب، الأمر الذي من شأنه تمكين بشار الأسد من ملاحقة السوريين في الخارج. وبشكل أعم، فإن عدم الاستجابة من شأنه نزع الشرعية عن جهود حقوق الإنسان في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لأنه يرسل رسالة مفادها بأن الدول مستعدة للتضحية بحقوق الإنسان باسم المصالح الاقتصادية والسياسية.
وتؤكد الحكومة السعودية أن قتل خاشقجي حصل دون قصد أثناء احتجازه في قنصليتها. وجاء رد الولايات المتحدة على الحادث متبايناً. حيث هدّدت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بفرض عقوبات، ودعا البعض إلى استقالة محمد بن سلمان. ومع ذلك، دافع الرئيس ترامب عن الحكومة السعودية، وأصرّ على أن “قتلة مارقون” هم المسؤولون عن الحادثة، ثم عاد وأشار إلى تقارير الاستخبارات الأميركية التي يصدقها حول مسؤولية الحكومة السعودية عن تصفية خاشقجي.
وقد استجاب المجتمع الدولي بقوة لمقتل خاشقجي، وإن التغطية المستمرة للحادثة تجعل من غير المحتمل أن تتمكن الحكومة السعودية من تجاوز الحادثة بسرعة. ولكن من غير الواضح ما إذا كان هناك تداعيات ملموسة ستتبع ذلك. وقد أوضح الرئيس ترامب بالفعل أنه لا ينوي وقف صفقات الأسلحة مع الحكومة السعودية. وعلى غرار ذلك، ذكرت كندا بأنها تخطط للمضي قدماً في عقد مع المملكة العربية السعودية بخصوص المركبات المدرّعة. وفي غضون ذلك، قام الاتحاد الأوروبي والمقررون الخاصون التابعون للأمم المتحدة بالدعوة إلى إجراء تحقيق دولي مستقل، وطالبت دول أخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا بنفس الشيء، ولكنها لم تقدم أي مؤشر على وجود تداعيات محتملة إذا فشل السعوديون في التعاون. وقد استجاب مجتمع الأعمال الدولي بحزم، حيث سحب العديد من كبار المدراء التنفيذيين والشركات رفيعة المستوى مشاركتهم من مؤتمر الاستثمار القادم بعنوان “دافوس الصحراء”. غير أن العديد من المشاركين الرئيسيين في الوقت الحالي يؤكدون بأنهم ينوون المشاركة.
وفي غياب عواقب ملموسة ضد الأفراد الذين أمروا ونسّقوا الجريمة ونفّذوها (أو ضد الحكومة السعودية إذا عرقلت إجراء تحقيق فِعلي)، فإن تصفية خاشقجي توصل للعالم رسالة مفادها بأن أي دولة تستطيع اضطهاد معارضيها، سواء داخل أراضيها أو خارجها، دون أي عواقب. وتوضّح حادثة خاشقجي أيضاً حدوث تراجع في المنطقة، لاسيما فيما يتعلق بالحراك وحرية الصحافة. ففي مصر، استهدفت موجة من الاعتقالات في أيار/مايو ناشطين سلميين، حيث استندت تلك الاعتقالات إلى حد كبير على مشاركات على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي. وفي العراق، قُتِل ناشطان في مجال حقوق الإنسان في شهري تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر بعد المساعدة في تنظيم مظاهرات في البصرة بسبب الافتقار إلى الخدمات العامة في المحافظة. ولا يقتصر استهداف النشطاء على الشرق الأوسط؛ حيث يوجد لدى كل من روسيا وكوريا الشمالية تاريخ من الاضطهاد لمنشقين موجودين خارج حدودهما الإقليمية.
وإن سوريا ليست استثناء كذلك. ففي شباط/فبراير 2011، رتب مسؤولون أمنيون لبنانيون يعملون في السفارة السورية في بيروت اختطاف أربعة أشقاء بعد أن قاموا بتوزيع منشورات تعلن عن احتجاجات أمام السفارة السورية في بيروت. وعلى غرار ذلك، في أيار/مايو 2011، اختطف مسؤولو الاستخبارات السورية في لبنان شبلي العيسمي، أحد مؤسسي حزب البعث السوري والذي كان يبلغ من العمر 89 عاماً وقت اختطافه. وتم نقل جميع الأفراد إلى دمشق. وليس ضرباً من الخيال أن حادثة خاشقجي يمكن أن تشجّع حكومة الأسد على مواصلة استهداف المواطنين في الخارج.
إذا مرّ المجتمع الدولي مُرور الكِرام على تصفية خاشقجي واستمر في التعاطي مع بن سلمان كما لو أن شيئاً لم يحدث، فإنه سيفقد الشرعية عندما يدين الحكومة السورية وإيران وغيرها لإساءة معاملة الصحفيين والنشطاء. وعلى نطاق أوسع، فإن حادثة خاشقجي تسلّط الضوء على الحاجة إلى أن تتخذ الولايات المتحدة والدول الأخرى مقاربة إقليمية لقضايا حقوق الإنسان في الشرق الأوسط. حيث يتعرّض التقدم الجماعي لحقوق الإنسان والديمقراطية للخطر عندما تتخذ الولايات المتحدة والدول الأخرى مقاربة انتقائية تجاه انتهاكات حقوق الإنسان. على سبيل المثال، لم يفلح المجتمع الدولي في الرّد عندما احتجز محمد بن سلمان بشكل تعسفي أفراد من أسرته، واحتجز أيضاً رئيس الوزراء اللبناني، وعندما نسق مع قطر خطف الناشط السعودي محمد العتيبي وتسليمه للمملكة العربية السعودية، على الرغم من حصوله على حق اللجوء في النرويج، وعندما فرض عقوبة على كندا لانتقادها اعتقال نشطاء، بما في ذلك سمر بدوي؛ لو أن الدول قد استجابت بقوة في ذلك الحين، لما كان من المحتمل أن تتحلّى الحكومة السعودية بالشجاعة الكفاية لتنفيذ قتل منشق على أرض أجنبية.
وإن هذا المعيار المزدوج له تبعات واسعة النطاق على الصراع السوري. ففي حين تحاول دول مثل الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي معالجة الأزمة الإنسانية في سوريا، فإن الحكومة السورية قادرة على تبرير الأوضاع من خلال تسليط الضوء على فشل المجتمع الدولي في انتقاد سجلات حقوق الإنسان الخاصة بدول أخرى في الشرق الأوسط. وإن تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها حلفاء باسم المصالح الاقتصادية ينفي شرعية جهود حقوق الإنسان في أماكن أخرى ويسيّس جهود العدالة والمحاسبة على نطاق أوسع.
ويضمّ المركز السوري للعدالة والمساءلة صوته إلى صوت مجموعات حقوق الإنسان الأخرى في الدعوة إلى كشف الحقيقة بشأن تصفية خاشقجي ويطالب بمحاسبة المسؤولين عن ذلك.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.