ما الذي أخفق ترامب بقوله في هلسنكي
الرئيسين بوتين وترامب في قمة هلسنكي. الصورة من ويكيميديا
التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الاثنين في هلسنكي في أول اجتماع رسمي بين الزعيمين. وفي هذه القمّة، صرّح الرئيس بوتين أن في “إرساء السلام والمصالحة” في سوريا مصلحة مشتركة للولايات المتحدة وروسيا وأن هذه المهام “يمكن أن تكون أول مثال يحتذى به للعمل المشترك الناجح”. وردّاً على ذلك، لم يذكر الرئيس ترامب أن هذا العمل يجب أن يشمل خطة لعملية انتقالية، مما يجسّد الاتّجاه المتنامي في سياسة الولايات المتحدة للتنازل عن النفوذ في سوريا وقبول الرواية الروسية-السورية بأن النزاع في مراحله النهائية وفي طريقه إلى الوضع القائم ما قبل النزاع. وبقيامه بذلك، قوّض الرئيس ترامب الجهود السابقة التي بذلتها الولايات المتحدة لتأييد ودعم بيان جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وإذا ما تُرِكَت الحكومة السورية دون رادع، فسوف تستمر في ارتكاب فظائع واسعة النطاق في الوقت الذي تنفّذ فيه حلولاً شكلية لمشاكل معقدة منهجية، مما يعوق الطريق أمام سلام طويل الأمد، ويعرقل إمكانية تحقيق العدالة، ويهدّد المجتمع المدني الآخذ في الازدهار والذي ترسّخت جذوره في سوريا منذ عام 2011.
ففي الوقت الذي يركّز فيه الإعلام حالياً على قمة هلسنكي، اتّخذت الحكومة السورية عدداً من الخطوات المهمة في الأشهر الأخيرة حول عودة اللاجئين وإعادة الإعمار والأشخاص المفقودين بِطُرُق لها تأثير مقلق. حيث بدأت الحكومة السورية في تسهيل عودة اللاجئين في حزيران/يونيو. وعلى الرغم من أن العديد من الخبراء والمنظمات، بما في ذلك المركز السوري للعدالة والمساءلة، حذّروا من التسرّع في العودة، إلا أنّ لبنان سارع إلى تسجيل 3 آلاف لاجئ يُزعَم أنهم تطوّعوا لتتم إعادتهم إلى سوريا. ولكن الحكومة السورية وافقت فقط على بضع مئات من هؤلاء المسجلين، واستبعدت الرجال إلى حد كبير من قائمة أولئك الذين تمت الموافقة عليهم، على الأرجح بناءً على مزاعم من مخاوف أمنية. وعلى الرغم من الدعوة العامة لعودة اللاجئين التي أطلقت في 3 تموز/يوليو، إلا أن الحكومة السورية تبرهن، بهذه الوتيرة، على أنها لن تكون راغبة في قبول عودة الغالبية العظمى من الخمسة ملايين سوري الذين فرّوا من البلاد. وبالنسبة لأولئك الذين يعودون فعلاً، فقد أقرّت الحكومة السورية القانون رقم 10 في 2 نيسان/أبريل لإعادة تنظيم المناطق التي دمّرتها المعارك، ويشترط أنه بعد أن تعلن الحكومة عن منطقة إعادة إعمار، يجب أن يُثبت أولئك الذين لديهم دعاوى ملكية حقهم في الملكية من خلال تقديم الوثائق. ويبدو أن القانون قد صُمّم لعرقلة الجهود المستقبلية للعودة واسترداد الملكية بالنظر إلى أن نسبة كبيرة من السكان نازحون، وأنهم غير قادرين على العودة إلى سوريا، وليس لديهم الوثائق اللازمة لدعاوى الملكية الخاصة بهم، وغير قادرين على إرسال الملفات عبر وكيل قانوني بسبب القيود التي تفرضها الحكومة على الوكالات القانونية.
وتسعى الحكومة السورية إلى إيجاد حلول سريعة تُخفق في معالجة القضايا المعقدة بشكلٍ كافٍ في مجالات أخرى أيضاً، بما في ذلك فيما يتعلق بالمعتقلين والتعذيب. حيث قامت الحكومة بتحديث سجلّات السجل المدني لمئات المعتقلين السوريين في مطلع شهر تموز/يوليو، وأدرجت أسماءهم على أنها ماتوا نتيجة سكتة قلبية، أو مرض معدٍ، أو “أسباب طبيعية”. وتشير هذه الأنماط إلى أن الحكومة السورية ليس لديها نية في توفير إنصاف حقيقي لأسر الضحايا، وعوضاً عن ذلك، تحاول منع أي محاولة لتحقيق عدالة مجدية من خلال ممارسة سيطرة أحادية على الوضع.
ويأتي في مقدّمة هذه التطورات قمة ترامب-بوتين. وعلى الرغم من أنه من غير المعروف ما تم مناقشته داخل الاجتماع نفسه، فقد قدم المؤتمر الصحفي دلالة على تجاهل الزعيمين لنظرة مفصّلة للسياق السوري. وفي معرض حديثه بصفة عامة عن الحاجة إلى “مساعدة الشعب السوري على العودة إلى شكل من أشكال المأوى وعلى أساس إنساني”، لم يُفلِح الرئيس ترامب في الاعتراف بعدم ملاءمة السياسة الحالية وتعقيد الوضع على الأرض. وأشارت الضربات العسكرية المباشرة غير المسبوقة للرئيس ترامب على منشآت عسكرية سورية في أعقاب استخدام أسلحة كيميائية في مناسبتين، في نيسان/أبريل 2017 ونيسان/أبريل 2018، إلى أن الولايات المتحدة قد تتّخذ موقفاً حازماً من الفظائع الوحشية التي تُرتَكب في سوريا. ولكن يبدو أنها كانت استجابة انتقائية فقط وأن جرائم الحرب الأخرى أو الجرائم ضد الإنسانية لن يكون لها عواقب ولن تتبعها دعوات جادة للعدالة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تخلّت الولايات المتحدة عن دورها كضامن لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في تموز/يوليو 2017 والذي ساعدت في التفاوض عليه في وقت سابق. وبدلاً من تفعيل تحذيرها باتّخاذ “إجراءات حازمة ومناسبة” ردّاً على أي تصعيد للقوة، وقفت الولايات المتحدة موقف المتفرّج في الوقت الذي قامت فيه الحكومة السورية وحلفاؤها بالاستيلاء على ما تبقّى من معاقل الثّوار في درعا، مما أدّى إلى تشريد أكثر من 330 ألف مدني. وندّدت الولايات المتحدة بالهجمات غير أنها لم تقم بأي محاولة للرّد. كما هدّد الرئيس ترامب بسحب القوات من سوريا قبل اجتماعه مع بوتين، مشيراً إلى أنه مستعد للتخلي عن السيطرة لصالح لحكومة السورية دون شروط. وإن الولايات المتحدة لا تنحسر عسكرياً فحسب؛ ففي أواخر شهر آذار/مارس، جمّدت الولايات المتحدة مبلغ 200 مليون دولار من صناديق دعم الاستقرار الموجهة نحو إزالة الحطام وإزالة الألغام ومشاريع البنية التحتية في سوريا. وعلى الرغم من الالتزامات السابقة بجهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة وعملية العدالة الانتقالية ككل، يبدو أن الولايات المتحدة مصمّمة الآن على الخروج بسرعة من سوريا دون أي اعتبار للوضع الذي تخلّفه.
ومن شأن عزم الرئيس ترامب التخلي عن سياسة الولايات المتحدة السابقة على الأرجح أن يمكّن الأسد من مواصلة تنفيذ حلول شكلية تُخفِق في تلبية الاحتياجات المعقّدة للسوريين. ويتم إضعاف جهود مجلس الأمن الدولي (لاسيما القرار 2254) في غياب التزام دولي بنتيجة الصراع السوري. فبدلاً من التخلي عن كل نقاط الضغط لصالح روسيا، الدولة التي قامت مراراً وتكراراً بتعطيل جهود العدالة، ووجدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية (COI) أنها متواطئة في جرائم الحرب، كان ينبغي على الرئيس ترامب أن يعمل عن كثب مع الحلفاء لصياغة رؤية طويلة المدى للتعامل مع التحديات الهائلة التي يفرضها الصراع السوري. وفي ظلّ غياب القيادة الأمريكية، حان الوقت لتقوم الدول الأوروبية بملء فراغ النفوذ لمنع المصالح الروسية في سوريا من أن تبقى دون رادع.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك وتويتر.