تقرير جديد للجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا يركّز على المعتقلين
التقرير الأخير للجنة التحقيق الدولية
في 9 آذار/مارس، أصدرت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا (اللجنة) تقريراً جديداً بعنوان “الاعتقال في الجمهورية العربية السورية: الطريق إلى الأمام“. يقدم التقرير لمحة عامة عن أزمة المعتقلين في سوريا: عشرات الآلاف من السوريين المحتجزين مع عدم مراعاة الإجراءات القانونية، عائلات لا تعرف شيئاً عن أماكن تواجد أحبائها، وسجون ينتشر فيها العنف الجنسي والقتل خارج نطاق القضاء. وبالإضافة إلى اتهام عدة أطراف في النزاع بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، يقدّم التقرير توصيات حول كيفية معالجة معاناة المعتقلين وعائلاتهم من خلال عملية التفاوض التي تقودها الأمم المتحدة. وفي الواقع، لطالما طالب المجتمع المدني السوري بأن تكون قضية المعتقلين قضية مركزية في المفاوضات، ويؤيد التقرير فكرة أن المقترحات المحددة بشأن قضية المعتقلين لا يمكنها فقط تلبية الاحتياجات الفورية للضحايا، بل وأيضاً تعزز المفاوضات نفسها.
وفي التقرير، تقول اللجنة: “حيث أن التقدم في التفاوض حول اتفاق سياسي يعتمد على وقف إطلاق النار أو الحد من العنف، وعلى الوصول العاجل إلى المساعدات الإنسانية، فمن الواضح تماماً أنه لا يمكن إحراز أي تقدم في التوصل إلى تسوية سياسية دون معالجة قضية المعتقلين، وبصورة أوسع، المفقودين أو المختفين”. ولا تحاجج اللجنة فقط بأنه يجب أن يكون هناك حل للمعتقلين وعائلاتهم، ولكن إطلاق سراح المعتقلين يمكن أن يدفع المفاوضات إلى الأمام من خلال أن يصبح ذلك تدبيراً جديداً لبناء الثقة. ومن الناحية التاريخية، ركّزت عملية الأمم المتحدة على وقف إطلاق النار المحلي باعتباره نقطة انطلاق للمفاوضات. وفي حين أن وقف إطلاق النار جزء لا يتجزأ من كل من الإغاثة الإنسانية قصيرة الأجل والحل السياسي المستقبلي، فقد أثبتت الاستراتيجية فشلها إلى حدٍ كبيرٍ في بناء الثقة بسبب استمرار انتهاكات وقف إطلاق النار من جانب أطراف النزاع – حتى قوافل المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة عانت مراراً وتكراراً للوصول إلى المناطق المحاصرة خلال وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية. لقد حان الوقت لاستكشاف مقاربات مختلفة للمفاوضات، وتُعتبر الاقتراحات الواردة في تقرير اللجنة بشأن المعتقلين نقطة انطلاق جيدة.
ويضع هذا التقرير خطة مفصلة لكيفية إحراز تقدّم في قضية المعتقلين، بما في ذلك الإفراج من جانب واحد عن المعتقلين الأكثر ضعفاً، والوصول غير المشروط للمنظمات الإنسانية إلى جميع مرافق الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، وإنشاء جدول زمني مشترك للإفراج عن المعتقلين المحتجزين من كلا الجانبين. وقد تكون مثل هذه الخطوات فعالة جداً لبناء الثقة، لأنها تتطلب قدراً من الثقة المتبادلة أقل مما يتطلبه وقف إطلاق النار، حيث يفتح الطرفان نفسيهما لاحتمال أن يلحق بهما خسائر كبيرة في ساحة المعركة. كما أنها تسمح بعدد من الخيارات التي قد ترغب الأطراف في استيعابها، من الإفراج عن جميع المعتقلين إلى معلومات محدودة عن عدد قليل من المعتقلين، وعدد من التدابير التدريجية بين الخيارين. وفي حين ينبغي أيضاً مواصلة الجهود الرامية إلى ضمان وقف إطلاق النار، فإن عمليات إطلاق سراح المعتقلين ستعمل على تنويع تدابير بناء الثقة التي يستخدمها المفاوضون وبناء الثقة اللازمة لدعم هذه الاتفاقات. ولقد صرّح قادة المعارضة السورية بأن إفراج الحكومة عن المعتقلين “سيغيّر الوضع الراهن” للمفاوضات لأنه سيشير إلى أن الحكومة جادة في إيجاد حل للصراع وإعادة تنشيط عملية لم تُحرز تقدّماً يُذكر.
وفي الأشهر القليلة الماضية، كان هناك بعض الاهتمام المتزايد بموضوع المعتقلين في عملية الأمم المتحدة. وكان المبعوث الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا قد أقرّ في السابق بأن السوريين طلبوا تركيزاً أكبر على قضية المعتقلين، وفي آخر إحاطة قدمها للأمم المتحدة عرض تحديثين حول جهود الأمم المتحدة الأخيرة لمعالجة هذه القضية. أولاً، عرَض تحديثاً حول الاجتماع الأول للفريق العامل المعني بالمحتجزين والمفقودين، الذي اقتُرح أثناء محادثات أستانا. ولطالما دعا المركز السوري للعدالة والمساءلة وغيره من منظمات المجتمع المدني لمثل هذه الآلية لمعالجة قضية المعتقلين، وهذه خطوة مشجعة. ولكن هناك مخاوف بما أن المحادثات في أستانا تتمحور حول الجماعات المسلحة ووقف إطلاق النار، فإن السماح بتناول قضية المعتقلين في أستانا يمكن أن يؤدي إلى التركيز على المقاتلين السابقين بدلاً من “أي معتقلين بشكل تعسفي، لاسيما النساء والأطفال”، كما جاء في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. ثانياً، ذكر دي ميستورا أن الأمم المتحدة مستعدة أيضاً لتعيين سكرتير دائم في جنيف من أجل دفع القضية إلى الأمام. ويمكن لهذا الشخص أن يساعد في ضمان عدم تحويل قضية المعتقلين بشكل كامل من جنيف إلى أستانا.
إن تقرير لجنة التحقيق حول المعتقلين ليس مجرد نظرة شاملة على واحدة من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحاً التي تواجه سوريا اليوم، ولكنه يقدم توصيات مهمة حول كيف يمكن أن تبدأ الأمم المتحدة بتحويل تركيزها واستراتيجياتها من أجل تلبية الاحتياجات الفورية للشعب السوري بشكل أفضل. وينبغي أن تكون هذه المحاولات للتركيز على قضية المعتقلين هي الأساس لجهد أكبر للتأكيد على المخاوف الإنسانية وحقوق الإنسان من خلال عملية التفاوض. ومن خلال هذا التحول في التركيز، يمكن للأمم المتحدة ضمان أن تكون عملية التفاوض منطلقة من مطالب الشعب السوري.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].